أقلام حرة

نهاد الحديثي: رحل عام.. ونستقبل عام جديد

العبرة في حياتنا: العقل والحب والآثر الطيب الجميل

جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد عش ماشئت فإنك ميت واعمل ماشئت فإنك مجزى به وأحبب من شئت فإنك مفارقه وأعلم أن شرف المؤمن صلاته بالليل وعزه استغناؤه عن الناس (رواه الطبرانى).مغادرة الدنيا هي أخطر حدث ينتظرنا في المستقبل ولكن لاندرك معناها متى وكيف والى اين؟ الانسان يسافر ويرجع، يذهب في نزهة ويعود للبيت، أما اذا مات فلا عودة، فهنيئا لمن يحرص على ان يظلم احدا،، ولا يكره ولا يحقد ولا ينافق، ولا يجرح احدا ولا يرى نفسه مغرورا فوق الجميع، كلنا راحلون عن ظهر الدنيا.

إن الفراق من أصعب الأحاسيس وأكثرها قسوة وإدماء للقلب والوجدان، ففي رحلتنا القصيرة في هذه الدنيا، تضعنا الأقدار في طريق أشخاص يرافقوننا في مسار الحياة ويتركون بصمتهم الخاصة في العقول والأذهان، فلا يسع الفؤاد إلا أن يحبهم ويتعلق بهم أيما تعلق، فيرتبط وجودنا بشكل أو بآخر بوجودهم، وتطمئن جوارحنا لمجرد رؤيتهم، يملؤون حياتنا أملاً وحباً وانشراحا،، وفجأةً في إحدى اللحظات الخاطفةِ نستسلم لقطار الحياةِ السريعِ فتأخذنا مشاغلنا بعيدا عنهم، وتجبرنا أنانيتنا وما وضعناهُ لأنفسنا من أولوياتٍ على أن نخطّ لحياتنا مساراً مغايراً، فلا نكاد ندركُ شيئا حتى نجد أنفسنا قد انجرفنا في مادية الحياة وشهواتها وقد أنسانا الزمن أحبابنا وأصدقاءنا. فتخطفنا الحياة فجأة لتخبرنا بأن الله أخذ أمانته وانتقلت الروح إلى بارئها، ويجعلنا الموت في صراع رهيب مع ذواتنا ودواخلنا،، فلا ندري أنحزن لموت الحبيب وفراقه أم لضعفنا وعجز قوتنا، ولا نعلم أنندم لسنوات أضعناها بعيدا عنهم ومشاغل حرمتنا أنسهم ومجلسهم، أم نبكي لفراقهم وانقطاع لقياهم. إن الموت فرصة مناسبة لطرح الأسئلة، أسئلة حول وجودنا والهدف منه وبخصوص ما قدمنا في دنيانا لآخرتنا. الخوف من الموت غريزة حية لا معابة فيها، وإنما العيب أن يتغلب هذا الخوف علينا ولا نتغلب عليهِ

علينا ان ندرك أن العبرة في الحياة ليست بما تشاهده العين من وجوه، ولكن ما يستقر في النفسِ من أثرٍ، قيمتنا فيما ننتجه، وفي البصمة التي نتركها بعد وفاتنا، فكم من الناس ألهموا العالم وغيروا مجرى البشرية بوجودهم، وكم من نفس عاشت وماتت دون أن تترك أي تغييرٍ يذكر! فاختر أنتَ من تكون.

نعم ! فراق الأحباب مؤلم، لكن نحتمله ونتحلى بالصبر حين نعلم أنه سيُتبَع بعد أشهر أو سنوات بلقاءٍ. الأكثر إيلاماً ووجعاً هو الفراق الأخيرُ، عندما نشعر بالفراغ بدواخلنا بعد النظرة الأخيرة، وبالألم المزمن بعد الوداعِ، فكلما تعودت النفوسُ على أشخاصٍ وكلما تخالطت الأفراح والأحزان يكون الفراق صعباً وقاتلاً، ولكن عندما نفكر قليلا نجد أن هذه سنة الحياة وقانونا أزلياً في الكون، مهما هربنا وتهربنا من الواقع فإننا ندرك أننا سنفقد آباءنا وإخواننا وأحبابنا في يومٍ من الأيام، لنستيقظ أمام الواقع المرير الذي تفرضه الحياة علينا

بكل جوارحنا واحاسيسنا – نستقبل عام بأبتسامة، نتمنى ان يكون العام الجديد 2024 عاما سعيدا لنا ولشعبنا ووطننا وان يمنح الله الحكمة لاصحاب السلطة والمال، اللهم عاما يغاث فيه الناس من احزانهم وامراضهم وعثراتهم واوجاع قلوبهم، اللهم عاما لا يزوره احزان مليئا بالخير والافراح، اللهم ارحم موتانا واشفي مرضانا ولا تفجعنا في احبابنا –ونسأل الله ان يختم عامنا الراحل بدعاء مستجاب ومغفرة للمؤمنين الصالحين بلا عذاب، وان يفتح لنا ابواب الرزق الحلال.. رددوا معي اللهم امين.

***

نهاد الحديثي

 

في المثقف اليوم