أقلام حرة

شعبان عبد الله: الصوم من منظور فلسفي

سويعات قليلة تفصل بيننا وبين أجمل أيام، أنها أيام شهر رمضان، الذي يقبل علينا ويحمل معه كل ما هو جميل على كافة الأصعدة المختلفة

ومع قدوم هذا الشهر نجد العديد من المفارقات، ولا اكون مبالغا عندما أقول  أنها متناقضات. لذا أردت في هذه السطور القليلة والكلمات البسيطة أن أسلط الضوء على رمضان كما ينبغي أن يكون.

فعندما فرض الحق سبحانه وتعالى علينا هذه الفريضة لم يكن الهدف من وراء ذلك الجوع  والعطش وانما تهذيب النفس وإصلاحها، بتعليمها وتعويدها على ترك مغريات الدنيا المادية طواعية، لأته لا رقيب عليك في  صيامك الا ربك وذاتك. فما أسهل أن تأكل وتشرب وتدعي أمام الآخرين أنك صائم، وما أسهل أن تفعل ما تشاء في الخفاء  وتبدي عكس ذلك.

لذلك فالغاية الأولى من الصوم هي إصلاح النفس، التي تعد مصدر كل الشرور والآثام. لذا كان من البديهي أن تكون النفس محور اهتمام العديد من  الفلاسفة منذ البدايات الأولى للسؤال الفلسفي وحتى اللحظات الراهنة. ولنا أن نتساءل ماذا لو اصلح كل منا نفسه؟.

اعتقد أن معظم الآثام والشرور التي نراها ستختفي لا محالة. فلن نجد الحاقد، الحاسد، النمام، التاجر الجشع، الحاكم الفاسد، الأخ الظالم، الأخت القاطعة للرحم، والإبن العاق...الخ. أن النتيجة المنطقية لذلك تتمثل في زوال كل الأمراض النفسية والاجتماعية التي نعاني منها في مجتمعاتنا، تلك التي يمكن ردها الي تلك المغالطات الفكرية التي نعيشها ونعاني منها.

الغاية الثانية من وراء الصوم هي تنمية الاحساس بالآخر، وخاصة ذلك الآخر الذي يعاني من ضغوط الحياة على كافة المستويات المختلفة. فلو تحقق الصوم كما ينبغي أن يكون لتجسدت أمام أعيننا العديد والعديد من الشعارات التي ملأت الارض، وعجت بها كتابات المفكرين، وتغنى بها الشعراء مثل العدالة الاجتماعية، المساواة، التكافل الاجتماعي، وحقوق الإنسان...الخ. فبالامس البعيد كان هذا الشهر الفضيل بمثابة مائدة كبرى يلتقي عليها سكان المجتمع الواحد، حيث تذوب الفوارق الطبقية والعرقية، بل ولا أكون مبالغا عندما أقول والفوارق الدينية أيضاً. لذا فرمضان هنا هو شهر اعادة بناء القيم على كافة المستويات المختلفة.

أما الغاية الثالثة للصوم فتتمثل في بلوغ السمو الروحي. حيث يتجرد الإنسان من ذاته المادية ويبحث عن ذات روحية تحلق في السماء وهي مازالت تسكن الأرض. ذات تبحث عن تنمية وتقوية أواصر علاقتها ببارئها من ناحية، وتتعامل الذوات مع بعضها البعض كما تتعامل الملائكة لا كما تتآمر الشياطين من الناحية الأخرى.

وفي الواقع إذا ما أردت أن أعدد الغايات من وراء الصوم فلن استطيع بلوغ الا النذر القليل منها. ولكن ما أنشده هنا هو الوقوف على ماهية الطريقة التي يجب أن نتعامل بها مع هذه الفريضة. ومن ثم يمكنني القول بأننا بحاجة إلي أن نتعامل مع فريضة الصوم بعقلية فلسفية، بحيث نبدأ هذه الرحلة الروحية بلحظة صمت تترتب عليه أيديولوجية دينية وروحية سامية تجعلنا نمتلك القدرة على أن نحلق في آفاق اليوتوبيا. لذا فالصوم يبدأ من الصمت وينتهي في اليوتوبيا.فهل لدينا القدرة على أن نصوم لا بالمفهوم الكائن بالفعل  عن الصوم وانما بما ينبغي أن يكون عليه الصوم؟.

***

ا. د. شعبان عبد الله محمد

أستاذ الفلسفة بآداب سوهاج

 

في المثقف اليوم