مقاربات فنية وحضارية

الرسم غذاء للروح .. لوحة مستوحاة

lutfi shafiksaedالطبيعة هي أهم مصدر من مصادر إلهام الشعراء والفنانين لما تحتويه من جمال خلاب ولأجل أن يعثر الأخرون على هذا الجمال عليهم اللجوء إلى الطبيعة وما تتميز به من مناظر أخاذة وما عليهم إلا أن يمعنوا النظر بما يحيط بهم من تلك المناظر، ولأجل التعرف على جمال الطبيعة ورونقها يمكنهم أن يدققوا بالصور (الفوتغرافية) التي التقطوها في مناسباتهم العديدة وخاصة تلك التي صورت في الخارج وفي الهواء الطلق وستظهر لهم أن كل ما تم نقله من الواقع ما هو إلا لوحات فنية زاهية الألوان وكل صورة تعكس لونا معينا وبدرجات متفاوتة بين التي هي في الظل أو التي تحت وهج النور، إن ما يجعلنا أن نهمل كل هذه المتعة هو مشاكل الحياة اليومية ومشاغلها التي تنسينا رونق هذا الوجود الرائع ونمر عليه مرور الكرام، ولا غرابة من أن حالة الاندماج مع الطبيعة تتجسد لدى الشعراء والفنانين لما يمتلكونه من مشاعر وأحاسيس تؤهلهم من اظهارها بشكل يختلف عن الواقع المعتاد لإن الشعر والرسم لا يختلفان في المضمون فالشعر هو رسم بالكلمات والرسم هو قصائد ملونة.

لقد أقترن فن الرسم مع بداية ظهور الإنسان على الكرة الأرضية وقد أظهرت التحريات والبحوث بأن الإنسان القديم الذي اتخذ الكهوف والمغارات مسكنا له قد مارس فن الرسم على جدران تلك الكهوف والمغارات وسمي هذا النوع من الفنون (فن المتعرجات) حيث كان إنسان ذلك الزمان يتخيل أشكال الحيوانات التي كانت سائدة في وقته كحيوان (البيزون) والأيائل والخيول وتتجسد أشكالها على تعرجات صخور الكهف والمغارة ومن خلال انعكاسات ضوء الشعلة التي كان يستخدمها حينذاك ولم تقتصر رسوماته على الخطوط فقط بل دأب على تلوينها بما يبتكره من مواد بديلة كدم الحيوانات التي يذبحها وألون أوراق الأشجار وبقايا الرماد والسخام وبعض اتربة الأحجار الملونة كما تظهره تلك الرسومات المدهشة الموجودة لحد الآن على جدران ومغارات في شمال فرنسا والتي مضى عليها آلاف السنين قبل الميلاد ومنذ عصر إنسان الكهوف.

148 jutfishafik

إنني وفي هذه المقدمة الموجزة أردت أن أبين مدى حب واهتمام الإنسان لفن الرسم وقد كان لي الجزء اليسير منه حيث لم تسنح لي الظروف بإن أوفي حقها واشباع رغبتي وهوايتي التي بدأت لدي منذ الصغر إلا أنني مع هذا فقد واكبت وتابعت كل ما يتعلق في هذا المجال وأطلعت على العديد من اللوحات العالمية وتعرفت على أهم الفنانين العالميين عن طريق لوحاتهم وأسلوبهم في الرسم لدرجة أصبحت لي القدرة على أن أميز لوحة كل فنان بحيث أدرك أن هذه اللوحة هي للفنان الفلاني بمجرد النظر اليها ومثال على ذلك إنني أتمكن أن أميز لوحات الفنان رامبرانت التي يعتمد فيها على الضوء والظل في جميع لوحاته كما أن الفنان رينوار فطريقة رسمه تتميز بالمكورات والمدورات وإن أغلب نساء لوحاته تبدو اجسادهن ووجهن مكتنزة ومكورة وما نشاهده في لوحات سيزان الذي يعتبر مفتاح الفن الحديث في عصره فقد اختزل ألوان الطبيعة واستعاض عنها بألوان براقة وحارة وللفنان ماتيس تجربة فريدة وهي استخدام قصاصات الأوراق الملونة ليحولها إلى أجمل لوحات ابهرت مشاهدي متاحف الفن الحديث في لندن ونيويورك وكذلك يمكننا التعرف على لوحات الفنان مودلياني التي يركز فيها على الأجسام الطويلة ودقة اجزائها وخاصة طول الرقبة وضمور الأكتاف أما لوحات الفنان كيلي فهي عبارة عن خطوط دقيقة متشابكة تقترب اشكالها للأسلاك المعدنية وقطع الحديد الدقيقة ولقد اشتهرت لوحة الفنان ادجار مونيخ التي تحمل عنوان الصرخة عالميا لذلك فإننا نجد أن أكثر لوحاته متأثرة بتلك اللوحة أيضا وهنالك الكثير من اللوحات بإمكان  المشاهد التعرف على صاحبها فليس من الصعب التوصل إلى ما انجزه كل من الفنان فان كوخ والفنان بول كوكان فإن الأول اعتمد في رسوماته اللونين الأصفر والبرتقالي وأعجابه بحقول عباد الشمس وأزهارها ذات اللونين المذكورين أما الثاني فقد تميزت لوحاته بالحافات الحادة والبارزة وقد أطلقت تسمية الحوشية أو الوحشية على طريقة رسمه وكثيرا ما أختلف مع صديقه فان كوخ حول الأسلوب والألوان أما الفنان أدغار ديغا فإنه بالرغم من كونه رساما انطباعيا لكنه فضل الرسم في الأماكن المغلقة كصالات الأوبرا والمسارح وساحات سباق الخيول وليس صعبا على المشاهد أن يميز لوحات كل من الفنان بيكاسو والفنان سلفادور دالي فقد أنجز هذان الفنانان آلاف اللوحات منها التجريدية التي امتاز بها بيكاسو والسريالية التي اشتهر فيها دالي .

 إنني في الآونة الأخيرة وفي عمر متأخر وجدت أن أحسن وسيلة للاستفادة من الوقت المتبقي من العمر هو أن استغله بممارسة الرسم وبهذه المناسبة أدعو أخوتي وأخواتي وأبنائي وبناتي أن لا يضيعوا أي فرصة من الوقت الفائض وأن يختاروا هذه الممارسة الممتعة ولو بطريقة بسيطة وعندها سيتأكد لهم بأن الرسم هو غذاء الروح وسلوتها.

 إن اللوحة هذه التي انجزتها مؤخرا والتي استغرق رسمها مدة شهر كانت بدايتها غير التي تشاهدونها فقد قمت خلال الشهر المذكور وبمعدل ساعتين أو أكثر يوميا على رسم صورة ثم أقوم بإلغائها وعلى نفس القماشة وبألوان (الأكريلك) الصعبة نوعما والصورة هذه هي نتيجة محاولات تجاوزت خمسين محاولة احتفظت بها في هاتفي النقال وأنني مدرك صعوبة عرضها هنا لأسباب تقنية بحتة وإن المهم من كل ذلك إنني متعت نفسي ووفرت لها فرحا مجانيا.

اللوحة أو الرسم الأخير هنا مستوحى من رسومات عديدة لنساء القارة السمراء وبأوضاع مختلفة اقتبست منها هذه الوضعية بعد إضفاء الروح الفنية خاصتي وهو المنظر الخلفي الذي يعكس تلك البيئة الصحراوية والسماء الزرقاء المترامية أتمنى أن تحظى بأعجاب المشاهد الكريم وتنال رضاه .

 

لطفي شفيق سعيد

في المثقف اليوم