مقاربات فنية وحضارية

الجسد المغترب: الذات بين فضائين

قراءة لتجربة الفنانة الإيرانية "شيرين نشأت" من خلال عملها التنصيبي "مناجاة النفس"

اغتراب الهوية في غربة الجسد

أثّرت الأوضاع السياسية المحتقنة والأزمات المتعاقبة التي مرّ بها معظم بلدان العالم على ممارسات الفن المعاصر، مما دفع ببعض الفنانين طرح هذه الإشكاليات في منجزاتهم البصريّة وفي أعمالهم التشكيلية، خاصة موضوع أزمة الهوية والذاكرة الجماعية والفردية وعلاقتهما بالمكان والزمان. كل هذه التساؤلات المطروحة لدى الفنان التشكيلي المعاصر تتخذ معظمها من الجسد نقطة انطلاق في ممارساته الفنيّة، تنوعت بين تنصيبات الفيديو والتصوير الفوتوغرافي، والعروض الأدائية، والرسم التشكيلي. لقد طرأت على العالم بفعل الحداثة تحولات ألحقت تغيرات عميقة بالجسد في كل من المجتمعات الشرقية أو الغربية على حد سواء وانتشرت العديد من المفاهيم المرتبطة بالجسد، ونشأت ذاتية خاصة بكل فرد فظهر الإنسان غير متوافق مع واقع الحياة المعيشي، ذلك الواقع الذي أمسى أشد تعقيدًا يوما بعد يوم، وعلى الإنسان المعاصر أن يجاري هذا الواقع قبل أن يسبقه ويصبح غريبا عنه، وأصبح مفهوم الاغتراب مشاعا خاصة لدى الفنان الشرقي المعاصر نتيجة اختلافه في الرؤى والمواقف عن الآخرين وتحول الفنان الفرد لحالة ذاتية انعكست على رؤاه وعلى أعماله الفنية المعاصرة.

من هنا تتنزل قراءتي لتجربة الفنانة الإيرانية "شيرين نشأت"، ولدت هذه الفنانة في مدينة قزوين سنة 1957، وترعرعت في عائلة منفتحة على الغرب، حيث قام والدها بإرسالها إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال دراستها في سنة 1974، لم تتمكن من العودة إلى إيران لمدة 11 سنة تقريبا. حصلت في تلك الفترة على درجة البكالوريوس من جامعة كاليفورنيا بيركلي سنة 1983، ودرست الفن في لوس انجلس وبعدها عملت في محل تجاري للفن والعمارة. بينما كانت "شيرين نشأت" غائبة عن إيران كانت الثورة الإيرانية الإسلامية التي اندلعت عام 1979 قد حوّلت البلاد من الثقافة الفارسية إلى الثقافة الإسلامية، هذا التحول الجذري غيّر كل معايير الحياة في إيران وعرفت البلاد جدلية كبيرة من ناحية الرفض والخضوع. وبعد هذا الانفصال، عادت الفنانة إلى وطنها لأول مرة بعد الثورة في سنة 1990 لتصطدم هناك بالواقع، كانت هذه الصدمة نقطة تحول فاصلة وحازمة في حياتها، حيث غيرت بالأساس علاقتها بوطنها لأنها لم تتحمل ذاك الوضع التي آلت إليه بلادها وخاصة التحول الجذري لمكانة المرأة بعد الثورة فإختارت حينها العيش في المنفى، أصبحت "شيرين نشأت" معروفة دوليا في عام 1999 عندما فازت بالأسد الذهبي في بينالي البندقية.

وبالتالي، هاجرت الفنانة الإيرانية "شيرين نشأت" موطنها نحو الولايات المتحدة في عمر مبكر وقبل الثورة الإيرانية أي في فترة حكم الشاه حيث كانت هناك نسبة لا بأس بها من الحرية للمرأة المنفتحة على الفن والثقافة مقارنة بحاضر المرأة الإيرانية اليوم التي ترزح تحت مجموعة من القيود، لذلك نجد في لغة فنها نوعا من خطاب تصادمي تمرّدي على واقع بلادها.

فضلت "شيرين نشأت" العيش في الفضاء الغربي بالولايات المتحدة كنوع من الهروب من الواقع الرّاهن في وطنها، عرفت هذه الفنانة فضاءا جديدا وعاشت نوعين من الغربة، غربة الغرب وغربة الشرق، بما أنها اتبعت منهجا فنيّا فرض عليها العيش في المنفى فلم يعد الوضع باختيارها بل مفروضا عليها، وحول هذا الموضوع صرحت الفنانة في إحدى المحاضرات التي قامت بها عن موقفها تجاه موطنها قائلة:

"وجدت البلاد عقائدية تماما، والتي لم أتعرف عليها بعد، أكثر من ذلك أصبحت مهتمة جدا عندما كنت أواجه معضلاتي الشخصية والأسئلة، أصبحت مغمورة في دراسة الثورة الإسلامية، كيف في الواقع أنها حوّلت بشكل لا يصدق حياة المرأة الإيرانية. لقد وجدت هذا الموضوع من النساء الإيرانيات مثيرا للاهتمام للغاية. بطريقة ما المرأة في إيران تاريخيا تجسد التحول السياسي.(...)، من خلال دراسة امرأة يمكنك قراءة تركيبة وفكر البلاد، لذلك كوّنت عمل لمواجهة الأسئلة التي واجهتها في حياتي الشخصية(...)."[1]

وبالتالي اتسم فنّها منذ ذلك الحين بهذه التداعيات والمفارقات الحاصلة في بلادها -  وهي من بلاد المنفى -  حاولت الفنانة الإيرانية منذ ذلك الوقت أن تترجم هذه التداعيات تشكيليا وفنيّا.

كان جلّ تركيزها على الجسد الأنثوي حيث جعلته مركزا للإفصاح عن متناقضات الحالة الفكرية والسياسية والدينية والاجتماعية في العالم الشرقي وفي إيران بالخصوص. فكان الجسد حاضرا فاعلا متفاعلا معا في كل عمل فني تقدمه، تنطلق منه لتعود إليه، صورته "شيرين نشأت" نافذة تفتح على العديد من المفاهيم والأبعاد، فهي تتساءل عن دور المرأة في المجتمع الإسلامي مدركة بذلك التوتر القائم بين الهوية التي تحركها دوافع الاهتمامات الفردية والهوية الثقافية الجماعية التي تنتسب إليها.

ولهذا، فإن سؤال الجسد يعتبر مدخلا هاما لفهم العديد من العلاقات، إذ تشكل العلاقة مع الجسد علاقة مع الذات، أي ذات الفنانة المبدعة التي عرف جسدها حالة النفي والاغتراب، وكذلك تشكل علاقة مع الآخر بما أنها تخاطب من خلال جسدها وجسد الموديلات المتقبل، وبما أنها تعرض أعمالها في فضاء الغرب الذي يعتبر المحور المركزي حيث تُبنى العديد من المواقف الفكرية والتمثلات الإيديولوجية والإيهامات، فتكون هذه العلاقة ترجمة لهذه التجاذبات بين ذات الفنانة وبين الآخر. بما أن الجسد هو المجال حيث يتواجه الاجتماعي والفردي، الطبيعي والثقافي، النفسي والرمزي.[2]

وبتحليل أعمال الفنانة المغتربة "شيرين نشأت" وجدنا أن خطابها الفنيّ يعكس اغترابا مزدوجا، اغترابا في داخل وطنها وخارجه، اختارت حياة المهجر لا عن طواعية بل مضطرة إلى ذلك، لرفضها سياسة بلادها تجاه المرأة، ولعدم توفر الحرية في تقديم فنها وعروضها، لهذا السبب اختارت حياة المنفى، لشساعة مساحة الحرية المتاحة للفنان الشرقي في الفضاء الغربي مقارنة بالضغوط التي يتعرض لها في موطنه الأصلي، وبالتالي يجد الفنان نفسه في هامش العلاقة بين ثقافتين وبين شقين دون أن يتموضع أو يستقر في أي منهما.

لقد أصبح التشكيل العربي المعاصر يحمل توجهاً وجودياً في طرحه لإشكاليات العصر، فقد أصبح الخطاب الفنيّ كشفاً لحقيقة الجسد المهمش والمُنعزل والمُغترب، وفي كافة الحالات التي تجعلهُ يعيش محنة البحث عن الوطن وعن الهويّة والتمرّد على الواقع والرحيل إلى المجهول، فالجسد هنا هو رمز للذات الإنسانية ولا معنى للوجود من دونه.

"إن الجسد هو الحاضر الغائب، إنه في آن واحد محور إدراج الإنسان في نسيج العالم، والمرتكز الذي لا بد منه لكل الممارسات الإجتماعية. "[3]

إن الحديث عن المنفى ليس من الأمور التي يسهل علينا طرحه لأنه تجربة ذاتيّة ونفسيّة، لا يستطيع أن يعبر عنها سوى الشخص الذي عاش محنة الاغتراب ولوعة الاشتياق إلى الوطن. تجربة المنفى هي معاناة يومية يعيشها الشخص المنفي في كل لحظة يتذكر فيها غربته وحياته المهمشة زمانيا ومكانيا، فأعمال الفنان المنفي تحمل في طياتها خطابا تجاذبيا وتراجيديا بين الذاكرة والجسد، الأولى تشدّ ذات الفنان نحو ماضيه في شكل رموز وصور هي كل ما تبقى في ذاكرته من ماضيه ومن حياته الحميميّة، أما الجسد فيشدّه نحو الحاضر حيث يعيش الجسد المغترب في سياق شروط ووضعيات جديدة لا يمكنه الاندماج فيها بعمق بعد أن خرجت حياته كلها من نسيج الاستقرار والطمأنينة. فكلما زادت وطأة المعاناة والإحباط من حياة المنفى على الجسد المغترب، شكلت الذاكرة مهربا وملجأ للشخص المنفي.

ولذلك يتخذ المنفى لدى "شيرين نشأت" بعدا إشكاليا، هي ككل فنان مهاجر أو منفي تحمل بداخلها إحساس بالحنين والفقد لذكريات وتشعر بالعزلة والغربة، فتحيل هذا الإحساس الكامن بداخلها إلى مكان وزمان معينين هما جزء من ذاكرتها الجمالية، وتقع ترجمتها في أعمالها الفنيّة، محاولة بذلك إبراز هويتها المسلوبة منها، لتمتزج هذه الحالة الشعورية بثقافة بصرية معاصرة.

كانت "شيرين نشأت" تدرك أن مصيرها في المنفى قد حُسم ولا تستطيع العودة إلى الوراء كما أنها لا تستطيع أن تنسجم كليّا في الفضاء الجديد ولم يبق أمامها سوى التشبث باختلافها وفرادتها، ولذلك اختارت أسلوبا خاصا ومتفردا لذاتها كفنانة بصريّة وتشكيليّة، ولعل عملها "مناجاة النفسsoliloquy" انعكاس لمعاناتها، حيث قامت بهذا العمل سنة 1999 وهو تنصيبة فيديو ثنائي الإسقاط جرى تصويره بين تركيا والولايات المتحدة.

ليس هذا أول عمل فني تقوم "شيرين نشأت" بإنجازه خارج بلدها الأصلي، فكل أعمالها صُورت في تركيا وفي المغرب وفي كل مكان يشبه في بعض تفاصيله المعماريّة والثقافيّة إيران، هذه هي ضريبة الفنان والمثقف المنفي عن وطنه، وحول هذا الموضوع تقول:

"كنت الدخيلة التي كانت قد عادت إلى إيران لإيجاد مكاني، ولكن لم أكن في وضع يسمح بأن أنتقد الحكومة أو إيديولوجية الثورة الإسلامية(...) لذلك أصبح فني نوعا ما أكثر إحراجا، أصبحت سكيني أكثر حدّة، ولقد وقعت في حياة المنفى، أنا فنانة رحالة، أعمل في المغرب، في تركيا، في مكسيك، في كل مكان أذهب إليه لجعله إيران. "[4]

غيرت "شيرين نشأت" في هذا العمل التقنية التي كانت تعتمدها سابقا وهي تقنية الأبيض والأسود، حيث أدخلت في "مناجاة النفس" اللون، ليمثّل هذا التغيير التحول الرئيسي الأول للغة البصرية لديها. يستعرض هذا العمل المقسم على شاشتين متقابلتين حياة امرأة في فضاءين، الفضاء الشرقي والفضاء الغربي، بين معمار تقليدي ومعمار حديث، وتجسد هذا الدور الفنانة الذي كان حضورها بشكل متزامن في كلتي الشاشتين.

يظهر على الشاشة الأولى الفنانة "شيرين نشأت" وهي تنظر من النافذة التي تطل على بيوت ومسجد، في حالة من التأمل والانسجام مع المناظر الخارجية، وبالتزامن مع هذا المشهد تقوم الفنانة بنفس الفعل في الجهة المقابلة مع اختلاف الأمكنة، لتقف وتطل من النافذة المفتوحة على مباني شاهقة وبنفس الحالة الأولى. ثم وبشكل متواز تخرج الفنانة من المكانين المتواجدة فيهما، فتتّبع الكاميرا تحركاتها وهي في الشاشة الأولى تتجول عبر الأزقة الضيقة حتى تجد نفسها في النهاية في ساحة مكتظة بالنساء والرجال، وهم في زيّهم الأسود لتختلط بهم وتقوم معهم بحركات وطقوس غريبة.

وفي المشهد الموالي يظهر طفل وهو يتقلب على الرمل، صُوِر بتقنية الأبيض والأسود وكأنه يجسد كابوسا لطفل عاجز غير قادر على النهوض. تدرك الفنانة الإيرانية في النهاية عدم قدرتها على التعايش معهم والتأقلم مع البيئة التي تمثلها وهي البيئة الشرقية أو بالأحرى البيئة الإيرانية بعد الثورة، فتقرر بعد ذلك الانسحاب والهروب، لتركض لاهثة عبر البهو نحو السطح، وهناك تقوم بغطس رأسها في إناء مليء بالماء ثم تقوم بسكبه على جسدها. في نهاية المشهد، تبرز "شيرين نشأت" وهي تركض متجهة نحو الصحراء لتبتعد وتتلاشى شيئا فشيئا.

أما بالنسبة إلى الشاشة المقابلة، تظهر"شيرين نشأت" وهي تقود سيارتها في شوارع نيويورك ثم تدخل بعد ذلك إلى مكان عام مكتظ بالناس وتقف وهي في حالة من التأمل والذهول وكأنها تبحث عن شيء ما وسط هذا الاكتظاظ الشديد في ذلك المكان، ثم بعد ذلك تخرج من هناك متجهة نحو الكنيسة، لتجد الراهبات وهن يقمن بطقوسهن بثياب بيضاء بينما "شيرين نشأت" بالرداء الأسود الإيراني. استخدام اللون الأبيض لراهبات والأسود للفنانة يحمل في طياته تعبيرا مجازيا ورمزيا يتمثل في نظرة الراهبات إليها الرافضات لها، لتخرج الفنانة بعد ذلك من الكنيسة مسرعة نحو طريق خال من المارة ويوجد به سور مرتفع جعلته "شيرين نشأت" حاجزا بينها وبين العالم الغربي.

"مناجاة النفس" هو عمل مشحون بالعواطف وانفعالات الفنانة، إحساسها بالنفي والعزلة، كما يحمل هذا العمل أبعادا دينية وروحيّة عبر الأصوات المنبعثة من الكنيسة وصوت الأذان المنبعث من المسجد، كما قامت "شيرين" في هذا العمل بالمزج بين عالمين عالم شرقي وعالم غربي. وبين ثقافتين في فضاء العرض، ولكن الشخص واحد هي الفنانة التي تعيش حالة من التمزق، والتشظّي بين هذين العالمين، حالة من التجاذب والتفاعل، مما نتج عن ذلك علاقة تناسجية، تواصلية وجدالية، بقدر ما تثبت الشاشتان في فضاء العرض وجود مسافة فيما بينهما، فإنهما وفي نفس الوقت تجعل قطع المسافة ممكنا وتحقيق التواصل يسيرا. وفي هذا السياق يقول الكاتب الفلسطيني "إدوارد سعيد" في كتابه "المثقف والسلطة":

"(....) وهكذا فإن المنفي يقع في منطقة وسطى، فلا هو يمثل تواؤما كاملا مع المكان الجديد، ولا هو تحرر تماما من القديم فهو محاط بأنصاف مشاركة، أنصاف انفصال، ويمثل على مستوى معين ذلك الحنين إلى الوطن وما يرتبط به من مشاعر وعلى مستوى آخر قدرة المنفي الفائقة على محاكاة من يعيش معهم الآن، أو إحساسه الدفين بأنه منبوذ. ومن ثم يصبح واجبه الرئيسي إحكام مهارات البقاء والتعايش هنا، مع الحرص الدائم على تجنب خطر الإحساس بأنه حقق درجة أكبر مما ينبغي من الراحة والأمان"[5]

إنها معاناة المثقف البعيد عن وطنه وأهله، ولعل هذا ما يفسر تلك النظرات الحائرة والحزينة المنبعثة من عيون "شيرين نشأت"، فلقد ارتكز عملها على نظرات العين حيث تؤدي دور الكاميرا التي تدعو المشاهد لتتبعها والانسجام معها، كما تخترق بنظراتها فضاء العرض نحو الشاشة المقابلة والعكس بالعكس وكأنها تبحث عن ذاتها، عن هويتها، بعين مستسلمة وتائهة وفي عزلة ملفوفة بصمت جارح وتوحّد غريب. هناك قوة إيحائية من خلال نظراتها المشحونة بالعواطف والأحاسيس وبالحزن وبالأسى.

ربطت "شيرين نشأت" هنا بين التجربة الحسيّة الذاتية والتجربة الإستيطقيّة في سيرورة هذا العمل، الذي يعبر بدرجة أولى عن ذاتها وعن تجربتها الخاصة في ثقافتين مختلفتين، فهي هنا تطرح مفهوم الغربة والعزلة التي تشعر بهما سواء في العالم الشرقي أو في العالم الغربي، لتعبر عن ثقافتها المزدوجة، وهذه من بين الأسباب التي جعلت من مبدأ الازدواجية حاضرا وفاعلا في منجزها البصري عبر ثنائية الإسقاط (double projection) التي أثارت تواصلا خياليا بين الشاشتين، كما عملت على تشظي حاسة البصر عبر زمنين متداخلين.

تحاول الفنانة إعادة تأويل معاني وجودها ومصيرها الذاتي فى اتجاه الخلاص من آلام المنفى أو التخفيف منها قدر المستطاع وذلك عبر خلق عملية ترحال مزدوجة بين هذين العالمين فى محاولة يائسة لامتلاك أحدهما أو التموضع والاستقرار في أحد المكانين، إلا أنها تدرك في النهاية بأن مصيرها هو خارج المكان.

ما لاحظناه في تنصيبات الفيديو لدى "شيرين نشأت" هو غياب الكتابة التي احتلت مكانا بارزا وفاعلا في صورها الفوتوغرافية خاصة في سلسلتها "نساء الله"، فالكتابة بالنسبة إليها هي تعبير عن كسر حاجز الصمت وتجسيد صوت شاعري أنثوي وفكر داخلي، ربما في أعمال الفيديو لم يعد هناك حاجة تدعو لتوظيف الكتابة، بما أنها اعتمدت على أصوات الطبيعة والموسيقى لتصبح لغة جديدة من إبداعاتها، فالموسيقى تحدد عالمية الأعمال وتزيل كل الحواجز الثقافية.

اعتمدت على الوسائل والتقنيات التكنولوجية المعاصرة، ليتولد الإبداع الخيالي ويختلط بالمشاعر والأحاسيس لديها، فيكون العمل الفني هو الملجأ الذي تبحث عنه "شيرين نشأت"، حيث نتلمس الجانب الحسي والروحي، كمنفذ لتتصالح من خلاله مع إرثها وهويتها التي مزقته السياسة والدين السياسي.

بعض الصور المسترسلة من تنصيبة الفيديو "مناجاة النفس"

الشاشة عدد1                مقابل               الشاشة عدد 2

 2100 نشأت

مقال بقلم: الباحثة إيمان ريدان، من تونس

......................

[1] http://www.ted.com/talks/lang/ar/shirin_neshat_art_in_exile.html

[2] David le breton, la sociologie du corps, puf 2éme Ed, 1994 ; p 118

[3]  دافيد لوبروتون، "انتروبولوجيا الجسد والحداثة"، ترجمة محمد صاصيلا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1997، ص 123

[4] http://www.ted.com/talks/lang/ar/shirin_neshat_art_in_exile.html

[5]  إدوارد سعيد، "المثقف والسلطة"، ترجمة د. محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع 2006. صفحة 95

 

في المثقف اليوم