كتب واصدارات

قراءة في كتاب (سيد ضايع كريم آل مجدي) لعدنان الحسيني

في كل مدينة وفي كل قرية هنالك رجال تركوا بصمتهم عليها اجتماعياً او اقتصادياً او سياسياً. ففي قرية الحصين التي تغفو على الضفة اليسرى لشط الحلة جنوب مدينة الحلة، برزت شخصية مؤثرة اجتماعياً واقتصادياً، و قدم خدمات كبيرة لقريته، وكان مزارع من الطراز الرفيع استطاع ان يبتكر عدة طرق لتطوير الزراعة وأدخل اصنافاً من الفواكه النادرة، إنه الشهيد سيد ضايع كريم آل مجدي الذي اعدم على اثر انتفاضة آذار 1991م .

صدر عن مؤسسة دار الصادق الثقافية للأستاذ عدنان محمد الحسيني كتابه الموسوم (السيد ضايع كريم آل مجدي) يحوي 301 صفحة من الحجم الوزيري . تضمن الكتاب توطئة ومقدمة، ونبذة عن نسب السيد ضايع كريم وعن عائلته امه وابيه  وزوجاته وابناءه .

تطرق المؤلف الى قرية الحصين الذي كان السيد ضايع شيخاً ومختاراً لها، موقعها واصل تسميتها واحوال سكانها كونهم مزارعين، وكانت الامية متفشية بين سكانها الا ما ندر . كما تطرق المؤلف الى بدايات السيد ضايع الزراعية بقطعة الارض الصغيرة التي ورثها عن والده، والى نبعيات الماء التي حفرها عند شحة الماء في شط الحلة، وكان لمضيف السيد دور كبير في ادارة امور القرية في حل المنازعات بين الافراد والجماعات، وبإصداره قرارات بفرض غرامات على المخالفين من أهل القرية ووضعها في صندوق خاص لمساعدة  المحتاجين من أهلها، وكانت تطبق من قبل اشخاص موالين للسيد ضايع، وفي حالة عدم دفع الغرامة يقاطع ذلك الشخص من قبل اهل القرية. كما منع السيد ضايع اطلاق العيارات النارية وجلب الغجريات في المناسبات الخاصة .

استعرض المؤلف أهم الانجازات التي حققها السيد ضايع ومنها:

1- عمل عبارة (طبكة) لعبور الاشخاص والسيارات والدواب لشط الحلة لربط قرية الحصين بقرية الابراهمية ( الدبلة) للوصول الى الطريق العام المعبد الذي يربط بين الحلة والديوانية .

2- جلب مطحنة حجرية لطحن الحبوب (الحنطة والشعير) لأهل القرية والقرى المجاورة .

3- نصب مولدة كهرباء في القرية لإنارة بيوت القرية وشوارعها ليلاً .

4- جلب واسطة نقل نهرية بمحرك ديزل (فلكة) لنقل الاشخاص والبضائع الى مركز مدينة الحلة، والى القرى المجاورة .

5- انشاء بحيرة اسماك على الطريق الرابط بين الحلة والديوانية، تحوي على مطعم وكازينو مزودة بألعاب الاطفال، والتي اصبحت معلماً سياحياً هاماً استقطبت السفرات المدرسية والجامعية والعوائل في الجمع والعطل الرسمية والاعياد من بغداد والمحافظات المجاورة، وكان قد هيأ زوارق لقيام الزوار بجولة مائية  في البحيرة الكبيرة .

6- انشاء مزرعة نموذجية للفواكه النادرة والمتميزة  في منطقة العمادية التي تقع على الطريق بين الحلة والديوانية، والتي اصبحت مكاناً لاستقبال الضيوف والوفود العربية والاجنبية .

7- انشاء حديقة بين حافة شط الحلة اليسرى وسدة الري، تسقى بواسطة ناعور على غرار نواعير هيت، زرعها بأنواع مختلفة من الورود والاشجار واصناف من العنب النادر، فأصبحت جنة صغيرة تبهر من يدخلها .

8- انشأ السيد ضايع مفخرة (كورة) لصناعة الطابوق لاستخدامه في تشييد المساكن في قرية الحصين والقرى المجاورة بعد ما كانت تبنى من الطين .

وثق المؤلف مشاركة السيد ضايع بالمعارض الزراعية التي تقيمها وزارة الزراعة في المحافظات سنوياً، ونال منها على جوائز تقديرية، كما شارك بالمؤتمرات الزراعية وقدم دراسات عن الواقع الزراعي، وتقديم مقترحات لتطوير البستنة وتربية الحيوانات، والدواجن، وقدم مقترحات لحماية المنتج المحلي ودعم الفلاح .

استعرض المؤلف التحقيق الذي نشر في مجلة الالف باء عن منجزات السيد ضايع في مجال الزراعة في العدد 360 السنة الثامنة 13 آب عام 1975م، والتي حملت في صفحتها الاولى صورة للسيد ضايع وهو يستخدم المكرسكوب، وكان التحقيق يحمل عنواناً (لكل انسان ما يملك، وهذا الرجل يملك جنة) .

استعرض المؤلف اهتمامات السيد ضايع الثقافية، فكان تواقاً للعلم والمعرفة والعلوم الحديثة بالرغم من عدم تعلمه في المدارس الرسمية وانما تعلم بالكتاتيب القراءة والكتابة، فكان يتابع الصحف والمجلات العراقية والعربية مثل مجلة الهلال المصرية وروز اليوسف ومجلة الكاتب، وكان متذوقاً للشعر، فكان يدون في دفتر الجيب الخاص به ابيات من الشعر الفصيح والشعبي وبعض الأبوذيات .

دون المؤلف ما جاء في دفتر الجيب للسيد ضايع تجاربه الزراعية، وطرق تطعيم الاشجار للحصول على انواع مبتكرة منها وخاصة الاعناب، وعملية التحليق للأشجار، وذلك بأحداث شق حلقي على جذع الشجرة للحد من تساقط الازهار وزيادة حبات العناقيد . كما دون طرق مكافحة الآفات الزراعية المبتكرة .

كان للسيد ضايع مواقف ازاء العادات والتقاليد الاجتماعية منها انتقاده مشاركة اعداد كبيرة من الرجال في تشيع جنائز الموتى الى النجف، وطبق ذلك عند وفاة والدته . كما افتتح صفاً لمحو الامية في مضيفه مطلع خمسينيات القرن الماضي . وكان له دور بارز في فتح اول مدرسة ابتدائية مختلطة في قرية الحصين (مدرسة التقدم)، والتي اتخذت مضيف السيد مقراً لها عند افتتاحها، ثم انتقلت الى بنايتها بعد بنائها بعد مرور سنتين.

كان للسيد ضايع دور متميز في فتح شارع يربط مدينة الحلة بالقرى على ضفة شط الحلة اليسرى، وصولاً لناحية المدحتية . وكان يعد اول من ادخل جهاز الراديو الذي يعمل بالبطارية الى قرية الحصين، واول من ادخل جهاز التلفزيون الى احدى المقاهي في القرية .

اوضح المؤلف ان السيد ضايع كان بعيد عن السياسة، ولكنه ايد ثورة 14تموز عام 1958م، وترأس المظاهرات والتجمعات الفلاحية المؤيدة لها، واصبح على رأس الجمعيات الفلاحية في قرية الحصين . وبعد مجيء البعث الى السلطة عام 1968م تم استدعاءه الى دائرة امن المدحتية، تبعها اغلاق مضيفة، وكانوا يصرون على دعوة السيد مع اخرين من وجوه القرية لحضور الاحتفالات التي كانوا يقيمونها في المناسبات التي تخص الحزب وفي الاحتفالات لدعم الحرب مع ايران والتبرع بمبالغ مالية لها .

بين المؤلف ظروف استشهاد السيد ضايع بعد احداث الانتفاضة الشعبانية عام 1991م . فذكر بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت، اندلعت انتفاضة شعبية في آذار عام 1991م، وكانت قرية الحصين مركزا قيادياً في الانتفاضة، وبعد اسقاط مروحية تابعة للجيش العراقي وقتل طياراها، قامت القوات الحكومية بقصف مدفعي شديد واطلاق صواريخ من الطائرات المروحية على قرية الحصين، وبعد دخول الجيش العراقي وسيطرته على قرية الحصين . وعند رجوع السيد ضايع من مزرعته القت مفارز اجهزت الامن القبض علية وارساله الى معسكر المحاويل، وتم اعدامه فور وصوله، فعثر على رفاته بعد سقوط النظام السابق عام 2003م في احدى المقابر الجماعية .

استعرض المؤلف آراء بعض الاشخاص ممن عاصروا السيد ضايع، وقد اشادوا بالإنجازات التي قام بها السيد لقرية الحصين، ودوره في تطوير الزراعة على مستوى العراق، وذكروا بعض المواقف والطرائف التي حصلت معه .

في نهاية الكتاب تم اضافة عدد من الصور التي توثق الحياة الشخصية للسيد ضايع . وبعض الوثائق التي تخصه سواء ما نشر عنه في الصحف والمجلات، او صور مشاركاته بالمعارض والمؤتمرات الزراعية .

لقد وثق مؤلف الكتاب شخصية السيد ضايع بكونه الشخصية الابرز في قرية الحصين، وما قدمه لها من خدمات انفردت بها القرية عن القرى الأخرى المجاورة، كما وثق دور السيد ضايع بتطوير الزراعة وادخال اصناف جديدة من العنب اشتهرت به المنطقة .

***          

صباح شاكر العكام                

 

في المثقف اليوم