حوار مفتوح

المثقف في حوار مفتوح مع الأديب ا. د. عدنان الظاهر (5)

 

س51: يحيى السماوي، شاعر وصحفي / استرايا: المألوف أن الطلبة الذين يتأثرون بأساتذتهم، ينتهي بهم الأمر ـ في الغالب ـ الى التخصص باختصاص الأستاذ ... لكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لبعض طلابك في مرحلة الدراسة الثانوية في الحلة أمثال الشاعر الكبير موفق محمد أو القاص والناقد المعروف ناجح المعموري أو الأديب الشهيد المرحوم قاسم عبد الأمير عجام .. فقد انتهى الأمر بهم أدباء وليس كيمياويين ... قد تقول إن لمدرسي اللغة العربية أمثال كاظم الطائي وشمخي جبر الركابي أثرا في ذلك، لكن مدرسَيْ اللغة العربية المذكورين لم يكونا شاعرين .. فما تفسيرك لذلك؟

51: د. عدنان الظاهر: أنت مثلي مارستَ التدريس لعقود وأنت شاعر ومختص باللغة العربية ... كم طالباً من طلبتك غدا مثلك شاعراً أو خبيراً باللغة العربية؟ بل وكم منهم من إنتهج نهجك السياسي وعانى جرّاء ذلك ما عانيتَ؟ أصبح العديد من طلبتي مهندسين وأطباء وضباط في الجيش والشرطة بل والتقيت أحدهم في جامعة ويلز في مدينة كاردف البريطانية مبعوثاً لدراسة الدكتوراه  وأخر عاد للعراق أواسط سبعينيات القرن الماضي يحمل شهادة الدكتوراه من بعض الجامعات البريطانية في علوم الحياة وتم تعيينه باحثاً في معهد الأبحاث النووية في التويثة .. يعينون طلابي في هذا المعهد ويمنعوني من ذلك ! فاجأني ذات يوم وكنتُ في مكتبي في قسم الكيمياء / كلية العلوم ... فاجأني شاب يحمل رتبة نقيب عسكري وأدى لي التحية العسكرية ! عرفته فوراً ... إنه أحد طلابي في متوسطة الحلة للبنين من أهالي الإبراهيمية (الدبلة) .. ما كان مجرد ضابط في الجيش العراقي بل كان طبيباً عسكرياً . أستطيع القول إنَّ أغلب طلبتي نهجوا نهجاً علمياً وقلة منهم غدوا مثلك شعراء وقصاصين وأدباء مرموقين . سلْ صديقك الشاعر موفق محمد أبو خُمرة عن إبن عمّه المهندس لؤي محمود أبو خمرة فهما من جيل واحد وقد درّستُ الإثنين زمان عبد الكريم قاسم . أما الطلبة الذين درّستُ في كلية العلوم فقد ملأوا العراق والعديد من أقطار العالم خبراء وعلماء وحَملة الدكتوراه وأحدهم اليوم سفير للعراق في بعض العواصم ... فهل تخرجّ على يديك سفراء ورجال دبلوماسية؟ ليس لدي إحصائية دقيقة حول ما آلت إليه مصائر مّنْ درّست في هذه الحياة . كتب لي مرةً من النرويج طبيب أسنان قال إني درّسته الكيمياء غير العضوية في جامعة السليمانية خلال العام الدراسي 1973 / 1974 ...  ثم أضاف: أستاذ ... علاج أسنانك عليَّ فتعالَ زرني في أي وقت تشاء .. ما رأيك بهذه الدعوة؟

 

س52: يحيى السماوي: واسمح لي أقوله بلهجتك " الشقندحية العذبة ": كلية العلوم كانت مثل كلية التربية الملغاة بالنسبة لكثرة البنات الحلوات اللي "يخبلن" ويخلن الإنسان مسطور أربعة وعشرين ساعة ... أحلفك بالعباس: كم وحدة حبيتها قبل أم أمثل؟ ثم: شنو رأيك بالمثل الدليمي اللي يكول: " الرجلْ اللي مايخاف من زوجته مو رجل " ... وهل ينطبق هذا المثل عليك؟

ج52: د. عدنان الظاهر: كنتُ مثالياً في علاقاتي مع طلبتي في كلية العلوم وغيرها من كلا الجنسين ... عفيفاً نظيفاً وكان الكل لديَّ سواء فالتعليم رسالة إنسانية تثقيفية بقدر ما هي تربوية وأخلاقية .

 

س53: يحيى السماوي: كم مرة كذبت على أم أمثل فتزعم لها مثلا أن قصيدتك الغزلية عنها بينما هي في الحقيقة عن غزالة من غزالات المنصور أو ظبية من ظباء الأعظمية أو عن مهاة بابلية خلبت لبّك وهي تتهادى عصرا في طريقها إلى السوق المسقوف؟

ج53: د. عدنان الظاهر: ثقة أم أمثل وقرطبة بي هي ثقة مطلقة وتعرفني لا أكذب ولا أخاف عاقبة ما أقدم عليه في حياتي . لذا فإذا تغزّلتُ في الشعر فهي تعلم أنَّ الشعراء [وأنت منهم] يقولون ما لا يفعلون وفي كل وادٍ يهيمون وأقوالهم لا تتبعها أفعال ... كل الشعراء " إبراهيم عرب " يبالغون ويكذبون في أشعارهم وينفخون في حطب بدون نار ويطلقون رصاصاً خُلّب أي بدون بارود وصجم .. وأنت خدمت في العسكرية وتعرف معنى الرصاص الُخلّب وتعرف معنى الصَجِم .

هل من أسئلة أخرى قبل سفرتك إلى العراق؟

 

سنية عبد عون رشو / كاتبة قصة من العراق

الاستاذ الناقد الدكتور عدنان الظاهر

تحية التقدير والاحترام

 من خلال ماقرأت لكم في صحيفة المثقف الغراء. وجدت في كتاباتكم ذاكرة عراقية ترتبط بأهم الرموز الادبية والثقافية والسياسية على مدى نصف قرن.. ارجو تفضلكم بقبول اسئلتنا ..ويسعدنا ان نقرأ أجوبتكم والتي ستشكل  إضافة جديدة لسفركم الجليل في الفكر العراقي المعاصر..

س54: سنية عبد عون رشو:

 لقد بليت بأقوام تكاشرني    وللضغينة حبل غير مقتضب

 إني تبينت ما تخفي ضمائرهم   وكيف يخفى لهيب النار في العشب

لألعبن لهم ادوار منتبه    حتى يفرق بين الجد واللعب

هذه الابيات. استاذنا الكريم.. للشاعر العراقي الحلي محمد مهدي البصير..قالها بعد ان تبين له ان الانكليز ليسوا بأفضل من العثمانيين في نقض العهود والالتفاف على  المواثيق..

 السؤال يتعلق بالأدوار التي لعبتها  الحلة الفيحاء ومحافظة بابل في التأسيس لمرحلة  جديدة من التنوير بدأتها منذ بدايات القرن العشرين والى يومنا هذا.. لقد انجبت بابل.. العديد من القامات العالية في الادب والفكر والسياسة.. نذكر منهم طه باقر وعبد الكريم الماشطة وعلي جواد الطاهر ويوسف كركوش على سبيل المثال لا الحصر..

 ننتظر من الدكتور عدنان   الظاهر ان يسلط الضوء على تلك الادوار الخالدة.. مع التقدير..

ج54: د. عدنان الظاهر:أهنئك سيدة سنيّة عبد عون رشو على معلوماتك الغزيرة والقيّمة فيما يخص تأريخ الحلة السياسي والأدبي لكأنك موسوعة كاملة (إنسكلوبيديا) حلاوية ثابتة ـ متنقلة . كيف تذكرتِ شعر الراحل محمد مهدي البصير آل شهيب وقد كان هو أحد أبطال وشعراء وخطباء ثورة العشرين . لكنْ نسيتِ سيدة سنيّة عبد عون ... نسيتِ أنَّ مفخرة الحلة الشعرية هو صفي الدين الحلي  صاحب القصيدة الشهيرة التي يقول فيها:

سل الرماحَ العوالي عن معالينا

واستشهدْ االبيضَ هل خاب الرجا فينا

 

نحنُ قومٌ إذا استخصموا كانوا فراعنةً

يوماً وإنْ حكموا كانوا موازينا

بيضٌ صنائعنا سودٌ وقائعنا

خضرٌ مرابعنا حُمرٌ مواضينا

وتجدين في هذا البيت ألوان العلم العراقي الأربعة: ألأبيض  والأسود والأخضر ثم الأحمر .

نشأتُ وبدأت أعي ما حولي أوائل اربعينيات القرن الماضي وكنت أسمع من أهلي قصصاً عن بطولات ثورة العشرين ومعركة الرارنجية وهوسة (الطوب أحسن لو مكواري) وقبلها إنتفاضة الحلة والقضاء على حاميتها من جنود الترك وكيف انتقم والي العراق عاكف باشا حتى أطلق العراقيون على تلك الحادثة (دكّة عاكف) حيث أعدم الأتراك بالشنق نُخبة من أعيان الحلة منهم حمادي الحسن ووالد عبد الرزاق شريف وآخرين . بدأ وعيي يتبلور أوائل وأواسط خمسينيات القرن الماضي وما كانت في الحلة يومذاك حركة أدبية ناشطة . أمّا الذوات الذين ذكرتيهم فقد برزوا  في مجالات أخرى غير الأدب .. فطه باقر كان مختصاً بعلم الآثار وعبد الكريم الماشطة كان رجل دين معمم ثم نصير سلام بل وعضو مجلس السلم العالمي  .. كذلك كان المرحوم الأبي الشيخ يوسف كركوش . خلا شاعراً واحداً ما كان معروفاً في أوساط مثقفي الحلة هو السيد محمد الرشادي ... لم أقرأ له ديواناً مطبوعاً بل كان يناقش ويحاور الطلبة والمثقفين في بعض مقاهي الحلة وخاصة مقهى سومر لأصحابها الأخوة جبار ونجم أولاد العم عبود العجمي . برز في تلكم السنين أديب ناقد هو الزميل جليل كمال الدين وكان نشطاً في نشر محاولات نقدية في الشعر خاصة . لم تكن في الحلة في تلك الحقبة نوادي للثقافة فالكل كانوا مراقبين من قبل شرطة أمن ومخابرات سلطات العهد الملكي وكانت حساسيتهم عالية ومبالغ فيها حيال أي تجمع للناس مهما كان صغيراً . نشرتُ في صيف عام 1960 ديواني الشعري الأول فلم يحرز النجاح المتوقع بسبب غلق محلات ومكتبات  بيع جريدة إتحاد الشعب وكان ديواني في واحد من هذه المكتبات فتمت مصادرته . كان في الحلة شعراء شعبيون مجوّدون أذكر منهم الخال صاحب عبيد الحلي أبو عدي الذي كان يحيي مناسبات العرس والختان ويشترط أنْ يكون صديقه ونديمه الأستاذ محمد الرشادي حاضراَ . أما في عاشوراء فكان الخال فارس مناسبات مقتل الحسين وأهل بيته وكان يتشح في هذا الشهر بالسواد من اليشماغ حتى النعل أو الحذاء.

وكان هادي المرزة كذلك شاعراً شعبياً مقتدراً لكنه ترك الحلة وصار يدير مقهى في بغداد مع شريكه العم أبو سراج . تركتُ الحلة في اليوم السادس من شهر آب عام 1962 ولا أدري ما صنع الدهرُ بعدي بالحلة وأهل الحلة.

 

س55: سنية عبد عون رشو: ... لو كنت وزيرا للثقافة في عراق اليوم..ماهي الخطوط العريضة التي تراها صالحة للإرتقاء بالثقافة العراقية.؟. رغم  إن السؤال افتراضي  لكننا نجده مهما للتعرف على رؤى مفكر عراقي حنكته التجارب في ما يجب ان نكون عليه كمثقفين وادباء وصحفيين..

ج55: د. عدنان الظاهر:هذا سؤال عويص كثير التعقيد وأخشى أني لا أستطيع الإحاطة به وإعطاءه حقه كما يجب ومع ذلك أقول: لو كنتُ وزيراً للثقافة في عراق اليوم لقمتُ بما يلي:

تأسيس مجلس إستشاري عالي المستوى يضم في صفوفه خيرة مثقفي وفناني وأدباء وشعراء العراق تناط به مهمة برمجة النشاط الثقافي والفني  والإشراف على التنفيذ  وإقامة المهرجانات والمؤتمرات وتشكيل لجان فرعية تختص بمسح كل قرية وناحية وقضاء ثم محافظة في عموم العراق  وجمع المعلومات والبيانات وإقتراح الوسائل والسبل التي من شأنها رفع المستويات الثقافية والأدبية والفنية .. وفتح صفوف مكافحة الأمية وتوعية سكان القرى خاصة صحياً وتثقيفياً .  ثم لفتحت المزيد من المتاحف ذات الإختصاص والمسارح الثابتة والمتجولة بحيث تغطي العراق من أقصاه إلى أقصاه . ولطورت الفرق المسرحية والفنية والموسيقية ودمجتها في صميم شعب العراق يثقفون ويتثقفون في عين الوقت . لعممتُ دراسة أكثر من لغة شرطاً قسرياً لكل من يرغب الدارسة في الجامعات . لجعلتُ التعليم الإبتدائي تعليماً مختلطاً لا مقتصراً على جنس واحد . لهدمتُ بنايات المدارس القديمة وأسست مدارس مكيّفة الهواء صيفاً وشتاءً ومزوّدة بصالات الرياضة البدنية والمراسم وحنفيات الماء البارد صيفاً وفي كل مدرسة  غرفة للراحة ملحق بها مطعم صغير يبيع الأكلات الخفيفة المخفضة الأسعار.

لفتحتُ أبواب العراق للعالم أجمع يأتي ليعرف ما فيه اليوم وما كان فيه منذ الحقبة السومرية ... ولفتحت العالم أمام أدباء العراق وفنانيه ومثقفيه ليقرأوا ويتثقفوا ويحاضروا عن العراق ويعرضوا فنونه المختلفة على بقية شعوب العالم . السؤال صعب سيدة سنيّة يا ذات السناء ومعقد والإجابة عنه أكثر تعقيداً . لعلك تضحكين إذا عرفتِ أني عرضتُ وزارة الثقافة  ذات يوم على صديقي المتنبي [كما فعلتِ أنتِ اليومَ معي] ... رفضها الرجل بإباء وكانت حجّته أنْ الثقافة مشتقة من مثقف وثقيف ... ولأنّ لقب جلاّد العراق الأشهر الحجّاج بن يوسف هو " الثقفي " لذا فإنه رفض تسنّم هذا المنصب !

 

س56: سنية عبد عون رشو: ارى ان الشعر العراقي يمر بمحنة اختلاط الرؤى والاوراق.. كذلك السرد..ففي خضم هذا الاتساع في النشر قد تضيع نصوص مهمة وتغيب اسماء جديرة بالاهتمام.. وقد يتدخل النقد بشكل يجافي الواقع بعيدا عن الاعتبارات النقدية.. هذه المحنة هل لها من حل واقعي وفق رؤيتكم؟؟

 مع خالص شكرنا واعتزازنا استاذنا القدير الدكتور عدنان الظاهر..

ج56 د. عدنان الظاهر:الحل يا سيدة سنيّة بسيط: أنْ يترك الميدان حراً لينشر الأدباء والشعراء من كلا الجنسين ما ينتجون من قصة أو شعر أو نثر أو رواية ... فالنتاج الجيد يفرض نفسه ويجد سوقه رائجاً مفتوحاً أمامه . لينطلق الجميع في مباراة نزيهة متكافئة الفُرص يسقط فيها من يسقط ويتعثر من يتعثر وينجح من ينجح وهذه سُنّة الحياة وطبيعة المجتمعات منذ القدم . نعم ... تلعب المحسوبيات والدعاوة المبرمجة والإنفاق السخي ... تلعب أدواراً متفاوتة في تأثيرها لكنها تبقى مؤثّرة لهذه الدرجة أو لتلك . فكما ترين وأرى ... تقام مهرجانات وموتمرات وفعاليات هنا وهناك وتوزع جوائز ويفوز من يفوز ولكن ليس كل من يُدعى يفوز ويستلم هديته التقديرية . فقد يلقون الضوء على شاعر متوسط الوزن والتكوين فيطغى ويغطي على شاعر أفضل منه شاعرية وإعداداً وثقافة . ليس هناك حق مطلق

كما أنْ ليس هناك معايير مطلقة للمفاضلة تصلح لكل زمان ومناسبة .

 

يقظان الحسيني، شاعر / كندا

الأستاذ الفاضل الدكتور عدنان الظاهر المحترم

تحايا وتمنيات طيبة - آملا ان تقف عند اسئلتي متأملا ومجيبا .. بروحك المتجددة وذهنيتك التي وسعت الماضي وتعيش الحاضر وتستشرف المستقبل

اطلعت على مذكراتك القيمة والتي ترفد المشهد الثقافي والسياسي العراقي

برافد مهم وبنظرة التقدمي المفعم حيوية وأملا، مرورا بمرحلة ما قبل السفر الى الخارج للدراسة واعني مرحلة المعترك الثقافي والسياسي في الحلة وهي ولا شك مرحلة خصبة بأحداثها ووجوهها فما هو تأثيرها عليك في تشكيل الوعي وبناء شخصية عدنان الظاهر المتعددة الأهتمامات والأبداعات

س57: يقظان الحسيني: لعبت شخصية المناضل سلام عادل دورا مهما ليس على صعيد حزب عروة بن الورد كما يسميه شاعرنا العذب يحيى السماوي بل على الصعيد الوطني في صناعة الأحداث آنذاك وفي بناء حركة شعبية عارمة ضمت العامل البسيط والعالم الجليل ورجل الدين والخ....ومدرسة خرجت الكثير من الكتاب والمثقفين والمفكرين وانت منهم.....فما هي رؤياك له آنذاك وماهي رؤياك له فيما بعد بعدما مرت أحداث وتكشفت امور...ولم يعطى هذا الرجل بعد مكانته ودوره الوطني التأريخي على مستوى البلد وكأن له مظلومية خاصة به.

ج57: د.  عدنان الظاهر:لم ألتقِ بالشهيد سلام عادل لكني كنت أرى زوجه السيدة أم إيمان في بعض المناسبات في موسكو . اللافت للنظر أنَّ مخالفي سلام عادل ومنافسيه في قيادة الحزب الشيوعي سلموا جميعاً ونجوا من الموت ثم ماتوا حتف آنافهم أي ماتوا ميتات طبيعية وهم في الفراش ... والعرب تٌقولُ عن الذي يموت حتفَ أنفه أنه (مات فطيساً) وحضرتك تعرف ما هو الفطيس . لم يطل الوقت لكي تبرز مواهب الرجل في قيادة الحزب ثم كانت فترة عبد الكريم قاسم غاية في التعقيد إختلط فيها الحابل بالنابل والأبيض بالأسود وكان منافسو سلام حينذاك كثار . كانت المرحلة من التعقيد والإشتباكات وتمزق النسيج العراقي والإحتراب الدموي والإغتيالات التي مارسها البعثيون والقوميون بحق مخالفيهم .. كانت مرحلة صعبة للغاية زادتها تعقيداً شخصية عبد الكريم قاسم الذي كان ضعيفاً أمام وضع العراق يومذاك حيث آثر سلامته الشخصية على حساب دماء العراقيين وعلى مصير العراق نفسه حيث دأب على القول " أنا فوق الميول والإتجاهات " أو " القطار ماشٍ "  ... نعم، القطار كان ماشياً ولكن كيف كان يمشي وفي أي إتجاه؟ كان القطار يمشي للخلف وملطخاً بدماء العراقيين الدمقراطيين والشيوعين وبعض محبيه وأنصاره . كان واضحاً أنَّ قاسم إنتهج هذا النهج بعد محاولة إغتياله في شارع الرشيد خريف عام 1959 فجَبُن واستخذى للبعثيين والقوميين وفلول العهد الملكي . لقد أُخصي عبد الكريم قاسم في محاولة قتله فأثر سلامته وترك العراق فراغاً سياسياً سرعان ما سيطر البعثيون والقوميون عليه حتى انتصروا عليه في إنقلاب الثامن من شباط عام 1963 . كانت في قاسم ـ حسب تكهني ـ بارانويا فشكك بأقرب الناس وأكثرهم إخلاصاً له وبالطبع كانت بريطانيا ودوائر حلف الناتو وحلف بغداد تعرف هذه الظاهرة في قاسم فغذّوها وأفادوا منها للحد الأقصى حتى أنه في ليلة الثامن من شباط إستدعى على عجل قائد سلاح الجو الشهيد جلال الأوقاتي وعرض عليه شكوكه الوهمية فيه ومن أنَّ سلاح الجو العراقي بصدد تنفيذ إنقلاب ضده ! مرّت عليه الحيلة ونفّذَ الإنقلابيون مؤامرتهم الدموية السوداء فقتلوه ووأدوا العراق وأستباحوه وما زال العراق لهذا اليوم مستباحاً ! ما كان سلام عادل سيفعل تحت مثل هذه الظروف وكان الجيش مع الإنقلابيين ولم يتحرك الضباط الشيوعيون بل سلّم بعضهم نفسه فقتلوه فوراً أو بعد بضعة أيام . ذهب قاسم لكنه لم يذهب وحيداً ... أخذ معه سلام عادل وجمال الحيدري والعبللي وآلأف العراقيين منهم على سبيل المثال طه الشيخ أحمد والمهداوي والملازم الشاب كنعان خليل فضلاً عن وصفي طاهر وعبد الكريم الجدة وبقي منافسو ومعارضو سلام عادل على قيد الحياة أحياءً يُرزقون.

سؤالك صعب عزيزي يقظان الحسيني .

 

س58: يقظان الحسيني: وكأنك حملت ديالكتيكا منتشيا بالحرف معك وانت شاعر التفعيلة المُجيد لتصف قصيدة النثر بما لم يصفها بها ربما حتى أهلها فما الذي شدك لها وهل غطت ب أغراضها ما يدور حولنا وماهي أهم التجارب التي جلبت اهتمامك

تقبل خالص تقديري

وتقبلوا الأصدقاء في المثقف بالغ شكري

ج58: د. عدنان الظاهر:أنا مع قصيدة النثر الجيدة والجيد منها حتى اليوم قليل . لكني مفعم بالثقة والأمل أنها ستأخذ مداها الأدبي والتأريخي بمرور الزمن فهي لم تزل في بداياتها ولم يتصلب عودها تماماً . ما زالت جديدة على متذوقي وقائلي الشعر وحتى ترسخ ويتعمق تأثيرها في ذائقة الناس وأمزجتهم تحتاج إلى المزيد من الوقت . التكيّف لأي ظاهرة جديدة يأخذ وقتاً قد يطول وخصومها كثيرون ولا سيّما شعراء البحور وعروض الخليل الفراهيدي .. وبعضهم يضع العصيّ في عجلاتها ويعلن حرباً ضروساً شعواء ضدها خاصة إذا قالتها شاعرة متفتحة قليلاً من شواعر الآيروس الجنسي الذي يجد له أسواقاً رائجة هذه الأيام . قصيدة النثر تمثّل أقصى درجات الحرية والحرية هي هواء وغذاء الشعر والشعراء حيث لا تفعيلة ولا مركّب التفعيلات فهذه قيود وكبول وكلبجات تضرب رأس وخيال ومشاعر الشعراء والشواعر على حد سواء . الشعر الحقيقي والبالغ الجودة هو نتاج الحرية المطلقة وليس القيود . قصيدة النثر هي مرآة العصر والمرحلة الأخيرة ـ حتى اليوم ـ في مسلسل تطور الشعر وعقلية ومفاهيم وعواطف الشعراء من كلا الجنسين . الكون يتحرك والحياة تتحرك فتتغير وتتطور حياة الناس مع كل إنجاز علمي ـ تكنولوجي صغُر أو كبر . هل أجبتُ عن سؤالك أستاذ يقظان الحسيني؟ أتمنى ذلك .

 

فاطمة الزهراء بولعراس، أديبة / الجزائر

د. عدنان الظاهر أتشرف كثيرا أن أطرح بعض التساؤلات وليست الأسئلة على أستاذنا وكبيرنا عدنان الظاهر وأشكر كثيرا صحيفة المثقف والمشرفين عليها للفضاءت الأدبية الرفيعة التي يفتحونها كل حين وحين وسعيدة جدا أن أكون من قرائها ومن كتابها وسأجعل أسئلتي (خاصة)بعض الشيء لان هناك كثيرا من الأسئلةة ناب عني في طرحها بعض الأدباء الكرام واستفدت كثيرا من إجابات الدكتور المحترم عدنان الظاهر

 

س59: فاطمة الزهراء بولعراس: سيدي الكريم أنتم من جيل الرواد الذين كان لهم السبق في كل شئ وكانت الكتابة بالنسبة لهم (هواء) لايعيشون إلا باستنشاقه بعيدا عن هوس الشهرة والمادة ....الخ فهل تعتقدون أن الكتاب الحاليين وجدوا الطريق مفتوحا..لكي يكتبوا وينشروا بسرعة في وجود الوسائل الحديثة...ولهذا قل التميز وندرت الكفاءة أم أن الأمر يتعلق بسيطرة المال والإعلام الموجود غالبا في يد السلطة والذي يرفع من يشاء ويعزل من يشاء؟؟ أم هناك أ فكارا أخرى تفيدوننا بها في هذا الشأن...

ج59: د.عدنان الظاهر:سلامٌ عليك سيّدة فاطمة الزهراء بولعراس

سعيدٌ جداً أنْ تكتب لي سيّدات أديبات وشاعرات عراقيات وغير عراقيات وإني لأعتبر كتابتهنَّ لي تشريفاً كبيراً ومناسبة للتعارف وتبادل الأراء والمواقف فنحن وأنتم معزولون عن بعضنا حقّاً لا مجازاً وذلكم شأن غير طبيعي وغير مُرضٍ بالمرّة . متعاطو الأدب أخوة وأبناء وبنات وزملاء يجمعم أملٌ واحد وهمٌّ واحد والأهداف متناظرة أو شديدة القرب من بعضها . أهلاً بك سيدة فاطمة الزهراء بنت الجزائر ونحن نعرف من هي الجزائر ومن هم الجزائريون أبناء وأبطال جبال الأوراس الذين أحرزوا النصر المبين على فرنسا العاتية الإستعمارية وأقاموا دولتهم الوطنية المستقلة وكان ثمنها مليون شهيداً.

أنا وبكل وضوح مع حرية الرأي والتعبير عن هذا الرأي . ولتكن الأبواب جميعاً مُشرعة ووسائل النشر كافة مفتوحة للجميع في مباراة مختلفة المستويات يشترك فيها الأديب المخضرم جنباً إلى جانب الشاب او الشابة الجدد والنوعية في آخر المطاف ستنتصر وستفرز الجيد من الردئ . إنها عملية غربلة في ميدان فسيح نتنافس ويعاون بعضنا البعض الآخر أمام جمهور عريض يقرأ ويراقب ثم يقرر من هو الأفضل ومن هو الأجود . لنترك الأجواء مفتوحة وليشترك في هذه المباراة من يشترك وفي نهاية المطاف يذهبُ الزّبَدُ جفاءً . أراها ظاهرة صحية غير مسبوقة والفضل لوسائل الإتصال والنشر المتاحة للجميع والإنسان نتاج وإبن مرحلته التكنولوجية وهذه اليوم متطورة وفي خدمة الجميع .

نعم، إعلام الحكومات والسلطات والمال تلعبُ أدواراً لا يُستهانُ بها ولكنْ أخيراً لا يصحُّ إلاّ الصحيح.

 

س60: فاطمة الزهراء بولعراس: لاشك أن جيلكم عاصر الثورة الجزائرية في شبابه فهل عندكم قصائد في هذأ الموضوع؟؟ وكيف كان تفاعل جيلكم معها؟

ج60: د.  عدنان الظاهر: نعم .. عاصرت ثورة الجزائر وكنتُ شاهد إنتصارها وكان العراقيون قاطبةً مع الثورة الجزائرية . كما كان معنا في الكلية طلبة جزائريون أذكر منهم الزميل الطيب أيوب والحاج جيلاني حماني وغيرهم وكانوا موضع حب وتقدير واحترام زملائهم الطلبة . قصة جميلة بوحيرد هزّت الوجدان العراقي فهب الشعراء ينظمون القصائد إكباراً لجميلة وتضامناً معها .  كنتُ وقتذاك مشغولاً بدراسة الكيمياء في كلية دار المعلمين العالية في بغداد لكني كنتُ على الدوام قريباً جداً من الأدب والأدباء وخاصة الشعراء منهم .

 

س61: فاطمة الزهراء بولعراس: سيدي: ماذا تعرفون عن الأدب الجزائري ....؟ وهل تواكبون مافيها من حراك إبداعي وخاصة حراك المرأة الجزائرية؟ ... وهل تستطيعون تحديد أسماء  بعض الأديبات؟؟؟ وما هورأيكم في من يطلق اسم الكتابة النسوية أو الشعر النسوي...الخ هل هو مصطلح لائق أم انه يدل على تصنيف ذكوري....أم ماذا؟؟

ج61: د. عدنان الظاهر:كتبتُ دراستين أو ثلاث تناولت بالنقد فيها روايات الشابة الجزائرية ياسمينة صالح وكانت بيننا مراسلات لكنها توقفت بعد وفاة شقيقتها ولاذت بالصمت حتى أني اليوم لا أعرف عنها شيئاً . لكن لي صديقاً جزائرياً أفخر به هو الفنان النحّات والكاتب والناقد أخي الأستاذ محمد بوكرش . لا أتابع الحركة الأدبية في الجزائر سوى ما أقرأ في المواقع لسيدات وسادة من الجزائر نتاجهم جيد ومعاصر ومتميز ربما لأنهم يتقنون الفرنسية بالإضافة للغة العربية . معرفة لغة ثانية مسألة هامة في نظري لكل شاعر وأديب وقاص وناقد من كلا الجنسين بالطبع .

 

س62: فاطمة الزهراء بولعراس: لماذا غاب النقد النزيه في نظركم؟؟ ولماذا لا يواكب الحاضر؟

ج62: د.  عدنان الظاهر:النقد يا عزيزتي مهمة شاقة ونبيلة وسامية المرامي والأهداف . الخوض فيها مغامرة غير محسوبة النتائج.

أصحاب النصوص شديدو الحساسية تجاه النقد لذا فإنَّ النقد الجاد مهمة صعبة إذا قال الناقد الحق غضب أصحابُ النصوص وإذا لم يقله خان نفسه والقرّاء والتأريخ . يتوقع أصحاب النصوص أنْ يمدحهم الناقد ويكيل لهم آيات الإطراء مع حرق البخور . حصلت معي تجربة قاسية مع شاعرة وروائية عربية [أحتفظ بالإسم] كانت تطلب مني، وأحياناً بإلحاح، أنْ أكتب عن نصوصها لكنْ مصيبتها أنها تتوقع مني كيل المديح فقط  وأنْ أرفعها إلى أعالي السماوات ! كانت تضع شروطاً عليَّ كأنها تحسبني سيارة تاكسي أو أجيراً مرتزقاً تحركّني كيفما تشاء ناسية أني رجل هاو وليس محترفاً وإني أكتب بصرامة وبحق خدمة للأدب والأدباء والقرّاء كافة وهذه رسالتي ومسؤوليتي . سيدة أخرى بعثت لي ديوانها الشعري على النت ... قلت لها صادقاً يا سيدة لا أستطيعُ القراءة الطويلة على شاشة الكومبيوتر ثم رجوتها أنْ تبعث لي ديوانها مطبوعاً على الورق ... أتدرين كيف أجابت وأجابت بصلف وقلة أدب؟  شو يعني ... شكو شصار .. بالعراقي ... إطبع الديوان واقرأه ثم أكتب عنه ! كان ديوانها في 120 صفحة وتريدني أطبعه على أجهزتي لأكتب عنه دراسة نقدية ! مع ذلك أجدني متفائلاً وسوق الأدب بخير ونحن اليوم نمر بفترة إنتقالية حرجة ستنتصر في نهايتها كلمة الحق والجمال والسمو الإنساني والأدبي وسيمكثُ ما ينفعُ الناس خالداً على سطح كرتنا الأرضية .

  

 

يمكن توجيه الاسئلة عبر الاميل الاتي

 

[email protected]

 

 

 

للاطلاع

 

حوار مفتوح مع الأديب ا. د. عدنان الظاهر

 

  

 

خاص بالمثقف

 

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2272 الأحد 11 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم