تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

اخترنا لكم

علي العميم: طيب تيزيني و"ذيل الملل والنحل"

لأن طيب تيزيني في كتابه «من التراث إلى الثورة: حول نظرية مقترحة في قضية التراث العربي»، استعمل تعبير السلفية أداةً لتفسير التاريخ العربي الفكري، القديم والحديث، فلقد اهتم أن يميز بين النزعة السلفية والسلف. فالأولى، وهي المعني بها في كتابه، هي - كما قال - «تقوم على اشتقاق الحلول والمواقف المطلوبة أولاً وأخيراً من الماضي الذي كان العصر الذهبي للسلف الصالح، أما السلف فهم أولئك الذين عاشوا في مرحلة ماضية منصرمة، من دون أن يكونوا كلهم ذوي نزعة سلفية». ثم قدم ملخصاً قصيراً لنشأة النزعة السلفية وتاريخها الممتد إلى القرون الحديثة.

ومع معرفته بتاريخ نشأة المذاهب الإسلامية، إلا أنه أشار إلى أن نشأة مذهب الجبرية ومذهب أهل السنة والجماعة كانت في أواخر حياة النبي محمد! في دراسة له عنوانها «طيب تيزيني بين جاذبية المنهج ومزالق التطبيق» منشورة في العدد الأول من مجلة «الفكر العربي»، عام 1978، أمسك رضوان السيد عن مناقشة ما أشار تيزيني إليه، قائلاً: «لا أفهم له سبباً، وربما كان كله خطأ مطبعياً أو سبق قلم، ولا أريد أن أضيف إلى هذا شيئاً بانتظار سماع رأي المؤلف في هذه العبارة اللاتاريخية».

وما أشار طيب تيزيني إليه ليس خطأ مطبعياً ولا سبق قلم، هو هكذا يرى ويعتقد! بدليل أنه في الطبعات اللاحقة للطبعة الأولى من الكتاب التي راجعها رضوان السيد نقدياً لم يحذف ما أشار إليه أو يعدِّل فيه.

يقول تيزيني في فصل «نزعة المعاصرة» من كتابه «لقد اتهم إسماعيل مظهر - كما اتهم معه طه حسين ومن قبله محمد عبده وآخرون عديدون - بارتباطه بالاستعمار البريطاني أو الفرنسي أو الطلياني، وبأن آراءه التحديثية لم تكن إلا بتوجيه من هذا الاستعمار. إن هذا الموقف ذا المصدر السلفي الديني المتزمت نشهده مثبوتاً، بأشكال مختلفة وبدرجات متباينة، في كتب عديدة صدرت سابقاً ولاحقاً، منها على سبيل المثال (الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي) لمحمد البهي - صدر عام 1960 - و(ذيل الملل والنحل للشهرستاني) لسيد كيلاني - صدر عام 1961 - و(الفكر الإسلامي المعاصر: دراسة وتقويم) لغازي التوبة - صدر عام 1969. في هذا الكتاب الأخير مثلاً تكمن دعوة لرفض وإدانة كل فكر تجديدي كان ممثلاً بمحمد عبده أو بطه حسين أو عباس محمود العقاد، أو حتى بمالك بن نبي، وفيه في نفس الوقت إبراز وتبجيل مطنب لحسن البنا. لماذا؟».

إجابة تيزيني عن سؤاله هذا: لماذا؟ كانت باقتباس تعليمتين دينيتين متزمتتين من «رسالة التعاليم» لحسن البنا، أوردهما غازي التوبة في كتابه ضمن 38 تعليمة لشيخه حسن البنا.

وهذا التعليل تعليل غير صحيح. فتبجيل غازي التوبة المطنب لحسن البنا كان لأنه إخواني ونشأ نشأة إخوانية، فلو كان السبب تعاليم حسن البنا الدينية المتزمتة لما كان وصم في كتابه المذكور تقي الدين النبهاني وحزبه، حزب التحرير الإسلامي، بالانحراف الفكري على مختلف المستويات. فالنبهاني وحزبه لا يقلّان عن البنا وجماعته، في التزمت الديني. وما كتبه غازي عن النبهاني وعن حزبه يدخل في نطاق التنافس الحاد والصراع المحموم بين الإخوانيين والتحريريين على تمثيل الإسلام الحزبي الصحيح.

وعرض طيب تيزيني لما جاء في الكتابين الأولين يحتاج إلى تصويب في المعلومات.

كتاب البهي الذي صدر في أول طبعة منه عام 1957، لم يتهم صاحبه محمد عبده بالارتباط بالاستعمار البريطاني، بل دفع هذه التهمة عنه، فهذه التهمة - اتباعاً لجمال الدين الأفغاني - اتهم بها السيد أحمد خان في الهند.

وقد خلا كتاب البهي من أي اتهام سياسي أو ديني لإسماعيل مظهر، فالمتهمون عنده هم طه حسين وعلي عبد الرازق وزكي نجيب محمود وخالد محمد خالد ومصطفى محمود ورشدي صالح.

يصعب تصنيف محمد سيد كيلاني ضمن أي تيار من التيارات الدينية المعاصرة. كما أنه شخصية غريبة الأطوار لا تلتئم مع أي تيار أدبي أو فكري، ولا مع أي تيار ديني أو علماني.

وقبل أن أخوض في هذا الحديث أوضح أن كتيّبه الذي ذكره طيب تيزيني، صدر ضمن تحقيقه لكتاب «الملل والنحل» للشهرستاني.

في هذا الكتيب الملحق بتحقيقه لكتاب الشهرستاني، أراد محمد سيد كيلاني أن يكون كتيّبه في بابه الأول، استدراكاً فيما فات الشهرستاني ذكره من أصحاب الديانات القديمة، وإكمالاً في بابه الثاني لكتاب الشهرستاني في الحديث عن أديان ظهرت بعد عصر الشهرستاني، وكذلك كان الأمر في الباب الثالث الذي جعل عنوانه «المسلمون المعاصرون». في الفصل الثاني من هذا الباب، الذي كان عنوانه «المجتمع الإسلامي وثورته على القديم»، كان من بين الموضوعات المثيرة في هذا الفصل اتهامه على عبد الرازق بأنه في كتابه «الإسلام وأصول الحكم» سرق من كتاب «الخلافة وسلطة الأمة»، الذي أصدره المجلس الوطني التركي. وكان محمد محمد حسين في الجزء الثاني من كتابه «الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر»، قد قال قبله «وتأثر المؤلف به واضح في كثير مما جاء في كتابه من آراء، وهو يشير إلى إعجابه به في إشارة صريحة في بعض المواضع». وفي عرضه لكتاب «الخلافة وسلطة الأمة» ذكر محمد محمد حسين أن الذي ترجمه من التركية إلى العربية عبد الغني سني بك عام 1924.

وليثبَّت كيلاني التهمة على علي عبد الرازق غيّر عنوان الكتاب التركي إلى «الإسلام وسلطة الأمة»، وغيّر عنوان كتاب علي عبد الرازق إلى «الإسلام ونظام الحكم»، وعلق قائلاً: وبين الاسمين تشابه كما ترى! وفي الفصل الثالث من الباب الثالث الذي جعل عنوانه «بين الكفر والإيمان» تحدث عن منصور فهمي ورسالته للدكتوراه في فرنسا التي كان موضوعها «حالة المرأة في التقاليد الإسلامية وتطوراتها»، وأخبر أن فترة الشك لم تطل عنده. وتحدث عن طه حسين وكتابه «في الشعر الجاهلي»، وعن أمين الخولي وإشرافه على رسالة «الفن القصصي في القرآن الكريم» لمحمد أحمد خلف الله.

وفي الفصل الرابع من الباب تحدث كثيراً عن إسماعيل مظهر وتجربته مع الإلحاد، وتحدث قليلاً عن تجربته مع الإيمان.

من مقال كتبه أحمد حسين الطماوي تحت عنوان «رحيل سيد كيلاني صاحب ربوع الأزبكية» نشرته مجلة «الهلال» بتاريخ 1 مارس (آذار) 1999، بعد وفاة كيلاني بشهرين، يعرف قارئ هذا المقال، أن الراحل له تجربة مبكرة مع الإلحاد في أول كتاب صدر له عام 1937، وهو كتاب «الشريف الرضي: عصره، تاريخ حياته، شعره». وللحديث بقية.

***

علي العميم

نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية في يوم: 25 – 6 – 2023م

في المثقف اليوم