تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

اخترنا لكم

هاني سالم مسهور: الاستثمار في استغلال الخطاب الديني

لا يمكننا في العالم العربي أن نتجاوز حقيقة أن أحد أعمق مشكلاتنا في القدرة التي يتم فيها توجيه المجاميع الشعبوية من المنابر الدينية، وحتى عبر منصات الإعلام، هذه مشكلة علينا الإقرار بوجودها، فهي متلازمة متصلة عبر عقود ممتدة لم تنفك ولن تنفك إلا بمواجهتها، وفيما يعتبر الخطاب الديني من أبرز العناصر التي تشكل الهوية الثقافية في العالم العربي فمع ذلك، يشهد هذا الخطاب في بعض الأحيان استخداماً ملتوياً لتحقيق أهداف سياسية واجتماعية، ما يؤدي إلى توجيه عقول الشعوب العربية في اتجاهات محددة، وفي الوقت نفسه، ينتج عنه استخفاف يهدد التنوع الفكري، ويقوض الحريات الفردية.

تعود جذور توظيف الخطاب الديني إلى فترات تاريخية عديدة، حيث استُخدم الدين وسيلة لتوحيد المجتمع، وتحقيق أهداف سياسية في عصور مضت، كان الخطاب الديني يُلهم الناس ويوجههم نحو الخير، لكن مع تغير الظروف وتعقيدات الحياة السياسية، بدأ يتحول إلى أداة لتحقيق مصالح قلة من الحكّام، ولذلك فإن الخطاب الديني يمتلك سلطة خاصة تمكنه من التأثير على العقول والسلوكيات الفردية والجماعية، وفي بعض الأحيان يتسلح القادة السياسيون بالدين، لتبرير قراراتهم وتوجيه التفاعلات الاجتماعية والسياسية. هذا يعزز تماسك السلطة، وفرض الرأي السائد دون مراعاة لتنوع الآراء.

ومكمن الخطر أن يتسلل الخطاب الديني إلى نظام التربية والثقافة، حيث يُشكل مصدراً لتشكيل قيم المجتمع، يُبرز وينمّي الدين تقاليد وعادات، ولكن يمكن أن يكون هذا التأثير إيجابياً أو سلبياً باعتماد السياق والتفاعلات الاجتماعية. ظهر الاستغلال السياسي للخطاب الديني كتكتيك فعّال في تحقيق أهداف سياسية، يتجلى ذلك في توظيف المفاهيم الدينية للتأثير في القرارات وتوجيه التصورات الشعبية، مما يفتح الباب أمام انتقادات حول استغلال العقائد الدينية لأغراض شخصية، عارض التوظيف السياسي للخطاب الديني في بعض الأحيان مع مفاهيم حقوق الإنسان. يمكن أن يؤدي التحكم في الرأي العام باستخدام الدين إلى انتهاك حقوق الإنسان، مثل حرية التعبير والدين والمعتقد.

تظل قضية توظيف الخطاب الديني في توجيه عقول الشعوب العربية محورية في فهم تحولات المجتمعات العربية. يجدر بالمجتمع العربي أن يدرك تأثيرات هذا التوظيف على التنوع الفكري، وضرورة الحفاظ على الحقوق الفردية والجماعية، لضمان تطوره المستدام وتقدمه الشامل، مع ذلك لابد من استيعاب حقيقة أن مبادرات الدول الوطنية التنويرية لم تستطع أن تغير الكثير في ظل انتشار وسائل التواصل، وكذلك توظيف بعض وسائل الإعلام في الانتهازية واستغلال العواطف الشعبية.

تثبت الحوادث في المنطقة وحتى العالم أن الخطاب «الإسلاموي» وفي معيته اليساري العربي هو آفة، تستثمر جماعات الإسلام السياسي في عقول قطيع من الاتباع الذين عطلوا أدمغتهم.

لا يمكننا أبداً ممارسة إنكار أنه لا يوجد مستثمرون يستفيدون من هذا الخطاب وقيادة المجتمعات نحو أزمات متوالية، وفي هذا الإطار على الدول الوطنية كل المسؤولية بأن تعمل على معالجة موضوعية لهذه المشكلة تنطلق من تجديد الخطاب الديني فهذا هو المدخل للتصحيح، أن تبقى المجتمعات العربية معرضة لموجات خطاب الكراهية التي تهز أركان الدول الوطنية العربية.

فلول «الربيع العربي» هم ذاتهم من عادوا وسيعودون يهاجمون أوطانهم فغايتهم «دولة الخلافة» الوهمية. التنوع الثقافي يعززه المحتوى التعليمي القائم على المعرفة والتنوير، واحترام الحقوق لكل الأديان والمذاهب والقوميّات.

التنوع رافد من روافد القوة المستدامة في عصر تتقدم فيه الأمم بأدوات المعرفة، وليس بمعاول الجهل المتمترسة وراء جدران الأزمات، والتي تظهر في كل مرّة لتؤدي مهمة استثمارها في عقول القطيع دون محاسبة وعقاب، وقد قيل في المثل «من آمن العقاب أساء الأدب» ومن آمن العقاب أساء للأوطان.

***

هاني سالم مسهور - كاتب يمني

31 ديسمبر 2023

في المثقف اليوم