حوارات عامة

لقاء مع القاصة والناقدة التونسية هيام الفرشيشي

heyam_fershish- الكتابة هي رغبة في التواصل مع عوالم الذات في علاقتها بالواقع والعالم الخارجي .

- في تموجات الحدث ورحلة الذهاب والعودة يكون للقصة متسع كبير للتعبير

- فكرة القصة لا تأتي من عدم، بل تقوم على أرضية الذاكرة وصور الحاضر والأحداث التي تخترق حياتنا

- النص هو مبنى وليس مجرد متن يكتب دون حرفية

- تعاملي مع اللغة هو تعامل واع يقتضيه الحدث نفسه، ورؤيتي للحدث وطريقة تقديمه

- التجريب هو الخروج عن السائد والتمرد على أنماط الكتابة المكرسة

- أنا ضد اجترار تيمة واحدة، لأن القصة يجب أن تكون متفردة وتعبر عن نفسها، وكل قصة هي اكتشاف، وحدث مدهش بحد ذاته .

1ـ ما هي المكانة التي تحتلها الكتابة في حياتك؟

- تحتل الكتابة المكانة الأهم في حياتي، فلحظات الكتابة لها سحر خاص، والكتابة تتخطى التعبير عن المشاغل إلى الامساك باللحظات الأنطولوجية التي يشدها للحظات الراهنة الصور الفنية وهي تلتمع متتبعة آثار حلم خلاق، أو تشدها إلى الواقع خيوط الروح الأثيرية، والكتابة هي سبر لتأملي في ما وراء الصور، وما وراء الأحداث، وهي في البداية والنهاية رغبة في التواصل مع عوالم الذات في علاقتها بالواقع والعالم الخارجي . والكتابة هي رغبة ايروسية متواصلة لا يمكن التخلص منها أو قمعها تحت أي ظرف أو أي طارئ . وقد تتخذ هذه لرغبة في الكتابة أشكالا شتى كالحوارات والمقالات النقدية أو القصص، إلا أن الأهم من أشكال الكتابة فعل الكتابة في حد ذاته .

2 ـ هل تجدين في القصة القصيرة، متسعا كبيرا للتعبير؟

- رغم كونها قصة قصيرة فهي القادرة على المسك بالعوالم الرحبة ولكن عبر التكثيف والدقة والإشارة إلى مكونات الحدث، فالقصة القصيرة كشكل فني، هي في قدرتها على التعبير ولكن باستعمال فنيات القصة كالاسترجاع والتشطير والمونولوج دون إطناب أو إسهاب، وبما أن القصة القصيرة قائمة على فكرة مكتملة منصهرة فهي تعبر باقتضاب، ولكن عبر اللعب باللغة والأحداث، ولذلك لا يبرز الحدث في صورة ممجوجة بقدر ما يتراءى في صور متموجة تأتي من أعماق الذات إلى ضفاف الواقع، وفي ملامسها للواقع فهي سرعان ما تعود إلى الأعماق مخلفة أسئلة الارتداد والعودة، والمعنى الذي لا يستقر، ففي تموجات الحدث ورحلة الذهاب والعودة يكون للقصة متسعا كبيرا للتعبير .

3ـ لكل كاتب طقوسه قبل و أثناء و بعد الكتابة، هلا حدثينا عنها؟

- في الحقيقة لا توجد طقوس بقدر ما يوجد ذلك التأمل وسبر عوالم الشخصية التي تفعل في الأحداث أو تفعل فيها الأحداث، التأمل يكمن في استبطان بواطن الشخصية واكتشاف ذاكرتها عبر سبر عوالم الذات والبحث في ذاكرتي عن صور مؤثرة ارتسمت في ذهني لأثري بها عوالم الشخصية، هي محاولة استرجاع صور قديمة ولو عبر الحلم، أو محاولة تركيب مشهد على مشهد، أو العودة إلى بعض صور الحلم الذي أراه خلاقا ولم تمح بعض شراراته من الذاكرة . تكمن الطقوس في تأمل باطن النفس، واسترجاع صور الحلم وصور الذاكرة، وابتكار صور تتماشى مع الذات . والطقوس التي اعتبرها مهمة في كتاباتي هي العودة إلى الأمكنة العالقة في الذاكرة وإعادة الاتصال بها حسيا عبر الرؤية والرائحة والحركة إذ تمثل أرضية للحدث، فأنا لا أتحدث عن أمكنة مجهولة، وإنما هي أمكنة واقعية قد أدخل عليها حالة من الغرابة، ودهشتي الطفولية الأولى لتعيد تشكيل الواقع عبر رؤية تتسم بالغرابة والحيرة، والبحث فيما أتاحته تلك الامكنة على عالم الذات وإعادة تشكيله قصصيا من هذا المنطلق، مع إضافة وجه غريب للحدث هو نتاج الرؤية الغرائبية التي تعكس دهشة وحيرة طفولية، وإعادة اكتشاف المكان يؤدي إلى الهرب من ذلك المكان في نهاية القصة إذا كان يسقط مشاعر القلق، أو التشبث بالمكان إذا كان يرمز للطمأنينة . فالفضاء المكاني مكون أساسي في قصصي وحيز للحدث والشخصيات، تتقاطع فيه الأزمنة، ومنه تبدأ كتابة القصة، لذلك أعاود الرجوع للمكان وما تركه من ارتسامات وتخييلات تنضج مع الزمن ........

4ـ من أين تمتحين الفكرة النواة للشروع في كتابة قصة قصيرة؟

- فكرة القصة لا تاتي من عدم، بل تقوم على أرضية الذاكرة وصور الحاضر والأحداث التي تخترق حياتنا، الذات تعيش في عالم من الصور، وتلك الصور تتراكب وتتراكم لتشير إلى فكرة، فالفكرة هي في انصهار هذا المزيج من المعايشة والتصور الذاتي، هي نتاج بانوراما من الصور التي تؤدي إلى فكرة ما، فالفكرة هي في قدرة الصور على التشكل في شكل ما، تماما كالحلم تتمخض فيه صور شتى عن حدث أو مشهد، إلا انه الحلم الذي لا يرتسم في لحظة ذهول فحسب بل يتشكل عبر بعض الاليات والتقنيات القصصية، والاشتغال على هذه الفكرة أمر ضروري في مرحلة لاحقة لتأخذ شكلا قصصيا . كتابة القصة ترتبط بافكار الذات المبدعة التي لا يمكن أن نجزم أنها من وحي اللحظة، بل هي من وحي الذاكرة في تلبسها مع اللحظات الراهنة، هي نضج للتخييل الذي يبدأ من الطفولة وينتهي إلى التخييل الفني، لذلك أعتبر شخصيا أن كل فكرة يجب أن تكون أصيلة لأنها تنطلق من الذات، وتبحث عن آليات فنية تجيد تشكيلها .

5ـ بماذا تشعرين عندما تقرئين لكاتب آخر أو كاتبة أخرى نصا قصصيا جيدا، أو نصا لا تستسيغه ذائقتك؟

- داخل كل مبدع هناك ناقد وقارئ يتفاعل مع النصوص انطلاقا من ذائقته الخاصة، ولكنه يلتزم الحياد إذا مارام تناول النص انطلاقا من النظر في تقنيات وطرق الكتابة، فهو يضيء النص من خلال رتقه للثغرات التي تركها النص، ولكنه يعطي ملاحظات اذا كانت هناك هنات، أو براعة وتمكن في البناء والغة والتيمة، النص هو مبنى وليس مجرد متن يكتب دون حرفية، النص المتين يشاد به، والنص الجيد الذي به بعض الهنات يقع التنبيه إلى هناته .

6ـ كيف هو تعاملك مع اللغة؟..هل أنت مع من يتشدد في أن تكون اللغة متينة خالية من المفردات الدخيلة أو الجارية على لسان العامة، أم أنك مرنة في تعاملك معها و قد لا تتورعين في توظيف مفردات من خارج المعجم؟

- اللغة التي أكتب بها قصصي هي اللغة العربية وهي لغة خصبة، ومفرداتها ثرية، ولكنني لست ضد استعمال المفردات الدخيلة أو الجارية على لسان العامة، اذا اقتضى الحوار ذلك، وذلك مرتبط بالشخصية القصصية . توظيف بعض العبارات الجارية على لسان العامة في قصصي أمر مقبول في ولكن باقتضاب، بحيث تعكس المفردات تركيبة الشخصية وافقها الاجتماعي وتعطي صورة واضحة عن البيئة التي تعيش فيها . وتعاملي مع اللغة هو تعامل واع يقتضيه الحدث نفسه، ورؤيتي للحدث وطريقة تقديمه، أحيانا تكون اللغة إخبارية، وأحيانا تكون شعرية مشحونة بالرموز والاستعارات، تشير إلى معان وأشياء متعددة، اللغة ترتبط بالبناء القصصي لذلك قد تكون على غاية من البساطة أو تتعقد قليلا وتتراكب، وعموما أن أستعمل الصور اللغوية الغامضة أحيانا، لكنني ضد الإغماض والتعتيم، لأعطي للقارئ العادي حظ قراءة النص دون إجهاد أوتعتيم .

7 ـ هل أنت التي تحدد شكل القصة أم التيمة هي التي تتحكم في ذلك؟

- التيمة هي التي تحدد شكل القصة، وطبيعي أن أنساق وراء التيمة، ولكنه ليس انسياق آلي بقدر ما هو إدراك داخلي، بتحديد التيمة للشكل، إذا كانت التيمة تعبر عن حدث واقعي، فمن غير الطبيعي كسر خطية الأحداث، وإذا أسطرت الواقع أو حملته عبر الحلم، طبيعي أن تكون اللغة خصبة، وشعرية، وطبيعي أن أكسر خطية الاحداث لأنها لا تسير على خط منطقي ومعقول، واذا كانت التيمة تعنى بالعبثي والغريب، فلا بد من وجود استعارة معينة أرى من خلالها الحدث الساكن . فالتخييل يتفاعل مع النشاط الذهني، لأن المبدع يبقى مشدودا إلى ذاكرته وأفقه المعرفي . لذلك يأتي الشكل في مرحلة ثانية .

8ـ ما مفهومك للتجريب؟ و هل القصة القصيرة في شكلها التقليدي مضى عهدها؟

- لن أضيف جديدا إذا قلت ان التجريب هو الخروج عن السائد والتمرد على أنماط الكتابة المكرسة، ويعكس حرية المبدع وهو يكتب النص المتفرد لأنه ينطلق من الذات وهو يسبر مكوناتها، فيعبر النص عن ذات المبدع وذاكرته وآفاق مخيلته . وبما أن التجريب هو خروج عن الواقعية المطمئنة، فهو تفاعل مع واقع الحياة بطريقة غرائبية في الغالب، وحسب ارتسامات الذهن وحساسية المبدع .

صحيح أن المبدع يقف على أرضية صلبة تتكون من قراءاته للأدب الكلاسيكي والأدب المجدد، لكن نصه الابداعي بطبعه يفتقد للوثوقية والمسلمات والتصنيفات الجاهزة، هو النص الذي تكتبه الذات في سياق حساسيتها ووعيها، وبذلك تكون الكتابة التجريبية عبارة على تجربة مغايرة للسائد وتقديم البديل الذي هو صورة من صور الذات المبدعة في تجليها عبر اللغة، ومن ثمة يعبر النص عن هوية كاتبه، والذي قد لا يكون غريبا فحسب من خلال الحلم أو الكابوس، بل من خلال إلصاقه على أرض الواقع، وعبر تقنيع المخاوف والرؤى عبر شخصيات أو رموز هي بمثابة استعارة لما يجول في ذهن فقد يقينه، ولم يعد يمشي على أرض ثابتة . التجريب هو الكشف عن الجوانب الملغزة في الواقع التي لم يعد يجد لها الإنسان إجابة، وبالتالي تمثل غرابة الحدث الوعي الفكري بهذا الالغاز الخارج عن مجال تفكيره وقوانينه السببية، هو كسر للمتوقع الذي يظهر ويختفي، أو يظهر دون سبب يحتم ظهوره، وهو ترميزات لغياب الحقيقة المطلقة، والعودة إلى اللغة الشعرية المغلفة بالصور الغامضة، الى المجاز والاستعارة، لتعبر اللغة الشعرية عن حلم يعيد تشكيل الواقع، ويعيد اكتشاف الواقع .

ولا أعتقد أن القصة الواقعية بشكلها التقليدي مضى عهدها لأنها تستند إلى أرضية صلبة وهي اقبال القراء عليها، فهي التي تتحكم في ذائقة السواد الأعظم من القراء غير المختصين، ولأنها تقدم شكلا جاهزا لواقع مجموعة معينة، وتقوم على تناقض عناصر الواقع والصراع الذي يصعد الحدث، وتعبر عن وجهة نظر ايديولوجية وعن موقف الكاتب من الواقع، فهي مقروءة . وهذا التوجه الواقعي، مرتبط ببطء التحولات الاجتماعية في العالم العربي بصفة عامة، في حين أن التجريب هو تجاوز للواقع العربي نحو واقع مغاير، هو تجريب النخبة الذين انفصلوا عن أرضية الواقع وأرضية القراء . ثم أن بقاء الواقعية يرتبط بعدم تفكك السلطة الأبوية التي تهد معمار الكتابة الواقعية وتنسفها في غير رجعة . فالقارئ العادي المستريح الذي تعود على أن يكون الأدب محاكاة للواقع ومطابقا له، في أسلوب واضح ومبسط وتسلسل منطقي للأحداث، وعلاقة الكاتب بتلك الأحداث، كل ذلك يخلق علاقة بين الكاتب والقارئ المتوقع الذي يتتبع مسار قراءته للنص عبر التشويق والحبكة القصصية، فيعبر المبنى على شكل فني للمتن الحكائي . وكل هذه الأسباب هي وراء ترسخ الواقعية رغم التجارب التجريبية التي هي تجربية بقسط، إذ لم تقوض شكل القصة المتعارف عليه إلا بمقدار ....

وأغلب القصص التي تجنح نحو التجريب في رأيي يجب أن يجرب صاحبها الشكل الواقعي ثم يتحرر عنه لكي يتجاوز الواقعية إلى القصة التي تكون فيها الحكاية عبارة على حلم يستقدم الفنون الأخرى والأسطورة، دون أن تفقد خاصيتها الحكائية، بل تتسم ببعض الأجواء الغامضة والمبهمة التي تعيشها الذات، وتعكس رؤاها وتأملها على العالم الخارجي . ولا بأس أن تتكثف الفكرة وتلتمع وتتحول إلى ومضة وتستحيل إلى مشهد أو لقطة . ولا بأس ان يستعيض الكاتب عن الومضات الورائية إلى مجالات الحلم والخيال . ولا بأس ان نكتب القصيدة الأقصوصة المهم هو الحفاظ على القصة . ولا بأس ان يقطع الكاتب نصه القصصي ويعنون مقاطعه، المهم تقديم القصة في صورة جميلة وممتعة .

9ـ لكل كاتب تيمة أو تيمات محددة قد لا يخرج عنها إلا لماما، ماهي التيمات الطاغية على مجمل كتاباتك القصصية؟

- لا توجد تيمة محددة في كتاباتي القصصية، فلكل قصة تيمتها، لأن التيمة لا تكرر نفسها، القصة القصيرة لها المجال الرحب لتفي التيمة حقها في قصة واحدة، وانا ضد اجترار تيمة واحدة، لأن القصة يجب أن تكون متفردة وتعبر عن نفسها، وكل قصة هي اكتشاف، وحدث مدهش بحد ذاته .

10 ـ هناك من يتهيب دخول مسابقة أدبية للحصول على جائزة، سواء محليا أو عربيا، هل أنت من هذا الصنف، و لماذا؟

- نعم أنا من هذا الصنف لأن الجوائز تمنح لعدة اعتبارات أكثر من ارتباطها بالنص الأدبي، وعند إعلان النتائج عن أي مسابقة أدبية يقع الكثير من اللغط الإعلامي، إذ لا توجد لجنة تحكيم نزيهة وإن ادعت عكس ذلك، الجوائز تخضع للاخوانيات والمصالح المتبادلة والتوصيات، إذن لا أريد الدخول في أي مسابقة أدبية بتوصية أو بدون توصية طالما أن النزاهة عملة صعبة جدا . وأنا حقا مستاءة جدا من المسابقات الأدبية التي لم تعد تعكس القيمة الأدبية للنصوص المترشحة بقدر ما تمثل فرصة لإسداء الخدمات لزيد أو لعمر، أضف إلى ذلك الجوائز التي تمنح لمن قدم خدمات لا علاقة لها بالأدب والثقافة ....

11 ـ هل هناك مجموعة قصصية على الأبواب؟

نعم هناك مجموعة قصصية على الأبواب طالما أن كل أقاصيصها نشرت في مجلات أدبية وثقافية تونسية لها مصداقيتها، مثل مجلة "الحياة الثقافية " ومجلة "قصص"، وأعدت نشرها في العديد من المجلات الالكترونية .

حاورها: عبد الحميد الغرباوي - المغرب

..........................

هيام الفرشيشي

قاصة وناقدة تونسية

صدر لها كتاب نقدي "أوركسترا الشاعر" في 2004

تعاونت مع الملحق الأدبي لجريدة الصحافة التونسية بين 2003 و2007، ثم انتقلت للملحق الثقافي لجريدة الحرية التونسية .. وتميز نشاطها بالمتابعات النقدية والحوارات مع الشخصيات الأدبية والشعرية من تونس والعالم العربي وغير العربي .. والتغطيات لبعض المهرجانات الثقافية ...

عضو بنادي القصة بتونس

ونشرت قصصها بمجلات ثقافية مثل "الحياة الثقافية" و"قصص" ومجلة " المسار " في تونس، ومجلة "البحرين الثقافية"

استضيفت في برامج تلفزية ثقافية في قناة 21، وبرنامج "رواق الكتب" في القناة التونسية الرئيسية، وفي برامج إذاعية بالإذاعة الثقافية وإذاعة الكاف، وإداعة الشباب، وإذاعة صفاقس ...

تنشر كتاباتها في صحف الكترونية مهمة، وصحف عربية ...

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1345 الاثنين 15/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم