حوارات عامة

القاص المغربي محمد كروم... في ضيافة المقهى؟؟!

ورغم انشغاله الكبير لم يكن عنده مانع في أن أقتطف من وقته الثمين هذه الدردشة القصيرة…

 

من هو محمد كروم؟

-قاص من تارودانت (جنوب المغرب). أستاذ التعليم الثانوي لمادة اللغة العربية، خريج جامعة القاضي عياض شعبة اللغة العربية وآدابها.من مواليد إحدى القرى الصغيرة المترامية جنوب مدينة مراكش (39كلم) والتي تسمى (الشويريج) بين مراكش وأمزميز.مارست وما أزال الكتابة الصحفية في عدة منابر جهوية وأحيانا وطنية . كما نشرت مجموعة من المقالات الأدبية. وأتحمل مسؤولية التنشيط الثقافي والمسرحي بالمؤسسة التي أشتغل بها .

 

كيف جئت إلى عالم الكتابة؟

-جئت إلى عالم الكتابة من عالم القراءة . منذ مرحلة الدراسة الإعدادية والثانوية وبعدهما الجامعية كنت أجد في عالم القراءة متعة لا تعدلها متعة. سواء قراءة الأشعار (نزار قباني، المتنبي، درويش، أبو تمام....) أو الكتابة السردية (غسان كنفاني جبران، عبد الرحمان منيف...) ومما كان يعمق قراءاتي طابع البادية التي نشأت فيها حيث شكلت مجالا خصبا للخيال والتأمل . إضافة إلى الحكاية الشعبية التي شكلت جزءا هاما من تكويني الوجداني، حيث كان غياب التلفاز وأي وسيلة أخرى للترفيه في مرحلة الطفولة مناسبة لانتعاش الحكاية سردا وتلقيا . وكانت البدايات الأولى للكتابة في المرحلة الثانوية، لكنها كانت كتابة بسيطة وتبحث عن ذاتها في الشعر تارة والقصة تارة أخرى . وربما لا أفشي سرا إذا قلت بأن نصوصي الأولى لم تنشر في مجموعتي الأولى الموسومة ب"شجرة القهر" رغم أن من تلك النصوص ما نشر ببعض الجرائد الوطنية خاصة في مجال القصة القصيرة جدا.

 

هل يساهم النقد في تشجيع المبدع المغربي أم في فشل تجربته الإبداعية؟

-النقد المغربي سيف ذو حدين.جانبه النظري مهم ومفيد حيث يمكن المبدع والقارئ بشكل عام من معرفة قوانين وأسس نوع ما من الإبداع ومن ثمة تطوير كتابته.لكنه في جانبه التطبيقي وفي غالب الأحيان ـ ولا أقول كل الأحيان ـ إما أن تتحكم فيه العلاقات والانتماءات فتطغى عليه المجاملة والكذب والنفخ حتى نصبح أمام تجارب كتابية متضخمة، وإما أن يقوم على تهميش و تقزيم تجارب إبداعية حقيقية لأنها لا تؤمن بمبدأ العلاقات والصداقات و"هلم شرا" وفي كلا الحالتين هناك إساءة للإبداع.

 

ما هي طبيعة المقاهي في تارودانت؟ وهل هناك مقاه ثقافية ؟

-المقاهي في تارودانت فضاء يكتسب سماته من طبيعة الحي الذي يتواجد به، حيث يمكن أن نميز بين نوعين من المقاهي : مقاه شعبية حتى النخاع متراصة داخل المدينة العتيقة المسيجة بسورها التاريخي . ومقاه متطورة شيئا ما ويتواجد أغلبها في الأحياء الجديدة بالمدينة. هذا التصنيف يتحكم كثيرا في طبيعة رواد المقاهي . لكنه مع ذلك وللأسف لم يفرز لنا مقاه ثقافية بالمدينة . فأقصى ما يمكن أن يفعله المرء هو قراءة الجريدة، لأن قراءة كتاب كثيرا ما يثير الاستغراب، استغراب الجالسين وعابري السبيل، بل وحتى جلساءك .وقد كانت هناك محاولات محتشمة في هذا الصدد تمثلت في استضافة جمعية " غريب وعجيب " لأحد الوجوه المسرحية المغربية، واستضافة " نادي الإبداع الأدبي والمسرحي" بثانوية ابن سليمان الروداني (الذي أتحمل مسؤولية تنشيطه) للكاتبة لطيفة باقا ثم الكاتب عبد العزيز الراشيدي وقد تم ذلك بإحدى المقاهي في جلسات ثقافية أضفت على المقهى شيئا من وصف "المقهى الثقافي"

 

هناك علاقة وطيدة بين المقهى والمبدع ما رأيك في ذلك؟

-العلاقة بين المبدع والمقهى جزء من العلاقة بين المبدع والفضاء بشكل عام، وهي علاقة وطيدة بالتأكيد ولها طقوسها الخاصة حتى أن هذا الارتباط لا يكون خاصا بالمقهى فقط بل أحيانا كثيرة يتعلق بركن معين أو طاولة محددة في فضاء المقهى عندما يجدها المبدع (محتلة ) من طرف الغير يحس بالغربة والضياع. وكثير من المبدعين ـ مغاربة وغير مغاربة ـ ارتبطت تجربتهم بمقاه معينة .

 

هناك من يعتبر المقهى فضاء ملائما للإبداع، هل سبق أن جربت جنون الكتابة بها؟

-الكتابة كلها جنون، وأن تكتب بمقهى في مدينة مثل تارودانت، جنون مضاعف. والقراءة أو الكتابة بمقهى في هذه المدينة يوازي جلوس المرأة على كرسي من كراسي المقهى فكلاهما يثير الاستغراب. ولكن مع ذلك جربت هذا الجنون أكثر من مرة وخرجت بنصوص كثيرة أعتز بها وأعتز بميلادها في رحاب المقهى لأني مشغول كثيرا بفرض هذا التقليد وتحويل المقهى إلى فضاء للمتعة والاستفادة بدل تركه فضاء مستباحا للنميمة وتضييع الوقت. والكتابة بالمقهى خلقت لي في البداية بعض المشاكل مع الأصدقاء ولكن أمام إصراري تقبلوا الأمر وصاروا يتعودون عليه.

 

ماذا يمثل لك: النقد، الوطن، السلام؟

-النقد: خلفية معرفية ضرورية لتطوير العملية الإبداعية. ومصباحا ينبغي أن ينير سبيل الأقلام المبدعة. حين يكف النقد عن المجاملة ويقطع أواصر العلاقات الشخصية يمكن أن يضطلع بمسؤوليته الحقيقية.

الوطن: أيقونة تحفظ الروح. ومن لا وطن له لا منفى له كما قال درويش. والوطن هو علة الحياة ومن فقد علة الحياة فقد الحياة نفسها وكما قال المتنبي " بما التعلل لا أهل ولا وطن ....."

السلام : حلم أخضر في أرض شبه جرداء.

 

كيف تتصور مقهى ثقافيا نموذجيا؟

-يصعب الحديث عن النموذجية في ما يخص المقهى الثقافي لأن هناك عواملا كثيرة تتدخل في تحديد ذلك أبسطها مثلا الظروف الطبيعية لذلك يمكن أن أتصور بعجالة نوعين من هذا النوع من المقاهي : مقهى للشتاء ومقهى لبقية فصول السنة (أنطلق في تصوري من مدينة تارودانت التي يهيمن فيها الحر على معظم فصول السنة) الأول يكون بالمدينة العتيقة التي تمنحه الدفء اللازم والثاني يكون مفتوحا على فضاء طبيعي ينعش الروح والبدن . وفي كلا الحالتين ينبغي أن يكون صاحب المقهى مثقفا أو متعاطفا مع المثقفين . وأن يحضر لتنشيطه بين الفينة والأخرى مثقفون من خارج المدينة. وأن يتجرد مثقفوه من حساباتهم وحساسياتهم الزائدة . وان يكون ذلك في مدينة وفي دولة لا ينطبق عليها بيان أحمد بوزفور الذي بين فيه أسباب رفضه لجائزة الدولة التي منحته إياها وزارة الثقافة .

 

************

أشكرك مرة أخرى على فتح قناة الحوار والنقاش

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1394 الاربعاء 05/05/2010)

 

في المثقف اليوم