حوارات عامة

حوار مع الكاتب القصصي عمر السعيدي / هيام الفرشيشي

وعذرها أن النص للكاتب المكرس هو الذي يجب العناية به، في حين أن هناك بعض الأسماء المبدعة التي تحيا وتعيش معاناة الكتابة وما فتئت تبحث عن الصدى الذي يجب أن يصل، ومن ثمة فليحكم القارئ العادي لها أو عليها . وإذا لم نحاور الكتاب المكرسين أو الكتاب الجدد المشتغلين بالإبداع فقد أخفينا جانب من المعادلة، وهذا لا يستقيم في عالم الإبداع، فكل الفنون تشهد زخما من الوجوه الجديدة اللامعة التي تقدم الإضافة باستثناء الكتابة الأدبية أو الشعرية فالصراع على أشده بين الكتاب الكبار والكتاب ذوي التجارب الجديدة، فالكبار يعترفون أن الكتاب الجدد مرحلة، والكتاب الجدد الذين يعيشون معاناة الكتابة، يعيشون معاناة مضاعفة وهي ترسيخ ما قدموه وإلقاء ولو بعض الضوء عليه . وبرامج السياسة الثقافية والإعلامية تدعو إلى العناية بالجميع ممن قدموا الإضافة على حد السواء . ومن هنا كان منطقنا ومنطلقنا ...

 

والكاتب الذي نلتقي به اليوم لا يمكن اعتباره إسما جديدا بل تجربة جديدة، فله من المجموعات القصصية خمس مجموعات وهي "الصوت المفقود"، "المشي بعين واحدة "، "الشرفة "، "صبايا " و" الأسوار العالية "، وكلما تقدمت تجربة الكتابة كلما شعرنا من خلال العناوين أن الأسوار ما طفقت تعلو ... كما كتب عمر السعيدي النقد وصدرت له " قراءات في الرواية التونسية " و " رؤية في القصة التونسية المعاصرة "، وكتب رواية " ماريا " وقصص للأطفال . وهو رجل تربية وتعليم بما أنه مدير مدرسة إبتدائية .

 

تتميز مجموعتك القصصية الجديدة " الأسوار العالية " بالتجديد على مستوى الشكل، فالقصص قصيرة مكثفة والرمز أكثر ايحاء والإشارة خاطفة؟

- في المرحلة الأخيرة من كتابتي للقصة القصيرة، شعرت أن القصة التي صرت أكتبها تتواصل وتختلف في جانب كتابة القصة التقليدية المعروفة، وإدخال نوع من التجريب حيث تأخذ القصة بأسلوب البرقية، مع توظيف البديع، واعتماد الرمز المكثف، والشعرية في معناها الظاهر . ورغم أن مضامين هذه القصص تنطلق من الواقع إلا أن الرمز المعتمد يجعل القصة قابلة للتأويل، بل التوسع في التأويل وخاصة في قصتي " كرسي هارون " و"الراعي"، حيث لا يكتفي القارئ بقراءة ظاهرية، وأن لا يكون الرمز واضحا شفافا بل يتطلب مفاتيحا من الواقع تفتح مجال التأويل .

 

برزت من خلال كتابة القصة القصيرة، ونشرت خمس مجاميع قصصية هي: "الصوت المفقود" و"المشي بعين واحدة" و"صبايا" و"الشرفة" وحاليا " الأسوار العالية " ولكننا لم نقرأ لك إلا رواية واحدة وهي "ماريا"، لماذا هذا التقصير في كتابة الرواية ؟

- تتطلب الرواية مرحلة زمنية كبيرة، كما تتطلب من الكاتب أن يحمل فكرة الرواية، ويتجازو ذلك الحمل مدة السنة لرعاية هذه الفكرة وإخراجها على الورق . ورغم أن الرواية أكثر حرية في توظيف الأشكال والوسائط الفنية والاستعانة بمعارف عديدة في التاريخ والجغرافيا، والدين، وعلم الأجناس الثقافية وعلم النفس إلا أن القصة تبقى وليدة اللحظة، وكتابتها لا يتطلب حيزا زمنيا كبيرا لميلاد الفكرة عبر القصة . فأي عمل أدبي سواء كان قصة أم رواية حسب تجربتي الخاصة أشبه بالجنين في رحم الأم فعندما يكتمل النمو لا بد أن يخرج . وبما أن ولادة القصة هي الأيسر بالنسبة لي، وربما لأنني أشعر أنني أسابق الزمن لتقديم مشروعي الأدبي، فإن اتجاهي إلى كتابة القصة مرتبط بفكرة الزمن والقدرة على العطاء .

 

كتابتك للقصة القصيرة هل كانت نتيجة ارتسامات وأحداث في الذاكرة منذ مرحلة الطفولة أم نتيجة المطالعة التي سهلت لك مفاتيح اللغة والفكرة لترسم قصة الحدث أو قصة الشخصية ؟

- أذكر أن بداية الكتابة كانت نتيجة المطالعة، فحين كنت معلما في ريف تالة في بداية الثمانينات من القرن الماضي، كنت أجد في المطالعة المجال الذي يمكنني من الخروج من الفراغ، فالحصص التعليمية تتطلب نصف اليوم ويبقى النصف الثاني شاغرا، وذلك ما أشعرني بالفراغ، ووجدت في عالم الكتب والمطالعة الدافع للخروج مما استبد بي من ملل، ولكن الكتابة كانت على خلاف المطالعة عسيرة، لذلك عنونت أول نص لي ب " ولادة عسيرة "، فقد ارتسمت في ذهني فكرة القصة ولكن كتابتها تطلب جهدا لأنها تصور معاناة الكاتب اثناء كتابة النص ، لذلك شبهت الكاتب بالمرأة والعمل الأدبي بالجنين، فإذا خرج الجنين قبل اكتمال النمو خرج مشوها .

 

هل كان هذا الهاجس وهو ضرورة صقل الفكرة عند كتابتك للقصة ما جعلك تواكب جلسات "نادي القصة بالوردية" عند انتقالك إلى العاصمة ؟

- فعلا، لقد التحقت بنادي القصة في بداية التسعينات للتعرف أكثر على مميزات القصة من خلال ما يسمع وما يناقش، وانطلاقا من توفر الأجواء النقدية في هذا النادي شعرت بحاجة إلى تطوير حسي النقدي عبر قراءة الدراسات النقدية حول القصة كشكل فني وآفاق تطويرها والمراحل التي مرت بها في تونس، فأدركت أن القصة القصيرة فن صعب تتطلب كل هذا الاجتهاد أو أكثر، فهي في الأساس عمل إبداعي وتقنية كتابة في آن ولكن عنصر الإبداع هو شرط توفر الحس القصصي عند الكاتب .

 

عرفت ببعض متابعاتك النقدية لأعمال أدبية تونسية وعربية وعالمية، ولكن تركيزا مني على القصة في هذا الحديث، وتحديدا على القصة التونسية، ما هي الأسماء التي تأثرت بكتابتها للقصة، أو فلنقل قد وجدت فيها بعض سمات التميز؟

- من الأعمال القصصية التي شدتني مجموعتي رضوان الكوني " النفق" و" الكراسي المقلوبة " حيث تفتح فكرة القصة مجالا للتأويل، مع جمالية اللغة والرمز الخاطف . أحمد ممو من حيث الأسلوب وبناء الجملة الأدبية المتينة، يحيى محمد في مجموعته "نداء الفجر"، محمود طرشونة في مجموعته القصصية "نوافذ" حيث اختار عينات هامشية من المجتمع تعاطفت معها كقارئ مثل قصة "المنظف البلدي"، فالخصائص الفنية التي اعتمدها الكاتب هي ما ما جعلها ترسم في صورة إنسانية محببة، لتتأثر بمنطق المنظف الذي رأى نفسه في صورة سيد المدينة لأنه هو الذي يطهرها وينظفها ويجعلها تبدو بصورة ناصعة، ولئن ارتسم وعي الكاتب وصوته فإنك تقبلها منه كقارئ لأنه دمج موجودا جديدا وواقعا جديدا هو واقع متخيل . كما أعجبت بقصص الكاتب القصصي حسن مشري، فرغم بدايته في بداية التمانينات من القرن الماضي فلم يبرز كغيره من كتاب القصة في تونس رغم تميزه بالأسلوب وتجميع تفاصيل الصورة السينمائية .

 

في مجموعتك القصصية الجديدة " الأسوار العالية " عنونت مقطع من قصة ب : " مريم الحكايا " للكاتبة السورية علوية صبح، فهل شدك هذا النص أم شدتك شخصية هذا النص؟

- لقد اكتشفت هذه الرواية من خلال دراسة كتبت عنها في مجلة عربية، فاقتنيتها، وهي تتركب من جزئين، كبيري الحجم . الرواية التي تدور أحداثها في زمن الحرب اللبنانية وتحمل هموم الشخصية والتصاقها بواقعها ومعاناتها ما جعلني أجد الشخصية عميقة، وشفافة، وهي تحمل معاناتها النفسية والفكرية، فتحولت بالنسبة لي إلى رمز لصورة ممكنة قصصية وانتقالها من فضاء الفكرة إلى فضاء الورق .

 

رغم غزارة ما كتبت قصصيا فنصوصك لم تثر الأساتذة الجامعيين ليكتبوا عن تجربتك القصصية، فهل هذا تقصير منهم أم أن النص الجديد لم يقدم الإضافة المنشودة ولم يكرس أهمية حضور القصة الجديدة في تونس؟

- فقط كل ما أطلبه من النقد الجامعي الخروج عن الإخوانيات والمصالح المادية والاهتمام بالإبداع والكتابات الجادة التي تحاول الارتقاء بالقصة التونسية، ففي حوار لي مع أحدهم قال لي إنه لا يشتري الكتب لأسماء جديدة بل ينتظر أن تصل إليه وقد لا يقرأ ما يصل إليه، فهو كغيره يعكس التقصير في القراءة للأسماء الجديدة ويهتم بالقصة التي كرست أسماء أصحابها، وذلك بسبب العلاقات لأن الأسماء المكرسة تعتلي شرفات النوادي وأصحابها لهم مواقع أدبية مؤثرة، ويشرفون على الفضاءات الثقافية، فإذا أشرفوا على ندوة فلاحظي أن جل المداخلات ستتحدث عن كتاباتهم وذلك لأسباب مادية ليس إلا، وبذلك سيضمن للنقاد الجامعيين أنهم سييقدمون المداخلات ويقبضون ثمنها .

 

وأنت تدرك هذه الحقيقة فلمن تكتب، ولماذا تكتب ؟ وهل تكتفي بالصوت في غياب الصدى؟

- من لا موقع مؤثر له باستثناء نصه الأدبي لن ينتظر من النقد الجامعي أن يهتم بنصه لأن هذا النقد الذي لا يستمع إلى أصوات التجارب الجديدة، لكنني أكتب بالأساس لأنني مبدع، ولأنني أحمل الأفكار وأتمثلها قصصيا للخروج من الرتابة و الأشياء العادية وموت الذات، أنا أكتب لأنني موجود.

 

بالنسبة للصدى لم يبق لي إلا التاريخ، فقد يظهر من يهتم في التاريخ بنصوصي ليخرج الدرر المدفونة، ومن يهتم بهذه الذات التي تجنح نحو عالم المعرفة .

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1444 الخميس 01/07/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم