حوارات عامة

صاحبة مؤلف "جمال الروح" الكاتبة والشاعرة اليمنية منى لقمان:

mona"عصفورنا العربي النادر هو ذاك الأديب النحات الذي يجسم الجمال لكل المستويات"

من اليمن مهد نهضة العمران العالي في التاريخ انبجس اسم إبداعي ينحت في صخر اللغة

جمال المعنى وجمال الروح فيجعل من صمهما نطقا سيمفونيا يسر السامع والناظر في ذات الآن.

إنها الشاعرة والكاتبة منى شوقي لقمان صاحبة التحفة الأدبية "جمال الروح" الصادر مؤخرا عن دار سندباد بالقاهرة، هي قلم انصرم كالوهج من قوالب كلاسيكيات التأليف الفكري والأدبي الجامد التي أضنت القارئ العربي قبل أن يقرأها حتى، فكتبت بأسلوب ينبذ شرطية المستوى ويقفز عن احتكارية النخبة قراءة المنتج الفني والجمالي للعقل والوجدان العربيين.

عن تجربتها في حقل الخاطرة وواقع الكلمة الجميلة في المشهد الإبداعي العربي قبلت مشكورة التحدث إلينا الكاتبة والشاعرة اليمنية منى شوقي لقمان.    

ـ يرى الكثيرون أن فضاء الخاطرة أضيق من أن يستوعب جراحات الوطن وآلامه التي هي قضية المتلقي العربي ومادة إمتاعه في ذات الآن إلى أي حد  تتفقين مع مثل هذا الرأي؟

- لو كانت كل الأنهار الجارية بجغرافية العرب مداد أسودا ما وسعت استيعاب جراحات الأمة في التاريخ ولو جيء ربما بمثلها مدادا فضلا عن القول بعجز صنوف الإبداع مجتمعة على ذلك..

لكن مهما يكن يمكن القول أن  الجنس الأدبي يكتسب أهميته من كل مركب في نسق علائقي وظيفي جزئياته هي موضوعه ومبدعه وقرائه وطريقة العرض. والكاتب المبدع هو الذي يختار الجنس الأدبي ونوعه وطريقة العرض والعمل الإبداعي هو فن يروم بلوغ الإمتاع والتأثير الجمالي في أنفس المتلقين وأفئدتهم، وأظن الخاطرة بوصفها الفضاء التعبير الأقل تسييجا بقوانين الشكل وصرامات المضمون تظل في عصرنا ذات قيمة ثابتة في أنظومة التعبير الأدبي وتحتفظ بكامل أهميتها في ظل هذا السيل الجارف من وسائل الاتصال بين المبدع وقرائه.

هل تشعرين أن منزع الأنوثة لديك هو من يميل بك إلى هذا الجنس الأدبي الذي عد في ساحة الكتابة العربية تخصصا أنثويا؟ أم أن الأمر يستقر عند أشياء أخرى؟ حبذا لو تطلعيننا عنها؟

- ربما...لكن هذا لا يغني عن القول إني أشعر دوما بالإضافة إلى كياني الوجودي أن لي كياني الفني والفكري الخاص النابع من رؤيتي للحياة و هذا كنتائج للتفاعل كيمياء العقل والروح التلاؤم في تواؤم وتلاؤم..

ولست أدري لمَ تحصرني في فضاء الخاطرة فقط مع أنني أنظم الشعر وأبدع في القصة وأكتب المقالة وأسهم في باقي صنوف الكتابة.

الموضوع ينزعني لاختيار قالباً يحتويه وسرعان ما أصب فكرة أخرى قي قالب آخر وجنس أدبي آخر..لا أنكر أن تكويني الأنثوي هو أحد المؤثرات وليس كلها.

ـ بدت القضايا المجتمعية ذات الطبيعة الإصلاحية طاغية على الكثير من خواطر كتابك، ألا تعتقدين أن هكذا دور كلاسيكي للكاتب لا زال يجدي في مجتمع يحكمه طابع الوعظية الإصلاحية في مختلفة آليات المعرفة لديه؟

- المجتمع هو إنسان واسع وتشتمل فيه كل الحالات الفردية وتتداخل المشكلات الفردية مع الإجتماعية، ومشكلتنا الجمعية هي تؤثر بالتالي على الفرد..حاولت فعلاً طرح قضايا إصلاحية لكنني ابتعدت قدر الإمكان عن الوعظية والمباشرة وحاولت تقديم ذلك بطرح جمالي وفني يُكسِر المألوف طرحت ما رأيته بالشكل الذي أراه.

نعم ليس بالضرورة أن يغدو الكاتب مصلحا اجتماعيا، فمقام الأديب وطبيعة وظيفته هي إخراج الجمال مجسما في نحوتات لغوية، وهل يكون الجمال باللغة في غير صلاح وإصلاح المجتمع والرقي بذوقه الجمالي.

ـ من بات في رأيك يؤثر في الآخر بالساحة الثقافية العربية فعل القراءة المتردي بسبب التخلف الفكري أم فعل الكتابة المشوه بسبب ضمور هوية المشروع المجتمعي المأمول تحقيقه مع الأخذ في الحسبان العلاقة الجدلية بين الفعلين(القراءة ـ والكتابة)

- الكتابة إبداع والقراءة نقد، مع أن ثمة اتجاه يجعل من النقد إبداع على الإبداع كون مهمة الناقد استخراج ما وقر في لاوعي الكاتب أحيانا، وما دام النقد حراك عقلاني يعكس بمنتجه مستوى التطور الفكري والحاصل في أنظومة المعرفة بالأمة فيمكن من هذا المنطلق الجزم بأن طبيعة القراءة هي أولى دوافع الاتقاء بالكتابة وإذا كان قد قيل سلفا أن القراءة تؤدي تلقائيا إلى الكتابة، فإنه بالقياس يمكن القول أن طبيعة القراءة في أب مجتمع تفرز طبيعة الكتابة فيه مع أنني رأيي الشخصي أظل مصرة على أن كلا الفعلين متداخلان ومتشابكان..يؤثر أحدهما على الآخر إن سلباً أو إيجاباً وبرغم التخلف الفكري هناك نماذج مشعة تبعث على الأمل بين فاعلي القراءة في تفاعلهم ويوجد هناك على الضفة الأخرى نماذج مشعة من فاعلي الكتابة وليس مفتعليها..فأولئك هم أصل البلاء في كلا الجانبين أو الفعلين.

ـ ما هي الإضافة التي رجوتها من خلال تقحمك عالم التأليف وعلى أي نقص في المكتبة العربية أو اليمنية نهضت بادرتك في التأليف؟

- تحتاج مكتبتنا في كل جوانبها الى الكتابة بلغة الحياة، لغة تلامس الوقع بعيداً عن القوالب التعبيرية الجاهزة والنظريات الحسابية الجازمة الصارمة التي سئمناها وسئمها القارئ وبعيداً كذلك عن لغة التهويم والإنشاء الذي يحلق في المجهول والغائم والمموه-لغة لا تغفل الفنية لكنها تخاطب الواقع، لغة تعيش معنا تسكننا ونسكنها-لا معلبات منمقة نخرجها في المناسبات ناهيك عن المؤثرات الثقافية الأخرى التي يغلب عليها الجانب الإستهلاكي.

ـ ألا تظنين  أستاذتي أن الكتابة الأدبية في عالمنا العربي تشكو من ظاهرة تكدس المنتج بسبب اجترار الفكرة وإعادة إنتاج نفسه، عبر صور حكائية محاكية لذاته وللغير؟

- نعم، أتفق معك في هذا الوصف هذا ما رميت لشرحه في إجابتي على السؤال السابق..ولكن وسط هذا الركام والتكدس تشع الجواهر بمحتواها وتشي الكتابات المبدعة بنفسها وتقتنص القارئ أو يقتنصها سيان. وتتراكم عمليات التفاعل وتتنوع مجالاته..وفي النهاية تحلق أفكار جديدة ولغة جديدة يمسكها جيل جديد.

ولقد حاولت عبر مؤلفي الأخير أن أتحاشى قدر الإمكان الوقع في المجتر من نتاجنا الإبداعي على كامل صعده الفنية والشكلية، فجاءت خواطري في نسق لغوي يقفز على متاريس المستوى، وحواجز التعقيد الذي يظل جدله النقدي بين الرفض والتأسيس مشتعلا في حراكنا ومشهدنا المعرفي والإبداعي العربيين

ـ رافقت معضلة التمايز والتفاضل الجنسي مراحل وحقب عدة من مسار الكتابة العربية، فعرف ما أصطلح عليه بالأدب النسوي، الذي تأسس على أنقاض الحالة الاجتماعية المزرية للمرأة العربية حين جعلت مادة لحبر الكاتبات العربيات والمدافعات عن حقها الوجودي المهضوم في زمن المدينة العربية ، إلى أي حد ترين أن هذا التمايز لا زال يمتلك مبررات كينونته؟

- أعتقد أنه ينبغي أن لا تكون هناك كوتة أدبية إن أجاز التعبير كما هي في السياسة. هناك من يصنف ما بات يعرف بالأدب النسوي اعتمادا على جنس الكاتب و بالاعتماد على المادة الأدبية الناتجة عن فعل الكتابة.. هناك تشابك وتواشج وتماهي وفي النهاية يكون البقاء والخلود للنص من حيث هو فعل إبداعي ويكتسب أهميته من فنيته بصرف النظر عن جنس صاحبه ذكرا كان أم أنثى.

على ذكر إهتمامك بالشعر والقصة هل لك ديوان قادم أو مجموعة قصصية؟

- نعم لي بعض الأعمال هي الآن تحت الطبع .. كما أنني أعد لديوان شعر للطبع يكون هو باكورة أعمالي الشعرية وقد أسميته خصلات من الوجدان أقدم لاحقاً مجموعة قصصية هي شبه جاهزة الأن وسلسلة في التنمية الذاتية.

ـ بم ترين نختم هذا الحوار؟

ـ بتحية كل قراء الجزائر ومنطقة المغرب العربي العزيزة على قلوبنا جميعا، والبشارة بمستقبل وضاء للكلمة الجميلة في وطننا العربي الفسيح وشكرا لك أخي الأستاذ بشير على أن مكنتني من هه الفرصة للتواصل مع الإخوة المثقفين والقراء من أمتي خير أمة أخرجت للناس. 

بشير عمري

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1529 الثلاثاء 28/09/2010)

 

في المثقف اليوم