حوارات عامة

حوار مع الكاتبة العراقية: صبيحة شبر

إنما ما أراه في الحياة من تناقضات كبيرة، ومن ظلم يتعرض له الإنسان، أحاول أن اعريه بقلمي.

السرد أم كشف أيهما يأخذك في غماره ..؟

-الاثنان معا، السرد يكشف ويحلل  التناقضات  ويعري الظواهر المختلفة، دون أن يصف الدواء المناسب للعلل العديدة التي يعاني منها مجتمعنا.

ما أهمية أن يكون لدى الكاتب / المبدع مشروع يعمل على تحقيقه؟

-  تختلف أهمية المشاريع حسب اختلاف الكتاب وتنوع اهتماماتهم، والمشروع يكون حافزا للعمل ومنظما للوقت ومعينا على الإبداع

              

ما هو مشروعك أنت؟

- أن اكتب ما كنت أؤجله دائما، وان انشر ما كتبت، فمشكلة الطباعة والنشر والتوزيع تطاردني دائما، حين أتمكن من توفير ثمن الطباعة،  تعترض طريقي مشكلة التوزيع، وخاصة في الوقت الحاضر، حيث أعاني من البطالة وعدم الحصول على عمل مناسب، وعندي الآن الكثير من المخطوطات

هل انفصلت عن والدتك؟ 

- كنت أظن أنني قد انفصلت، كانت أمي رغم أنها أمية لا تحسن القراءة والكتابة ولم تذهب إلى التسوق يوما جعلها أبي  أميرة من الأميرات، وخيل لي أنني يمكن أن ابلغ المنزلة التي بلغتها أمي مع يقيني أن الرجال ليسوا كلهم مثل أبي، كان رحمه الله رجلا نادرا، موضع فخري دائما، لم يميز بين ذكر وأنثى، يحب أولاده وبناته بالقسطاس، وكنت أحبه  كثيرا، ولا أقدم على عمل شيء  ألا بعد أن اعرف رأي أبي الايجابي بما اعمل، وبقيت أراعي أبي  بعض ما يقدم لي رعاية، حتى توفاه الله، فشعرت باليتم الذي بقي يلازمني حتى هذه اللحظة.

إلى أي مدى يساهم انفصال الكاتبة – المثقفة عن الأم في تحررها؟

- أمي لم تكن خنوعة، وأبي لم يكن مستبدا، كنا أسرة سعيدة، أشقاء وشقيقات يسود حياتهم الحب،أسرة مترابطة، اخذ الموت  الطبيعي أو الإعدامات يفترس حيوات أفرادها واحدا تلو الآخر، وبقيت صلات المحبة توحد بين أفرادها رغم  تباعد المسافات. وماذا يعني  تحرر الكاتبة؟ انه برأيي أن تتناول الكاتبة ما تريد من مظاهر وان تكشفها بالطريقة التي تجد أنها مناسبة دون أن يفرض احدهم رأيه على قناعاتها، وألا تتخلى عن الخصائص الفنية مهما اتهمت بالغموض.

ماذا بقي من أمك فيك وانعكس في شخصيتك وكتاباتك؟

- أمي كانت  طيبة جدا، ومتسامحة وقليلة الكلام، وتحب أولادها كثيرا، وتتفانى من اجل أسرتها، وقد ورثت منها هذه الصفات، كما تعلمت من أبي أيضا الاعتماد على النفس والثقة بها والتفاؤل بالحياة، وعدم الاستسلام أمام الفشل .

هل تزوجت عن حب؟

-نعم

كيف قررت أن تكون أم؟

- في البداية لم أقرر، حملي الأول تعبت فيه كثيرا، ولم استجب لإرشادات الطبيب في وجوب الراحة، بقيت أعيش الحياة نفسها، اعمل في مجال التعليم واخرج وأتمشى  لمسافات طويلة، فتعرضت للإجهاض، وحين حملت مرة ثانية كانت ابنتي ضعيفة جدا مما اوجب عملية قيصرية، في طفلي الثاني قررنا أنا وزوجي متى تكون الولادة، وحسبنا الأيام ليحظى الطفل بإجازة الولادة التي هي أربعين يوما في الكويت (للمدارس الخاصة)تأتي بعدها العطلة الصيفية ثلاثة شهور، وحين تبدأ الدراسة يكون الطفل قد وصل  الخمسة شهور، ويكون التفكير بإيجاد حاضنة له عملا مناسبا، فالدوام يبدأ في شهر  أيلول.

الأمومة ماذا أضافت لك؟

-أضافت لي  الاهتمام بالأطفال ورعايتهم  ووهبتني العطف والحنان  على كل الضعفاء وخاصة الأطفال.

هل تعقدين مقارنة بين ما تعيشينه الآن في  وما كنت تعيشينه في بلدك الأصلي العراق؟

-اعقد مقارنة دائمة بين ما كنت أعيشه في بيت أبي وأمي وما أعيشه الآن، أحب معيشتي في المغرب، واجد أن الحياة في العراق ما زال ينقصها الكثير من الأساسيات كي تستقيم.

ما الذي وجدته في مكان اغترابك وماذا أضافت لك إقامتك فيه إنسانيا وإبداعيا؟

-تعرفت إلى شخصيات عديدة اعتز بمعرفتي لها، أضافت لي تجربة الاغتراب معرفتي أن  القيم  الإنسانية ليست حكرا على قوم  معين، إنما قد يقف بجانبك من هو غريب عنك،ولم تكن تتوقع أن يؤازرك في يوم من الأيام، كما انه قد  يبتعد عنك من كنت تحبه وترعاه وقدمت له أعمالا رائعة من اجل الصداقة فإذا بها تتبخر كلها دون أن تعرف ما هي الأسباب،

ما هو تأثير المكان عليك ككاتبة وإنسانة؟

-اهتم بإبراز  خصائص الشخصيات في  المكان الواسع  الممتد من الماء إلى الماء في قصصي، فالمعاناة واحدة، وان كان العراق قد تعرض إلى أوجاع كثيرة جدا بفعل الحروب والحصار.

هل غربتك  اختيارية أم مفروضة؟

-غربتي مفروضة، سارعت إلى الخروج من العراق عام 1979 حين أجبرونا على الانتماء إلى حزب البعث أو التعرض للسجن، وكنت قد أوقفت سنة 1963 لأني حاولت جمع تبرعات لصديقة لي كان أبوها  عامل بناء وأعدم، فوشت بي إحدى الطالبات، وتعرضت للتعذيب ولم افشي إسرارا بسيطة كنت اعرفها، ولكنهم أخرجوني بسبب تدخل بعض الشخصيات، وخفت عام 1979 أن يعاد توقيفي لأسأل عن أمور حدثت في زمن مضى، وأتعرض للتعذيب مرة أخرى لأعترف على أمور اجهلها، وكنت حاملا في الشهر التاسع، وأتمتع بحق الإجازة ذلك الشهر، فقدمت طلبا للسفر خارج العراق للولادة،وقد كان أبي في الكويت ذلك الوقت، فوافقوا على طلبي، وأسرعت  السيارة ناهبة الأرض بي وبزوجي إلى الكويت، حيث ولدت ابنتي، وكنت أظن  إن تغربي سوف يزول  وإنني سأعود حتما إلى الوطن، ولكن  أملي قد خاب، واستمرت الهجرة الإجبارية من عام 1979 إلى أن تمكنت من  السفر إلى بلدي عام 2004، وبقيت مهاجرة انتظر حقي للحصول على التقاعد، أن يوافقوا عليه

كيف ترين النقد اليوم وهل أخذت أعمالك حقها من المتابعة النقدية والدراسة؟

- النقد اليوم متخلف كثيرا عن الإبداع، أكثر الأعمال الأدبية لا تجد النقد المنصف، مجموعتي الرابعة (التابوت) لم يقم بقراءاتها ألا شخص واحد وهو الشاعر جواد وادي، وروايتي التي طبعتها في العراق لم تصلني نسخ منها بعد، ورغم أنها  صدرت الكترونيا قبل طباعتها ورقيا،ونشرت  في مواقع عديدة، إلا انه  لم يقدم على قراءتها أحد.

هل ترين أننا مازلنا في حاجة للعودة إلى التراث؟ أم قراءة التراث بعين الحداثة ..؟

-في تراثنا الكثير من الجوانب المضيئة التي لا يعرفها الكثيرون، وعلينا أن نزيل عوامل النسيان والتجاهل لهذا التراث، لا أن نعيش فيه، وأرجو أن نتمكن من قراءته بعين الحداثة.

هل تسعين وراء الترجمة ؟

- نعم أسعى إلى الترجمة، وأتهيأ الآن إلى  إصدار مجموعة قصص قصيرة جدا،مترجمة إلى الفرنسية وأتمنى أن تتاح لي الفرصة لترجمة كتاباتي، إلى اللغات التي تقطن بلداننا مثل الكردية والتي تجاورنا مثل التركية والفارسية، حلم يراودني وأنا  متفائلة كثيرا أن  كتاباتي سوف  يطلع عليها القراء  في اللغة العربية أو غيرها من اللغات.

من بيده مفتاح الترجمة؟

- الأديب الذي ينقل الإبداع من لغة إلى أخرى،محافظا على القيمة الفنية، وليس ذلك الذي ينقل القصة وكأنها خبر صحفي.

إلى أي حد تستطيعين أن توازي بين الحلم والواقع؟

- أحلامي واسعة جدا، استطعت أن أحول بعضها إلى واقع، وأنا املك الكثير من الآمال في الكتابة والسفر والتعرف إلى صداقات جديدة وإحراز السعادة.

أين وصلت؟

- في تحقيق الأحلام؟ وصلت إلى ما يمدني ببعض الرضا، ربما لثقتي أن إمكانياتي لتحقيق هذه الأحلام أكبر مما  تمكنت من تحقيقه فهناك عراقيل تقف في الطريق أسعى لتذليها دائما.

لمن تكتبين اليوم وغدا؟

- اكتب للقارئ الواعي الذي يحب مجتمعه، ويسعى إلى إنقاذ ذلك المجتمع،  وأؤمن أننا قوم رغم تخلفنا إلا أننا نملك الكثير من الجوانب الايجابية، ومن النظم القيمية التي لو وظفت بشكل جيد لأتت أكلها في التقدم والتطور وسعادة الإنسان.

متى يصبح الصمت لغتك؟

- يصبح الصمت لغتي في حالات عديدة، منها حين انوي الكتابة، أجسد شخوصي وأعطيها القلم لتعبر عن نفسها، دون تدخل مني، والحالة الثانية حين أتحاور مع شخص ثم أدرك أخيرا انه لم يكن يسمع ما أقوله، وانه كان يفكر بالجواب  عن  رأيي  المناقض لرأيه بالتحضير لكلام آخر، وكأنني لم أتكلم، فأؤثر في هذه الحالة الصمت.

أسئلة محمد القذافي مسعود  *

* شاعر وكاتب ليبي

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1592 الثلاثاء 30 /11 /2010)

 

في المثقف اليوم