حوارات عامة

الكاتب المغربي نور الدين محقق .. في ضيافة المقهى؟؟! / فاطمة الزهراء المرابط

- أرفيوس مغربي يحب القراءة بشكل يومي والكتابة حينما تأتي إليه على خاطر خاطرها مختالة بجمالها الغامض، و يتعلم باستمرار كأي طفل صغير ولج إلى المسيد لأول مرة، يكتب في اللوح الأبيض ويقوم بعملية محوه بعد حفظه واستيعابه. وحين يكتب فإنه يفعل ذلك بجدية الطفل نفسه، لكن وهو يلهو هذه المرة، حسب تعبير خورخي بورخيس. كما يحب سماع الموسيقى يوميا والذهاب إلى السينما بشكل أسبوعي والمسرح والمعارض الفنية كلما تنسى له الوقت لذلك . يحب أيضا الجلوس في المقهى ومشاهدة البحر...

 

كيف ومتى جئت إلى عالم الإبداع؟

- منذ كنت في بطن أمي، كان أبي يحكي لأمي حكايات مستمدة من "ألف ليلة وليلة" حتى يخفف عنها آلام الحمل بي، وكي يجعل الكون في عينيها جميلا. كانت الكلمات تصلني بشكل رائع وتتشكل في ذهني كما يتشكل هو بها. هكذا خيل لي الأمر، أو هكذا حلمت به في إحدى قصصي . لكن ما أستحضره بالفعل على صعيد الواقع الآن وليس على سبيل الحلم والتوهم، هو أني جئت إلى عالم الإبداع و أنا في سن الخامسة من عمري، حين ولجت إلى المدرسة الخصوصية التي كان أبي يريد من خلال إلحاقي بها تهيئي للالتحاق بالمدرسة العمومية حين يصل سني إلى السابعة كما كان الأمر جاريا به في ذلك الوقت، أو ربما قبلها بقليل حين ولجت إلى المسيد. كان خطي جميلا و كان يطالبني الفقيه في كثير من اللحظات بكتابة السور القرآنية على لوحات زملائي من الأطفال.في المدرسة الخصوصية، كنت رسام القسم بامتياز إلى أن التحقت طفلة جميلة بمدرستنا فقاسمتني هذا الامتياز لأنها كانت ترسم بشكل رائع ربما أحسن مني بكثير. و امتد الزمن على هذا الشاكلة إلى حدود ما بين الخامسة عشر من عمري و السابعة عشر منه، لحظنها كنت قد أصبحت كاتبا معروفا في الحي والمدرسة على السواء. لكن الأمر كان على سبيل الاستعداد ليس إلا، فقد كان كل زملائي و زميلاتي سواء في الحي أو في المدرسة مثلي، يهتمون بالفن والأدب معا و يمارسونه مثلي أيضا. كنت مع هؤلاء الأصدقاء والصديقات نحب الذهاب إلى السينما كما كنا نهوى الفن المسرحي ونمارسه في المدرسة وفي دور الشباب القريبة من الحي .كتبت في هذه السنوات كثيرا من المسرحيات و القصائد الشعرية والقصص و الروايات أيضا، أو لنقل على وجه الحقيقة إني قد كتبت كثيرا من المحاولات الأدبية التي اعتقدت كما اعتقد الأصدقاء و الصديقات في ذلك الحين أنها أعمالا أدبية بالفعل، فقمنا بتشخيص بشكل عفوي البعض من هذه المسرحيات التي كتبتها ونالت إعجابهم. إن ما قلته الآن هو إرهاصات أدبية ودليل على حب الأدب والفن و على حب الإبداع بشكل عام و الولوج إلى عالمه بشكل تلقائي ليس إلا. لكني قد شعرت بوجودي الأدبي الحقيقي و بالمسؤولية الحقيقية لهذا الأدب على مساري الحياتي الكلي ونظرتي إلى الوجود، حين نشرت بعد ذلك وبوقت كبير، أول نص أدبي لي سنة 1983 بعنوان " يا بنت غرناطة" وكانت عبارة عن قصيدة شعرية. هنا أصبحت أشعر بكوني كاتبا بالفعل ولست مجرد قارئ للأدب وهاو لمنعرجاته الجميلة، لا سيما و أن هذا النص الشعري قد نشر في صفحة ثقافية كانت مخصصة للأدباء المعروفين، كما خلف وراءه كثيرا من ردود الفعل الايجابية،بالرغم من أنني لم أفرق يوما ما بين هؤلاء الكتاب المعروفين و أولائك غير المتداولة أسماؤهم بكثرة، فأن تكون كاتبا أو لا تلك هي المسألة، على حد تعبير كاتبي المفضل آنذاك وليم شكسبير، لا غير، وبدون أي مفاضلة وهمية بين كاتب معروف و آخر لم تسلط عليه الأضواء بعد.

 

ما الدور الذي تلعبه الملتقيات الأدبية في مسيرة المبدع المغربي؟

- تلعب الملتقيات الأدبية في مسيرة المبدع دورا أساسيا، حتى وان كنت لا أحضرها بكثرة، لأنها تجعل منه كائنا حقيقيا في أعين الناس الذين يستمعون إلى كلامه بعد أن كانوا يقومون بقراءته فحسب. كما أنها تجعله هو الآخر يتعرف عن قرب إلى الذين يشتركون معه في هذا العالم الإبداعي الجميل. لكن مع ذلك فعلى الكاتب في نظري ألا يعتبرها مقياسا حقيقيا لقوة إبداعه أو ضعفه، و إنما أن يعتبرها فرصة للتواصل الايجابي و المثمر مع الغير، كتابا ونقادا وجمهورا لا أكثر ولا أقل. من هنا تكون هذه الملتقيات الأدبية فاعلة كلما قامت على برنامج أدبي قوي يحرص على تلاقح التجارب الأدبية وعلى التنوع في عملية اختيار الأسماء، لأن التجدد هو سنة الحياة، والتكرار إشارة إلى موت قادم .بالنسبة للملتقيات الأدبية في المغرب فقد استطاعت أن تمنح الأضواء لأسماء أدبية كثيرة، كما استطاعت أن تكون متنفسا رائعا للأصوات الأدبية الجديدة، وهذا جميل ورائع .إضافة إلى هذا فقد منحت لكثير من الأجناس الأدبية فرصة اللقاء مع الجمهور، كما هو الشأن بالخصوص مع الملتقيات الأدبية الخاصة بالقصة القصيرة. أنا مع هذه الملتقيات الأدبية ومع تطورها الايجابي الذي يصب في نهاية الأمر في خدمة الأدب المغربي في كليته وتنوعه و امتداده الجميل .

 

ما هي طبيعة المقاهي بالبيضاء؟

- الدار مدينة رائعة بالفعل، والمقاهي فيها تشكل نوافذ جميلة للحياة المدينية بمختلف تجلياتها الإبداعية مبنى ومعنى. من هنا فلا يمكن أن تعيش في الدارالبيضاء وأنت بعيد عن هذه المقاهي خصوصا إذا كنت ابنا لهذه المدينة، ولدت وترعرعت بين فضاءاتها المختلفة .

أما طبيعة المقاهي فيها فتختلف من حي لآخر ومن موقع لآخر. توجد فيها مقاهي راقية جدا وفيها مقاهي ذات طابع شعبي.. في الغالب في هذا النوع الأخير منها يكون الفضاء أكثر تلقائية حيث الناس يكونون في الغالب من نفس الحي فيتحدثون ويتجاذبون اطراف الكلام ويعقب الواحد منهم على كلام الآخر ولا يهمه أن يسمعه باقي رواد المقهى.. وغالبا ما أجلس في هذا النوع من المقاهي... خصوصا وأنا أتابع مباريات كرة القدم... أما الكتابة أو القراءة في المقهى فتكون في الغالب صباحا حيث يكون المقهى غير ممتلئ بالزبائن.. ثم أنني أختار مكانا منزويا أرى منه العالم.. كما كان يفعل نجيب محفوظ تماما. ..يعجبني نجيب محفوظ كثيرا

 

في رأيك ما هي الأسباب التي ساهمت في تراجع دور المقهى ثقافيا وأدبيا؟

- دور المقهى لم يتراجع...ما زالت هناك مقاه يكتب فيها الكتاب إبداعاتهم وأنا واحد منهم... أنا أكتب في المقهى وأقرأ فيها كثيرا... لكل كاتب مقهاه المفضلة... المسألة فيها نظر ...من هنا لا يمكن القول بتراجع دور المقهى بشكل تعميمي... ثم لا ننسى أن المدن قد اتسعت وأصبحت هناك مقاه عديدة متعددة و كل منها ينافس الآخر على مستوى البناء الهندسي... في الغالب تكون المقهى التي يفضلها الكتاب مقهى هادئة غير مليئة بالزبائن... حتى يستطيعوا أن يقرؤو ا في هدوء... وهذا الأمر تغير مع تغير الزمن ...

المسألة إذن لا يمكن الحسم فيها ...

 

هل هناك علاقة بين المبدع نور الدين محقق والمقهى؟ وهل سبق وجربت جنون الكتابة فيها؟

- بالنسبة لي فقد عشقت المقهى منذ بداية شبابي الأول، ربما ما جرني إليها كان هو عشقي للمسرح وللسينما على حد سواء، فحين كنا نذهب إلى السينما أو المسرح، نحن أصدقاء الحي أو الدراسة أو هما معا، لا بد لنا قبل ذلك من احتساء فنجان قهوة نرد به أنفاسنا خصوصا حين يكون المسرح أو السينما بعيدين عن الحي الذي كنا نقطن فيه، ثم بعد خروجنا منهما لا بد لنا من الجلوس في المقهى مرة أخرى لمناقشة المسرحية التي شاهدناها أو الفيلم الذي شاهدناه. هكذا تولد حب الجلوس في المقهى في نفسي، وقد كان حبا مثمرا فقد كنت أهيئ كل ما يتعلق بالفن المسرحي أو السينمائي فيها، كما كنت أقرأ وأكتب فيها كثيرا من الأدب بمختلف تجلياته الإبداعية والأجناسية. الجلوس في المقهى له طعم مميز بالنسبة للكاتب لا سيما حين يعلم أن كثيرا من الكتاب العالميين كانوا يفعلون مثله دون أن يدري بذلك إلا بعد سنوات من التمرس بالقراءة والكتابة. طبعا حين عشقت الجلوس في المقهى وحين عشقت القراءة والكتابة فيها لم أكن أتشبه بالكتاب الفرنسيين مثل سارتر أو كامي ولا بالكتاب الأمريكيين مثل همنغواي وفولكنر وإنما كنت ألتقي بهما على صعيد الحلم الإنساني في حب المقهى والكتابة فيه بشكل تلقائي غير مخطط له، وهو ما جعل من حبي للمقهى حبا أصيلا لا تشبها بهذا أو ذاك أو مجرد بحث عن ترويج صورة أدبية غير حقيقية . لقد سبق أن كتبت نصا جميلا حول علاقتي بالمقهى نشرته تحت عنوان " أورفيوس في المقهى"، كما أن كثيرا من الأصدقاء الكتاب يعرفون ولعي السابق بمقهى " وركان"، في حينا العتيق وولعي الحالي بمقهى " اشبيلية" في الحي الذي أقطن فيه الآن.

 

ماذا تمثل لك: الكتابة، الحرية، الطفولة؟

* الكتابة: صديقة الحياة ورفيقة حلي وترحالي.الكتابة هي امرأة جميلة جدا لكنها مجنونة في بعض الأحيان، وفي جنونها يكمن سحرها وخطرها في ذات الآن.

* الحرية: نسمة الحياة و روح الروح، و قصيدة حب ترافق الإنسان منذ الولادة إلى لحظة الممات. الحرية هي شجرة جذورها عميقة في الأرض و أغصانها تعانق بكل عنفوان عنان السماء.

* الطفولة: حياة رائعة عشناها ونشتاق إليها دائما ونحاول القبض عليها في أحلامنا وكتاباتنا، لكنها مع كل حبنا لها، فهي تهرب منا باستمرار...

 

كيف تتصور مقهى ثقافيا نموذجيا؟

- أتصور المقهى الثقافي النموذجي في شكل مكتبة بالتعبير البورخيسي للكلمة، وكما ذهب إلى ذلك قبلي أستاذي الكاتب الكبير أحمد بوزفور . أعتبره مكتبة ملأى بالكتب المختلفة و المتعددة الاختصاصات و بالأوراق البيضاء . وملأى بكؤوس القهوة السوداء أو الممزوجة باللبن . كراسي بموائد فردية، على كل مائدة كتاب مفتوح. و الجميل في الأمر أن تكون هذه المكتبة خالية من الوسائط الالكترونية الحديثة..لا هواتف لا إنترنت ولا مذياع ولا تلفزيون...كتب... كتب... كتب ...لا غير... الداخل إليها كمن يلج إلى عالم الحلم، عليه أن يقرأ كتابا أو أن يكتب كتابا، ومن تعب من القراءة أو الكتابة فما عليه سوى أن يغادر هذا المقهى أو هذه المكتبة المحلوم بها مشكورا....

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2014 الجمعة 27 / 01 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم