حوارات عامة

المثقف في حوار مفتوح مع الكاتب والسياسي موسى فرج (2)

 

 

 

 

سلام كاظم فرج، أديب وناقد / العراق: لقد شهدت الساحة العراقية بعد سقوط الدكتاتورية بروز أسماء في عالم السياسة والفكر والصحافة.. لم يسمع بها الجيل الصاعد.. وبعضها يعرفه جيلنا الذي فتح عينيه على هموم السياسة عراقيا وعربيا وعالميا.. منذ نهايات ستينيات القرن المنصرم.. وتتوزع تلك الأسماء على تيارات عدة منها اليساري، الإسلامي، واللبرالي والقومي الكردي والعربي. بالنسبة لي كمراقب وجدت في دخول هذا المعترك مجازفة دونها خرط القتاد.. فثمة شعور بالريبة والتحسب من مغبة العمل السياسي تحت ظل احتلال أجنبي.. لا تكن له الأغلبية مشاعر ود لا من قبل. ولا من بعد.. رغم دوره الكبير في إسقاط أكثر دكتاتوريات المنطقة خسة وشراسة..

 

وتحسبي كان في محله.. فمعظم الذين تصدوا للعمل السياسي السلمي لعبور مرحلة التخلص من أدران الدكتاتورية . وتحقيق الاستقلال والديمقراطية والبناء. أصابتهم لعنة التخوين.. تحت يافطة (جئتم على ظهر دبابة أميركية) !! ..

 

 وبعضهم اتهم في نزاهته وذمته المالية. ونالته سهام النقد.. وبعضهم.. وهنا مربط الفرس.. قد ولغ فعلا في صحن الشعب العراقي وامتدت يده إلى السحت.. ووجد من الفوضى الخلاقة فرصته للنهب المنظم والمخربط (أنا هنا متأثر أيضا بأسلوب أستاذي موسى فرج).. فكانت السرقات العظمى في قطاع الكهرباء والدفاع والخدمات..ناهيك عن الاتهامات المجانية بتلقي أموال من دول إقليمية على حساب النزاهة والموضوعية وخدمة الشعب العراقي..

 

 الأستاذ موسى فرج.. من بين الأسماء تلك. التي لفتت الانتباه بصراحتها التي تذكرنا بصراحة (شمران الياسري.. أبو كاطع). لا يجيد اللف والدوران . يضع الطينة بخد صاحبها. كما يقول المثل العراقي.. وصراحته كما أرى.. جنت عليه.. ولو تحلى ببعض دهاء مطلوب ربما لنفعنا.. أكثر.. فالمعترك يتوفر على مجموعة من السياسيين النبلاء العاملين في سبيل الارتقاء بالعمل السياسي.. لكنهم وكما يبدو ما زالوا يشكلون أقلية. وسط جمهرة من السيئين وبعضهم ثبتت عليه تهم الإرهاب والتخريب والفساد..

 

سأدخل مع الأستاذ موسى فرج من حيث انتهت آخر مقالاته الصريحة في حوار طويل أرجو أن تتسع له سماحته وأناته..

 

 

 

موسى فرج: كل التحايا لكم أخي وصديقي الأستاذ سلام كاظم فرج ..وكل الاحترام .. ومن خلالكم احترامي ومحبتي إلى قراء وكتاب المثقف والعاملين فيها ومحبيها .. .

 

 بدءاً أقول: أنا مختلفٌ عمن حاورتموهم سابقاً، وانتم مختلفون عمن تكلمت بينهم سابقاً .. وهنا تسكب العبرات ... الأستاذ العزيز سلام كاظم فرج مثقف وأديب وناقد ومفكر، ويقف خلفه من هو أضرب منه ويزيد عليه كيله أعني الأستاذ ماجد الغرباوي وخلفكم جمهرة المثقف من قراء وكتاب وأدباء وشعراء يعني: أنكم أرباب الكلم .. في حين أنا أتحاشى إن وأخواتها وكان وضرائرها.

 

 صحيح أنا سبق وان التقيت مع الصحافة ومع الفضائيات ولكن انتم مختلفون .. فانتم تزنون الحروف بموازين الذهب في حين أن غيركم يزنها بميزان (الركي) وأنتم تفحصون انحناءات الحروف بالمكرسكوب في حين أن غيركم يستعمل التلسكوب لهذه الغاية .. ألستم تحملونني ما هو فوق طاقتي ..؟لو آنا متوهم..؟.

 

 في الفضائيات: لساني يشتغل وعيني تشتغل وسبابتي وليس علي من حرج إن تكلمت بالفصحى أو لهجة البو محمد أو (شمرة) بني أحجيم .. حتى أني كنت في لقاء مع إحدى الفضائيات قبل ثلاث سنوات فانفعلت للشعب ومن أجل الشعب ضد الفساد والفاسدين .. وصحت أمام الكاميرا: أنا بو نوره ... وفي الليل هاتفني أحد معارفي من إحدى قرى ريف السماوه حيث مسقط رأسي واخبرني انه وعائلته كانوا يتابعون اللقاء وعندما سمعت زوجته عبارتي (أنا بو نوره) زغردت بأعلى ما أوتيت .. وعندما أنهت (هلهولتها) قالت والدموع تغالبها: لقد رفع رأسي ..! لماذا ...؟ لأنهم في الريف العراقي ينظرون للرجل الذي ينتخي باسم أبنته دون أبناءه الذكور في لحظة صعبه وكأنه يرتجز حول آبار بدر ..!. لكن الذي لا أفهمه هو .. لماذا يقدّرون الرجل الذي ينتخي باسم ابنته أو يفخر باسم أمه ولكن عندما يطلبون من الواحد منهم أن ينطق باسم زوجته يحمر وجهه ويغطيه بأقرب بساط ممكن وان لم يتيسر فبباطن كلتا يديه ..؟ هذه ربما نجد جوابا لها في أطروحات أستاذنا جميعا علي الوردي .. .

 

 فأذن عندما أجمع محصلة هذين العاملين أعني وضعي ووضعكم فان المنطق يقول: أني سأكون في حواري معكم ..أعيا من باقل .. لكني .. أبو نوره، سأنطق بين جمعكم هذا في بيتكم المثقف هذا .. مستندا إلى أمور في غاية البساطة: الأول: قبل أكثر من سنتين أجرى معي السيد عبد الرضا الحميد رئيس تحرير مجلة الرقيب البغدادية حوارا نشر في العدد الأول للمجلة افتتحه بعبارة تقول: (موسى فرج يقول الحق سواء وقع على صخرة الحق أو وقعت صخرة الحق عليه ..) .. .

 

 الثاني: هو أني عندما أقول أو أكتب فلأن في رأسي موال ..بدّي أقولوه...، هذا يعني أني استهدف من الكتابة أو القول غاية تعبوية محدده وليس الكتابة من أجل الكتابة أو لأغراض الترف الفكري فلست من أنصار نظرية الفن للفن أو الأدب للأدب .. وموالي لا أقوله همساً.. فالهمس والوشوشة في حياتي لهما مكان واحد ..هو المخدع.. .

 

 هل أطلت عليكم ..؟ نعم .. ولكن من شب على شئ شاب عليه .. فقد فتحت عيوني في بيئة ريفية يبدأ عندهم الليل بعد صلاة المغرب حيث لا فضائيات ولا دور للعرض والوسيلة الوحيدة لتمضية الليل هي السوالف ولأن آفاقهم محدودة والمسافات جداً قريبه حتى أن السماء بالنسبة لهم لا تبعد عن الأرض سوى كيلومتر واحد تأتي فوقها الست الطباق فان سوالفهم معدودة ومحدودة ولذلك يحاولون مطها قدر الإمكان ليعبروا بها الليل الذي يقلبونه 12(تجليبه..).. ولم اسمع منهم (سالفه) قصيره .. إلا واحده، فقد كانت ليلة دامسة الظلام وأمي تدفعني دفعا إلى الديوان باعتبار أن المجالس مدارس ولم يخطر بخلدها إن ابن الرابعة يحتاج إلى وقت أطول للنوم .. .

 

 كنت أتثاءب في الظلام وأنا اجلس على التراب خلف الديوان بسبب سني وهي مزية يختص بها أترابي فمن هم أكبر سناً منا قليلا.. يكلفون بإملاء الأباريق والصب على أيدي الكبار ولا يتمتعون بما نتمتع به نحن من إعفاءات ... كان القوم يتأهبون في الصباح لرحلة موسمية إلى مدينة السماوه لغرض بيع ما عندهم والتسوق للعيد .. وكان جدي يوصيهم مؤكدا من خلال رفع صوته والتشديد على مخارج الحروف: (من تتسوكون ..ديروا بالكم من السيد الاحَمَرْ..ومن الحَجيْ الاعَوَرْ..!.)، لقد كانت تلك التوصية بسبب اقتضابها وتشديد جدي على مخارج الحروف قد دخلت بالنسبة لي من القلب إلى القلب حتى أني بدأت أرتب لها ألحاناً .. دون أن أعرف لماذا كان يحذرهم من أولائك ..؟ وما هو السبب..؟. لكني بعد مرور 12 سنه عرفتهم شخصيا وقابلتهم وعرفت سبب تحذير جدي .. . .

 

 قبل الإجابة على أسئلتكم اسمح لي أخي العزيز الأستاذ سلام .. أن أمر على مقدمتكم فان فيها مثل الذي في مقدمة أبن خلدون .. .

 

 1 . لقد قلت ما نصه: (بالنسبة لي كمراقب وجدت في دخول هذا المعترك ـ السياسي ـ مجازفة دونها خرط القتاد.. فثمة شعور بالريبة والتحسب من مغبة العمل السياسي تحت ظل احتلال أجنبي.. لا تكن له الأغلبية مشاعر ود لا من قبل ولا من بعد.. رغم دوره الكبير في إسقاط أكثر دكتاتوريات المنطقة خسة وشراسة...).. .

 

 ج: وتعقيبا على ذلك أشير إلى الآتي: . عندما سقط صدام وانهار نظامه مثل صناديق الكارتون، قَدِم الساسة العراقيون إلى ربوع الوطن من كل فج عميق موجات اثر موجات لكني لم ألحظ منهم من كان يعتلي صهوة دبابة إنما كان بعضهم في أجوافها وبعضهم يركض خلفها أو جنبها متخذا منها واقيا من شمس العراق .. لم نكن نعرف أسماء معظمهم .. أبصارنا مشدودة إلى الديمقراطية والى التحول المزعوم في ستراتيجية الأمريكان بعد حقبة الحرب الباردة والتي تقول أنهم أدركوا خطأهم الستراتيجي القائم على تنصيب وحماية الدكتاتوريات في العالم، وأنهم بعد أحداث سبتمبر متجهون إلى نشر الديمقراطية في العالم باعتبارها الشرط الأساس لقيام العولمة ..وان العصر عصر العولمه ..وعلى هذا الأساس بنينا أحلامنا العريضات ..!، وفي ضوء ذلك كان جوابي لأحدهم عندما سألني بعد أسابيع من سقوط صدام: كم تقدر المدة اللازمة لتجاوز الفوضى واستقرار الأمور ..؟ فكان جوابي: 6 أشهر كأقصى حد ..لأن الشعب العراقي خيارته جاهزة ومعروفه إذ أن معاناته الطويلة من الاستبداد والدكتاتورية تجعل من خياراته السياسية متجهة باتجاه واحد .. ألديمقراطيه .. ومكابدته المريرة من جراء الفقر والقمع و التعسف والتخلف تجعل من خياراته متجهة صوب الحكم الصالح العادل النزيه الشفاف الذي يقدس حقوق الإنسان .. لكن الشهور القليلة التالية أفصحت عن غير هذا ..! وهو مختلف بالمره ...الفرهود لم ينحصر بأثاث الدوائر الذي مارسه المغمورون من العراقيين وبتشجيع من الأمريكان .. فقد أعقبه فرهود اشد قسوة ومضاءً يمارس من قبل الجهات السياسية وتوابعها ..المناصب، الوظائف، المباني الحكومية، واخطر ما في ذلك الفرهود .. هو فرهدة وعي الناس وولاءها .. تقاسموا الناس مذهبيا وقوميا وعشائريا ومناطقيا ..وهذه هي المصيبه ..فقد باتت كتل ضخمة من الناس يسيرونها وفقا لأهوائهم وحمى التنافس السياسي والركض وراء السلطة والنفوذ يدفع بهم لأن يجعلوا من تلك الكتل البشرية جاهزة لأن تواجه بعضها .. وبصيغ دمويه لا تبقي ولا تذر .. .

 

 في هذا الجو المشحون بالقلق والتوتر كان المثقفون في الداخل كل يغلق عليه داره بالرتاج والقفل والمفتاح ..! لماذا ..؟ تعففا من الانخراط في الفرهود .. وتأففا من الانقياد والخضوع للجهلة .. وأيضا خشية من تكرار شبح كذب الأمريكان وعودة صدام واجتياحهم من قبل حسين كامل جديد لتفتح المقابر الجماعية من جديد كما فعلوا عام 1991 عندما تقبلوه على طريقة السيئ الذي تعرفه خير من الجيد الذي لا تعرفه، بعد أن جردوه من القوة ودمروا العراق وحالوا بين الشعب العراقي وبينه إثناء انتفاضة آذار بل ومكنوه من ممارسة جرائمه المعروفة ضد الناس .. البعثيين لم يقصروا من هذه الناحية فهم يعرفون الوتر الحساس في نفسية المثقف العراقي وبدئوا ينقرون عليه بعنف ..! العزة الوطنية عند العراقيين فانطلت الحيلة على المثقفين .. كنا نقول لهم (المثقفون): ليس هناك ما هو أقسى من أن تصطدم عين العراقي بمنظر الدبابات الأمريكية وهي تجوب الشوارع ولا أصعب عليها من الهمرات وهي تمرق في الأزقة والحارات ..ولكن اسألوهم .. من كان المتسبب في هذه الأوضاع ..أنتم..؟ أم أنهم هم وصدامهم ..؟.. هل ذهبتم أنتم وقدمتم تظلمات إلى الأمريكان لكي يجتاحوا بلدكم ..؟ أم أنكم تجرعتم الموت الزؤام هنا في هذا العراق وهم وصدامهم من ألجأ العراقيين لأن يجوبوا بمظاهراتهم قبل عدة سنوات شوارع عمان وهم يهتفون: شارون ولا صدام ..؟ في آذار 1991 هل قوض العراقيون نظام صدام وحشروه حتى ضاقت عليه..؟ ولولا الأمريكان والأعراب لحسم الأمر ؟.. اليوم حصل الذي حصل .. و ها هو بلدكم محتل تحت لافتة من قرارات دولية ومصبوغة بصبغة الشرعية الدولية.. هل تتركونه للأمريكان والفاسدون كي يعيثوا فيه ..؟ أم تتولون أمره أنتم ..؟.. لكن مثقفينا لزم كل داره وبعد إن انطلت الحيلة عليهم سارع البعثيين لتغيير جلودهم كما هو شأنهم دائما وغيروا ولاءاتهم إلى الأمريكان والى الأحزاب المتنفذة وسيطروا على أجهزة الدولة وأغلقوا كل المنافذ في وجوه المثقفين العراقيين من غير أتباع صدام والأحزاب المتنفذة، ولأنهم يمتلكون شرطين لا يتوفران في غيرهم: معرفتهم بدروب الفساد كلها فهم متمرسون فيها .. وفوق ذلك فان مفردة ..لا.. لا وجود لها في منهجهم السلوكي، في حين أن المثقف العراقي من غير ذلك النمط يقول: لا ..لكل ما يتعارض مع قيمه ووطنيته، ولولا ذالك لكان الجميع في العراق بعثيا .. في هذه الحالة طردت العملة الرديئة العملة الجيدة من السوق وبات المثقف العراقي خارج الساحة في حين بات البعثيين هم الأقرب من حبل الوريد إلى الأمريكان والى المتنفذون الجدد .. .

 

 فإذن ومن وجهة نظري كان تجنب المثقف العراقي الدخول إلى المعترك السياسي بعد سقوط نظام صدام خطيئة ارتكبها بحق نفسه وبحق الشعب العراقي لأنه أتاح الساحة كل الساحة للعملة الرديئة.. نعم أنا لا اختلف معك في أن الباعث كان أخلاقيا ووطنيا .. ولكن ذلك.. مثل حال من سعى إلى الحق فوقع في الباطل .. 2 . وقلت في المقدمة ذاتها: (وتحسبي كان في محله.. فمعظم الذين تصدوا للعمل السياسي السلمي لعبور مرحلة التخلص من أدران الدكتاتورية . وتحقيق الاستقلال والديمقراطية والبناء. أصابتهم لعنة التخوين.. تحت يافطة (جئتم على ظهر دبابة أميركية.. !!) .. .

 

 ج: ممن أخي سلام ..؟ من الذي وصمهم بالخيانة ..؟ البعثيين ..؟: ألم يعترف قادتهم السابقون بأنهم وصلوا إلى حكم العراق بقطار أمريكي ..؟ الم يعترف قادتهم الحاليون بأنهم يتعاملون مع درزن من وكالات المخابرات ..؟ الآن ألا يهرعون إلى واشنطن ويكتبون إلى واشنطن كي تنصبهم على رؤوس العراقيين .. طيب هؤلاء هم البعثيين .. من هو الذي يخونك غيرهم ..؟. الحكام العرب ..؟ وإعلاميو كوبونات النفط التي كانوا ينعمون بها من صدام في وقت يجري دفن أطفال العراق بالجمله ..؟ تفضل ..هم أمامك فأنظرهم كيف يتوسلون ويدفعون المليارات للأمريكان وللناتو كي يضربوا أبناء جلدتهم، ويحتلوا بلاد العرب ..! ثم هل أن الطائرات والدبابات الأمريكية عندما توجهت لاحتلال العراق سلكت طريق الحرير ..؟ أم أنها انطلقت من أراضيهم أو عبر أراضيهم ..؟ كانوا يزغردون للأمريكان يومها لكنهم عندما وجدوا أن شريحة مذهبية من العراقيين كانت في الصدارة قلبوا ظهر المجن..هذا هو الأمر .. وليس الذنب ذنبهم فقط بل ذنب ساسة تلك الشريحة بالذات الذين قدموا أنفسهم بوصفهم ممثلون لشريحة من الشعب العراقي هي الشريحة الشيعية بدلا من أن يقدموا أنفسهم بهويتهم العراقية الديمقراطية وحسب .. ثم من هو الذي جاء على ظهر الدبابة الأمريكية ..آنا ..؟ أنا في السماوة ياصديقي .. أنت ..؟ أنت في المسيب يا عزيزي .. ونفس الشئ لأبن بغداد والناصريه والبصره وكل عراقيو الداخل .. من إذن الذين جاءوا على ظهر الدبابة الأمريكية ..؟ يحيى السماوي ..؟ بلقيس حسن ..؟ محمد علي الشبيبي ..؟ ومثلهم كل المهاجرون العراقيون الذين فروا من جور صدام وهمجية بعثه .. هؤلاء لم يأتوا أصلا .. ولا صلة لهم لا بالدبابات ولا بالمخابرات الأمريكية .. الذين جاءوا على ظهور الدبابات الأمريكية هم: علاوي وحازم الشعلان ومشعان الجبوري والجلبي والجعفري والباجه جي والكشتلة من أبناء و أيتام نظام نوري سعيد، واستغل الإسلاميون سقوط صدام فانهمروا في العراق وهو بلدهم .. .

 

 عندما يقولون عمن توظف في بلده وعراقه بعد سقوط صدام بأنه خائن .. فهل عمل هذا لحساب أو في أروقة السفارة الأمريكية ..؟ أم لحساب وفي أروقة السي آي أي ..؟.. .

 

 أما أن أخضع لمسطرة عزت الدوري وحارث الضاري في مفاهيمهم للوطنية والتخوين ..؟ فسحقا لعزت الدوري وسحقا للضاري .. .

 

 فإذن هذه اللعنة لم تصب إلا الذين تعاملوا مع المومياءات وتدربوا على أيد كهنة المعبد سواء كان المعبد أمريكيا أو إيرانيا أو سعوديا .. إما غيرهم فهذه أيديهم ناصعة البياض مثل يد موسى وهذه أفعالهم الوطنية أثارت حنق الأمريكان قبل غيرهم .. بالمناسبة: أنا أقول ذلك كي أسقط حجة المثقفين والذين يتهمون زملاءهم ومواطنيهم كي يبرروا الطريقة التي أحجموا بها من القيام بدورهم الفاعل في معادلة الكفة الجمعية للناس في العراق، وأيضا المهاجرون العراقيون الذين أحجموا عن العودة إلى العراق تحت ذرائع شتى .. .

 

 3 . وجاء في مقدمتكم (وثلثين ألطك من ألمقدمه): (وبعضهم اتهم في نزاهته وذمته المالية ونالته سهام النقد.. وبعضهم.. وهنا مربط الفرس.. قد ولغ فعلا في صحن الشعب العراقي وامتدت يده إلى السحت.. ووجد من الفوضى الخلاقة فرصته للنهب المنظم والمخربط (أنا هنا متأثر أيضا بأسلوب أستاذي موسى فرج).. فكانت السرقات العظمى في قطاع الكهرباء والدفاع والخدمات..ناهيك عن الاتهامات المجانية بتلقي أموال من دول إقليمية على حساب النزاهة والموضوعية وخدمة الشعب العراقي..).. .

 

 ج: نعم .. والله يا أخي وعزيزي يا سلام منذ مطلع عام 2004 وقد قلت وكتبت أن القادمون مع الأمريكان لا يجمعهم غير مشترك واحد هو بغضهم لصدام وحبهم للسلطة والنفوذ ..أما عن ممارساتهم في الميدان فان سلوك بعضهم اشد مضاءً من صدام لكنها الموجة وقد ركبوها بحثا عن الذهب .. ومكنهم الأمريكان من ذلك .. وإلا.. لقالوا: قد كنا مترفين كيفما كانت أحوالنا قياسا بكم أيها العراقيون.. امنيا ومعيشيا وخدميا ونفسيا والواجب الأخلاقي والوطني يحتم أن نقوم بأمرين: الأول: إدارة شؤون البلاد إدارة مهنية حرفية من خلال ما يسمى بـ التكنوقراط .. نعالج مشاكل الشعب ونداوي جراحه ونرفع عنه ضيم الفقر والشحة والعوز ونعيد له كرامته المنتهكة.. ،

 

 الأمر الثاني: فهو بناء نظام حكم مناقض تماما لنظام صدام .. سياسيا وأخلاقيا ووطنيا وفي كل شئ ..نظام صدام دكتاتوري ..البديل لذلك الديمقراطية، نظام صدام مستبد وظالم ..نقيم دولة العدالة، نظام صدام فاسد وأفقر الناس .. نبني نظام حكم الرفاهية .. نظام صدام سحق حقوق وكرامة الإنسان العراق .. نحن نقدس حقوق الانسان وكرامته قولا وفعلا .. لكنهم قدموا ولا شئ في رؤوسهم غير الحكم والسلطة والنفوذ والإثراء .. والقرار الوحيد الذي لم يختلفوا عليه خلال مرحلة بريمر ووافقوا عليه خلال 5 دقائق هو قرار رواتبهم وامتيازاتهم .. فإذن عندما أقول: بعضهم ..فهل أن هذا يعني نسبة منهم 10 ./. أو 60 ./. ..؟ أم أنها عينة عشوائيه ..؟.. لا.. ليس هذا ..بل أن الفاسد منهم مارس تلك الأفعال وأكثر والمستقيم منهم لم يدنو منها .. أما موضوع الحصول على أموال ودعم من الجهات الإقليمية فلم تكن تلك اتهامات مجانيه .. ولو كان قانون التخابر والتعامل مع الجهات الأجنبية مطبق ما وجدت منهم نفس منفوسه .. دون أن أستثني منهم فصيل .. ووفقا للتركيبة السكانية لسفينة نوح لقد مارسوا الحالين معا شراء الحكم باستخدام المال العام وشراء الحكم بارتهان العراق عند السعودية وأخواتها.

 

 

 

 هل أدلكم على من يحق له أن يكون محبطاً فعلاَ..؟ وكسير النفس حقاً..؟ تعالوا معي أدلكم عليه: .

 

 هذا هو.. الذي فقد أفراد من عائلته، أعدمهم صدام ونظامه بسبب انتماءه هو لحزب معين وأمضى ثلثي عمره صادقا للقيم التي تحمّل كل ذلك تحت ظلالها وعندما حان القطاف وجد المسئولين عنه في الحزب شرهين فاسدين أنانيين .. وعندما يعذلهم عما هم فيه يواجهونه بالصدود والعداوة والتنكر ..فيشعر أن تلك الأرواح البريئة التي أزهقت من جراء انتماءه هو تخنقه مطالبة بالجدوى، وتلك العقود العجاف التي أمضاها في الهجير لن يعود الزمن إلى الوراء فيستعيدها.. أما فيما عداه فان المرء من وجد نفسه في واحد من حالين: الأول حط الركاب ونزع لآمة الحرب لأن الأمور جاءت كما يشتهي ..أو حال غير ذلك فاستبقى على جسده لآمة الحرب مربوطة أزرارها وواصل حياة المحارب دون أن يتقاعد .. وهو حال قد اعتاد عليه .. ولا يجد غضاضة في أن يستمر بذلك..

 

 4. وجاء في مقدمتكم أيضا مما تصفونني فيه بقولكم: (وصراحته كما أرى.. جنت عليه.. ولو تحلى ببعض دهاء مطلوب ربما لنفعنا.. أكثر...).. أي.. سلام أيها العزيز .. أذكرك بالمقولة الشهيرة التي تشير إلى انتصار الدم على السيف .. أنا أضأل من أن أشبه نفسي بمن قيلت بحقه ..لكني اسأل: هل أن استمرار اسم أبي ذر الغفاري لما يقارب من 1400 سنه ..هو لأنه من بني هاشم ..؟ أم أنه احد الخلفاء الراشدين ..؟ أم انه من الـ 12 من بيت النبوة ..؟ أبداً .. هل جنت عليه الربذه ..؟ مطلقاً .. ولولاها لكان نسياً منسياً .. عروه الذي سبقه كان قاطع طريق ومثله روبن هود ..لكن سعيهم من اجل الفقراء طبع لهم بصمات تتفوق على تلك التي ترسم في هوليوود ..ونزاهة عبد الكريم قاسم معروف أثرها في ضمائر الناس ومعروف وقعها على ذاكرة الناس .. أنا لن أتشبه بهؤلاء لكن الفخار يجتاحني عندما اشعر باني أنتمي لهذه المدرسة .. وقيم تلك المدرسة لا تجني على المرء بل أن الابتعاد عنها هو ما يشكل فعلا جناية يرتكبها المرء بحق نفسه وإنسانيته .. والدهاء إذا كان يعني المراوغة والانتهازية والتلون واستبدال الجلود فـ لن أقربه وان كان فيه نفعا لجميعكم لأن النتائج النبيلة لا يمكن تحقيقها من خلال قيم منحرفه .. فالغاية النبيلة تتحقق من خلال وسيلة نبيله .. وإلا .. فلا.. والآن إلى الاسئله

 

س5: سلام كاظم فرج: اتفق مع الفنان والأديب محمد سعيد الصكار في حديثه عن تشعب المقال لديكم.. حتى تضيع الفكرة الرئيسة وسط مجموعة أفكار جانبية. ورغم متعة المتابعة المستندة للسهل الممتنع الذي يميز أسلوبكم. لكن الفكرة الرئيسة تضيع.. اعني. يمكن للمقالة أن تتجزأ إلى مقالات عدة.. انتظر توضيحا باعتباري متابعا جيدا لكتاباتكم؟؟.. .

 

 ج5: موسى فرج: 1- والله صحيح كلام أخي الأستاذ محمد سعيد الصكار.. فان مقالاتي مطولة وتتشعب وقد تضيع الفكرة الرئيسية من جراء ذلك ..وهي أقرب منها إلى الدراسات من المقالات والسبب هو: أني لست صحفيا وغير متمرن على ألحرفه ولأني كنت ولمدة 14 سنه أقوم بإعداد الدراسات والبحوث وفيها متاح لك إن كنت تكتب عن رحلتك من المسيب إلى السده أن تصف كل ما تصادفه من علْيق أو حلفاء أو طرق نيسمية أو متعرجة دون أن يقال لك: كفى ..في نفس الوقت متاح لك أن تعد خلاصة مكثفة مرفقة بالدراسة تختصر الأمر بقولك: إن نويت على السفر من المسيب إلى السدة فما عليك إلا أن تعبر جسر المسيب الذي تغنى به ناظم الغزالي.. فالذي يريد وصفا على طريقة الحموي يجده ومن يريد خلاصة مثل اختصار احد المعممين لقصة يوسف يوم قال: يوسف (أوليد ضاع ولكوه هله ..).. أيضا يجده، هذه الطريقة يتقنها كتاب مقاله عراقيون متمرسون رائعون منهم الأستاذ جاسم المطير والأستاذ صبري الربيعي .. فهم ينهون مقالاتهم بما يسمونه قيطان الكلام و مخلص الكلام والذي يضمنونه زبدة ما قالوه في المقالة (آنا لا هاي ولا هاي .. المقالات على طريقة الحموي وماكو خلاصه مكثفه ..) .. أنا معجب للغاية بومضات الشاعرة الرائعة بلقيس حسن فهي بأربع كلمات وليست بألفية حسين بركه الشامي تمر على وجهك نسمة ندية تحمل عود البخور وعطر المسك في ظهيرة نهار قائض فتعيد أليك رشدك .. لكن أنى لي أن أكون مثل بلقيس.. فانا لست بشاعر ولست بمجنون ..وطبعا لست نبيا ..

 

 2 . أضيف تفسيرا آخر: يوم كنت طالبا في الجامعة كنت هاو للرسم وارسم بنشاط ملحوظ واشترك بلوحاتي في المعرض السنوي للكلية لكني عندما أرسم لوحة تحت عنوان: أين حقي ..؟ وهو مستعار من عنوان قصيدة بحر العلوم المشهورة أرسم رجل طاعن في السن هلكان ورث الثياب وفوقه لافتة مكتوب عليها: (وصلت الراقصة المشهورة سهير زكي .. فسارعوا لاقتناء بطاقاتكم ..)، وعندما ارسم موقف الحكومات العربية من القضية الفلسطينية ..(ارسم مقاتل فلسطيني وكلبان يركضان معه وكلب يعض عقبه.. وثلاثة كلاب مشغولة بالولوغ في جثه ..واكتب تحتها: الحكومات العربية ..!).. الأمر الذي يجعل من أستاذي في الرسم وصديقي لليوم د. عبد المرسل الزيدي يخرج عن طوره ويفقد أعصابه صائحا في وجهي: لماذا كل هذه التفاصيل.. وهذه ألمباشره ..؟ ألا يكفي ضربة فرشاة ترمز لذلك..؟ أواجهه بصوت أعلى نبره: (ليش هو آنا ارسم ألك أنت اللي تلكفها وهي طايره ..؟ لو ارسم للإنسان البسيط بياع اللبلبي وبياع الفجل..؟..هذولا..يفتهمون ألرمزيه مالتك ..؟..) ..فأمسكني من ياختي قائلا: أنت ما محسّب حساب لناظم كزار ..؟ بعدين الله عليك موسى .. أنظر في وجوه الناس الذين يطالعون اللوحات .. كم واحد منهم ..بياع لبلبي وبياع فجل ..؟ عندها ضحكنا حتى امتلأت محاجرنا وسجلنا تلك اللحظة فوتوغرافيا ..كان ذلك في عام 1970 .. .

 يتبع

 

 

يمكن توجيه الاسئلة عبر الاميل الاتي

 

[email protected]

 

  

 

خاص بالمثقف

 

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

 

............................

 

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2059الاربعاء 14 / 03 / 2012)

 

 

 

في المثقف اليوم