حوارات عامة

في لقاء مع الكاتب والناقد المسرحيّ والأديب العراقي الأستاذ سعدي عبد الكريم / سنية السعدي

منذ النشأ الأول للإحياء .. ومع بزوغ أول ضوء للحرف السومري

- يجيءُ الشعر ضيفا جميلا تطبعه ذاكرتي اللحظوية على الورق بعناية ٍ شفيفة ٍ .. تؤرقني كثيرا ً

- المثقف العربي .. يعيش تحت دائرة الفقر .. يرحلون عنا وهم ملتحفون بدثار الأسى والعوز

الأستاذ والمبدع الأديب والشاعر والكاتب الناقد المسرحي والسينارست العراقي الدكتور سعدي عبد الكريم مساؤك خيرا .. متواشج بعطر المحبة والسلام ولبغداد البهية .. لأنها من مدن التاريخ . أنها مدينة مفردة برافديها ذاك الإرث الأزلي المتخم .. بعنفوان التحرر علوا ومجدا ً .. وثبات قامات نخيلها شاكرا جهدكم لحواريتنا .. أرجو أن تتسع رؤاك السيميائية لحواري .. أنت أيها القامة المسرحية والنقدية والشعرية .. التي أنا شخصيا من المعجبات بتلاويناتها التدوينة الباهرة الجمال ... واسمح ليّ ان أبدء بهذا السؤال ...


 كان سؤالا يكبر بذهني .. هل إن توسيع دائرة المنهج الجدلي التاريخي وسماته هو مشروع لقراءة جديدة لواقع المثقف العربي؟!

- المثقف العربي يا سيدتي .. يعيش تحت دائرة الفقر .. العديد من المثقفين والأدباء والفنانين الكبار يرحلون عنا وهم ملتحفون بدثار الأسى والعوز، نحن لا نذكر أدباؤنا ومثقفينا وفنانينا، إلا عندما يرحلوا عنا، ونبتلع الهم بمرارة، ونحاول تجميل رحليهم، بمناسبات وهمية، نكاد من خلالها ان نُقنع ُ أنفسنا بأنهم موجودين في الذاكرة النخبوية .. والجمعية .. والمثقف العربي واقع تحت تأثير الملزم السياسي المؤدلج .. ومن ثم أن المنهج الجدلي التاريخي ليس هو المحرك الوحيد والأساس في موضوعة التناول الاستاتيكي، لقد أعلنت نظريات ما بعد الحداثة، موت الأيدلوجيات الكبرى، والقفز عليها لخلق ما هو متساوق مع الجديد، أي أنها تعلن الاتكاء على ملاحق الجمال داخل أيقونات المتداول الحداثوي .

أنا شخصيا .. أعوم ُ داخل فضاءات اللامرئي من الأشكال والمسميات الأدبية والثقافية، لخلق نص يحاكي الفطنة الآدمية .. المجبولة بمخيال التلقي والاستجابة الخلاقة ذات المنفعة المناخية الناجعة .. بإشكال متنوعة ومختلفة في التناول،  بدءً من الخطاب المسرحي، مرورا بالنقد .. وانتهاء ً بالشعر، بمعنى .. أنا اشتغل وفق منظومة المعيار الجمالي للمفاتن التدوينية بجل مخاصبها الفنية والأدبية والثقافية والنقدية .

أما الشعر يا سيدتي الفاضلة، فأنه يجيء ضيفا جميلا تطبعه ذاكرتي اللحظوية على الورق بعناية ٍ شفيفة .. تؤرقني كثيرا .. ويداعب مخيالي المتخم بالصور التي تستقر داخل الذاكرة، اما السيميائية .. والبنيوية والتفكيكية وغيرها من مدراس النقد، فهي مناطق اشتغالاتي الأدبية الأكاديمية، أما الكتابة للمسرح، فهي صنويّ، وتوأمي، الذي لازمني منذ أربعين عاما ً والذي يحاذي مملكة إبهاري منذ النشأ الأول للإحياء .. ومع بزوغ أول ضوء للحرف السومري .

وبغداد هي ملهمتي .. وصباحاتي المترفات .. لآني جبلت من رحم شناشيلها .. وانصهرت ملاذاتي داخل عبق وأريج جدرانها العتيقات .. وتغزلت ُ بها حبيبة .. وهمت ُ بها .. وعتبت عليها .. لأنها لم تلحق بيّ .. حيث المنافي التي عشتها في هجيرات قائضة من سنيّ عمري الفائتات .. أنها جنية شعري التي تحاورني كل مساء .. كي تحررني من صمتي .. وتحلق بيّ صوب مناخات الشعر .. والحب .. والجمال .. بغداد .. هي أول امرأة عرفتها .. وعشقتها .. وكتب لها الشعر .

بغداد ُ ...

حينما تسيرين َ خلف َ نعشي

لا ترتدي السواد َ

يكفي سواد َ عينيك ِ

حدادا ً !!!


 العولمة وما تحمله من إرهاصات في تفكيك البناء التراكمي للعقلية التعددية وفق مفهوم المنجز الإبداعي .. السؤال أستاذنا .. أين الإبداع الفكري العربي من العالمية مع إدراكنا لحركة التاريخ؟

- هناك ثمة مقولة كنا نتداولها في جِلستنا الأدبية والثقافية أبان السبعينات من القرن المنصرم، بان (مصر تكتب، ولبنان تطبع، والعراق يقرأ) سيدتي ما عاد الكتاب له ذلك البريق الوهاج في عين المتداول (القارئ) وهذا اعزيه الى عولمة الثقافة، بمعنى ان العالم أصبح قرية ذات حدود تداولية واسعة النطاق عبر الانترنت، وبالتالي انعكست كل هذه التراتبية في تهشيم المنجز الإبداعي الأدبي المحمل بالملامح الفلسفية والفكرية والفنية التي يتكأ عليها الأديب العربي، لذا نجد ان المقبلين على اقتناء كتاب، يفكرون مليا ً في الإقدام على هذه المحاولة، في السابق كنا نتساوق على اقتناء الكتاب، ويأخذ مجراه الطبيعي في التداول من ذهن الى ذهن، حتى نستطيع جمع مبلغ ثان ٍ لشراء كتاب متداول آخر، تصوري سيدتي .. قرأت في آخر إحصائية صادرة وفقًا لتقرير التنمية البشرية العربي الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بان معدل قراءة المواطن العربي هو من أقل المعدلات عالميا، حيث يقضي حوالي ستة دقائق في العام للقراءة !!! أن هذا المعدل لقراءة المواطن العربي، كارثة حقيقية، وهي زلزال يهز عرش الوعي العام.

وحينما نرجع لحركة التاريخ، فإنها لم تُغير من حبر التدوين، لكنها غيرت المسميات والأشكال، فالحبر ذات الحبر، وان اختلفت صناعته كيمائيا ً، ولكن الكاتب أو المفكر، مع كل الضغوطات السياسية والاقتصادية، لم يتخلى عن مهمته الأساسية في توسيع أفق الوعي المجتمعي، خذي مثلا جائزة نوبل للآداب التي حاز عليها الأديب نجيب محفوظ، لا لأنه ذو حظوة، لكنه كان متوغلا في الذهن المصري البسيط، وعرف كيف يلج الى عالمه في الحارات المعدمة، انه كاتب من طراز خاص، نقش بقلمه ذاكرة مصر الحديثة، لم يجلس على كرسي من عاج، ليكتب روايته الفخمة، بل تربع في زحام العقل العادي والنخبوي المصري، ليدون لنا، ثلاثيته الفاخرة.

إذن .. على الأديب العربي ان يترجل عن صهوة تراضيه مع السياسية والساسة، ويتنحى عن منصبه الرفيع الذي ارتضاه بعيدا عن سقف الفقر الذي يعيشه اغلب الأذهان المتعبة كدا، وقهرا، ونكدا، وجوعا، وفقرا، وينزل لذاك المستوى من الهول المجتمعي، لكي تتناغم تدويناته بجل مخاصبها الأدبية مع سيمفونية الشعب .

أنا أرى شخصيا .. بان العولمة لا تؤثر البتة على المواقف، والثوابت والأفكار، المترسمة في عقل الأديب، بل يمكن له أن يعكس المعادلة فلسفيا، وينتقل لطرح فكري حداثوي، يتفاعل ضمنا مع العقل الجمعي العربي، وبالتالي يستطيع ان يرتقي لمنطقة الانزياح للعولمة .

أن قلم الأديب هو الأداة الأكثر فاعلية في ترقيم الفحوى الجمالية للنص بشكل حضاري، وضمن منظومة الارتقاء بالوعي الجمعي العربي، لان الأديب كينونة فاعلة ومتفاعلة مع نبض الشارع، للارتقاء بالذائقة الجمعية الى حيث مصاف الدهشة، والإبهار، والجمال .

الذي تبادر الي هو كيف أبقى المثقف العربي على القواعد و القوالب الجاهزة للغة؟ لم َ لم يحاول كسر الحاجز و خلق نمط مغاير؟ رغم محاولات البعض و رغم تلاقح الثقافات و الحضارات و دخول بعض المفردات بلغتنا المستعملة؟

- إن المثقف العربي، أنا شخصيا ومن خلال عين نقدية مبصرة، أعده من الكينونات الخلاقة التي تستطيع تكوير الحرف كما يستدعي النص، أن القامات الأدبية العربية العالية، لم تخضع في تدويناتها لادلجة عصر السياسية ، بل راحوا يستكشفون ملاذات فلسفية وفكرية وإبداعية ذات قوام لغويّ فني رشيق وبالغ الجمال، قد اختلف معك سيدتي، المثقف العربي لم يبقي على القواعد والقوالب الجاهزة للغة، وإلا لو كان حال الأديب العربي هكذا، لما ظهر على مستوى الشعر الرائد الأول للشعر الحر بدر شاكر السياب، ونازك الملائكة، والبياتي، وادونيس، والقباني، وأمل دنقل، الذين قفزوا على المألوف لــ (قصيدة العروض) وكتبوا قصيدة الشعر الحر، وعلى مستوى المسرح، لما ظهر المجددون أمثال، عادل كاظم، ومحيي الدين زنكنة، وقاسم مطرود، وعبد الكريم برشيد، وعوني كرومي، وقاسم محمد، وفاضل خليل، وصلاح القصب، وعلى مستوى الرواية لما ظهر، عبد الرحمن منيف، وغالب طعمة فرمان، وعبد الرحمن مجيد، ونجيب محفوظ ، والطيب الصديقي، وجرجي زيدان، ومحمود تيمور، وصالح مرسي .

وهناك من النقاد العرب الذين نظروا لما هو جديد في الحداثة وما بعدها، إذن ان حضور الأديب والمثقف العربي موجود ومرتكز على جملة من القيم الراقية في تطوير مفهوم النص، وإحالته الى كيان قائم بذاته، انه خطاب محافظ على أشكاله الفنية المسجلة بأسماء تلك القمم العالية من الأدباء والمثقفين العرب الذين يشتغلون داخل منطقة الحداثة .

مشكلة الفكر المستعمر و المستعمر ..علاقة الدال و المدلول باللغة؟ و إفرازات مجتمع مستهلك يقتات من تاريخ هري ما هو تأثيرها في موضوعة المقاربات الثقافية للشخصية العربية؟

- ان الدال والمدلول، يخضع بمفهومه النقدي لعلم اللسانيات او علم السيميولوجيا (علم العلامات) وكما يفسره رديناند دي سوسير 1857 – 1913، بان مكونية الدال Signifier والمدلول Signified، والدال هو الجانب الصوتي من المادي من الرمز حيث يمثل الصوت في حالة اللغة المحكية أو الحرف المكتوب في حالة اللغة المكتوبة، أما المدلول فهو الجانب الذهني فهو لا يشير إلي الشيء، بل يشير الي الصورة الذهنية أو الفكرة عن الشيء، ويؤكد سوسير علي الوحدة بين مكوني الرمز حيث يشبههما بالورقة ذات الوجهين لا يمكنك تمزيق أحدهما بدون ان تمزق الوجه الآخر .

و يمكن لنا سيدتي .. تطبيق التمييز بين الدال والمدلول علي رموز خارج اللغة فأي شيء يمكن أن يكون رمزاً مثل الصور والحركات البدنية ولكن بشرط أن يحمل الرمز رسالة ما تحددها (طبيعة الثقافة) التي نشأ بداخلها هذا الرمز فإيماءة الوجه مثلا يعتمد معناها علي اتفاق داخل ثقافة ما علي معناها بين المرسل والمتلقي، عند استخدام تلك الإيماءة، وتستدعي ذلك الإنفاق المسبق .

ومن خلال هذا الاستعراض الموجز عن مفهوم الدال والمدلول وفق وجهة النظر السيميائية، نرى بان هناك ثمة ارتباط وثيق بين هذا المفهوم وبين (طبيعة الثقافة) بين المرسل والمتلقي، بمعنى متى ما يكون المتلقي بمستوى استقبال الرسالة من قبل المرسل، ستكون النتائج حتما صحية ومرضية، والعكس هو الخيبة بعينها، وبما أن سؤالك يتضمن فكر المستعمر والمستعمر، فان تداخل المقاربات فهي منقسمة الى جانبين، الجانب الأول منها، هو ان الثقافات المستعمرة قد أثرت كثيرا على الاقتصاد بالعموم للمُستعَمر، وشظت الفكر والشخصية العربية، لكنها بالمقابل وعلى الجانب الثاني وفي ضوء منافع التبادل الثقافي الحضاري بين الأمم، وإرسال البعثات العربية للدراسة في دول أوربية، أضافت للأديب والمثقف العربي الكثير من الاكتساب الوعيوي، باطلاعه على ثقافات الشعوب والأمم، والاغتراف العلمي، من أهم النظريات النقدية والأدبية والثقافية والفنية في العالم .

                       

إلى متى يظل المبدع في علاقة تجاذب بين ما يرغب في التصريح به و بين ما يستطيع التصريح به باعتبار وجود سلطة -دينية..سياسية .. فكرية .. مواجهة له؟

- لا أخفيك سرا ً سيدتي .. بان الربيع العربي .. أصبح خريفا ًفي بعض الدول، تساقطت فيه الأقنعة عن الوجوه التي كانت تختبئ في محاذاة الظل خوفا من بطش السلطة الحاكمة، لكنها عندما كُسرت قيودها، بأيدي ودماء شباب ذاك الربيع الباهر ، التي سالت على إسفلت الشارع وارتقت الى السماء برقي وإبهار خلاق، لقد ركبت هذه الوجوه الموجة، واعتبرت نفسها وصية على الماضي والحاضر والمستقبل لشعوبها، وهذه نكبة كبرى .

أرى شخصيا .. بان تراعي هذه الموجات بغض النظر عن مسمياتها الى عيون الشهداء والفقراء والمعدمين والأرامل والأيتام والشحاذين، لأنهم من الطبقات التي تعيش تحت ظل سقف الفقر والجوع والعوز، لا أن تتعالى عليها، لأنها هي التي مرغت أبهاماتهم بالحبر البنفسجي لانتخابهم، أما المبدع والمثقف، فهو يعيش تحت سندان العوز، ومطرقة الساسة لادلجة أفكاره، ومعتقداته، وثوابته .

اعتقد .. بان ليس هناك من يستطيع ان يزايد احد على دينه ومعتقده ، وان ينصب نفسه بديلا، لنبي ٍّ او وصي ٍّ او إمام، ليحكم باسم الدين، الدين لله .. والوطن للجميع .

المعادلة هنا تبدو شائكة، على السياسي ان ينصت لصوت الأديب والمثقف، وإلا ظل هذا التقاطع واقعا، وكل ٌ يبحث عن ضالته، المثقف يبحث عن لقمة عيش ٍ تسد رمق عياله، والسياسي يبحث له عن كرسيّ فخم يتربع فوقه في الانتخابات القادمة، أنها مأساة حقيقة، على الجميع النظر لها، بعقول أكثر وعيا ً واتزانا ً .


حرية المبدع..متى تنهي إن ابتدأت فعلا..و لم يبقى النص خاضعا للمراقبة الذاتية باللاوعي المجتمعي؟

- حرية الإبداع لا تنتهي البتة، ما دام هناك مبدعون على الساحة الثقافية والأدبية والفنية، لأنهما قطبيّ الرحى (المبدع – الإبداع) = خلق، ابتكار، أسلوب جديد، حداثة، ما بعد الحداثة .

هناك وعيا ناهضا يمكث داخل عقل المبدع العربي، وهو يلاحقه بمراقبة نقدية لحظوية ذاتية، لاكتشاف ملامح الجمال داخل النص، فالمتلقي النخبوي والمتلقي العام، يُخضِعان النص الى فهمهما المُتصور وضمن وجهات نظر مختلفة، وهذه ملزمة صحية تنم عن وعي جمعي .

 
عندما نقرا ..لماركيز ..مثلا...نراه مغرقا بالتفاصيل الدقيقة لبلده .. و مع ذلك أصبحت كتاباته تحظى بصفة كتابات عالمية .. وعليه هل يحق لنا ان نأمل بهذه الصفة لإبداعات عربية؟ أم أننا إلى الآن لم نتحرر من الاستعمار الفكري؟

- اسمحي ليّ سيدتي أن أقول لك، ليس هناك البتة استعماراً فكرياً، لان الإنسان العربي، وتحديداً الإنسان العراقي هو أول من علم البشرية كتابة الحرف قبل 7 آلاف عاما (ق.م)، وهذا من دلائل الاستشراف في صيرورة الخلق للابداع، بدءً من الشعر ومرورا بالحتوته (القصة)، وانتهاءً بالنص المسرحي السومري كملحمة كلكامش، وحتى على مستوى التشريع الوضعي الإنساني الذي كُتبُ في مسلة حمورابي، بالعموم انا متفق معك تماما،  بان هناك ثمة قفزة جديدة في تناول النص الحداثوي، تدوينا ونقدا، وهناك خزينا مذاهبيا اكاديميا جديدا، اشتغل عليه الغربيون، وتلقفناه نحن العرب على عجاله، خذي علم السيماء مثلا، هو موجود عند العرب وفي صور عديدة من القرآن الكريم ، قبل بريس، وسويسير، وايكو، وجماعة براغ للسيمياء، لقد تحدث العديد من العلماء العرب عن علم الإشارة، والدلالة، والإيماءة، والعلامة، والايقونة، وهي سابقة تسجل لهم، لكن التنظير الغربي جاء ليطحن الموروث العربي الاستكشافي .

نعم ماركيز كتب بطريقته الحداثوية الغارقة بالتفاصيل في مئة عام من العزلة، وفي وزمن الكوليرا وغيرها من نصوصه، واحدث خرقا جديدا جماليا في تكوين الصورة الروائية العالمية، لكن هذا لا يعني بان ليس هناك مبدعين عرب خارقين، ولكنهم ربما يعيشون في زمن الظل، أو السير بمحاذاة الرصيف، الأديب العربي طاقة خلاقة ومبدعة ولها من أدواتها الفاعلة في تجديد لباس جسد النص، بحيث ترتقي به صوب مصاف العالمية، لكن هناك ثمة عوائق تحيل بين مخياله الفني الإبداعي وعيون الرقيب، الأديب العربي له من فاعليته الفنية الخاصة في مدى تأثيره في العقل الجمعي، والنخبوي، وهو قادر باعتقادنا النقدي على ان يؤسس له مملكة هائلة ومبهرة من جمهرة الحرف .


 بعض النصوص التي حظيت بالترجمة و بعض الدراسات النقدية او تلك النصوص التي أدرجت ضمن قوائم الأدب العالمي ..هل يمكننا القول إنها فعلا ترتقي لمفهوم الأدب العالمي أم إنها تخضع لأجندات سياسية؟

- في البدء، وحتى اكون صادقا معك سيدتي الفاضلة، وحتى أيضا لا أخفيك ِ سرا ً، أنا امقت السياسية والساسة، لان ادلجة الفكر تقتله في مهده، قبل ان يسطع نوره الى فضاءات رحبة من فاعليات التلقي .

أما بخصوص المترجم من تدوينات الأدب العربي بشتى معارفها المعرفية والادبية والثقافية، فهي حتما قابلة للانتقال الى العقل العالمي، او الاستقراء الحداثوي، او حتى الى ما بعد الحداثة، خذي مثلا نصي المسرحي الموسوم (التحليق في البعد الأخر) والذي حاز على الجائزة العالمية الأولى في السويد، اشتغلتُ في ثيمته على مصاهرة الحداثة مع القديم، والقفز به الى ما بعد الحداثة في تكوين صورة استاتيكية تحمل الكثير من الدلائل على قدرة الكاتب العربي في تنشيط المخيال التدويني وفي خلق ملهمات جديدة في عالمية النص، واعتذر لأنني ضربت مثلا من عندياتي، لكن هو مثال على قدرة وفاعلية العقل الأدبي والمسرحي العربي بالارتقاء الى ملامح العالمية، وربما قد يتجاوز حدود العالمية، ليشتغل داخل فضاءات الماورائيات في تكوين صوري خلاق للنص .

 
باعتبارك كاتبا مسرحيا كيف تنظرون الى النص المسرحي الأدبي وفق القراءة الجديدة لبناء نص العرض الآني وفقا لخيارات التسارع الزمني لخيارات الحلول للمشكل المفترض نصيا؟

- أنا أرى شخصيا، بل اعترف بان هناك ثمة قصور عربي في كتابة النص المسرحي،  هناك كتاب مسرحيون عرب كبار، لكن زمن الإبداع ربما توقف عندما رحلوا، وهذه معضلة تكاد تلامس شغف الضعف الاشتغالي في كتابة الخطاب المسرحي، لكن رغم ذلك هناك عروض مسرحية عربية فائقة الجودة المشاهداتية، وهناك عقول إخراجية كبيرة، وتنظيرية كبيرة، بدليل ان جلّ المهرجانات المسرحية العربية سترين برحمها حتما هناك عرض او عرضين او اكثر ترتقي الى مستوى الفرجة اللائقة بالمقاربة العرضية العالمية، والمسرحيون العراقيون المنتمون الى دائرة السينما والمسرح، حينما يشتركون في أي مهرجان عربي مسرحي يحصدون الجوائز الأولى، هذا متأتي من القيمة العالية في مستوى تفجير المؤثر الحداثوي داخل العقل الفرجوي العربي .

 
هل تعتقد إن أعمالك الفنية أو المسرحية كانت لها رأي مؤثر في الشارع العراقي يراقب كرأي تأثيري لسلطة المثقف؟

- أعفني سيدتي من الإجابة عن هذا السؤال، لأنه من اختصاص المتلقي الجمعي والنخبوي العراقي والعربي، لأنه هو الوحيد الذي يستطيع الوقوف فوق ناصية الرضا والاستحسان والإعجاب او ربما الانبهار،  وهو الوحيد الذي من حقه ان يعطي رأيه وتقيمه لنصوصي المسرحية، ودراساتي النقدية المسرحية والأدبية .

لكن مع ذلك أقول لك سيدتي .. بان الأديب متى ما رضيّ عن قلمه، سقط في هوة الاحتضار ، وربما الموت المبكر .


تواصل شكري لكم من تونس زيتونة الربيع العربي رافعة أغصان السلام؟

- أنا احني قامتي إجلالا .. لربيع تونس .. ومصر .. وليبيا .. لأنني لا استطيع أن أضيف للربيع صفة أخرى .. ببساطة لأنه ربيعا ً .. متواشجا ً ُ بجلّ الجمال .. والبهاء .. والالق .. والإبداع .

أقدم لك ِ ِشكري سيدتي الفاضلة الشاعرة التونسية المتألقة سنية السعدي لقد استطعت أن تمخري عباب هــذا المنحوت السحـري (العقل) اشكر لك ثانية هذا التموسق الجميل .. الذي كنت ُ أنصت ُ إليه وهو يختبأ ُ بين ثنايا أسئلتك الفطنة الرائعة .

حاورته / الشاعرة التونسية سنية السعدي

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2283 الجمعة 23 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم