حوارات عامة
الروائي العراقي فيصل عبد الحسن: الغربة أرحم للعراقي من مفخخات الوطن وأفخاخ ساكنيه!!
ـ كإنسان ـ بما آل إليه وطنه من مصير صعب ومؤلم، كما تدرك عمق فهمه ـ كمثقف ـ لما آلت إليه حال الثقافة في هذا البلد الحضاري الكبير "العراق" من تردِ وضياع؛ حيث يرى عبد الحسن الذي يقيم مغترباً عن بلده بمدينة الرباط المغربية أن الثقافة العراقية لم تمر بفترة أسوأ من فترة الحكم الحالي منذ غزا هولاكو بغداد عام 1258م وألقى بكتبها في مياه دجلة وعمل من رقائق جلود شعراء بغداد وكتابها وعلمائها وفقهائها ما جهّز به طبول فرقه الحربية، وأنه ما أقرب الشبه بين طبول هولاكو في الماضي، وطبول حكومة الاحتلال الحالية التي شرّدت أكثر من مئة ألف مثقف عراقي في كل فنون المعرفة والإبداع من مجموع أربعة ملايين ونصف المليون عراقي ممن يعيشون في المنافي، لكل هذا يرى الأديب العراقي المغترب أن العراق الآن بلا ثقافة ولا مثقفين، بلد أفرغ من كل مواهبه، وقدراته وبدلوا شعبا بشعب جاؤوا به من وراء الحدود، ومن عواصم أوروبا، وأمريكا، وإيران ووحده الله يعلم ـ كما يعبر عبد الحسن ـ لمن ينتمي هذا الشعب الجديد، للوطن الجديد الذي سكنه بقوة المحتل ودباباته، وشركاته الأمنية لسنوات أقل من عدد أصابع الكفين، وبمباركة الامريكيين والبريطانيين وبقية الحلفاء، أم هو ينتمي للبلد الذي قدم منه غازيا مع الغازين؟!! " حاورت المبدع المهموم بعراقيته الأصيلة !! حول رؤاه الخاصة والعامة مما يجول في ذهنه المغترب وواقعه الأكثر اغتراباً.
* بداية ما الجديد الطارئ في حياة فيصل عبد الحسن الأدبية والإنسانية؟
ـ لا شيء، سوى الانتظار والأمل؛ فقد فُرِضت علينا الغربة كمواطنين وككتاب بسبب ظروف العراق الحالية، وبسبب المسؤولين عن ثقافة العراق ممن تقتضي مصالحهم أن تبقى الطاقات الثقافية والأدبية الخلاقة خارج البلاد، وأن يبقى الجهل والتخلف يعشش في وطننا، وأن تبقى الثقافة للأميين ولمن يضع طاقية على صلعته تشبهاً بالجواهري الكبير، وهو ليس في رأسه غير المؤامرات الصغيرة وبرغوث التخلف، ولا يمت لأهل الآدب سوى بألقابه الكثيرة كشاعر وروائي وقاص وناقد.
* ماذا عن صورة الإنسان العراقي في المغرب من خلال معايشتك لها عن قرب؟
ـ إنسان مهشم، فقد إيمانه بكل شيء، وليس له انتماء محدد لشيء، فوطنه العراق ضاع كحلم وكوجود مادي، إنه يحلم بوطن آخر غير العراق يؤثثه في خياله بأشياء من العراق، كالحب والأمانة، والثقافة، والصدق، والتقدم والروح الحضارية، والحب المتبادل بينه وبين أهل العراق، وفي كثير من الاحيان عندما يتعامل العراقي في المغرب مع أهل العراق " الذين يعيشون في العراق حالياً " يشعر أنه يتعامل مع مواطنين من شعب آخر لا يعرفه.
* كيف وجدت التلقي الأدبي والثقافي لمنجزاتك الإبداعية كعراقي بين المغاربة؟
ـ المتلقي الأدبي والثقافي هنا لا يتلقى شيئا، إنه مبهور بإنجازه فقط ولكي تبهره عليك أن تقدم فرصة للكسب المادي، ولهذه الأسباب تجد أعمال إخواننا الخليجيين والسعوديين الترحاب والتفهم والتنويه عنها، ودراستها في هذه البلاد بالرغم من سطحيتها، ومحدودية ثقافة كتابها، وطرحهم الذي تجده سيئاً ومملوءاً بالأيروتيكا، والأخطاء اللغوية والأسلوبية والنحوية، وليس معنى هذا أن جميع كتاب الخليج بهذا السوء، ولكن للأسف الأقلام الخليجية الرصينة لا تصل إلى هنا ولا يهتم بها أحد، لأنهم لا يملكون أي فرصة للآخرين كرد جميل ولا يدفعون الأخضر الرنان. وهنا إذا وجدوك جيدا ومبهراً، فهم يتعلمون منك بصمت وسرية، ولا يعلنون استفادتهم من تجربتك الأدبية أو الثقافية، وستجد بين ثنايا كتاباتهم عبارات أنت كتبتها أو نوهت عنها أو قلتها، من دون إشارة لك أو التعريف بك، هنا للأسف الوسط الثقافي المغربي بلا تقاليد ثقافية رصينة، مثله مثل باقي الدول العربية، ولكن بأستثناء القليل منها.
* هل أنت راض عن دور الأدباء العراقيين في طرح مشكلات العراق بإخلاص وفاعلية؟
ـ كل أديب أو كاتب أو فنان عراقي للأسف يغني على ليلاه ولكن ليس على العراق ومستقبله، والعراق ليس له إلا الله تعالى، وأعجب كيف لا يكتب الكتاب والأدباء عما يحصل في العراق من كوراث وجرائم يتم لصقها بالإرهابيين؟؟ بينما هي إذا قشرتها وبحثت داخلها وجدت فيها الكثير من أدوات النظام الحالي وأجهزته الأمنية ورجاله الميامين، لأغراض سياسية أو لأنها مدفوعة من الخارج برشى كبيرة، ولا أدري كيف ينتخب رئيس وزاراء كنوري المالكي لفترة ثانية، وهو فاشل في كل شيء مد يده إليه ويخص الدولة العراقية، وقد تسبب بكوارث للعراق لاحد لها وتفوق مادياً وحضارياً حتى ما سببه النظام السابق للعراق من أذى وخسائر وكوارث؟!!
* كيف انعكست صورة الشعب العراقي في أدب فيصل عبد الحسن حتى الآن؟
ـ كل حرف كتبته في رواياتي وقصصي كــ "عراقيون أجناب" و " أعمامي اللصوص" و "سنوات كازابلانكا" وما لم ينشر بعد وما نشر في العراق في السنوات القليلة الماضية هي في حب العراق وأهله، والدفاع عن قضاياه المصيرية، ولكن للأسف يبدو أنني أكتب لعميان وطرشان لا يهمهم ما يكتب عنهم، ولا يحصل الكاتب منهم حتى على كلمة ثناء، ويجازى بالضغينة والحسد والحقد غير المبرر، بعكس الشعوب الأخرى التي تفخر بكتابها وأدبائها، حتى لو كانوا معتوهين ومحدودي الإبداع، أهلنا ومن تبقى منهم في العراق، صاروا للأسف بسبب ظروف شتى من أسوأ الأمم في الأرض، وليس غريبا أن تحل بهم كارثة قريبا من صنع أيديهم تمحوهم من وجه البسيطة، فلا يذكرون إلا كما يذكر قوم عاد وثمود وتُبع بالسب والشتيمة واللعن خصوصا إذا تركوا السفاحين يسرحون ويمرحون بينهم ويتسيدون المشهد أيضا.
* بين الموت المفخخ وموت الغربة في رأيك ما ملاذ المبدع العراقي؟
ـ الغربة أرحم للعراقي من مفخخات الوطن وأفخاخ ساكنيه "الحاليين" الذين قدموا الوطن وصاروا كالجمرة الخبيثة التي تنشر سمومها في كل أنحائه وتسيء إلى حاضره وتأريخه وتنشر الموت والدمار بين جنباته.
* لو فتشنا في الوجه السياسي لك كأديب وقاص عراقي .. ماذا تراه الآن في سياسات العراق حكومة وأحزاباً؟
ـ الخراب، ورهن خيرات العراق للأجنبي وإعادة العراق إلى الدرك الأسفل من التخلف، وتدمير الإنسان العراقي وجعله آفاقا وسارقا وكاذبا ومنبوذا من كل شعوب الأرض وعبدا ذليلا للإيرانيين. لقد حولوا الناس في بلدنا إلى مخلوقات تشبه البشر ولكنهم ليسوا بشراً، إنهم فصيلة أخرى من فصائل المخلوقات المتوحشة، التي مقابل المال تفعل كل ما هو رديء ولا إنساني، وضد الله تعالى وشرعه وقوانينه الأزلية.
* بصراحة شديدة .. هل بات المثقف العراقي مهدداً بالاغتيال داخل العراق وخارجه وفق أجندات طائفية؟
ـ داخل العراق نعم يستطيعون، ولكن خارجه لا يجرؤون، فهم يقضمون في ثقافة العراق ومثقفيه كخفافيش الليل وجرذان الظلام.
* كيف تنظر لثقافة العهد الديمقراطي الجديد في الوطن العربي؟ وهل ستتماسّ هذه الثقافة يوماً ما مع الواقع العراقي؟
ـ في الوقت الحاضر ومهما بذلت الحكومة الحالية من رشى ومهرجانات مدفوعة الأجر، فهي لا تحصد من العرب سوى الخيبة والاحتقار، وأنا هنا أعتب كغيري من المثقفين العراقيين والفنانين الشرفاء المنفيين على الفنان الكبير نصير شمة إقامته حفلة موسيقية في بغداد لتجميل وجه حكومة نوري المالكي البشع، وتبرير جرائمها بحق العراق وشعبه الصابر، فإنها ستبقى في نظر جميع العرب حكومة خائنة تنتمي لإيران أكثر ما تنتمي للعراق الذي تمثله.
* كثيرون يسألون عن صراع الرواية مع الشعر .. لكني أسألك عن صراع القصة القصيرة مع الرواية ... كيف تراه؟
ـ تتكامل الرواية مع القصة القصيرة وأزعم أن القاص الماهر هو بالنتيجة كاتب روائي ممتاز، وهناك أمثلة كثيرة في الآدب العربي والعالمي على قولي هذا، فجيمس جويس كان قاصا ماهرا كتب " ناس من دبلن" وهي من اجمل القصص القصيرة التي قرأتها وهو أيضا صاحب أعظم رواية في تاريخ الآدب " يولسيس " ورواية " صورة الفنان في شبابه" وفرانسواز ساغان صاحبة أفضل المجموعات القصصية " أنفعالات " التي كتبت أيضا أفضل الروايات " مرحبا أيها الحزن" ونجيب محفوظ الذي كتب " قصص همس الجنون " وكتب أفضل الرويات " الثلاثية " التي تعتبر أفضل ما كتب في جنس الرواية العربية، لحد اليوم ولا ننسى د. سهيل إدريس الكاتب اللبناني صاحب رواية " أصابعنا التي تحترق " ولديه أيضا العديد من القصص القصيرة الرائعة ود. يوسف إدريس، الذي كان قاصا بارعاً وروائياً ومسرحياً ممتازاً وكذلك صاحب مجموعة قصص " بحيرة المساء " إبراهيم أصلان والذي كتب أيضا رواية " مالك الحزين ".
* في رأيك هل من جديد في ملامح البناء الفني للقصة العراقية؟
ـ التجديد في القصة والآدب عموما يحتاج إلى استراحة محارب، والعراقيون مبدعون وغير مبدعين في حالة حرب الآن، فواهم من يعتقد أن حرب الأحتلال انتهت بخروج القوات الأمريكية النظامية، أن العراقيين ألأن يواجهون محتلين من إيران ومن أمريكا وأسرائيل مدججين بكافة أسلحة الموت والدمار، ولكنهم يتخفون بالملابس المدنية أوملابس الميلشيات وحتى بملابس القوى الأمنية الحكومية في بعض الأحيان.
* ونحن نمر بذكرى نجيب محفوظ .. هل فتشت عن جديد في حياة هذا الروائي المصري؟
ـ أن هذا المبدع العربي الكبير كلما أعدنا قراءته اكتشفنا كم كان عملاقا وسابقا لعصره.
* كيف تنظر إلى الصراع القائم بين المثقفين والتيارات الدينية في مصر؟ وهل هو صراع له ما يشابهه في العراق؟
ـ الصراع في مصر يختلف، فما دام المتدين من مصر والمثقف من مصر فلا خوف عليهما ولا هما يحزنان، فهما حتما سيصلان إلى منطقة تواصل وسطى، أما في العراق فيختلف الموضوع بوجود المتمترس تحت عباءة الدين وهو إيراني قدم للعراق بأجندات أستعمارية وهدفه جعل العراقيين بأسم الدين وحب آل بيت رسوله عليهم الصلاة والسلام جميعا خدما وعبيدا للفرس، ولأحياء أمبراطورية أجدادهم، التي قوضها دين محمد صلى الله عليه وسلم بسيوف المسلمين، فالمشكلة أذن هي بين أجنبي " إيراني " جاء ليفرغ العراق من طاقاته ومثقفيه، فهو لا يفهم شيئا في الجدل الثقافي أنه يريد الآخر ميتاً وحسب.
* لدينا إشكالية عربية في تحديد مفهوم الحداثة ... ما رأيك في هذه الإشكالية؟
ـ نحن جميعا " كأدباء ومثقفين " نعمل في تراتبية تعود بأصولها الى منتصف القرن التاسع عشر، أنها مرحلة الآدب في أوربا قبل أختراع الكهرباء، وحتى القارىء العربي يدور في هذه التراتبية، ومن يريد تجاوز الزمن نحو الحداثة فهو كمن يخترع جهازاً ليعبر به إلى المستقبل، فالحداثة التي نعرفها هي حداثتنا نحن " حسب فهمنا لها والنابع أصلا من فهمنا لثقافة القرن التاسع عشر الأوربي " وليس حداثة الآخر الحالية وبين الحداثتين أكثر من مائة وخمسين سنة، فرواية " مدام بوفاري " لغوستاف فلوبير، هي نوع من الحداثة البراقة بالنسبة لنا، والتي على ضوئها يمكن أن نحدد كم كان يحيى حقي مبدعاً " في راوية " قنديل أم هاشم " و كذلك في رواية " الأخوة كرامازوف" للروائي الروسي فيدور دوستيوفسكي، عند ما نقارن بناءها الروائي ببناء " القاهرة الجديدة " لنجيب محفوظ، والحقيقة، أن روايتي فلوبير وودوستيوفسكي تعودان إلى بدايات القرن التاسع عشر وإلى حداثة ذلك القرن وليس الحداثة الأوربية الحالية.
* لا تزال حركة النقد الأدبي عربياً عاجزة عن مواكبة المعروض على الساحة من مؤلفات... ترى ما السبب؟
ـ لعدم وجود مجلات أدبية وفكرية ونقدية كافية في الوطن العربي لنشرما يكتبه النقاد، إذ لا يمكن لهؤلاء النقاد من متابعة الكم المنشور من الأعمال الأدبية العربية من دون مجلات متخصصة كافية لنشر نتاجهم ومتابعاتهم، فالناقد الذي لا يجد ما ينشر فيه دراسته أو نقده وحتى أنطباعاته عن عمل أدبي يتوقف عن الكتابة أو الأهتمام بهذا الشأن إلى أن تتوفر له فرصة للنشر في مجلة أو في صفحة ثقافية متخصصة، وعندها فقط يشرع بالكتابة عن هذا الكتاب أو ذاك.
* هل نجحت المرأة العراقية والعربية المتأدبة في الخروج من نفق الذكورية الأدبية في رأيك ؟
ـ لا للأسف لم تنجح، فهي تقرأ ما يكتبه الرجل وتقلد ما تقرأه إلا فيما ندر.
* لا يزال المجتمع العراقي يعاني من الطائفية ... في رأيك ما أهم الخطوات العملية لعلاج هذا الأمر؟
ـ حكومة تقنوقراط بما فيها رأسها، وتحديد إقامة الأجانب في العراق بفترة محددة، ومنعهم من تقلد الوظائف السامية في الدولة، وعبث الأجانب بآمن المواطن العراقي. وترحيل من يثبت أنه يسيء منهم لشروط الاقامة في العراق.
* هل لك عتب ما على الصحف العراقية؟
ـ نعم لأن بعضها لا يهتم بالمبدع العراقي ولا يحترم حقوقه المعنوية والمالية، فالكثير من الجرائد العراقية تنشر مقالاتنا وتسرق حقوقنا المادية وفي بعض الأحيان تنشر مقالاتنا غفلا من أسمائنا بعد أن يسرقها محرروها من صفحاتنا في الفيسبوك أومن مواقعنا وفي أحيان كثيرة توضع هذه المقالات المسروقة بأسماء محرريها.. وللأسف وأنا لا أذيع سرا حين أقول إن كثيراً من الأفاقين واللصوص والمزورين وأصحاب السوابق والممالئين للمحتل، استطاعوا أن يتسللوا إلى دهاليز الصحافة العراقية، وكانوا قبل ذلك في السجون في عهد صدام حسين لأسباب جنائية كالسرقة والتحايل على القانون، أو التجسس لإيران، وحالما جاء المحتل بدباباته ادعوا أنهم كانوا كتاباً معارضين لنظام صدام وأنهم أودعوا في السجون بسبب ذلك.
* في رأيك من العدو الحقيقي للعراق وللشعب العراقي حالياً؟
ـ أمريكا وإيران وإسرائيل، ولكن كما ترى إسرائيل تأتي بعد إيران من حيث درجة الخطورة على العراق ومستقبله.
* في الختام، ما ملخص تقييمك لرحلة قلمك السردية والقصصية حتى الآن؟
ـ لا أزال أعض على قلمي عسى ولعل أخرج بشيء مفيد لوطني وعصري، وللفنون الإبداعية التي أمارسها.
* كاتب صحفي مصري
تابعنا على الفيس بوك وفي تويتر
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2286 الاثنين 26 / 11 / 2012)