حوارات عامة

حوار مع الشاعرة العراقية سمارة غازي

- هنالك دائما حد فاصل بين السياسي والشاعر في مسألة الوطن

- لا توجد قوانين على سلطة الشعر، وهنالك شاعرات كتبنّ أبياتاً عارية أكثر وأعمق مما كتب نزار قباني 

في حوارات الشباب لهذه الحلقة تتربع شاعرة شابة محامية صحافية لتتكلم لنا عن غنى الجيل الشبابي الشعري الذي اتهمته بالفقر بسؤال استفز ضيفتنا وجعلها تجيب بصوت عالٍ، سمارة غازي تمتد ذاكرتها الشعرية منذ انطلاق الرصاصة الاولى في المخيلة الطفولية البيضاء، حين سمعت تلك الاصوات الثاقبة لطبلات الآذان فقيل انها الحرب، مررواً حين مس الجوع اهلها لسنين، وحين عادت تلك الاصوات الشيطانية سألت عن مصدرها فقيل انها الانفجارات التي تحصد دون تفرقة، في حواراتي الشبابية هذه احاول ان اجد اجوبة تؤسس لفكر ما، فكر ينبض بطريقة صحية حتى وان تعددت الافكار واختلفت سرعة نبضها لكنها ستكون حتما عند القاريء والمتابع منطقة تجمع المختلف والمحضور والمتعارف عليه ليميّز من خلالها الطافين على السطوح والغائرين في جوف الغياب والمتواجدين هناك على تلة الابداع.

سمارة غازي تمتلك ديوانين من الشعر مطبوعين على نفقتها الخاصة حالها حال كل شباب الوطن المبدعين، هم وانا معهم من بعيد انتظر ان يكون لهم من يدعمهم ويثني عليهم ويتخذ منهم اعمدة المستقبل كل حسب مكانه ونتاجاته في سلم التميز.

 

*) ماذا يمكن ان تبدأنا به سمارة غازي؟

** سأبدأ بحروف شعر فما نفع الحروف ان لم اخلق حرفاً واحدا جديداً

خبئني

خبئني في منفى عينيك

في شواطئ يديك

خبئني في مدن التجارب

انا امرأة مقيدة الخلجان

تزورها كل ليلة الاف المراكب

لكنها على الشاطئ لا تقامر

خبئني

فاني احتاج لرجل

يجلسني على اهدابه

يزورني كغابات اعصار

يقرئني في كراسة زرقاء

لرجل اجد في منفى عينيه

وطناً لا يعاديني

 

* من أين دخلك الشعر ومن أين تخرجينه الى الناس حاملاً آمالك وآلامك وأحلامك؟

**يدخل الي الشعر من عيناي اللتان تبصران احزان الناس، يدخل من قلبي الذي يشعر بالامهم وغضبهم فينساب شعرا من قوافيهم .

 

 

* بماذا يمكن وصف البيت الشعري العربي بشكل عام وبماذا نخص بالوصف غرفة العراق الشعرية ان صح التعبير؟

** اصفه بالساحر أنه اشبه بأغلفة الهدايا الملونة الجميلة فكل دولة عربية اعطت للتاريخ عدة مبدعين ولم يجزؤا بوطنهم فقط وانما شُملوا بالوطن العربي كالمبدع الراحل محمود درويش والمبدع ادونيس ومحمد الماغوط ومظفر النواب وكثيرين غيرهم، غرفة الشعر العراقية تزدحم كل يوم بمبدعين جدد هذا الوطن المتعب حد البؤس انجب شعبا مثقفا واعيا ومد سلالة الحبر المسكوب على كل الاجيال كبحر تسطر عليه الحروف هنالك كتاب وشعراء عظيمي الابداع خُلقوا من المأساة .

 

* حين اريد وضعك على خارطة الاجيال الشعرية العراقية فأنني سوف اضعك في منطقة الشعراء الشباب، هل تجدين ان هناك انحطاط ثقافي وفني ابداعي لدى غالبية هذا الجيل ام انك ترينه يمتلك زمام المبادرة الابداعية والثقافية كي يماشي ما جاء به جيل الستينيات والسبعينيات والذي يعتبر من اشعر اجيال العصر الحديث؟

**انحطاط ثقافي ولماذا هذا الوصف المفزع لجيل يؤسس للقادم يبني الاتي انا اخالفك في طرح سؤال بهذه الصياغة كمحاولة لدثر مرحلة ابداعية بكاملها فمن منا ولد سياب في مرحلة تألقه وماغوط في ثورة وهجه حتى احمد بن الحسين لم يولد متنبي في اوائل كتاباته جيل الشباب يعمل على صنع ثقافة جديدة لا نسخ جيل الستينيات والسبعينيات فاذا كان الجيل الجديد نسخة عن جيل السبعينيات فما الجديد في ذلك، الذي سيصنعه جيل الشباب هو خلق مرحلة باكملها لا مجرد الالتفات الى الماضي ومحاولة تكراره .

 

 

* الحرب كان لها دور بارز وعلامات واضحة في تجاربك الشعرية، كيف اضافت الحرب لاحساسك الانثوي وما الذي اعطت لمخيلتك الشعرية؟

**الحرب في وقت مبكر من عمري جنّدت كراستي وأدخلتها ساحاتها وملأت صفحاتي بصور مفزعة عن الالم والحزن والدموع ولم تضيف لاحساسي الانثوي شيئا، الحرب لا تضيف، الحرب تسرق تهدم وتترك اثار اقدامها لسنوات طويلة على قلوبنا وارضنا ماذا اعطت لمخيلتي الشعرية ومالذي ابقت عليه قتلت الجمال العذب والكلام الرقراق والحروف السماوية في مرحلة ما سحقت حروفي وجعلت منها صدى لمأساتها لكني في يوم امسكت المسدس واطلقت الزناد في فمها .

 

* كشاعرة هل تجدين ان اهتمامك بالوطن هو نفس اهتمام السياسيين؟

**انا لا املك وطناً انا املك رصيفاً وغابة وجدار ودموعاً عتيقة في حين السياسي يملك كرسي وشعب وارض ونفط معتّق هنالك دائما حد فاصل بين السياسي والشاعر في مسألة الوطن.

 

* هل تشعر سمارة غازي بالفقر؟

**وهل تشعر انت بالفقر..؟!!

 

* ما هي المنحدرات والانكسارات التي واجهت حياتك الشعرية القصيرة؟

** المنحدرات التي واجهتني كثيرة تفوق عمري لكني استطعت اجتيازها لاني املك اصراراً عظيماً وطموحاً يجتاز الغيوم، الانكسار الكبير الذي واجهني سحقني وتسلل خلسة الى اوراقي هو موت ابي باكراً في انفجار بائس من زر احمق يتم اوراقي وجعلني وحيدة اقف امام بركة انتشل الف غريق من احلامي.

 

 * هل الشعر لغة القلب ام لغة العقل برأيك؟

** الشعر هو لغة القلب لغة الروح لغة البحر وفيما مضى كان هنالك بعض من الشعراء يكتبون شعراً تعليمياً بلغة العقل ليخاطب العقل كالشعر الذي كان يكتب لتحفيظ التلاميذ او لتسهيل المعرفة الجديدة وهذا اختفى في الوقت الحاضر.

 

* من هي الشخصية الادبية التي عايشتها سمارة غازي في قصة حب وهمية خيالية او جعلتها ان لم تشعر معها الحب مثالاً تقتدي به؟

** الشخصية الادبية التي احببتها هي شخصية لوركا الشاعر الاسباني عشقت مفردات حروفه ورِقّة حياته اما الشخصية التي اقتدي بها فحتما ًانا اقتدي بنفسي لاصنع عالمي الشعري الخاص الذي لن استطع العيش خارج حدوده.

 

* متى تغرورق عينا سمارة غازي بالدموع؟

** تتألق عيناي بالدموع حين اقرأ قصيدة للمتنبي او للسياب او لمحمد الماغوط او لمحمود درويش او لنزار قباني وتغرورق عيناي بالدموع حين افيق لارى وطني ساكن في خيمة وحين ارى الجوامع تصلي لوحدها والكنائس تدق اصابعها اجراسها حين تقتل الارصفة الاطفال ويسحق الفقر الانسان حين يموت كل يوم الفاً من شعبي وحين يكبر الاذان ولا يتوقف السيف وحين لا ارى ابي الا في المقبرة.

 

 * اي النصوص الشعرية تجذبك اكثر (العاطفية، الوطنية ام الفلسفية) ام انك تحبذين خيار الجمع بينها في قصيدة واحدة؟

** تجذبني النصوص الناطقة المملوءة شعراً وصوراً وعمقاً تجذبني النصوص الشعرية بغض النظر عن كونها عاطفية ام وطنية ام فلسفية فالابيات هي التي تبهرني.

 

 * كيف تفسرين (شعرياً) (وطن) لم يهنأ شعبه يوماً براحة وحياة يستحقها؟

**كنت سابقا املك وطناً احمله معي اينما حللت واخرجه من قصيدتي في كل مهرجان لكني كنت الشاهدة الوحيدة التي حين ربطوا عيناها ابصرت رأيتني وانا اعبئ في جيب ابي المقتول وطني وادفنهما سوية ليحفظ ابي وليحفظه ابي لكل العراقيين القادمين افواجا الى داخل القبور رايت وطني وهو يرحل مع سرب الليل ورأيتهم يغرقوه في اعماق البئر انا لا املك وطناً الا في اعماق فكري.

 

 * المحضور في المجتمع هل تجدين ان لا مانع من سرده في نصوص (الهوانم) الشواعر أم ان التفكير بهذا المحضور يعتبر خيانه للمجتمع وفعلة لا تغتفر؟

** لاتوجد قوانين على سلطة الشعر لا قيود تفرض عليه او شروط الشعر ليس قانونا ليحظر عليه جزء ما الشعر لغة الخيال التي لا سلطان عليها لغير الشعر في الوقت الحاضر كسر الشعر النمط التقليدي ثار على العادات وحطم القوانين وسرد الممنوع هنالك شاعرات كتبن ابيات عارية اكثر واعمق مما كتب نزار قباني وانتهجن نهجا جديدا بعيدا عن الرمزية وكتبن بشكل لافت وصريح .

 

* وعلى النساء والرجال، هل تعتقدين بصحة ما يقال حول ان كل امرأة قيادية او زعيمة كانت تتمنى ان تكون رجلاً؟

**يقال وراء كل عظيم امرأة فلم اذا اصبحت المرأة قيادية او زعيمة ستتمنى ان تكون رجلا؟!!

 

 * اليوم تعملين في الصحافة، هل يمكن للشاعر ان يعمل ويبدع في غير الشعر؟

** عالم الشعر هو عالم الكتابة والابداع والرسم بالحروف ان كان الشاعر يستطيع ان يبدع في عمله اضافة الى حبه للصحافة فسيستطيع ان يبدع في الاثنان، فالاثنان عمل ابداعي تصنعه الكلمات بالتأكيد الصحافة تختلف كثيرا عن الشعر وبعيدة كل البعد عن جمالياته وسحره لكن عالمها استهواني فدخلت الى اعماقه.

 

* كأمرأة وليس كشاعرة حددي – من فضلك – اتجاه المرأة الذي يقودها للحب؟

** الجزم في هذا الامر مستحيل فالناس مختلفي الطباع والبيئة وبالتالي هم مختلفين في التفكير لا استطيع ان اعطي اجابة محددة عن مثل هذا السؤال.

 

*اختتم حواري معك بسؤال عن الحرية التي اجدها مستقر ارواح الهائمين بيقين العيش، الكاتب بشكل عام هو تعبير حر يتنفس بحرية، يتحرك بحرية، يفكر بحرية، يكتب بحرية، هل تجدين نفسك حرة ام مقيدة،... وقليلاً قليلاً نحو الاختناق؟

**الحرية خدعة تمشي على قدميها من قال ان الكاتب يتنفس بحرية أو يتنفس في الميناء ام على الرصيف ام على ورق الكبريت الممزق الذي يسرقه ليدون بضعة حروف وكيف يتحرك خلف زنزانة السجن ام خلف اسوار الاحتلال وكيف يفكر بحرية ان كانت اقفال الغربة لم يرميها عصفور من الذاكرة كيف يكتب بحرية والسياف واقف على الورقة خلف الباب وفي ظل الشمعة، يقول الماغوط كلمة الحرية في لغتي على هيئة كرسي صغير للاعدام انا انزف خوفا واحتراقا ووجعا وحرية على اوراق شعري.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1223 الاثنين 09/11/2009)

 

في المثقف اليوم