حوارات عامة

حوار مع الكاتبة جميلة طلباوي

fatimaalzahraa bolaarasجميلة طلباوي: لا بدّ من آليات جديدة للدول من أجل الاستثمار في الأفراد إن كانت تريد الخروج من التبعية والتخلّف والذوبان السلبي في الآخر.

 

تقديم

جذبني سحر لغتها في موقع أصوات الشمال .. استمتعت بقراءة إحدى قصصها وكتبت تعليقا .. جاء الرد يحمل روحها الجميلة وإنسانيتها

كنت لا أزال مبتدئة في عالم الشبكة العنكبوتية .. كتبت لها تعليقا آخر وقلت أنني أود نشر نص شعري في الموقع ولكني لا أعرف كيف .. نبهتني جميلة إلى قراءة أعلى الصفحة ففيها (أرسل مشاركتك) ضحكت من (جهلي) وأرسلت أول نص بمساعدة جميلة عن بعد .. لا زلت أذكر عنوان النص (بعدك أمي) فرحت جميلة بمراسلتي وعلقت على نصي وتواصل اللقاء الروحي والأدبي بهذه الجوهرة النادرة من جواهر الأدب والأخلاق والتفاني في جزائرنا الجميلة

هي جميلة ابنة بشار المخلصة التي تحمل لونها وترتدي بسمتها وتتحلى ببهائها النادر، هي المنشطة الإذاعية السمراء التي يتلعلع صوتها ويصنع الحياة من إذاعة بشار الجهوية

هي صاحبة المؤلفات .. شظايا .. وردة الرمال .. شاء القدر .. أوجاع الذاكرة .. كمنجات المعطف البارد .. والخابية ..

الساحرة بالكلمات جميلة هي الساحرة بالصوت صاحبة الحصص الإذاعية الناجحة بإذاعة بشار الجهوية .. حصص اجتماعية وأدبية تضع فيها جميلة كل حضورها الطاغي وثقافتها الواسعة ونشاطها وحيويتها

شدني إليها سحرها الغريب وتواضعها الجم وأحببت أن يعرفها القراء أكثر وكان هذا الحوار

 

س1: بعيدا عن التقديم المقتضب أعلاه ماذا تقول لنا جميلة طلباوي عن نفسها؟

- كاتبة .. مذيعة .. وناشطة في ميدان الأدب ..؟؟

جميلة طلباوي: ماذا عساي أقول سيدتي الفاضلة غير أنّني الثلاثة في الوقت نفسه وهذا التنوع يسعدني.

 

س2: لاشك أنك تحتفظين في ذاكرتك بأول ماخطّه قلمك .. وكيف تتابعت خطواتك في ميدان الكتابة؟؟

جميلة طلباوي: البدايات كما الفراشات نكتشفها هكذا بشكل مباغت كائنات تحلّق ، تقترب منّا وتبتعد، كلّما حطّت ننبهر بألوانها، وكلّما حلّقت وابتعدت نشعر بعجزنا عن اللحاق بها .. لعلّي هنا سأذكر أوّل ما دوّنه قلمي وأنا طفلة تحصّلت على شهادة التعليم الابتدائي وانتقلت إلى المرحلة المتوسطة ممتلئة بحكايا الوالد والوالدة المجاهدين عن ذكريات الجهاد وبطولات المجاهدين وتضحيات الشهداء فوجدت الطفلة في تكتب قصة عن الثورة التحريرية المجيدة، رغم بساطتها يومها إلا أنّها شدّت انتباه الأسرة التي كنت أصغر فرد فيها تحيطه بعناية خاصة، أسرة كانت تعدّني لأكون مهندسة لكنّها وفرت لي مكتبة تنوعت كتبها التي نهلت من منابعها قصصا وروايات وكتبا في الفكر والنقد، قرأت كلّ ما كان يجلبه أخي رحمه الله من كتب يدعّم بها مكتبة الأسرة، لكنّ عوالم جبران خليل جبران سحرتني في البداية وكانت ظلالها واضحة في الخواطر والقصص التي كتبتها في مرحلة الثانوية، شيئا فشيئا وبفضل الدربة وتعدّد القراءات وفي رحلة دراستي للهندسة الميكانيكية كنت دائما أهندس نصوصي الأدبية مستمتعة بهذا التنوع، مستمتعة أيضا بالوافد الجديد على حياتي وهو الميكرفون الذي بفضله جبت عدّة مناطق، نهلت من ثقافتنا الشعبية الأصيلة، كان احتكاكي بالإنسان في ظروفه القاسية، في حالات المرض والعوز، كان الاحتكاك بمختلف شرائح المجتمع، فكانت خيوط أخرى بدأت تتشكّل في نصي ترتكز على الفضاء الصحراوي لبناء عوالمها فيه تتجلّى رؤاي الخاصة المنصهرة مع أفكار هي وليدة صراع الإنسان عبر حضارات مختلفة، صراع الإنسان في ظلّ العولمة.

 

فاطمة الزهراء بولعراس

س3 يعاني المبدعون عادة من حواجز معينة في البداية منها ما يتصل بهم ومنها ما يتصل بميدان الأدب الذين يريدون دخوله .. فهل وجدت جميلة طلباوي مثل هذا في مسيرتها وما هي نوعية هذه الحواجز؟؟

جميلة طلباوي: أعتقد أنّ الحاجز الوحيد في وجه الإنسان هو نفسه، عندما نؤمن بالفكرة لا شيء في هذا العالم يمكنه كبح انطلاقنا.

 

فاطمة الزهراء بولعراس

س4 عملك كمذيعة يعطيك متنفسا للتواصل مع الجمهور .. هل أحسست أن قراءك من هذا الجمهور؟؟ .. أم أنّ الأمر مع القراءة مختلف؟؟

جميلة طلباوي: اسمحي لي بهذه المناسبة أن أبعث بتحية احترام وتقدير لكلّ المستمعين الذين أدين لهم بالكثير، بل أصبحوا يشكلون عائلتي الثانية باحتضانهم لي صوتا وقلما.

 

فاطمة الزهراء بولعراس:

س5 حدثيني عن أول كتاب نشرته وكيف كان شعورك .. خاصة وأن الكثيرين يشعرون بخيبة أمل لسبب من الأسباب بعد صدور كتبهم الأولى؟؟

جميلة طلباوي: أوّل كتاب صدر لي كان" شظايا" عن جمعية الجاحظية عام 2000م بتشجيع من الدكتور عبد الرحمان مزيان والدكتور علي ملاحي ، كان لصدوره طعم خاص ، فبفضله تعرّفت على الروائي الراحل الطاهر وطاررحمه الله، وبفضله خضت غمار تجربة حقيقية مع عالم الأدب، صحيح أنّ للبدايات دائما هفواتها، لكن بفضلها نتعلّم أن نكتب بوعي أكبر وبمسؤولية أكبر، نعرف ما ينبغي أن يكون عليه مسارنا الأدبي .

 

فاطمة الزهراء بولعراس:

س6: كامرأة مثقفة .. كيف تنظرين إلى الأوضاع المزرية التي يمر بها العالم العربي حاليا؟؟ ما هو السبب في نظرك وما هي مقومات النهضة والسير إلى الأمام؟؟

جميلة طلباوي: الحديث ذو شجون والأسباب متعدّدة ، لكنّني أجزم بأنّ بناء الفرد عامل مهمّ في الحلقة المفقودة في مجتعاتنا العربية التي يغلب عليها الطابع الاستهلاكي والسلبية والاستلاب والانبهار بقشور الآخر دون الاستفادة من التجارب الناجحة لشعوب استطاعت أن تحقق قفزة نوعية على مستوى الاكتفاء الغذائي والتقدّم التكنولوجي والوضع المعاش أعتقد بأنّه يعود بالدرجة الأولى إلى غياب مشروع حضاري ثقافي لشعوبنا العربية ، وفشل الأسرة في تعزيز الثقة بالنفس وروح الإبداع في أفرادها نتيجة وضع بائس لدولها.أعتقد بأنّ مقوّمات النهضة تبدأ من بناء الفرد ولا يمكن الإقلاع بدون الفرد المدرك لهويّته القادر على العمل والخلق والإبداع، لا بدّ من آليات جديدة للدول من أجل الاستثمار في الأفراد إن كانت تريد الخروج من التبعية والتخلّف والذوبان السلبي في الآخر.

 

فاطمة الزهراء بولعراس

س7 قبل أيام وقفنا أمام اليوم العالمي للغة العربية .. هل أخذت اللغة العربية في الجزائر مكانها فعلا أم أن هناك ما تقوله جميلة في هذا الموضوع؟؟

جميلة طلباوي: لا ننكر بأنّ جهودا معتبرة ساهمت في إيجاد جيل يتحدّث باللغة العربية، والإحصائيات تشير إلى تراجع نسبة الفرونكوفونية في الجزائر، لكن بالمقابل نجد تناقضات كثيرة في التعامل مع هذه اللغة ، ابتداء من الإدارة التي لا زالت في أغلبها مفرنسة ، إلى إصرار بعض مسؤولينا على الحديث باللغة الفرنسية، ضف إلى ذلك أنّ حملة التعريب لم تعزّز بمشروع ثقافي هامّ يجعل اللغة العربية بالقوة التي ننشدها،أعتقد أنّ القضية تحتاج إلى إعادة النّظر في واقعنا الذي يعيش تناقضات كبيرة على مستوى اللغة.

فاطمةالزهراء بولعراس

س8 كمنشطة إذاعية ماذا تقولين لنا عن تواصلك مع المستمعين؟؟

وهل تفكّرين في مشروع برنامج آخر غير تلك التي نشطتها أو التي لازلت تنشطينها؟؟

جميلة طلباوي: علاقتي بالميكروفون علاقة خاصة جدا، وتواصلي مع المستمعين من خلال البرامج التفاعلية التي أقدّمها من أجمل الأشياء التي أستمتع بها وتأخذ من وقتي وتفكيري، هنالك برامج تعدى عمرها العشر سنوات وصارت جزء منّي ومن الإذاعة ومن مستمعيها مثل البرنامج الأدبي"ظلال الكلمة"، البرنامج الطبّي"طبيبك على الهواء"، البرنامج الموجه للمستهلك من أجل توعيته وإرشاده "نادي المستهلك"، والبرنامج الإجتماعي التفاعلي "لكم الكلمة"، قدّمت منذ التحاقي بالإذاعة برامج عديدة معظمها توقفت ، وأخرى أصبح يقدّمها زملاء لي، كلها برامج أحببتها، وعالم الإذاعة عالم متجدّد قد يجذبك إلى موضوع يكون اللبنة الأولى لبرنامج إذاعي لم تفكر في تقديمه من قبل

 

فاطمة الزهراء بولعراس

س9 ألاحظ في كتاباتك نغمة حزن هادئة هل هي ناتجة عن معاناة شخصية أم إنسانية؟؟

جميلة طلباوي: حسب تعبير أندريه جيد : العاطفة تنتج الأدب الرديء، عندما أكتب أغمس قلمي في حبر الواقع الموجع بعيدا عن تجاربي الخاصة التي قد تلقي بظلاهلها بشكل ما في بعض نصوصي، لكن في الغالب أوظّف أنا الراوي للحديث عن معاناة الآخر، عن أوجاعه، أضع قلمي مكان صوته لتنطلق صرخاته في نصوصي، أنبش في ذاكرته فتتزاحم رؤاه في سطوري وتتجلى شخصيته في نبض الحكاية.

 

فاطمة الزهراء بولعراس

س10 الحديث عن الثقافة في بلادنا حديثٌ ذو شجون هل تعتقدين أن الحركة الثقافية في بلادنا حقيقية وبناءة أم أنها جعحعة بلا طحين؟؟

جميلة طلباوي: في وطني يغيب المشروع الثقافي الذي نحلم به، والمثقف طرف مساهم في هذا الوضع البائس من حيث يدري أو لا يدري، رغم كلّ ذلك هنالك جهود لا بدّ من تثمينها على مستوى الفعل الثقافي، هي في كثير من الأحيان مبادرات فردية لكنّها مثمرة لو وجدت المناخ الثقافي الذي يتعهدها بالرعاية.

 

فاطمة الزهراء بولعراس

س11 زرتِ مؤخرا الكويت هل من انطباع عن الحركة الأدبية في هذا البلد الشقيق؟؟

جميلة طلباوي: أعتبر نفسي محظوظة بزيارتي للكويت الشقيق الذي عرفته من خلال مجلّة "العربي " الرائدة في العالم العربي ، الكويت الذي كما ذكرت في مقال لي نشرته في أصوات الشمال بعد عودتي من هنالك بأنّ هذا البلد الشقيق يعنى بالإنسان قبل كلّ شيء، وجدت الإخوة في الكويت الشقيق منفتحين على الّلغات الحيّة مهتمّين بكلّ ما هو ثقافي وفكري، يكرّسون من وقتهم الكثير من أجل النهل من الكتب ومختلف مصادر المعرفة، كما لفت انتباهي بأنّ تمسكهم بأصالتهم لم يمنعهم من التمكن من التكنولوجيا، فلقد حققوا سبقا في مجال المعلوماتية وفي مجال الأجهزة الإلكترونية الذكية، ممّا سهّل حياتهم وقنوات تلقيهم للمعرفة.

 

فاطمة الزهراء بولعراس

س12 في أي حالة وجدانية تكون جميلة عندما تبدع؟؟

جميلة طلباوي: في حالة صفاء، حالة أصل فيها إلى نقاط عميقة من روحي، أتوحّد فيها مع الأشياء.

 

فاطمة الزهراء بولعراس

س13 من تعتقدين أنه فجر موهبتك؟؟ .. الأسرة .. أم المدرسة .. أم ماذا ..؟؟

جميلة طلباوي: الفضل بالدرجة الأولى يعود إلى أسرتي خاصة أخي الأكبر عباس رحمه الله وأختي، نشأت في أسرة تعشق اللغة العربية وتعشق المعلّقات والإبداع الأدبي، أسرة يعني لها الكثير وجود مكتبة في البيت، لقد كان أخي رحمه الله يحرص وهو يجلب كتبا للمكتبة أن يحضر لي ما يشبع رغبتي في القراءة كتلميذة في الفصل الإبتدائي، لقد احتضن خربشاتي الأولى، وجهني وهو المهندس،و ظلّ يحفزني على الكتابة من جهة ويذكّرني بضرورة أن أواصل دراستي حتى الحصول على شهادة مهندسة ، وبالفعل حققت حلمه بالحصول على شهادة مهندسة ، وحققت حلمي بالاستمرار في الكتابة، في المدرسة تعهدني الذين درسوني بالعناية والتشجيع وحفزوني وهم يتنبأون لي بمستقبل جميل في عالم الكتابة الأدبية.

 

فاطمة الزهراء بولعراس

س14 أسماء لها معنى عند جميلة

لالة فاطمة نسومر: المرأة الرمز لقدرة المرأة على المقاومة من أجل قضايا كبرى في الحياة.

جميلة بوحيرد: هذه البطلة رمز النضال والتضحية.

هواري بومدين:هذا الرجل العظيم هو رمز الشموخ

الأمير عبد القادر: مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة ورمز من رموز مجدها التليد.

جميلة طلباوي

 

فاطمةالزهراء بولعراس

س15 نريد أن نقرأ آخر ما كتبت جميلة ونسمع كلمة الختام

جميلة طلباوي: رواية الخابية كان آخر ما صدر لي عن الوكالة الوطنية للاتصال النشر والإشهار في أكتوبر 2014م أقتطف لكم منها هذا المقطع:

كلمتي في الختام هي شكر عميق لك سيدتي وتحية لكل من سيطّلع على هذا الحوار.

 

فاطمة الزهراء بولعراس

أشكرك جميلة على هذا الحوار الهادئالممتع وأتمنى لك المزيد من النجاحات في حياتك

وقفت قبالة أطلال القصر لترتشف روحي من صدق المكان .. رمقني عيسى بنظرة حائرة ، ربّت على كتفي، قلت له:

- من هنا يجب أن تنطلق الحياة ، سأرفع سور هذا القصر عاليا ، كي لا يؤول مصيرنا إلى تلك. ..

ثمّ أشرت بيدي إلى الكراكر ، تلك الأكوام من الحجارة ، كانت قديما خيما من حجارة، عندما تنفذ المؤونة، يتخذّ رجل القصر القرار المصيري بوضع حدّ لحياته وحياة باقي أفراد أسرته .. يدخلون خيمة الحجر، يدفع بيد المستسلم لقدره الأعمدة الخشبية التي ترتكز عليها، فتتهاوى عليهم الحجارة ..

رجل القصر الذي زاوج بين النور والظلام، زاوج بين الحياة

و الموت أيضا. الفكرة كانت تحبس أنفاسي وتربكني كلّما حاولت استحضار صورة هذا الموت الاختياري ، قد يكون رجل القصر حفظ كرامته كما يقول عمّي عاشور ولم يمدّ يده يتسوّل المؤونة،

و قد يكون باطن الأرض أولى بنا حين نعجز عن إطعام أنفسنا. أمّا صديقي عيسى فالفكرة أضحكته ونحن نقف في محلّ نبتاع منه الأغذية ، قلّب الماركات الأجنبية في العلب المستوردة وهمس في أذني :

-لم تعد لنا القدرة على إطعام أنفسنا ، لنحضّر خيمة الحجر يا فاتح.

قهقه عيسى باستهتار ، ذهل صاحب المحلّ وتناثرت قهقهات عيسى حجرا تراكم فوق قلبي حد شعوري بالغثيان

مقطع من روايتي (الخابية)

في المثقف اليوم