تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

حوارات عامة

في حوار مع الباحثة والكاتبة د. مروة كريدية:

marwa  kreidiehمروة كريدية: مواجهة "التطرف" لا تكون في تقوية "تطرف ما " لاقتلاع "تطرف آخر" !

ترى د. مروة كريدية ان منابع الارهاب والتطرف هي فكرية بالدرجة الاولى وان معالجة الارهاب عبر الحلول الأمنية والعسكرية غير مجدية ولا تزيد المشهد الا دموية لانها تكرس العنف والعنف المضاد، وان جماعات العنف في العالم من ديانات مختلفة، ومصادرهم الفكرية والأيديولوجية متنوعة، وكل واحدة من هذه الحركات تمتلك منظومة عقائدية وأيديولوجية و"لاهوتية" خاصة بها، تبني عليها خطاباتها السياسية المؤدية للعنف .

وتشير كريدية الى ان تفكيك الارهاب يكون بتحليل الخطاب الأيديولوجي و"اللاهوتي" ونقده وتجديده والذي ينبغي ان يطال كل الأديان . داعية الازهر الى تحمل مسؤوليته الحضارية .

وترى ان "الحرب على الارهاب" الدائرة اليوم ليست الا إدارة لميزان القوى و تقوية "تطرف" لمواجهة تطرف آخر !

وتعد د. مروة كريدية واحدة من المهتمات بالقضايا الإنسانية واللاعنف وحقوق الانسان حيث تطرح العلاقات الاجتماعية والسياسية في المجتمع المدني من خلال رؤية وجودية تتجاوز الانقسامات الاثنية والدينية والجغرافية، وقد عملت في ميادين فكرية متنوعة، وهي ترقى بالسياسة عن عالمها الادنى الى تخوم الانسانية وهي ناشطة في الحقوق المدنية   نحاورها اليوم في محاولة لاستشراف الوضع في المنطقة في ظل الاوضاع الراهنة .

 650-marwa

كيف تقرأين عملية انتشار الحركات الاصولية او "الارهابية " وتمددها بهذا الشكل برغم ما تبذله الدول لاطفاء تلك الظاهرة ؟

- أثبتت الحلول الأمنية عدم نجاحها، وما الخراب الذي نعانيه اليوم الا نتاج سنوات من القمع ؛ ولنكن واضحين، فإن تفكيك بنى الحركات الأصولية يجب ان يبدأ بالفكر أولا، لأن قمع تلك الحركات بالقوة وعبر أجهزة الأمن وغيرها، ستبدو عملية غير مقبولة على المستوى الإنساني من جهة كما أنها ستؤدي إلي مفعول عكسي وعنف مضاد، وقد أثبتت التجربة ذلك، لأنها ستزيد من قاعدتها الشعبية وستعزز السلوك العنفي، وستمتد على حساب من يمثلون الإسلام المعتدل، الذين سيضطرون للرضوخ للتطرف مسايرة للضغوط الشعبية وهو ما يحصل حاليًّا في المناطق الساخنة، وقد أمست كل الدول العربية ساخنة ؛ فرجالات الإسلام السياسي المعتدل لا يتبنون أطروحات الإسلاميين النضاليين، لكنهم ينزلقون كثيرا إلى العنف تحت وطأة الضغوط العنيفة التي يعانونها من جانب الأنظمة. واليك سوريا نموذجا . المعارضة السورية لم تؤيد يوما "داعش" ولكن بعد اربعة اعوام على بداية الثورة لجأت بعض الفئات الى "داعش" ولك ان تعرف ان في الدول العربية اكثر من ثلاثمئة ألف سجين سياسي أكثرهم ممن يوصفون بأنهم إسلاميين. وقد سقط منهم عبر العقود الأربعة الأخيرة حوالي المائة ألف قتيل من القتال المتقطع الدائر، هذا اذا استثنينا ما سقط في الثلاثة الاخيرة حيث الاحصائيات متفاوتة والاعداد كبيرة للغاية .

 

اذن كيف يمكن لنا ان نعالج ظاهرة "انتشار الارهاب " ؟

- البداية تكون بتحليل المنظومة الفكرية التي "يؤمنون" بها وطرح النقاش في كل عنصر من عناصرها؛ فنحن الآن نُواجه مشاكل متعلّقة بالتأصيل ازدادت تعقيداً مع انتشار حركات الإسلام السياسي، الدّاعية إلى إعادة تطبيق الشريعة الإسلامية كما وردت وقُيّدت من قبل بعض الأصولويين" بفرض رأيهم عن طريق استلام السلطة السياسية، ثم تكييف التعليم مع ما يقتضيه التأصيل الموروث.

في مصر على سبيل المثال ؛ بداية الفكر الجهادي تعود ربما الى ما قبل ستينيات القرن العشرين او لنقل مع "سيد قطب" اي منذ ما يزيد عن نصف قرن، ماذا فعلت السلطات المصرية المتعاقبة كلها، اودعت "الجميع السجون " دون محاكمات عادلة ودون ان تفعل حوار جاد مع فئة الشباب لتفكيك البنى الفكرية للاصولية في ظل فساد اداري كبير مما دفع بفئة كبيرة من الشباب الى مزيد من التطرف وهنا تكمن النقطة المحورية .

وهنا اتساءل الم يكن نصف قرن كافيا لمعالجة ظواهر العنف عبر الحوار والتأسيس لمجتمع مدني حقيقي وحيوي ولماذا لا زال الحل الامني هو الحل الوحيد!؟

 

فمن اين تكون البداية؟

- تُعدّ عملية فهم نشأة الحركات الأصولية وبنيتها الأيديولوجية، وبنية عقليتها وطريقة اشتغالها الوظيفية، هي العملية الأولى والأهمّ قبل الدخول في أي عملية حوار حقيقية .

وقد شاركت في العديد من مواقف حوارية متنوعة مع أصوليين اسلاميين ومن ديانات أخرى وغيرهم، وفي أغلب المرّات كانت العملية أشبه ما تكون بحوار الطرشان.

والسبب الرئيس يعود إلى اختلاف المفاهيم والمنطلقات من جهة، و البنى الأيديولوجية التأسيسية من جهة أخرى، فعملية الخوض في الفروع أو السلوكيات المنبية على المعتقد والأيديولوجية غير مجدية بمفردها.

عملية الحوار هذه، يجب أن يقودها أناس متخصصون، لا يتقنون فن الحوار وحسب، بل يفهمون النصوص المُؤسِّسَة للأصول والعقائد، أي يمتلكون الوسائل التحليلية والاستنباطية للربط بين الأحكام الشرعية المنبنية عليه وكأنه حقيقة يقينية مقدسة، فحتى العلمانيين و مواقفهم المتشنجة حيال كل ما هو مسلم ينمّ عن نقص معرفي خصوصاً فيما يتعلق بالعلوم الإنسانية و الاجتماعية والمواقف المتطرفة التي يتخذونها تمنعهم من فهم الحاجة الدينية أو دراستها بشكل صحيح.

 

هل ترين ان ذلك مرتبط بدول ما شرق اوسطية بعينها؟

- المشكلة متفاقمة اليوم ومتشابكة لدرجة انها ربما تطال معظم الدول التي يعيش فيها المسلمون، وهي لا تُحلّ لا بشن حرب عسكرية على الإرهاب "السني " وحسب ، لأن محاربة الفكر الأصولي يجب ألا تقتصر على ما هو إسلامي "سني" او "سلفي"، فدولة ايران مرتبطة بولاية الفقيه اي على مشروعية مذهبية "شيعية"، ودولة إسرائيل قائمة على مشروعية لاهوتية يهودية... وان عملية التفحص النقدي لهذه الأيديولوجية يعني خلع المشروعية اللاهوتية عنها و"التجديد اللاهوتي " يعني نقده وهو امر ترفضه "الدول الاقليمية المتنفذة في الشرق الاوسط".

كما ان "البعع السني" يسوغ لايران انخراطها في الحرب على الارهاب، و"البعع الاسلامي" يسوغ لاسرائيل انخراطها في الحرب هنا وهناك !

فنحن أمام أصوليات متناحرة ... اصولية إسلامية تواجه أصولية يهودية، واصولية سنية تواجه اصولية شيعية ! وهكذا في دوامة من العنف، لذلك لا يمكن حل الأشكال مع الأصوليين كافة وفتح باب الحوار معهم والوضع حيال إسرائيل كما هو معروف، او ان نحارب "داعش " ونغض الطرف عن "الميلشيات الشيعية " في سوريا، وهذا الأمر يجب أن تعيه الحكومات العربية والإسلامية من جهة والإدارة الأمريكية من جهة أخرى ان مواجهة "التطرف" ينبغي ان تكون شاملة وجذرية وليس تقوية "تطرف ما " لاقتلاع "تطرف آخر" !

 

ماهي المسؤولية الملقاة على عاتق الدول العربية والغربية لمواجهة الفكر المتشدد الذي تشيرين اليه؟

- تأسيس معاهد حديثة لتدريس "الاديان "بطريقة جادّة ومسؤولة في كافة أنحاء العالم وهنا يجب تسليط الضوء على ضرورة استعادة الأزهر لمسؤوليته الحضارية كذلك جامعة الزيتونة عبر تحديث المناهج والتفكير في اللامفكر فيه من خلال طرح اجتهادات جريئة تتناسب والعصر لا الاكتفاء بتدريس مذاهب تعود الى الف عام خلت، والدول الغربية معنية ايضا بفتح كليات متخصصة في أكبر جامعات العالم تهتم بتعليم التاريخ المقارن للاهوت الأديان الثلاث على الأقل، لا أن تُرمى الدراسات االدينية في أقسام الكليات الاستشراقية، حيث تُدَرّس اللغات والآداب، ويجب أن تتناول دراسات في العمق ويتحمّل الباحثون مسئوليتها فكريًّا ويعيدون من خلالها فتح باب الاجتهاد، فنحن يجب أن نجدد في الآلية والمنظومة الفكرية لها فالتجديد متوقف منذ زمن وباب الاجتهاد أُغلق، الأمر الذي سبب قطيعة تاريخية، فوجود مثل هذه المعاهد سيساعد الأفراد على الخروج من حالة الفقر الثقافي والفكري، كما تُعتبر المكان الأمثل الذي يؤمّن البيئة الخصبة للحوارات المثمرة بين الأديان الحضارات .

اما على صعيد الممارسات وترجمة الفكر بالسلوكيات فهي مسؤولية الاعلاميين والمثقفين وكافة فئات المجتمع، لأن تحليل الخطاب الأيديولوجي و"اللاهوتي" ونقده، سيؤدي الى "تجديد لاهوتي"، وهذا التجديد يعني نقد "اللاهوت الموروث"، وعملية النقد ستطال كلّ الأديان، وهي رسالة المثقفين والاهل أيّا كانواو في أي وسط يعيشون في هذا العصر.

 

هل من أمثلة عملية ممكن طرحها كنموذج لما تقولين ؟

- هل يستطيع علماء الازهر بالافتاء مثلا بفتح باب الاجتهاد وليس في احكام النوازل وحسب ؟ هل بإمكانهم مثلا ان يتطوروا قانون الاحوال الشخصية بما يتلائم مع مقتضيات العصر وتحويله الى عقد مدني ؟ هل بامكانهم اعادة النظر فيمن يصفونه بالكافر و الا يكون من يعتنق اي عقيدة اخرى ليس بكافر ؟ هل بإمكانهم الاجتهاد بان الحجاب لا يعدو عن كونه زي يلائم ذاك العصر وانه ليس "فرض عين" ؟ هل يستطيعون التوصل الى صيغة حديثة لمفهوم السياسة والعمل بها؟ كلها اسئلة فكرية جادة يجب ان تناقش بشكل جذري .

لا بدّ من السعي الجاد والمتواصل إلي فتح آفاق العقل و اجتهاداته الناقدة و"التجديد " في الأمور التي يُدّعى عادةً أن لا تجديد فيها، لكي لا يستعبد الإنسان لعنف الإنسان، فعملية الحوار هامة جدا وهي الأداة الفاعلة التي يجب أن تطال كل التيارات الفكرية، ولا تقتصر على الأديان.  

 

حوار : وائل نيل

في المثقف اليوم