حوارات عامة

شؤون أدبية وسياسية: حوار مع الشاعر الأمريكي المعاصر سكوت ماينار

skotminarتعتمد تجربة الشاعر الأمريكي المعاصر سكوت مينار على ثلاثة محاور أساسية:

الأول هو أساطير الإغريق القدماء. وأجزم أنه لا يتوقف عند محتويات ولا فلسفة تلك الأساطير وإنما يبدو مأخوذا بما تحمله من تصنيم وتأليه لشخصيات معينة تعزو لها قوة فائقة.  وأعتقد أنه يحاول أن يستعمل تلك الآلهة كحامل لمحمول. بمعنى أنها رموز تفيد في الإشارة لتصنيم أجزاء معينة من تاريخ أمريكا الراهن. ويحاول من خلال هذه الاقتباسات والإشارات أن يعبر عن بالغ ألمه ودهشته من سقوط الإنسان البسيط تحت عجلة قطار المتغيرات الكاسحة التي تعصف بأمريكا.

المحور الثاني هو عشقه غير المسبوق للشاعر البولوني زبيجنيف هيربيرت الذي اخترع شخصية "المستر كوجيتو"  ليترنم من خلالها بعذاب الإنسان في مجتمعات اقتصاد الندرة. ولا يخفي ماينار تأثره بهيربيرت بل على العكس يؤكد في رسالة شخصية أنه اقتفى أثره واخترع شخصية الكائن الخفي، الإنسان الروح أو الشبح الذي يتقاسم حياته معنا مثل كل الكائنات التكافلية في الطبيعة. ولكن ماينار يفكك شعر هيربيرت ولا يتوقف عند كوجيتو / الكائن الخفي، ويتوسع بتفاصيل الحياة النفسية والذهنية لقصائده ويرسم فيها علاقة الإنسان بالخير والشر وبالقوى الخفية والباراسايكولوجي ودور الشياطين والملائكة في تحديد معنى الأخلاق وقيمة العمل. ولعله بذلك يشكل سابقة في الشعر الأمريكي الذي بالعادة يحتفل بوالت وايتمان وهيرمان ميلفيل . وأعتقد أن نقطتين هامتين مسؤولتان عن هذا الاتجاه.. أمه ذات المنشأ الإيطالي والتي ورث منها شخصية دانتي أليجري صاحب (الكوميديا الإلهية) وبوكاشيو مؤلف (الديكاميرون).  ثم اهتمامه بالأدب الألماني .

ولا شك أن الرومنسية الألمانية قد تعرضت في أمريكا لشيء من التقشير، بحيث خلصها الأمريكيون من الإنشاء والعواطف المستفيضة وأضافوا إليها همومهم المادية التي ولدت منها أهم دولة في العصر الحديث.

وربما كان هذا التأثير المتبادل قد اختزل الرومنسية لنوع من أدب قوطي معاصر أسود تتصارع فيه الواقعية مع أسلوب الأصوات الملحمي (كما عند فوكنر وجون بارت). لذلك كان الأدب الأمريكي، والشعر على وجه الخصوص، حكائيا، لا يستعمل الترانيم والإنشاد إلا قليلا، ويغلب عليه صراع الغرائز المادية ولا سيما الحياة والموت، ويكون لكل طرف في الصراع أسطورته الخاصة التي تمثل خوفه من مفاجآت وغدر الطبيعة أو ضعف الإنسان أمام قوة رأس المال.

يبقى المحور الثالث والأخير وهو شكل القصائد. فهي فقرات ضمن قصيدة طويلة تحول أفكار الإنسان لحكاية متسلسلة نكتشف من خلالها غرائب النفس البشرية من الداخل. وكيف أن الأحلام الرقيقة تندحر أمام كوابيس لا نعرف كيف تنشأ ومتى يجب أن تتوقف وبالطريقة التي استثمرها من قبل هينري ميلر في روايته (كابوس مكيف الهواء).

إن قصائد ماينار تحفل بالنكهة السريالية لواقع الإنسان النفسي، فهو مثل بيكاسو ودالي يعيد تعيين موضع العلاقة بين الظواهر والعالم. ويذهب بعيدا في الكلام عن ما هو شرير وفاسد وغريب أيضا. لكن يهمني أن أؤكد أنه قريب أيضا من لامعقولية وعبث ماياكوفسكي. فرموزه وتصوراته هي إشارة لهذا المنعطف الذي تسقط فيه المرايا وتفسد أساليب المحاكاة، وتضطر لأن تلجأ لأسرارية الأشياء وتشويهها، مع تطبيق كم كبير من الضغط . وبرأيي هذا هو المسؤول عن انحراف التشبيهات التقليدية ودخولها في دورة من العنف الألسني (أفازيا دلالية بلغة دافيد لودج).

يعمل سكوت ماينارScott Minar  حاليا في جامعة أوهايو/لانكستر، ويدرّس الأدب الأمريكي المعاصر. كما أنه يشارك في تحرير مجلة (كريزي هورس) الإبداعية المحكمة التي تصدر عن الجامعة. وله عدة مجموعات شعرية منشورة من أهمها: نيران الجسم، الاستقلابات، أوهام حقيقية. ولديه مشروع قصيدة طويلة قيد الإنجاز بعنوان (قصر العقول). بالإضافة لكتب عن آلية الكتابة والإبداع. كما أنه عازف على الغيتار وكاتب للأغاني.

وفيما يلي نص لقاء سريع أجريته معه.

 

س- كيف تقدم نفسك لقراء اللغة العربية؟.

ج- كانت طفولتي مدهشة وعجيبة. فأمي من صقلية ولغتها الأساسية الإيطالية ولكنها مولودة في أمريكا. وهي أيضا تعرف الإسبانية وتتكلم القليل من الفرنسية. وأخي أيضا عالم لغويات – ويتكلم بأربع لغات أو خمس. أما أنا فقد ولدت في حي من كليفلاند ويسمى "إيطاليا الصغيرة". وكانت جدتي الصقلية تهتم بتربيتي ولا تعرف غير القليل من اللسان الإنكليزي. وحينما بلغت 10 سنوات انتقلت إلى ضاحية تسمى "مرتفعات كليفلاند". وهي مكان مدهش للغاية. ولكن ثلث السكان هناك أمريكيون من أصل إفريقي، والثلث الثاني من اليهود، وما تبقى خليط من كل الأعراق والأجناس. وكان من المستحيل أن تتكبر على أحد أو أن تعزل نفسك في جماعة مغلقة. فقد اختلطنا معا بأسلوب سلس، ولم يكن من السهل أن تعرف شيئا عن العالم الذي يتطور خارج هذه الدائرة. ولكن لتعرف كيف كان العالم البعيد ينمو تلقيت القليل من التعليمات الدينية. وكانت جدتي ترافقني إلى الكنيسة لبعض المرات. وتذمرت من ذلك وبدأت أتهرب من الصلاة ولم يعترض الوالدان. أما الوالدة فقد اعتنقت اليهودية في وقت متأخر من حياتها، وهذا جعلني بنظر قليل من الناس يهوديا، غير أنني لست كذلك. وهذا لا يهمني في الحقيقة. وإنما اقتربت من التجربة اليهودية بنسختها الأمريكية وأنا بين 10 - 20 عاما. فقد كنت أتناول الغداء في بيوت بعض الأصدقاء اليهود. والتقيت في تلك البيوت بأشخاص هربوا من محرقة هتلر.

فنيا أنا أحترم كل الشعراء بكل أنماطهم. وأعشق الشعر لنفسه وأحاول أن أكتبه. وأفضل الفنون البصرية والمسرح والنحت والموسيقا – كل أشكال التعبير الفني في الحقيقة. ويؤثر بي الشعر الذي يخلق شيئا غير متوقع، ولا يهبط بمستوى المشاعر والأحاسيس.

 

س- وكيف تقدم كتاباتك للقارئ العربي؟.

ج- حسنا، هذا سؤال مهم!. مثل كثير من الكتاب على ما أفترض، لكن أول كتابين لي، هما محاولة مع الفن. ولكنهما لم يصلا- هل أنا واضح!. أحيانا أشاهد لمحات جيدة فيهما، ولكنهما جوهريا مبنيان على شعرية تعلمتها في السبعينات هنا.

وهذه الشعرية كما أراها الآن محدودة ومؤطرة بشكلها، بالجانب السطحي منها. والآن بلغت 63 عاما، ومن حوالي 10-11 عاما مضت حاولت أن أنفصل عن تلك التجربة الضعيفة. ومجموعتي (قصر العقول) كتاب يشغل مساحة بين الكاتب القديم ، كما كنت عليه، والكاتب الذي أحاول أن أتقمصه حاليا.

 

س- أرى الكثير من المؤثرات الأوروبية وليس الأمريكية في قصائدك. وأنت تشير كثيرا لزبيجنيف هيربريت ولا تذكر ولو مرة والت ويتمان الذي يدين له كل تاريخ الأدب الأمريكي الحديث. هل من تفسير؟.

ج- أعتقد أن الشعراء والروائيين يتأثرون بآخرين يتركون أسماءهم في الذاكرة. بشكل تمثيلي، حينما قرأت شعر زبيجنيف هيربيرت أو رواية لهاينريش بول أو قصيدة لأدونيس أو جوليا هارتفيغ، شعرت كأنهم يتكلمون لغة لا يمكن أن أفهمها أو أن أعرفها. ومع ذلك، بطريقة من الطرق كنت داخليا أتعاطف مع هذه اللغة. فالأشياء في تلك الكتابات جديدة وغير معروفة ولكن في نفس الوقت هي قريبة ومفهومة وموضع محبة وتقدير. الفن يترك أثرا عميقا على نفسي. وزبيجنيف هيربرت يؤثر بي شخصيا. وربما هو أقوى المؤثرات التي أشعر بها. أنا لست شاعرا أمريكيا مخلصا. أفترض ذلك. ولكن هذا يبدو غريبا حتى على مسامعي. فجدي وجدتي كما سلف مولودان في صقلية، وآباء وجدود العديد من الأصدقاء المقربين في أيام الطفولة كانوا مولودين في بولونيا وروسيا ولبنان وألمانيا. وجد والدي هو ألماني، ولعله من آخين أو نوردرين ويستفاليا. ولعل هذه ليست هي الأسباب الحقيقية لابتعاد شعري عن إستاطيقا الشعر الأمريكي، ولكنها مؤثرات. إنها مؤثرات لا يمكنك غض النظر عنها. وأنا لا أسير خلف ركاب ثقافة معينة بلا تفكير وبشكل أعمى كما أعتقد.  وأفضل أن أنظر لما يجري في العالم من حولنا. وفي الجامعة كنت أهتم بالأنثروبولوجيا وأدرسها عن كثب.

 

س- لماذا تفضل كتابة قصائد طويلة تتكون من فقرات ومقاطع قصيرة؟.

ج- أعتقد أن شعري لوحات تصويرية وليس انطباعية. ولذلك هي لا تتدفق بنفس الطريقة التي تتبعها أشعار ويتمان أو نيرودا، أو فاليجو أو كلاريبيل أليغريا. أنا أنظر للشعر على أنه كولاج لو رتبنا أجزاءه بشكل مناسب ومع قليل من الحظ نحقق نوعا من الوحدة التي يمكن أن تكون مؤثرة.

القصيدة غالبا تؤثر بي وكأنها لغز إغريقي من النوع الذي نراه عند أوفيد أو أنها كوميديا عبثية – منضبطة لكن ينقصها نوع محدد من التوضيحات لأن ما نحتاج له هو في التفسير والتصور أو في رسمنا للكلمات.

 يتدفق ويتمان ضمن جماليات وبهاء يحدده أسلوبه، ولا جدل حول قوته فهي لطيفة حقا، وأحيانا تصاعدية (تسمو بالمشاعر). ولكن بورخيس يكتب بمهارات غريبة وقوة نخبوية ويبدو أحيانا أنه بعيد عن متناولنا. ولأدونيس قصائد تبدو نقية، كما لو أن الله هو الذي كتبها وليس الإنسان الفاني والضعيف. أما تركيباتي فتختلف مع كل هؤلاء، فأنا أبحث عن القيمة الفنية، عن الفن نفسه. وأحيانا إذا حالفني الحظ أرى القصيدة هناك على الصفحة كأنها خيال أو طيف. إنها لا تستمر وما أمسك به هو جزء يسير أو عالم مصغر من الشيء نفسه وعليه أبني رسوماتي وتصوراتي أو علبة أدواتي المتخيلة.   

 

س- كيف تعرف الكائن الخفي الذي تأتي على ذكره في كل قصائدك تقريبا؟.

ج- في لحظة من حياتي اكتشفت أنني بحاجة لقرين. كما فعل هيربيرت حينما اخترع مستر كوجيتو Mr Cogito، "السيد أنا أفكر". وهكذا اخترعت شخصية الكائن الخفي persona Insidious وهو برأيي ابن عم السيد كوجيتو . وكان هذا أسهل لي فقد رغبت أن أحيي من خلاله هيربيرت. الشخصية / الكائن يسمح للكاتب أن يقول أشياء لا يمكنه أن يعبر عنها بشكل عادي ومباشر، وتوفر له الحرية للتعبير عن أمور كثيرة، وهذا يقدم لنا أثرا مشابها أو قوة إضافية. الكائن الخفي محايد: فهو ليس مثل اسمه باستثناء أن وجوده داخلي ويتحدى الشعرية الأمريكية بخصاله غير العادية. لا يمكن أن نسمح للشعرية أن تكون ثابتة ومألوفة ومتوقعة. وكائني الخفي هو ثورتي الصغيرة في مضمار الشعرية، ولكنه ليس غريبا جدا وهو في الواقع أبعد ما يكون عن ذلك. ولكن في هذا المكان والزمان، حيث أعيش، هو متمايز بما فيه الكفاية.

 

س- هل تشعر بتأثير الرقابة الخفية التي تنشط في داخل عقل الإنسان في أمريكا، بتعبير آخر: هل تعتقد أن لديك تابوات؟ وكم تدين فكرة التابو للمكارثية؟. وهل تعتقد أنه يوجد بقايا من تلك الفترة سيئة الصيت؟.

ج- يمكن للرقابة أن تكون خفيفة أو جدية. ومن الصعب أن تعلم بها أو أن تحدد ماهيتها بدقة في مجتمع كبير مثل أمريكا. والكبت والحرية مختلفان لحد بعيد حسب المنطقة والولاية، ولذلك لا يوجد تجانس موضوعي ولا يمكن التعريف بالموضوع بعبارة مبسطة تحدد كل شيء وتلم به. وعموما أعتقد أن الكتاب أحرار لدينا من معظم التابوات، ولا سيما الكتاب الذين يعيشون ويعملون في مدن كبيرة، مع أنهم لا يعرفون كل شيء يدور خارج حدود البلاد (وأحيانا حول أمور تدور داخل الحدود). والملاحظة الثانية تضيف جانبا آخر للمشكلة مع مشكلة تعاطينا للفن، وصناعة الفن، والعدالة الاجتماعية، وأشياء أخرى إضافية – هذا إذا تناسينا المعرفة والبحث عن الحقيقة والدقة. بالتأكيد الماركسية ليست موضوعا محببا، باستثناء أولئك أصحاب العقول المنفتحة والثقافة العالية. ولم تحصل الإشتراكية على نصيبها من التمحيص لدى كثير من الأمريكيين، مع أننا في الحقيقة اشتراكيون ومعظم حلفائنا إشتراكيون ويطبقون الإشتراكية على شعوبهم لتحسين مستوى الحياة. ونحن لسنا جيدين في فصل الإيديولوجيا عن محاولة تطبيقها على البشر. أحيانا الأفكار جيدة، ولكن تطبيقها سيء فتبدو وكأنها عار أو شيء سيء. وأحيانا الفكرة الضعيفة تكسب تطبيقات جيدة وتقدم نتائج ملموسة لأن من يرعاها يتغلب على الضعف البنيوي الذي يتخلل النظام نفسه. وهذه فكرة قديمة معروفة عن نظام التفكير وه9ل تطبيقاته مقبولة أم لا. ولكن كيف يؤثر ذلك على الفن والكتابة، ليس عندي معلومات مؤكدة. لقد فشلت المكارثية هنا وتركت ذكريات مريرة عند معظم المتعلمين، ولذلك نحن نخشى من تكرارها. ولكن الكتاب يعانون من قليل من التابوات، مع أننا نكتب داخل ماكينة منتجة للثقافة. وبعض تلك المعوقات قد تكون مرئية أحيانا لبعضنا. وأعتقد أن عودة المكارثية احتمال وارد لأن التيار نفسه هو تعبير عن الخوف والكراهية. الخوف والكره، لا يزولان تماما، لا يمكن تخطيهما على الإطلاق. وأعتقد أن معظم الشعوب في معظم البلدان بحاجة لمزيد من الثقافة، والمزيد من الوضوح في التفكير والتعايش. ومزيد من انفتاح الذهن، ومقاربة أسئلة أكثر نضجا من سابقاتها. نحن جميعا بحاجة لذلك.

وعلينا أن نحترم لماذا نحن بحاجة لذلك. ويجب أن نعرف ما لا نعرف – أو، بتعبير آخر، علينا أن نفهم أنه هناك دائما أشياء كثيرة لا نعرفها وعليه يجب أن نحترم حاجتنا للعمل من أجل اكتشاف ذلك.

 

س- وكيف تنظر للرومنسية السوداء في أمريكا. هل لها مستقبل؟. وهل تعتبر نفسك من هذا التيار؟.

ج-هذا مدهش يا صالح!. أعتقد أنني هزلي ولا أنتمي للرومنسية السوداء. وأسلوبي حاليا، على ما أتمنى، غالبا هو كوميديا سوداء. وعندما أميل للجدية، أجد عدة تقاطعات مع الرومنسية السوداء. ولكن أحب أن أكون رمزيا وأحيانا كلاسيكيا لو أن الخيار يعود لي. ومع ذلك أنا لست كاتبا متصلبا وقصائدي مختلفة ومتعددة المشارب. وهذا يجعل إنتاج كتاب مهمة صعبة، كتاباتي لا يمكن تصنيفها.  قصائد "غير متوقعة". أيضا، كتاباي الأخيران مختلفان جدا. مجموعة "قصر" كما أعتقد، هو صحافة شعرية وكتابة تجريبية. أما "استقلابات" ربما هو تجربة كلاسيكية تشوبها عناصر من المدرسة الرمزية. وقصائدي الجديدة في "أوهام حقيقية" تشبه ما يوجد في "استقلابات". هذا على أغلب ظني.

أما تاريخ الرومنسية السوداء في أمريكا فهو عميق، لا سيما في الرواية والقصة: إدغار ألان بو، ناثنيال هوثورن، وهـ بي لوفكرافت، مع آخرين. وأرى أن بداية الحياة العامة في أمريكا وهي بلد كبير جدا، كانت خانقة ولها تأثيرات قاتمة. فالطبيعة هنا متلونة جدا – الغابات، الصحارى، البحيرات الواسعة، الجبال، السهوب. وحين تطير فوق شمال أمريكا  تلاحظ اتساعها وتنوعها كسهوب ومشاهد طبيعية. هذا شيء مدهش. الرومنسية السوداء هي ردة فعلا للطبيعة المجهولة كما نراها بأم أعيننا. وهذا يفسر لنا الكثير. أحد كتاب الطبيعة هنا، ليس الروايات ولكن المذكرات، أخبرنا برحلة قام بها عبر الغابات في مونتانا في وقت الغسق وشاهد شكلا أسود في نهاية طريق الغابة. ولكنه كان لا يبدو حقيقيا تماما. هناك شيء عجيب. وتبين أنها بومة كبيرة جدا تقف على جذع شجرة في الظلام. واعتقد أن هذه حادثة غامضة. لغز. شيء غير يقيني.

في الشعر، الرومنسية السوداء لم تجد جذورها العميقة في أمريكا. والقليل يكتبون بها حاليا. ولكن هي جزء من تقاليدنا الأدبية، ونحن نعترف بها ونحترمها كثيرا. في أوروبا، الرومنسية السوداء أنتجت الكثير من ألأدباء المهمين والناجحين: دانتي، جورج تراكل، وكل أولئك البريطانيين الذين تبنوها، بودلير، وغيرهم كثير. وليس لدينا ما يعادل ذلك في أمريكا تاريخيا.

 

أجراه وترجمه: صالح الرزوق

 

 

في المثقف اليوم