حوارات عامة

الشاعر محمد زين العابدين فى حوار بين الشعر والصحافة

mohamadzaynaalbideen-  بمجرد أن تأتينى الومضة الشعرية أصبح أخف وزناً كمن يكاد أن يطير!

-  لا أرى عيباً فى تنويع الشاعر لأشكال كتابته للقصيدة لأن الإحساس يفرض اختيار الشكل.

-  الإقتراب من الأدباء إما أن يزيد إعجابك بهم أو تصدم فى شخصيات بعضهم!

 

عندما تدخل مصر، تجد على باب القاهرة شيئاً مكتوباً مفادُهُ أنك إن أردت أن تكون عالم العلماء فأمامك ألف عالم وإن أردت أن تكون أشعر الشعراء  فأمامك ألف شاعر فصدق من قال أن مصر بلد العباقرة، فعلى مدار تاريخها العريق أنجبت شعراء كبار. ضيفنا في هذه الحلقة شاعر كتب الشعر بإحساسه المرهف فعبر عما يجيش في صدره بإحساس صادق وعندما تقرا قصائده تنفذ إلى وجدانكم،  الوهلة الأولى، ومن أهم قصائده المنشورة: (الآن عرفت- قدر عشق- عطر الوداع) وغيرها الكثير من القصائد التى تثبت تمكنه من اللغة وامتلاكه لزمام موضوعاته وقد جمع شاعرنا بين الشعر والصحافة وله مشوار صحفى حافل أجرى خلاله العديد من اللقاءات المميزة مع قمم الأدب والفكر والفن..مع الشاعر والصحفى المصرى محمد زين العابدين كان لنا هذا الحوار:

 

كيف كانت بدايتك مع الشعر؟

- بدأ عشقى للشعر منذ الصغر مع هدهدات أمى المنغمة المسجوعة لى قبل أن أنام ومع الأناشيد المدرسية التى كنت أحفظها عن ظهر قلب من قراءة واحدة أو قراءتين ويجعلنى المعلم أتلوها بصوت جهورى على زملائى مبهوراً بأدائى وسرعة حفظى، زاد من عشقى للشعر عشقى للغتنا الجميلة والذى نماه بداخلى والدى رحمه الله وكان من جهابذة تدريس اللغة العربية فى بلدتى بنى سويف بصعيد مصر كما كان خطاطاً بارعاً وكنت أترددعلى المكتباتوأنقب عن الشعر الجميل فى أمهات الكتب ودواوين كبار الشعراء والتى تفوق سنى الصغير بمراحل وتعمق عشقى للشعر من متابعتى للبرنامج الإذاعى الخالد"لغتنا الجميلة"الذى ظل يقدمه الأستاذ فاروق شوشة رحمه الله بصوته الشجى الرائع.أما بدايتى مع كتابة الشعر فكانت فى أوائل المرحلة الثانوية فكتبت عدة قصائد بدائية الأسلوب لم أحتفظ منها إلا ببعض الأوراق للذكرى وفى المرحلة الجامعية إنضممت لنادى الأدب ببنى سويف وكنت دائم الحضور لندواته التى نقرأ تجاربنا فيها على زملائنا وأساتذتنا من الأدباء والنقاد ونستفيد من خلال تقييمها ومع زيادة الإطلاع والاحتكاك بالندوات والمهرجانات الشعرية والمراجعة الذاتية لنصوصى إزدادت نضجاً فبدأت أنشرها وأقرؤها فى الأمسيات الشعرية وأذيع بعضها بالبرامج الأدبية وهكذا كانت البداية.

 

وهل واجهتك عقبات معينة فى مشوارك الأدبى؟

- بالتأكيد وهذه العقبات تظل تواجه الشعراء الشبان طالما بقيت الشللية التى تسيطر على المنابر الأدبية والمجاملات الجوفاء وتحويل البعض لاختلاف الآراء إلى معارك شخصية وليست كل العقبات ترجع لمؤثرات خارجية فهناك بالطبع مشكلات خاصة بالشاعر نفسه أثناء محاولة اكتشافه لنفسه وإنضاج تجربته فى خضم الأصوات والتيارات المختلفة.

 

أى من الأدباء تأثرت به بدرجة أكبر؟  

- لقد استفدت كثيراً من تجارب العديد من الأدباء وأنا لا أعجب بشاعر معين بقدر إعجابى بنص له لكننى أستطيع القول أننى انبهرت وتأثرت بالعظمة والحكمة والشجن الدفين فى أشعار المتنبى وأبى فراس الحمدانى والجزالة والأناقة وسلاسة التعبير عند أمير الشعراء أحمد شوقى وتوقفت أمام شاعر الحب الذى ملأ الدنيا وشغل الناس نزار قبانى فانبهرت بقدرته على تفجير القدرات الجمالية للغة العربية وتقريب الشعر من العامة فى أناقة وسلاسة وعذوبة بالغة ثم براعته فى كتابة الشعر بجميع أشكاله من الومضة الشعرية المدهشة إلى القصيدة التفعيلية إلى القصيدة العمودية وقصائده اللاذعة فى النقد السياسى والاجتماعى للواقع العربى، الحقيقة أن نزار قبانى يمثل مدرسة مستقلة لأى شاعر بالرغم من كل التحفظات على كتاباته.تأثرت أيضاً وبنفس الدرجة بتجارب شعراء كبار مثل الرائع أمل دنقل وهو أيضاً مدرسة بمفرده تجمع بين الاعتزاز بالذات والشجن والرقة الشديدة وأحمد عبد المعطى حجازى وصلاح عبد الصبور وفاروق شوشة ومحمود درويش وصولاً إلى أحدث تجربة لشاعر يكتب الآن نصاً جميلاً من الممكن أن يبهرنى وأصفق له.

 

تركز على نشر قصائدك بالصحف والمجلات فما هى أبرز المنابر التى نشرت فيها؟

-  لا أخجل من الإعتراف بالحقيقة عن تقصيرى فى حق نفسى كشاعر جرفه تيار الصحافة الهادر فأهمل لفترة طويلة جمع نتاجه الشعرى فى مجموعات مطبوعة وربما ساهم فى تأخرى فى النشر ترددى الشديد لكى لا أنشر إلا ما أرى أنه يستحق النشر لكن لعل ما عوضنى إلى حد ما أننى إستطعت الوصول بقصائدى إلى قاعدة أكبر من القراء من خلال نشرها بالصحف الكبرى الواسعة الإنتشار فى مصر والوطن العربى خصوصاً صحيفة الأهرام وصحف الجمهورية والمساء والقاهرة وبعض المجلات الثقافية مثل الإمارات الثقافية.

 

كيف استفدت كشاعر من الصحافة وما هى أبرز حواراتك التى تعتز بإنجازها؟

- الصحافة تمثل معيناً لا ينضب بالنسبة للأديب فهى تجعله فى حالة احتكاك مباشر ودائم مع الساحة الأدبية بكل فعالياتها ومستجداتها مما يزيد من ثقافته ومعارفه ويصقل خبراته كما تجعله يتعرف على الأدباء الذين يقرأ لهم عن قرب ويحاورهم ويستفيد من تجاربهم وهذا الإقتراب من الأدباء له وجهان فإما أن يجعلك تتأكد من الصورة الذهنية البراقة التى كونتها للأديب الذى تحاوره أو حتى تكتشف شخصية أكثر إبهاراً مما تخيلت سواء من ناحية الثقافة أو السلوك وإما أن يحدث لك العكس فتكتشف أنه مغرور أو حقود أو منافق فتصدم وتتمنى لو أنك لم تقابله لتظل الصورة المثالية له فى ذهنك، من أهم من أعتز بلقاءاتى الصحفية معهم سواء على مستوى القيمة الأدبية أو رقى الشخصية العالم والأديب الموسوعى الجليل د.أحمد مستجير والأديب الكبير إبراهيم أصلان والفنان الكبير حسين بيكار ورائد الدراسات الأندلسية د.محمود على مكى رحمهم الله جميعاً وممن لا زالوا أحياءاً أطال الله فى عمرهم وهم كبار قيمة وقامة وأخلاقاً الأدباء إبراهيم عبد المجيد وسعيد الكفراوى ومحمود الوردانى وعزت الطيرى ومحمد إبراهيم أبو سنة وأحمد سويلم وفولاذ عبد الله الأنور وهالة البدرى ووليد علاء الدين وعلاء جانب وحسن شهاب الدين والشاعر الإماراتى الكبير محمد البريكى.

 

قصيدتك"عطر الوداع"من أجمل القصائد التى أعجبتنى فى مجموعتك الشعرية.ما السر وراء كتابتها؟

- لعل من أهم أسباب كتابة هذه القصيدة أنها تعبر عن شخصيتى الرومانسية فأنا بطبعى شديد التعلق بمن أحب وما أحب من الأشخاص والأماكن والذكريات وأستحضرهم فى وجدانى دائماً ولأننى جربت ألم الفراق كثيراً لأصدقاء وأحباب وأماكن وكان من أصعب لحظات الفراق على نفسى رحيل أمى رحمة الله عليها، الوداع من أصعب الأشياء على شاعرٍ مثلى وأخشاه دائماً.

 

هل سبق لك الكتابة بالعامية المصرية؟

- نعم لى بعض التجارب فى كتابة الشعر بالعامية المصرية ولا أرى عيباً أو غرابة فى أن ينوع الشاعر فى أشكال كتابته للقصيدة لأن الإحساس يفرض نفسه على اختيار شكل الكتابة والعامية تجعل الشاعر أحياناً أكثر أريحية فى الكتابة فتخرج الكلمات معبرةً بصدق عن مكنونات نفسه لأنها مستمدة من قاموس مفردات لغته المحكية اليومية ومن تراثه الشفهى المتجذر فى وجدانه، ومن أهم قصائدى العامية التى أعتز بها قصيدة"حبل الخلاص"والتى كتبتها فى رثاء أمى بدموع قلبى ونزيف ضلوعى ونشرت بجريدة الأهرام كأعظم نعى يمكن أن أقدمه لها ومن شدة اعتزازى بها وضعتها فى إطار يليق بها وعلقتها تحت صورة والدتى الحبيبة رحمها الله.

 

فى ظل زحام الأصوات الشعرية على الساحة ما هى الضوابط التى تحدد بها الشعر الجيد من الردىء؟

- الحقيقة أنه ربما لطبيعة الشعر فإن الآلاف من الأدعياء وأنصاف المواهب يتزاحمون على مائدته معتقدين أن الهزل الذى يكتبونه شعر.الشعر صعبٌ وطويلٌ سُلَّمه كما وصفه الخليل بن أحمد ويحتاج بالإضافة للموهبة إلى ثقافة رفيعة وتمكن من اللغة وإلمام بقواعدها وبأصول الكتابة الشعرية.عموماً وباختصار أستطيع أن أقول أن الشعر الجيد هو الذى-  مهما كان الشكل الذى يكتب به-  ينفذ إلى وجدانك ويثير دهشتك ويحرك شيئاً كامناً بداخلك فتظل أبياته تتردد فى ذهنك وتتحرك فى وجدانك كالأمواج والشعر الجيد هو الذى يصل إلى الجميع على اختلاف ثقافاتهم بسلاسة ويسر برغم ما يحمله من غموض وعمق ساحر وهو الذى يعبر عما يريد الشاعر قوله بلغة نابضة كالومضات أنيقة غير متكلفة جريئة دون ابتذال أو ركاكة.

هل لك طقوس معينة في كتابة الشعر؟

- ليست لى طقوس معينة ولا أجلس فى صومعة هادئة أو حديقة خلابة منتظراً لحظة الإلهام الشعرى، فالشعر يداهمنى فجأة ودون سابق إنذار كالبرق وكالرعشة التى تسرى فى خلايا جسدى وتقلب معالم وجهى فجأة فأصبح كالممسوس وبمجرد أن تأتينى الومضة الشعرية الأولى أصبح أخف وزناً كمن يفقد تأثير الجاذبية الأرضية فيكاد أن يطير، قد لا يكون معى وقتها دفترى فأكتب على أى شىء يمكننى الكتابة عليه أو أسجل ما أريد على هاتفى المحمول وتظل القصيدة تنمو بداخلى دقيقة بدقيقة وساعة بساعة ويوماً بعد يوم وأظل أكتب وأغير فى أبياتها إلى أن أنتهى من كتابتها.

 

فى ظل الأزمات التى تعانيها المجلات الثقافية هل ترى أن الثقافة قادرة على قهر هذه الأزمات؟

- الثقافة ليست ترفاً أو رفاهية.الثقافة ضرورة قومية ملحة لبناء وعى الشعوب ووجدانهم والرقى بأذواقهم وسلوكهم وهى تحتاج إلى رجال يؤمنون برسالتها ودورها فى التنمية فالإستثمار الثقافى هو أعظم استثمار.

 

حاوره: فيصل رشدى     

في المثقف اليوم