أوركسترا

ثامر الحاج امين: سياحة في معالم الهند

الهند ليست قارة من حيث المساحة وعدد السكان فحسب بل هي ايضا قارة من العجائب، ففيها من المتناقضات والغرائب قد يصعب على العقل البشري استيعابها او حتى تخيلها ويتجلى ذلك في طبيعة الحياة اليومية التي يعيشها سكانها البالغ عددهم حسب احصاء2023 (1٬409٬250٬000) مليار، فالهند على الرغم من السمعة السياسية والعالمية التي تحظى بها ونموها الاقتصادي الكبير حيث خرجت رسميا في العام 2014 من برنامج المؤسسة الدولية للتنمية لأنها لم تعد دولة فقيرة، الاّ ان الفقر مازال يطحن قطاعات واسعة من أبنائها ويدفع المرأة الى مشاركة الرجل في أعمال شاقة ومنها أعمال البناء واتخاذ بعضهن من الأرصفة مكانا لكسب لقمة العيش، كما تعتبر الهند من أكثر بلاد العالم تنوعاً من حيث الأديان والمعتقدات وتضم قرابة 180 ديانة التي من أهمها الهندوسية (يعتنقها حوالي 80% من السكان) والإسلام (14%) والمسيحية (3%) والسيخية (2%) أخرى (1%) وعلى الرغم من تعدد الأديان فإن الدستور الهندي ينص على أن الهند دولة علمانية. والمفارقة الى وقفنا عليها في زيارتنا للهند هي صورة الغنى الفاحش الى جانب الفقر المدقع كما رأينا العوز المقرون بعزة النفس والتحلي بالنظام فرغم الفارق الكبير بيننا وبينهم في عدد السكان الا اننا لم نشاهد ذلك العدد من المتسولين مثلما هو لدينا في تقاطع الطرق والساحات والاسواق فالفقير هناك ينتظر وجبة من صدقات الميسورين حيث يقف في الدور بكل انتظام وهدوء حتى يحصل على وجبة بسيطة من الطعام تقدمها المعابد ليسد بها جوع معدته ولكن جمال معالم الهند يكاد يغطي على ما فيها من يؤس معظمه غير ظاهر للعيان، وقد سجلنا في زيارتنا لها شتاء 2019 بعض الانطباعات عن أبرز معالمها ومعابدها:3066 معالم هندية

تاج محل .. جوهرة على ضفاف نهر يامونا

يعد تاج محل واحدا من ابرز المعالم في الهند والعالم ويقع في مدينة أكرا ــ 160 كم جنوب العاصمة نيودلهي ــ رسم الدخول اليه بالنسبة للسائح الأجنبي يكلف ما يعادل 20 دولارا، وهو مبلغ لا يساوي شيء مقابل الاستمتاع بعظمة هذا الصرح الكبير المذهل بشموخه وحسن عمرانه والأجواء الساحرة التي تعيشها خلال وقت الزيارة له وهو من آثار المغول في الهند حيث تقول كتب التاريخ ان الهند بلغت ذروة مجدها وقوتها في ظل سلطة المغول التي حكمت شبه القارة الهندية لما يقرب من 300 سنة وبالتحديد من الفترة 1526 م حتى 1858 حيث تمتعت الهند باقتصاد قوي وتعايش ديني وترك المغول فيها ارثا تاريخيا وثقافيا خصوصا في مجال الهندسة المعمارية ظل خالدا حتى اليوم وهناك شواهد كثيرة تدعم الرأي بذوق وشغف المغول بالهندسة المعمارية ومنها " تاج محل " الذي تم بناءه سنة 1632م في عهد الامبراطور المغولي " شاه جيهان " ويقال من تصميمه ايضا، ونفس الطراز المعماري يمكن مشاهدته في ضريح همايون الذي تم بناؤه سنة 1562 م في دلهي القديمة كمقر لأسرة من الأباطرة المغول ويضم جثمان الامبراطور المغولي نصير الدين همايون وكذلك المسجد الجامع في دلهي الذي تم تشييده في سنة 1644 م ويعد من اكبر الجوامع في الهند حيث يستوعب 25 الف مصلي والقلعة الحمراء 1556 م التي كانت بمثابة عاصمة المغول حتى نهاية عهدهم وعلى مر العصور ظل أتباع الديانات تتوارث خطاب التسويق لأضرحة رموزها واضفاء القدسية عليها وتدبيج الكرامات عنها، فالإمبراطور المغولي " شاه جهان " الذي بنى صرح " تاج محل " على ضفاف نهر يامونا وضم ضريح زوجته السيدة " ممتاز محل " استغرق بناؤه قرابة 21 عاما واكتمل عام 1653 ــ قال عنه (اذا لجأ الى هذا المكان شخص مثقل بالذنوب، فسيتطهر من ذنوبه، كالمغفورة له خطاياه، واذا لجأ الآثم الى هذا القصر فستنمحي جميع خطاياه السابقة)، شهدت بهاء وجمال هذه الجوهرة الفنية والمشهد العمراني الرائع الذي يجسد قصة حب فريدة ظلت حية وان غيبها القبر .

كما تنتشر في العاصمة الهندية نيودلهي المعابد والمساجد والكنائس وذلك بحكم تنوع الديانات القائمة فيها، وتختلف هذه المعابد فيما بينها من حيث الاشكال المعمارية والطقوس والانظمة التي عليك الالتزام بها عند الدخول اليها، فالمعبد السيخي مثلا يجيز لك ادخال حاجياتك الشخصية وتصوير ما يحلو لك من مشاهد الى جانب الاستماع الى الانشاد الروحي الذي يشبه الغناء في حين يشدد معبد اللوتس العائد للديانة البهائية على الصمت المطبق داخل هيكل المعبد مع احتفاظك بحاجاتك الشخصية (موبايل، قلم، اشياء اخرى) أما معبد اكشر دهام العائد للديانة الهندوسية فتواجه قبل الدخول اليه نظاما صارما من التفتيش والتحقيق المكتوب عن جنسيتك ومكان اقامتك وينتهي بإيداع كل شيء شخصي وحقيبة يدوية الى مكتب الامانات، لهذا حرمنا من تصوير معالم هذا الصرح المذهل.3067 معالم هندية

معبد السيخ.. كرم وجو روحاني

السيخية دين توحيد فيه من الاسلام والمسيحية والهندوسية، فهو يؤمن بوجود اله لكنه ينكر الوحي والنبوة، يبيح الخمر واكل لحم الخنزير ولا يقر بتعدد الزوجات وموتاه تحرق بالنار .

رغم العداء التاريخي الدموي بين السيخ والمسلمين في الهند الا ان شغفنا بالتاريخ وحب الاطلاع على هوية الأديان دفعنا لخوض مغامرة الدخول الى معبد السيخ في نيودلهي والتعرف عن كثب على أهم طقوس هذه الديانة الحديثة التي ظهرت منذ ما يقارب 500 عام و تعتبر خامس أكبر الديانات في العالم اذ لديها ما يقارب ال 30 مليون تابع في جميع انحاء العالم، تبدأ زيارتك للمعبد بخلع نعليك وجورابك وايداعهما لدى مكتب الامانات الخاص بالمعبد وقبل صعود السلم المؤدي الى الهيكل عليك غمس قدميك في حوض الماء لإكمال طهارتهما وتجفيفهما بالسجادة المفروشة على السلم، وفي الممر الطويل المكسو بالمرمر الذي يقودك الى الهيكل تجد سلة فيها ألوان متعددة من أغطية الرأس ــ حجاب ــ يلزم على النساء والرجال ارتدائه قبل الدخول وذلك لإظهار الاحترام للدين، تلج الهيكل فتواجه تخت كبير يتوسط المكان يضم الكتاب المقدس مغطى بقماش مذهّب وتتدلى حوله عناقيد الورد بأشكال وألوان مختلفة وحول التخت يقف الأتباع بخشوع يرتلون التسابيح والأدعية وسط جو احتفالي ممثل بإيقاعات الطبول وأصوات الانشاد الروحي الذي عادة ما يكون على شكل غناء يؤديه ثلاثة اشخاص بصوت رخيم يفرض على المنغمسين في هذا الجو الروحاني حالة من الانصات المصحوب بالخشوع والرهبة، وبعد الانتهاء من مشاهدة كل تفاصيل هذا الكرنفال بإمكان الزائر أو الجائع الذهاب الى مطعم المعبد لكي يحظى بوجبة طعام مجانا حيث يقوم المعبد يوميا بإطعام عشرات الالاف من أتباعه وزائريه ذلك ان فلسفة هذه الديانة تقوم على ممارسة الاحسان للمحتاجين ومساعدة المعوزين، ويقدم الطعام بطريقة تعبر عن الوحدة والمساواة وغياب الفروق الطبقية حيث يجلس الجميع على ألأرض للدلالة على سواسية البشر وبخطوط متقابلة يمسكون بوعائهم بانتظار دلو المرق والرز الذي يمر حامله على الخطوط ويغرف لهم بالمقسوم، وبعد الانتهاء من الوجبة يقوم الزائر بغسل صحن طعامه بنفسه واعادته الى مكانه المخصص، وقد عشنا تفاصيل هذا الطقس .3068 معالم هندية

معبد اللوتس.. تحفة معمارية

رغم انه يعتبر واحداً من أهم مشارق الاذكار الثمانية عند الديانة البهائية، الا ان (معبد اللوتس) في دلهي مفتوح أمام كل الأديان والعقائد، فهو يستقبل يوميا أعداداً غفيرة من الهنود والأجانب تصل الى اربعة ملايين زائر في السنة، وهذا يعود الى جماليته الفنية اضافة الى مكانته الروحية عند اتباعه، فهو تحفة هندسية مصنوع من الرخام الأبيض وتحيط به البحيرات والساحات الخضراء من كل صوب صممه المهندس المعماري الايراني فاريبورز صهبا على شكل زهرة اللوتس التي تمثل النقاء وانتهى البناء فيه عام 1986، وقد حقق هذا المبنى العديد من الجوائز في الفن المعماري .

اجراءات الدخول الى المعبد تمتاز بالبساطة تخلو من التفتيش الدقيق والتشدد في الأنظمة، واذا ما أراد الداخل اقامة شعيرة دينية فلا يتطلب منه الا ادائها بالتأمل وبالصمت داخل قاعة المعبد التي تسع2500 زائر . عند باب المعبد تستقبل طابور الداخلين فتاة جميلة تتولى بلغتها الانكليزية الواضحة تقديم التعريف بالديانة وتاريخ المبنى وأهم الوصايا الواجب الالتزام بها في الداخل وهو التأكيد على الصمت .3069 معالم هندية

معبد (اكشر دهام) ... صرح مذهل

يعد معبد أكشر دهام من اكبر المعابد واهمها في دلهي حيث يمثل قبلة الديانة الهندوسية التي ظهرت في القرن الخامس عشر قبل الميلاد وأتباعها يربون على المليار نسمة غالبيتهم يعيشون في الهند وتعتبر ثالث اكبر الديانات في العالم بعد المسيحية والاسلام .

يضم المعبد الذي تم الانتهاء من تشييده في عام 2005 مجسما ضخما لـ (سوامينارايان) ــ النبي الهندي المقدس ــ الذي صارت طائفة كبيرة تتسمى باسمه والتي من عقائدها الامتناع عن أكل اللحوم، كما تنتشر على الجدران الداخلية والخارجية للمعبد منحوتات لعدد من الآلهة والقديسين والحيوانات وتمثل تحف معمارية مذهلة من حيث عظمة الصنعة والدقة بحيث تقف إزائها حائرا امام عظمة الانسان وقدرته على الصبر والابداع، ويحيط المعبد الذي استخدم في بناءه 6000 طن من الاحجار الرملية حدائق غناء ذات هندسة وتنظيم مذهلين. والمعبد من السعة انك تحتاج الى نهار كامل كي تتجول في كل انحاءه وتلم بتفاصيله الرائعة وبسبب التشدد في ايداع الكاميرات لدى مكتب الأمانات فقد حرمنا من تصوير معالم هذا الصرح المذهل واضطررنا الى الاستعانة بالصور من الكوكل علما انه في داخل المعبد هناك كاميرا مخصصة لمن يرغب التصوير من امام المعبد مقابل ثمن .3072 معالم هندية

مدينة جايبور .. (الجوع ابو الكفار)

تقع مدينة جايبور المعروفة بالمدينة الوردية لطلاء واجهات ابنيتها باللون الوردي على حدود الهند مع باكستان وتبعد عن العاصمة نيودلهي بمسافة 200 كم والزائر لهذه المدينة يستمتع بالعديد من معالمها السياحية، فهي تشكل مع العاصمة نيودلي ومدينة أكرا ــ التي تضم تاج محل ــ ما يطلق عليه بالمثلث الذهبي الذي يعد منطقة الجذب السياحية الرئيسية في الهند، وتضم المدينة قلعة تاريخية تسمى بقلعة العنبر وتقوم على جبل ويتم الصعود الى القلعة بواسطة الفيلة حيث يستغرق الصعود اليها بحدود 45 دقيقة وبكلفة 11 دولار، ولكن ما يعكر المزاج ويثير الاشمئزاز في هذه المدينة الجميلة هو بقع البصاق الأحمر التي تنتشر على الأرصفة والشوارع، ومن يجهل طبيعة العيش بالنسبة لفقراء الهند وتحايلهم على الجوع ومحاولة اسكاته بكل الوسائل المتاحة يعتقد ان هذا البصاق هو نزف دم وان من يلفظه هو المصاب بالتدرن، لكن الحقيقة ليست كذلك فقد ذكر الدكتور شريف حتاته في كتابه (طريق الملح والحب) ان فقراء الهند الذين لا يجدون شيئا يأكلونه يلجأون الى خلطة يتم تركيبها من ثمرة شجرة (البيتل) مع شيء من البهارات الحمراء يمضغونها كما يفعل اليمنيون مع القات حيث تعمل ثمار هذه الشجرة ــ التي تحتوي على مادة مخدرة - على اصابة اعصاب المعدة بالشلل فتعطي احساسا بالشبع وبعد انتفاء الحاجة يلفظونها سائلا أحمرا مذابا في اللعاب وكأنهم ينزفون.3070 معالم هندية

برج شاهد على دخول الاسلام قطب منار

واحد من أشهر واقدم المعالم الاسلامية في الهند _ دلهي _ ويُعد أول شاهد على دخول الحضارة الإسلامية إلى الهند، وهو برج من الحجر الرملي الأحمر تم إنشاؤه في القرن الـ12 على يد قطب الدين أيبك، أول حاكم مملوكي لسلطنة دلهي الهندية. يبلغ ارتفاعه 72.5 متراً وقطر قاعدته 14.32 متراً

وتعد ثاني اطول منارة في العالم الاسلامي بعد منارة الجيرالدا في اشبيلية3071 معالم هندية

آخر إنجاز معماري لشاه جهان.. المسجد الجامع

يقع في دلهي القديمة ويعد من أكبر المساجد في الهند حيث يتسع لخمسة وعشرين الف مصل، أمر ببناؤه الامبراطور المغولي شاه جهان باني تاج محل واكتمل بناؤه في سنة 1658 ويقع في سوق شعبي.

زرناه يوم الجمعة وشهدنا الازدحام بسبب انسداد الطرق المؤدية اليه .

ضريح "المهاتما غاندي".. تكريم يليق بقامته وعطاءه

وسط مساحة خضراء واسعة ومفتوحة ومحفوفة بالأشجار والممرات الأنيقة في العاصمة الهندية نيودلهي ينتصب ضريح محرر الهند " المهاتما غاندي "وليس بعيدا عن الضريح تقوم بناية ضخمة هي متحف غاندي حيث يحتفظ المتحف بكل الاشياء الشخصية للمهاتما ومن بينها الطلقة التي أنهت حياته والثوب الذي كان يرتديه اثناء جريمة اغتياله والذي تظهر عليه بقع الدم كما تزدان جدران المتحف بصور تجسد مراحل حياته ولقاءاته بالرؤساء والفنانين العالميين، عشت لحظات من الحزن وانا اتجول في ارجاء المتحف واسأل نفسي لماذا لا يحظى أعلامنا ومبدعينا مثل هكذا ضريح ومثل هكذا متحف تكريما لعطائهم وخدمتهم للإنسانية .

***

ثامر الحاج امين

 

في المثقف اليوم