صحيفة المثقف

وهج الكلمات ودلالة المعنى في قصص يحيى السماوي القصيرة جدا ..

 نشرها في اكثر من موقع، وهي المرة الأولى التي يخوض فيها هذا اللون المحسوب على عائلة القصة وهي لعمري دخول كان على السماوي ولوجه قبل سنوات لأنه أعطى لهذا اللون زخما جديدا تلخص بحكاوىمن تراثنا الأدبي الخالد كما في قصته السادسة

 

أو في المرويات الوعظية على لسان الجماد كما في القصة الرابعة،ولأنه شاعر متمكن من أبجديته الشعرية فقد نقل في تمازج ساحر تلك التجربة الى بقية قصصه القصيرة جدا لتخرج لنا في النهاية لوحات شعرية مؤطرة بحكايات سريعة اشبه بوجبة هامبرغر على الطريق السريع .

 

يعترف السماوي ان كتابته لهذه القصص القصيرة جدا: (تشبه الى حد ما حكاية ابي دلامة - وهي القصة السادسة في المجموعة - فأنا والله لست مؤهلا لكتابة هذا النوع من الجنس الادبي لولا ان أخي المبدع يحيى الشيخ زامل قد رمى بي الى ميدانه حين اهداني بعض قصصه القصيرة جدا فدخلته اضطرارا، فعسى ان يتقبل فقر بضاعتي كما تقبلها الفارس من ابي دلامة)، في هذه الحاشية وضع السماوي وبكل ذكاء أمام النقاد والمتلقين حجة بالغة استعارها من " ابي دلامة " وللذين لايعرفونه، فهو زند أو زيد بن جون وكان غلاما حبشيا اسودا، وهو أحد الشعراء المعاصرين لخلفاء بني العباس الثلاث الاوائل وهم ابو العباس السفاح والمنصور والمهدي، بل يعتبر شاعرهم ونديمهم الخاص وله قصائد طريفة كان يتندر بها في مواقف فكهه نقلها الطبري ولازال التراثيون يتناقلونها في مجالسهم الأدبية حتى الوقت الحاضر .

 

في قصته القصيرة جدا الأولى في المجموعة " سر أنين الربابة " والتي ضغطها السماوي بإحدى وعشرون كلمة، وكأنه يذكرنا بإحدى خصائص هذا اللون القصي وهو " الكثافة " التي تحدث عنها الدكتور ثائر العذاري في أحد مقالاته متناولا شعرية القصة القصيرة جدا قال: (تعرض المساحة الصغيرة المتاحة للقاص لغة خاصة تمتاز بالكثافة العالية، فضلا عن تصارعها المحموم باتجاه النهاية، فيبدو القاص كطير محبوس في قفص، لايلبث أن يجد منفذا حتى ينطلق منه بسرعة السهم .وتعني الكثافة في لغة القصة القصيرة جدا شحن الكلمات باكثر ما يمكن من المعاني والتعبير عن اكثر ما يمكن من "الافعال " باقل ما يمكن من المفردات وهذا لايتأتى الا بلغة الشعر التي اكتسبت مع توالي الخبرة)، كلام الدكتور العذاري جسده السماوي في قصته الخامسة " درس مجاني " فاعطاها " الكثافة " من جهة و "الشعرية " من جهة اخرى، ومن يتأمل في كلماتها كأنه يقرأ قصيدة نثرية أراد لها كاتبها ان يحيلها الى قصة قصيرة جدا، فلو أخذنا الجملة الأولى والثانية للقصة في سطرها الثاني فسوف نقرأها هكذا:

في غرفتي المضاءة بالقلق،

كان على المنضدة رغيف خبز .

 

و" هذا لايتأتى إلا بلغة الشعر التي اكتسبت مع توالي الخبرة " كما قالها الدكتور العذاري .

 

وفي قصتيه الثانية "سوء الظن" والثالثة " جشع وقناعة " فإنهما ينحازان لفن الخبر في تراثنا كما يقول الدكتور حسين علي محمد في مقالة له عن القصة القصيرة جدا ..قراءة في التشكيل والرؤية: (وهذا الفن ليس جنسا أدبيا جديدا مستقلا عن القصة والقصة القصيرة اللتين عرفهما الأدب، كما أنه ليس تحديثا لفن المقامات أو ألف ليلة وليلة بطريقة حداثوية ومعصرنة جدا، إننا نراه تطويرا لفن الخبر في تراثنا، وبخاصة تلك الاخبار التي كانت تجمع بين السخرية والمفارقة) .

 

أما قصته السادسة والاخيرة في هذه الاضمامة الصغيرة جدا والتي سمح فيها لكلماته أن تتمرد على " الكثافة " ولو بشيئ قليل إلا انها التزمت ببعض أركان هذا الجنس القصصي منها : وحدة الفكر والموضوع، خصوصية اللغة والاقتصاد، الانزياح، السخرية، بحسب تقسيمات الدكتور احمد جاسم الحسين الذي يعد اكثر المتحمسين لهذا الجنس الادبي ال( ق . ق . جدا ) كما أسماه اختصارا في كتابه الرائد " القصة القصيرة جدا " الصادر عن دار عكرمة بدمشق عام 1997، الكاتب السوري عمران عز الدين أحمد الذي نقل عن الدكتور الحسين تلك التفصيلات يقول عن هذا الجنس الادبي: (إن ما يغري بالنقاش هو أن هذه القضية، قضية القصة القصيرة جدا لم تحسم بعد، ومن المعروف انه إذا كثرت الاتهامات قل النقد، ورغم كثرة مناقشة الموضوع واجتذاب أطرافه فثمة تقصير واضح في الدراسات والندوات والبحوث الجادة والكافية حوله، والمسؤولية تقع على عاتق الجميع ادباءا ونقادا وباحثين ولا بد من الوقوف على اسباب هذا التجاهل خاصة من قبل ذوي الاختصاص، وسيبقى هذا المجال ميدانا مفتوحا لفرسانه القادرين على ترك بصماتهم للحاضر والتاريخ)، ويحيى السماوي قد يكون واحدا منهم .

 

 

احمد فاضل

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1297 الاثنين 25/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم