صحيفة المثقف

جون بيجينيه .. صياد لايكتفي بمحارة واحدة

تجاوزت في إمكانياتها ودلالاتها على المستوى السردي بعضا من تلك الاسماء اللامعة أو قاربتها اذا كنا لانريد أن نبالغ في تناولنا لها، ف "جون بيجينيه "* كان الأكثر حضورا بين هذه الأسماء التي ظهرت في ذلك التاريخ إن على المستوى القصي والروائي، أو في تعاملاته الحياتية كأستاذ يحاول أن يرسي قواعد جديدة لآرائه التي باتت تتقبلها شريحة واسعة من طلابه اضافة الى قرائه نظرا لتميزها وجرأتها في مزج الواقع بالخيالي مضيفا اليه زخما من نصوص مترعة بالرعب - بحسب تعبير هالة صلاح الدين حسين-* فنحن هنا لن نمر على ماقدمه من إنجازات فهو غير مجهول فيما قدمه من اعمال جعلت منه ان يتبوأ مركزا لائقا في الساحة الأدبية والفكرية الامريكية خاصة والعالمية عامة، لكننا سنكتفي بمقابلة حصرية جمعته بالكاتب الصحفي وليم كولز من مركز التراث العالمي الامريكي، في قاعة مؤتمرات فندق مونتيليوني في نيواورليانزحيث ابتدأه مرحبا:

كولز: إنه لمن دواعي سروري ان اكون معك جون وأود أن أشكرك جزيل الشكر لموافقتك على المقابلة .

بيجينيه: إنه لمن دواعي سروري أن أكون هنا كولز .

كولز: كنت مفتونا بك وانت تحاضر في مركز التراث العالمي وتحدثت ضمنا أن القصة الادبية آخذة في الإنخفاض. ما هو السبب؟

 

بيجينيه: لست متأكدا مما حدث، مجتمعنا منغمس في القصص لكن هناك نوعا من الإنهاك السردي كالذي نشاهده في التلفزيون والسينما وكأن هناك مؤامرة على القصة الادبية، وهذا الشيئ نفسه ينطبق على غيرها من أنواع القصص التي نحن في كل يوم نقرأها في عرض الاعلانات، والاخبار، لذلك اعتقد ان الكُتاب يواجهون مأزق حقيقي فيما يتعلق بالخيال القصي ويجب ان ننتبه عندما يكون هناك الكثير من مصادره خاصة وان ذوي الخبرة يستطيعون ان يشخصوا ذلك في رواياتهم وقصصهم .

كولز: هل ان نوعية القصة الخيالية تغير في رأيك؟ أم أن هناك شعور بالإستعاضة عنها في أشكال اخرى؟

بيجينيه: حسنا، أعتقد أنه كان هناك شيئ يحتمل أن يكون غير متوقعا في الطريقة التي يعمل بها في واقع الحياة، قصصي لاتواجه هذه المشكلة التي يتنبأ فيها الجمهور نتائج كالتي اسلفنا فقوتها في منحى غير متوقع، هذا الأخذ لايمكن التنبؤ به وهو واحد من الاسباب التي جعلتها ناجحة فنحن نعرف قواعد اللعبة وحدودها، وهذا يعني اننا نعرف هيكلية القصة، لكن عناصرها تبقى في حكم اللعبة واعتقد ان هذا النوع من السرد اجتذب جمهورا كبيرا من القراء في جزء منه لأن السرد التقليدي قد يعاني من استنتاجات اكثر قابلية للتنبؤ .

كولز: هل يمكن أن نشهد تغيرا في طريقة التفكير بين القصة والرواية؟

بيجينيه: ليس بالضرورة، أعتقد أن القصة القصيرة على نحو متزايد في محاكاة الرواية، وغالبا ما تؤخذ على علاقتها بين شخصين في موضوع تتناوله كل منهما، لكنني لست متأكدا من ستة أو سبعة الآف من الكلمات ما يكفي لتطوير حرفين ولا أعتقد أن القصة القصيرة مصممة على القيام بمثل ما تقوم به الرواية التي هي أكثر ملاءمة لهذا النوع من الحكايات .

 

كولز: عند الحديث عن الرواية، هنالك واحدة من الطرق في العصر الحديث لجلب القراء الجدد اليها، بنوعية واختيار المحتوى القصصي لها، ويمكن التوسع في هذه الفكرة على وجه التحديد خاصة في روايتك " المحار " فأنا أفكر في الطريقة التي استخدمتها مع "لويزيانا " للعثور على جوانب غير معروفة في كثير من الاحيان لصناعة المحار والصراعات البشرية في حقبة معينة، كيف يمكن العثور على قصة قيمة بهذا الخيال؟

 

بيجينيه: أعتقد أن الرواية وقد درجت العادة بأن قدرا كبيرا من بنائها يعرف القارئ الغربي شيئا عن الكيفية التي صنعت احداثها، فقبيل نشوب الحرب العالمية الثانية هذا النوع الحكاوي كانت ترفده بالمعلومات العديد من وسائل الاعلام المختلفة، لكنها اليوم قد فقدت واحدا من الاسباب المركزية التي تجعل احداثها غير معروفة وواضحة للقارئ بسبب التعتيم الذي هيمن على نقل المعلومات، كما اعتقد أن أحد اسباب نجاح كتابات " اهيري " على سبيل المثال، و " ناثان انجلاندر " في " الإغاثة "، واجتذابهم لجمهور قد يكون جزئيا على الاقل، هو ان كتبهم واصلت توفير المعلومات عن العالم الذي هو غير معروف للقارئ، في الوقت نفسه بطبيعة الحال كتبهم مكتوبة بشكل جيد للغاية .

 

كولز: هناك ثروة من القصص المحتملة في استكشاف إدماج الاجانب في مجتمعاتنا القائمة على سبيل المثال، فإن التحولات التي شهدها المجتمع الامريكي لآسيويين باتت تطرق وبشدة على الكُتاب كي يعطوا لهذه التحولات معالجة سواء اكانت على مستوى الكاتب الغربي أو الآسيوي ؟

 

بيجينيه: منذ أن اصبحت الولايات المتحدة مجتمعا متنوعا على نحو متزايد اعتقد أن هناك قدرا كبيرا من الفضول حول العديد من هذه المجتمعات التي تتألف منها البلاد حاليا، والكُتاب من هذه الطوائف الذين وصلوا الولايات المتحدة مطلوب منهم ان يتبصروا كثيرا في الحياة اليومية خاصة جموع المهاجرين الذين لم يكن للعديد منهم صوت من قبل في احاديثنا الوطنية، كُتاب من تلك المجتمعات لايمكن العثور عليهم بسهولة، وحتى الرواية التي قامت منذ تأسيسها في منتصف القرن الثامن عشر لم تجلب من الاخبار الا النزر القليل ونحن لانعرف بالقدر الكافي عنهم تماما .

كولز: هناك قصص تُنصح أن تكون مادة دراسية ؟ لنبدأ، على سبيل المثال، تشيخوف .

بيجينيه: حسنا، أنا معجب لدرجة كبيرة برواية " السيدة صاحبة الكلب " وهناك الكثير من قصص تشيخوف تصلح أن تكون مادة للدراسة، وكذلك قصص هوثورن، وادغار آلان بو، وبالتأكيد هنري جيمس .

كولز: ما هي قصص هنري جيمس التي توصي بها ؟

بيجينيه: أعتقد أن " الشيء الحقيقي " هي قصة مثيرة جدا للاهتمام، فإنه يبحث في السبل التي يمكن أن تكون ملزمة للخيال لإعادة ما يلاحظ من الواقع .

كولز: هناك بعض القراء يرغبون بالإنضمام الى حلقاتكم التدريسية، فهل هناك طريقة للقيام بذلك ؟

بيجينيه: أنا أدرس في جامعة لويولا في نيو اورليانز قسم اللغة الإنكليزية ولكنني ايضا أقوم بالتدريس في فصول الصيف في الاكاديمية الامريكية في باريس وباستطاعة الطلاب الناطقين بالإنكليزية ومن جميع انحاء العالم الإنضمام الى هذه الحلقات التدريسية .

كولز: جون، أود ان اشكرك شكرا جزيلا على اتاحة الفرصة هذه بلقائكم، انها كانت مفيدة جدا .

بيجينيه: أشكركم، كولز هذا كان من دواعي سروري .

 

أحمد فاضل

[email protected]

 

.....................

هوامش /

*جون بيجينيه / كاتب امريكي معاصر، يكتب في مجالات النثر والقصيدة والمقال والنصوص المسرحية، لكنه اشتهر عن طريق قصصه ورواياته خاصة مجموعته القصصية الأولى " صبي المعذب " وروايته الأولى " المحار "، وله حضور متميز في المحافل الأدبية، اضافة لكونه استاذ اللغة الإنكليزية بجامعة لويولا في مدينة نيو أولينز بولاية لويزيانا الامريكية .

*وليم كولز / كاتب من مركز التراث العالمي ومقره امريكا .

* هالة صلاح الدين حسين / كاتبة ومترجمة مصرية ورئيسة تحرير مجلة (البوتقة) الإلكترونية الشهيرة، وقد نشرت في عدد المجلة الرابع والعشرون لشهر يناير / كانون الثاني 2010 ملفا عن بيجينيه بمناسبة ترجمة قصته " وردة "، وللإطلاع عليها يرجى زيارة موقع المجلة على العنوان البريدي التالي:

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1317 الاحد 14/02/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم