صحيفة المثقف

من ستنتخب؟؟؟ حواريّة قصيرة

جلس على مقربة منّي في المطار ينتظر نداء رحلته مثلي، وحين سمعني أتحدّث بالعربيّة مع عائلتي ابتسم وحيّاني بلهجة مغاربيّة جميلة، فحييته بأحسن منها، وما أن تعارفنا حتّى ابتدأ قائلاً:

ـــ ألفضائيّات العربيّة مهتمّة جدّاً بموضوعة انتخاباتكم، ويقال: إنَّ معظم العراقيين قد انتموا للأحزاب والكيانات والكتل السياسيّة، فقسّمتهم تلك الانتماءات، فهل أنتَ منتمٍ إلى كتلةٍ، أو حزبٍ معيّن؟.

ـــ لا...لست ُ منتمياً، فأنا مستقلّ ذو توجه لبراليّ حر.

ـــ وهل ستنتخب؟

ـــ نعم...فالدستور كفل لي حريّة القول والعمل والاختيار بعد خمسة وثلاثين عاماً من الدكتاتوريّة والطغيان.

ـــ من ستنتخب؟

ـــ ألذي أعاد للدولة هيبتها.

ـــ من هو؟

ـــ ألذي تمكّن من فكّ ِحصار التكفيريين عن بغداد، وأنهى سيطرة الميليشيات المسلحة عن باقي محافظات الوسط والجنوب.

ـــ وهل كانت بغداد محاصرة؟

ـــ نعم...من أربع جهات.

ـــ من كان يُحاصرها؟

ـــ ألذبّاحون الذين ارتبطوا بالقاعدة وسمّوا أنفسهم بالمقاومة، فضلاً عن القتلة من أعضاء المنظّمة السريّة الصداميّة، ومجرميها الذين تلذّذوا في تعذيب العراقيين وذبحهم.

ـــ قلت َ لي إنَّ الذي ستنتخبه أنهى سيطرة المليشيات التي كانت تجثم على المحافظات، فهلا أوضحت َ قليلاً ؟

ـــ كانت بعض محافظات الوسط والجنوب تحت سيطرة المليشيات، فهي التي تأمر وتنهي، وتسمح وتمنع، وتحرِّم وتحلّل، وتفعل كلَّ شيء دونما احترام للدولة والقانون تدخّلوا حتّى في خصوصيّات الناس، وتجرَّأ بعضهم برفع لافتات على واجهات المدارس والجامعات يمنع فيها الطالبات غير المحجّبات وإن كنَّ غير مسلمات من مواصلة الدراسة، ودخول الحرم الجامعي، وذهب آخرون من المتحجّرين إلى منع الرحلات العلميّة الجامعيّة المختلطة باسم الدين، واعتدوا بالضرب على من لم يمتثل لطروحاتهم الفجّة، وأسهمت تهديدات بعض تابواتهم في منع الإبداع الجميل في التشكيل وفن المسرح والشعر لكونه لا يتّفق مع منهجهم الظلامي، فسكت الشعراء حيناً، وأغلق المسرحيّون قاعاتهم، وهرب بعض الفنّانين إلى خارج العراق، فأفرغوا المحافظات من الجمال والإبداع مع سبق الإصرار والترصّد، ناهيكَ عن السيطرة على دوائر الدولة، وسرقة المال العام، وإشاعتهم للفساد، وقبول الرشوة علناً.

 

ـــ إذا كانت هذه المليشيات على هذا النحو من الاستهتار بقيم المجتمع والدولة، فمعنى ذلك أنّهم كانوا أقوياء، فكيف تسنّى لصاحبك أن يرجع للدولة هيبتها؟

 

ـــ لا...ليسوا أقوياء، إنّما كانوا كما قال عمران بن حطّان:

أسدٌ عليَّ وفي الحروبِ نعامة ٌ

فتخاءُ تهربُ من صفيرِ الصافر ِ

فبمجرّد أن صال عليهم في البصرة وغيرها، فرّوا إلى جحورهم أو إلى خارجَ الحدود، لأنَّ القساة َعلى أهلهم هم أجبن الناس طُرّاً في واقعهم النفسي، ولعلّكَ تتذكر كيف لاذّ القاسي صدّام بجحره، وتركَ غيره في الميدان.

 

ـــ إذا كان صاحبكَ قد أعادَ للدولة هيبتها فمعنى ذلك أنَّ مؤيّديه ومحبيه قد ذاقوا الأمرّينِ من عنت هؤلاء، وضيرهم.

ـــ ليس المحبون وحدهم الذين ذاقوا الأمرين منهم، إنّما معظم أبناء الشعب،

وهي ضريبة وطنيّة يدفعها الشرفاء دون منّة، ولعلّ قولة الأديب اللبناني فليكس فارس :" إنَّ البلاد التي لا يتعذّب أبناؤها من أجلها لا يستحقّون أن تدعى لهم

 وطنا ً "

ـــ وهل أنت واثقٌ من فوزه؟

ـــ نعم...واثق.

ـــ وكيف تأتّت لكَ هذه الثقة؟

ـــ لو كنت َ قد قرأت َ ما قالته الشاعرة المتصوّفة (ميمونة) لأدركت َ سبب ثقتي.

ـــ وماذا قالت؟

ـــ قالت :

قلوبُ العارفين َلها عيون ُ

ترى ما لايراهُ الناظرونا

ـــ من هو؟

ـــ هو الذي قلت ُ فيه يوم أن تصدّى للطائفيّة ومنع عن العراق الحرب الأهليّة،

وأشاع الأمن، وأزاح عن العراقيين الخوف، وألبسهم الأمان:

أزحت َ الغيمَ عنها والضبابا

وألبست َ الأمان َ لها ثيابا

وقد أنضيت َ ثوبَ الخوف ِعنها

فجددت َ الشبابَ بها شبابا

أبا إسراءَ ذي بغدادُ تهفو

لباريها ليجزيك َ الثوابا

فقد أبعدت َ عنها ضيرَ حربٍ

أرادَ المجرمون َ بها خرابا

فأحسنَتِ الصنيعَ يداكَ فعلاً

وأحسن َ فوكَ في قول ٍ خطابا

ـــ هل يعرفكَ؟

ـــ لا...لكنّه مؤتمن على العراق والعراقيين َ جميعاً، لهذا أشعرُ أنّني قريبٌ منه، وفقاً لقولة أبي زيد البسطامي " أنتَ لا تراني، ولكنّي قريبٌ منك "

 

(وهنا ودعته، فقد نادت مسؤولة حركة الطائرات على رقم رحلتي المتّجهة نحو بلاد الضباب، فهمس في أذني : لقد عرفتُ صاحبك الذي أعاد للدولة هيبتها منذ ُبداية الحديث، لكنّني تغابيت طمعاً بالاستزادة، فاغفر لي هذا التغابي)

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1327 الاربعاء 24/02/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم