صحيفة المثقف

جورج بيكرفي كتابه على بوابة السفاحين: امريكا في العراق .. الورطة الكبرى !

على أفضل عشرة كتب صدرت خلال ذلك العام، كما حصل ايضا على جائزتين من نادي الصحافة الخارجية، الاولى عن تحقيق جاء في 20 ألف كلمة عن الصعوبات إبان الاحتلال واعادة اعمار العراق نشر في نوفمبر / تشرين الثاني 3003، والثانية لتغطيته الحرب الاهلية داخل سيراليون والذي نشر في يناير / كانون الثاني 2003 . (1)

 

"على بوابة السفاحين .. امريكا في العراق" روى بيكر فيه كيف ارادت امريكا ان تغير تاريخ منطقة الشرق الاوسط لكنها وقعت في شرك حرب العصابات في العراق، ويحكي فيه كذلك عن الافكار التي تم انشاؤها لإدارة بوش سياسة الحرب واحتلال بغداد .

 

مجلة " نيويوركر " الامريكية الشهيرة قامت بإيفاده في مهمة على حسابها الى العراق، حيث قام بجولات عدة فكتب عن قرب كيف ان الجنود الاميركان عانوا مع المدنيين العراقيين ويلات هذه الحرب، وكذلك عودة المنفيين الذين تشردوا عن بلادهم سنينا طويلة، كما وصف تأثير هذه الحرب على الحياة الامريكية نفسها بما فيها محنة الجنود الاميركان وكيف هي معاناة اسرهم في غيابهم، وأوجه القصور في السياسة الامريكية الفقيرة جدا في معلوماتها عن هذا البلد الذي احتلته وكما كشفتها هذه الحرب، وبات عليها مناقشة هذه المسائل الاخلاقية المعقدة جدا، حيث تتبع المؤلف تطور وجهات النظر الخاصة ليصل الى مجموعة من القناعات والافكار والعواطف الهبها هذا الغزو واصبحت الاكثر جدلا في سياسة امريكا الخارجية منذ حرب فيتنام .

 

ومن النادر أن تجد مراسلا كجورج بيكر الذي تناول هذه المشاهد دون ان ينسى شيئا منها، فكتابه يرتكز على ثلاثة أعمدة رئيسية هي : تحليل الاصول الفكرية للحرب على العراق، وموجز للحجج السياسية التي سبقت قيامها ثم افضت اليها، ووصف مباشر لنتائجها على أرض الواقع .

 

يقول جون بيرنز الكاتب الصحفي المعروف الذي يعمل في صحيفة نيويورك تايمز معلقا ومعجبا بهذا الكتاب: ( .... مرة اخرى اقول ان هذه الافكار التي وضعها بيكر فتحت الباب مجددا امام دراسة هذه الحرب التي جاءت من أجل تغيير النظام في العراق، وقدم سردا نال الاعجاب مع انه ليس من المحافظين الجدد، فهناك ثغرة واحدة استثنائية في حكايته حيث تمكن من تلخيص المناقشة الطويلة بين " الواقعيين " و" المحافظون الجدد " من دون ان يذكر هنري كيسنجر ودوره في وضع الخطط العامة للسياسات الامريكية وتنظيراته المعروفة بهذا الخصوص، غير انه جعل لأدلته ذات قيمة عالية في حد ذاتها، واستفاد من افكار المنشق العراقي كنعان مكية، وأود ان اعترف ان ظهور هذا الكتاب في هذه المرحلة ولّد احباطا لدى الكثير من الامريكان)، ومع ذلك احاط بيكر بحيوية وبصيرة نافذة الى تلك الامور معطيا لحساباته من المصداقية ما جعله يأخذ على وجه الخصوص بالطريقة التي حولت نائب الرئيس ديك تشيني من " الواقعية " الى " المحافظين الجدد " كنوع من الإنتقالات الستراتيجية للتهيؤ الى مهام اكبر تمليها المرحلة .

 

بعدها ينتقل الى المشهد العراقي نفسه فيكتب عن تعاطفه واعجابه بالشعب العراقي ومع ترحيبه بنهاية صدام حسين إلا ان له ارائه الخاصة في وجود شكوك جدية حول الحكمة من الحرب "، وكان باستمرار يقول ان المناخ السوريالي الذي احاط به بريمر نفسه في فترة قصيرة من حكم العراق ولّد إعتمادا قبليا وعرقيا ادى الى تناحر طائفي انعكس سلبا على مناطق واسعة من البلاد ككركوك مثلا التي زارها بيكر ووجد فيها تلك التعقيدات .

 

في لقاء معه اجراه الكاتب الصحفي محمد الشافعي ونشرته صحيفة الشرق الاوسط التي تصدر بلندن العاصمة، اجاب عن اسئلة محرجة تتعلق بمهمته في العراق، لكنها كانت اجابات صريحة منها :

 

- كنت في السابق من المؤيدين لغزو العراق، فما الذي جعلك تنظر في رأيك بخصوص الحرب من جديد ؟

* انظر إلى ما آلت اليه الأمور.

- في المجمل، كم عدد المرات التي ذهبت فيها الى العراق ؟

 

* ذهبت الى العراق ست مرات، ولكن بعد المرة الاولى رأيت أن الامريكيين لا يعرفون ما يقومون به، كان القادة متغطرسين ويفتقرون الى المعرفة، وكانوا يرتكبون الكثير من الاخطاء، وكان اي انسان عاقل سيقول انه لو كان افضل ما لديهم ما كان عليهم أن يقوموا بهذا وأوليت اهتماما كبيرا بموقف العراقيين، ورأيت أنه كان يتغير سريعا بدءا من لحظة بدء الغزو وخلال الفترة المتبقية من عام 2003، ولذا فإنه بنهاية عام 2003 يمكن أن تقول إن اغلبية الشعب العراقي كانوا ضد الأمريكيين، ومع ذلك لا أعتقد أن ذلك صحيحا في البداية لأني أعتقد أنه كان هناك شعور بالإثارة بسبب رحيل صدام ونسي المواطنون ذلك، ولكن، كان ذلك شيئا مؤثرا بالنسبة للعراقيين، ولاحظ المراسلون الأجانب ذلك ولم يتمكنوا من تجنبه، وشابت التصرفات الأمريكية الكثير من الاخطاء خلال العام الأول والعام الثاني والعام الثالث، ولذا خسروا العراقيين وخسروا الحرب، لم أقل إن العالم سيكون أفضل مع صدام حسين، ولم أقل إن الأمركان مرتبطا كثيرا بالاكاذيب المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل، وقدرت أنه كانت هناك أسباب مشروعة بكونهم أفضل من دون هذا النظام، يقول الشاعر العربي نزار قباني في شعر له " غوصي في البحر أو ابتعدي " وقد اقتبست هذا السطر في كتابي (بوابة السفاحين) وكان هذا شعوري المرتبط بالحرب .

 

الشافعي من جانبه سأله سؤالا محرجا :

- كيف ترى أمريكا بعد مرور عشرة أعوام من الآن؟

 

* يا إلهي، هذا صعب، وأعتقد أنه سيعتمد كثيرا على العامين المقبلين، ويمكن أن نذهب في أحد اتجاهين: إما أن نستطيع حل المشاكل بطريقة عقلانية وجميعنا يعرف طبيعة المشاكل، أو يمكن أن نستمر في هذا السيرك السياسي وجمهور يعاني من اضطراب نقص الانتباه ويحتاج كل يوم الى قصة جديدة، أميركا في سقوط، فنحن في سقوط على المدى الطويل، ونشبه الإمبراطورية العثمانية، وكيف يمكن ان توقف ذلك ؟ .. يتجاوز الامر مجرد رئيس، فنحن في حاجة الى تغيير ثقافة، وحاول أوباما ولكن ذلك لم يثمر .(2)

 

جورج بيكر يطوف العالم المتصدع بحروب بلده وهو يملك من الحرية الفكرية والشخصية ما يؤهله للاجابة على اسئلة محيرة خاصة اذا كانت هذه التساؤلات مبعثها هلاك البشرية، اضافة الى كتابه " على بوابة السفاحين "، ألف بيكر ايضا كتاب " قرية الانتظار " عام 1988 و " دماء اللبيراليين " عام 2000، و كتب ايضا روايتين " نصف رجل " عام 1991 و " الميدان المركزي " عام 1998 وكتابه الأخير " أوقات مثيرة : كتابات من عقد كثرت فيه الاضطرابات " .

 

أحمد فاضل

 

...................

الهوامش /

(1) محمد الشافعي / صحيفة الشرق الاوسط اللندنية

(2) نفس المصدر السابق

مجلة / نيويوركر الامريكية

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1336 السبت 06/03/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم