صحيفة المثقف

(هولوكوست) معيارية .. (لعنة) الهاشمي و(قدسية) الطالباني

لائحة حصدت عدداً كبيراً من المقاعد، لكن ما ان اتى على ذكر (الكرد) حتى قامت القيامة وكأنه أنكر المحرقة النازية أو دعى للإبادة .

ان الاشارة الى اية مسميات قومية أو طائفية او اثنية وربطها في المناصب العامة، هي مسألة ليست دستورية، تلك موضوعة لاخلاف عليها، لكن عندما يحرص مكون على تقديم نفسه بصفته القومية، شعارات وسياسة ومفردة وسلوك، وهو يكرس تلك التسمية بمجموعة من القرارات المطبقة على الارض، فانك لاتركب جريمة اذا جاريته في ذلك ولن تكون ملاما .

جميع الائتلافات السياسية الكبيرة في العراق، قدمت نفسها بصفتها الوطنية، وهي بمجموعها تمثل الاكثرية الساحقة من العراقيين (الائتلاف الوطني العراقي – ائتلاف دولة القانون – ائتلاف العراقية – جبهة التوافق العراقية -- الخ) الوحيد الذي خرج بتسمية قومية حصرية هما الحزبان الكرديان (التحالف الكردستاني) هكذا حرفياً، وكانت شعاراتهما الانتخابية تدعو (الكرد) الى المشاركة الواسعة من اجل الحفاظ على الحقوق الكردية وخاصة الحصول على (المناطق المقتطعة من كردستان) بما فيها كركوك (قدس الكرد) هكذا بالحرف ايضاً .

ذلك ليس رأياً، بل هو وصف حرفي لحالة واقعة، اذ لم تمر مناسبة الا ويؤكد فيها الحزبان الكرد يان خصوصية الكرد المميزة وامتيازاتهم الحصرية، انهم يحكمون جزءا من العراق بشكل مطلق، ليس عندهم رئيس بلدية عربي واحد ناهيك بوزير في الحكومة الاقليمية، أما الحديث عن رئيس غير كردي للاقليم أو رئيس وزراء مثلاً، فذلك يقع خارج التصور حتى في قرون قادمة، وبالامس القريب، كان مجرد دخول اي عراقي الى اقليم كردستان، يتطلب اجراءات معقدة وتاشيرات دخول تشترط كفيلاً كرديا من سكان الاقليم .

اذاً نحن أمام حالة يصرّ اصحابها على تسمياتهم، وبالتالي فمن الطبيعي الاشارة الى وقائع كهذه، أما انكار ذلك أو استنكاره، فيقع في باب الانتهازية السياسية، لكن تلك الانتهازية تستمر في نغمتها، فإذا المطالبة بأن يكون الرئيس القادم عربياً، تصبح (شوفينية عنصرية) يستحق صاحبها الرجم .

يبدو ان من استنكروا رأي الهاشمي، لايدركون خطورة ما يفعلون، فإن تضبط ايقاعات السياسية العراقية بأكملها على مستوى مايفرضه مكون بعينه مازال يعيش وضعاً اشكالياً في علاقته بالعراق ككل، سيؤدي ذلك الى خلل معياري وعرقلة سياسية، كيف يمكن فهم ان يكون للعراق رئيسان من مكون واحد، أحدهما يحكم جزء حيوياً من العراق له اجهزته وحكومته وبرلمانه الخاص ويتمتع باستقلال كامل وصلاحيات مطلقة، فيما يرأس الثاني بقية العراق بما يمثله رمز الرئيس من أهمية ؟

لايعني هذا ان يكون هناك اعتراض على رئيس لأنه ينتمي الى مكون بعينه، لكن من حق الاخرين ان يطالبوا بالايتمترس ذلك المكون خلف تسمياته القومية على هذه الصورة التي تجعل منها امتيازا يمنع مساءلته، لقد ترشح اوباما ذو الاصول الافريقية الى حكم امريكا ونجح بانتخابات حرةّ، وقبله فعل كارلوس منعم العربي السوري حينما فاز برئاسة الارجنتين، وبعده الرئيس الاوكوادوري من اصل لبناني، وغيره من امثلة كثيرة، لكن اي من هؤلاء الرؤساء لم يقدم نفسه باعتباره يمثل قومية بعينها، بل مواطناُ يمثل بلده ورشّح من قبل حزب بصفته الوطنية العامة .

لقد وصل الأمر بالكرد – ونحن هنا نحار في اطلاق هذه التسمية خوفاً ان نتهم بالشوفينية والعنصرية، كذلك نحارفي عدم اطلاقها كي لايصار الى اتهامنا بعدم الاعتراف بالكرد وبالتالي فسنكون ايضاً شوفينيين عنصرين –

نقول: عندما يصل الأمر ببعض الاطباء الكرد في كركوك الى رفض التكلم بالعربية مع مريض عربي، رغم ان اكثرهم تخرج من جامعات بغداد أو الموصل ويجيد العربية بامتياز، فلايمكن ان يوصف تصرف كهذا بغيرالعنصرية السافرة، كذلك التلويح بتشكيل الحكومة حتى لو اقتضى الامر عزل اللائحة الأكبر كما تشير الدلائل، وهو أمر يدعو للاستغراب .

خلاصة القول، ان الموضوع لم يعد بحاجة الى كل هذا الصراخ وتشويه الحقائق، فلايمكن لأحد أن يطرح ابعاد مرشح عراقي لأيما منصب بالدولة لأنه من مكون معين، ذلك كلام لم يعد وارداً ولا جائزاً، لكن ولكي تستقيم المعادلة على موضوعيتها، على الطرف الذي يضع متاريس حمراء خلف تسمياته القومية، ان يقدم نفسه بشكل آخر اقل حدّ ة وأقل (عنصرية) كي يصار الى ان تأخذ السياسة مجراها .

أما بغير ذلك، فتظهر الأمور كما لو ان (رئيس دولة مجاورة) يحكم العراق فعلياً ويصبح من حقه تسمية رئيس آخر للعراق، فيصبح مجرد الاعتراض أو تقديم اقتراح بديل، تهمة (هولوكوستية) وهي الوصمة

التي تلصق بكل من حاول انتقاد تصرفات اسرائيل أو الاشارة الى ممارساتها باعتباره (معاد للسامية)، فهل وصلنا الى مرحلة يصبح فيها كل من يشير الى مسلكية سياسية لقيادة كردية بأنه (معاد للكردية) ؟ .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1345 الاثنين 15/03/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم