صحيفة المثقف

حافلة الديمقراطية .. والسائق السكران

أو الثورة البنفسجية كما تم توصيفها آنذاك، وكنت واحدا من عدّة مشاركين، أنا من العاصمة الأردنية، عمان وآخر من بغداد وثالث من تركيا ورابع من إيران ..وكان السؤال الموجه اليّ من ضمن إسئلة متعددة هو كيف تنظر الى مقاطعة شرائح إجتماعية وحركات سياسية من المجتمع العراقي لهذه الانتخابات، فأجبت وبالحرف الواحد " أن لاسبيل للعراقيين غير التوجه الى صناديق الاقتراع والمساهمة المسؤولة في تأمين مستقبل العراق، برغم كلّ العثرات والاخطاء التي سترافق هذه التجربة وغيرها، وأضفت: إن معارضة هذه الممارسة واللجوء الى الحل العسكري سيكلف العراق الكثير، وأن الأطراف السياسية التي راهنت على المقاومة المسلحة ستلجأ أخيرا ولو بعد حين الى صندوق الإقتراع "

وكم كنت فرحا لأن النخب السياسية العراقية والأحزاب وفئات المجتمع العراقي التي قاطعت الإنتخابات السابقة قد شاركت الآن وبقوة .

كنت أعلّل النفس بضرورة حصول نضح تدريجي لإكتساب المناعة ضد أمراض الديمقراطية في مسار سياسي وليد وجديد، ولو كنّا منصفين لوجدنا أختلافا معقولا بالمعني الإيجابي بين تجربتي 2005 و2010 الإنتخابيتين، لكن كلما نضج شرط في المعادلة الديمقراطية العراقية أصبح لابد من الإلتفاف عليه من قبل لاعبين محليين وأقليميين ودوليين.

فأنتخابات 2005 رافقها طفح وهستريا الأحزاب الدينية وسيطرتها على أنفاس الشارع العراقي وتقاسمها الميليشيات المسلحة، التي كانت ذراعها الضارب لتحقيق أقصى مكاسب آنية ومستقبلية ممكنة .

ولكن معالجة الحكومة العراقية " وهي صحوة متأخرة دائما " قد ساهمت في كسر شوكة الميليشيات الدينية والطائفية الى حد كبير .

..........................

 

 التجربة الديمقراطية العراقية في نتائج الإنتخابات الحالية قد عانت من أمراض أهمها : الإلتفاف على الإستحقاق الدستوري والذي جاء بطرح أو إجتهاد من قبل المحكمة الإتحادية ولا ندري كيف صار ملزما للتنفيذ بعد أن كان إجتهادا من أحد القضاة على حد تعبير السيد أياد علاوي رئيس القائمة العراقية، وبدلا من الإعتراف بقيم الديمقراطية وقبول صوت العراقيين، إستخدم إئتلاف دولة القانون حقه القانوني في الإعتراض على نتائج الانتخابات في بغداد،وهو حق مكفول قانونيا بعد أن قدّم إئتلاف المالكي أدلة الى المفوضية المشرفة على الإنتخابات، تفيد حصول خروقات مهمة، مع ضغوط مصحوبة بإلحاح شديد، ادت الى قبول الإعتراض وإعادة الفرز والعد اليدوي في محافظة بغداد للتوقف على الخلل وتصحيح المسار ، وهذا أمر حسن لو بقيت الكتلة الفائزة قانونيا ودستوريا هي التي يصار لها تشكيل الحكومة المقبلة دون اللجوء الى حيلة التحالفات بين الكتل وتشكيل كتلة تحوز بالاغلبية في أول اجتماع لمجلس النواب القادم . وكان للإعتراضات أن تكون قانونية وحالة صحية في مسار العملية العراقية لو قُبلت كلّ الإعتراضات الصحيحة والموثقة بالأدلة من قبل الكتل، التي تعتقد بتعرضها الى الحيف، لدى المفوضية المشرفة على الإنتخابات ؟

>>>>>>>>>>>>>>>>>>> 

 

المفرح أن الإنتخابات العراقية قد أفرزت تطورا نسبيا على مستوى النوع، للصوت العراقي في الانتصار الى حاضره المرتبط بالخدمات الأساسية للعيش الكريم ومستقبله الواقعي أيضا، ثم أن النتائج قد أفرزت تهديم مفهوم السيادة للكتل الإسلامية أو القومية أو الطائفية معا . والمفرح ان لا كتلة سوف تحدد مسار التاريخ العراقي، أو ما يسمى " بصانعي الملوك" . كما أن الكتل الصغيرة لم تعد مجرد أسماك في جوف الحيتان، بل أصبح من الممكن لو أحسنت إدارة تحالفاتها ربما ستكون هي الرقم الصعب في المعادلة السياسية الجديدة .

 لكن المحزن أن الإنتخابات أفرزت هزيمة مثيرة للجدل لحزب تاريخي مثل الحزب الشيوعي العراقي .. وهو درس كبير لهذا الحزب الذي يمرّ بشيخوخة سياسية لا تتناسب مع تاريخه وحب العراقيين له.. مع تقديرنا لواقع الحال السياسي العراقي وقدرة الكتل والأحزاب الأخرى في السيطرة على الأصوات بالقوة والمال وهذا ما لا يمتلكه الحزب الشيوعي واقعيا .

..................................

 

كان من المفترض أن تكون الإنتخابات العراقية، وهي حصيلة دورتين، موضع ثقة وتبديد ريبة المشكّكين إقليميا ودوليا .. ولكن الذي حصل أن الجميع رموا بأوراقهم على طاولة اللعب دون الالتفات الى رغبة ولهفة المواطن العراقي بوصفها رغبة وطنية لتكامل الأداء السياسي لمصلحة العراق والعراقيين .، وضمان مصالح الآخرين معا " دول جوار وقوى كبرى" لكن المحزن أن ساستنا لم يبلغوا سن الرشد بعد، فتنابزوا بالألقاب وشحذوا سكاكين ألسنتهم، وذهبوا الى السيد " ميكافيلي " بعد أن تدرعوا بنتائج رحلات الحج المكوكية الى المرجعيات الدينية ودول الجوار .

...........................................

 

 المفرح هذا الحراك السياسي الكثيف والحدّي بين كل الكتل السياسية لتشكيل تحالفات ستكون هي الراجحة في تشكيل الحكومة والهيئات الرئاسية الباقية " رئاسة الجمهورية والبرلمان " .. والمفرح أيضا أن هناك تقاربا يلوح في الأفق السياسي العراقي بين دولة القانون والعراقية، لان هاتين الكتلتين ،كما ارى بواقعية، تمثلان التنوع الوطني العراقي، كما أن تحالفهما سوف يضمن عدم إنفراد الكتل المسماة ب" صانعة الملوك" في تحديد المسار السياسي والعملية الديمقراطية للمستقبل العراقي  وهذا ما نلمسه في تصريح  المثقف السياسي الكردي محمود عثمان الذي قال " إن تحالف ائتلاف دولة القانون والقائمة العراقية ليس في مصلحة القائمة الكردية".واوضح في تصريح للوكالة الوطنية العراقية للانباء"أن التقارب بين إئتلافي دولة القانون برئاسة نوري المالكي و/العراقية/ برئاسة إياد علاوي، له تأثير سيئ على الكرد ويضعف المكون الكردي،لأن القائمتين حصلتا على أكثرية مقاعد مجلس النواب". التعجب هنا من أن الكورد قد حصلوا على أقليم مستقل وحقوق كفلها لهم في الدستور سواء في كركوك أو ثروات العراق عامة وأقليم كردستان خاصة .، كما أن الأكراد قوة كبيرة ولها تأثيرها ولا يمكن لإي طرف أن يهمشهم أو يتجاوز دورهم الكبير في صناعة المستقبل العراقي ونضالهم الطويل من أجل إسقاط الحكم الصدامي الديكتاتوري، ومهما كان حجمهم في البرلمان العراقي . والمحزن أيضا  أن تبقى كتلة الصدريين هي الأخرى تلوّح بشروطها لتصنع الكتلة الفائزة لتشكيل الحكومة، في الوقت الذي ندعوا ومعنا الكثير من العراقيين الى التعجيل بتشكيل الحكومة وإحترام الإستحقاق الدستوري بعد قبول كل الطعونات الحقيقية والمقدمة من كافة الكتل الصغيرة قبل الكبيرة .

......................

 

المحزن في مسار تحالفات الكتل السياسية أن ائتلاف دولة القانون يصرّ على ترشيح السيد المالكي بكونه مرشحا واحدا أوحدا، وهذا ما لا يسر الحلفاء رغم أن المالكي يتوافر على صفات رجل الدولة ، ولكن الأهم أننا في مسار ديمقراطي لا قيمة للفرد الواحد فيه، بوجود دستور نطمح أن يكون الدليل للحياة العراقية ، مع التعديلات التي ستطرأ على بعض فقراته،. كما أن العراق مطالب ببناء دولته العصرية والتي ستكون الحكومات لاحقا، كما هي حالها في الديمقراطيات العالمية ، حكومات موظفين لخدمة المواطنين وفقا للدستور وليس زعامات دائمة.

.................................................

المفرح أن العراقيين أصبحوا يشاركون في صناعة القرار، ولكن الحزن العظيم الذي لازمني حين نشر الحلفاء شكوكهم من جدوى الساسة العراقيين وهم يتخبطون في تقرير مصير العراق وكما جاء في مقالة الكاتب الشهير توماس فريدمان بقوله " لا نسمح لأصدقائنا السكارى بقيادة سياراتهم وفي المقعد الخلفي طفل يسمى الديمقراطية" !!!!!!!!!!!!

هل حقا أن ساسة العراق هم " سواق سكارى في حافلة الديمقراطية ذات الطوابق المتعددة؟؟

هل حقا أن الشركاء الفاعلين وأعني أمريكا والغرب عموما ما زالوا يرتابون من السا سة العراقيين ويشكّون في قدرتهم على قيادة الحافلة العراقية وهي تسير الى مآلها الآمن؟؟

أسئلة كبيرة ومحرجة وجريئة نضعها بأمانة أمام العراقيين أولا ومن ثم الساسة " والسادة " والمسؤولين

 لكي يستثمروا الزمن العراقي المتاح بحكمة وطنية وسياسية معا.

هل حقا أن هناك ثابتا بنيويا في الشخصية العراقية  يسمح دائما بإنتاج الديكتاتوريات، حيث تصبح العملية الديمقراطية مجردة من محتواها العميق والذي دفع العراقيون دماء وثروات أجيال من أجل الحصول على حياة أفضل وكما يليق بأبناء وطن يمتلك ما يكفي للعيش الحر والسعيد .!!؟؟؟

 

وديع شامخ

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1388 الاربعاء 28/04/2010)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم