صحيفة المثقف

العالم يكرّم عمر الخيام .. متى نكرّم مترجمه النجفي؟

الشعراء في نظمها منهم الخيام الذي تذكرته اخيرا منظمة الأمم المتحدة للثقافة والفنون والآداب، لتحتفي به وتكرمه وتجعل من يوم الثلاثاء الثامن عشر من مايو / أيار من كل عام يوما عالميا لشاعر الحكمة، الفيلسوف، عالم الرياضيات، الموسيقي عمر الخيام .

ولادته كانت في مدينة نيسابور بضواحي خراسان في ايران ويجيئ تكريمه لجهوده في تحقيق الوفاق الانساني والتعايش السلمي والتسامح في عصر غلبت عليه الماديات والعنصرية والحروب والغزوات، ومن المفارقات ان نجد ان رباعياته لم تأخذ حظها من الشهرة داخل ايران نفسها، لكن أوربا تعرفت عليها حينما وصلتها على شكل مخطوطات باعها تجار عرب قدموا من بغداد في ذلك الوقت، فذاعت شهرتها هناك وتمكنوا من ترجمتها وطبعها فيما بعد حينما انتشرت ماكنات الطباعة في انكلترا وفرنسا والمانيا .

الخيام كان عالما باللغات اضافة لتبحره بالعلوم الأخرى فقد أجاد العربية ونظم فيها فلم يرق لمجالس الأدب التي كان يعقدها الشعراء والأدباء في قصور الخلافة العباسية، ما يقوله الخيام من شعر ويردده الناس فحكموا عليه بالزندقة جزافا وحسدا، وتقولوا عليه بأنه شاعر خمرة ورموا شعره بالفاحشة وغيرها من الاتهامات، إلا انه في النهاية وجدوه ميتا بينما كان يسجد لله في آخر لحظات عمره وتناست تلك المجالس مناجاته الشعرية وشكواه لرب الأكوان:

سئمت يارب من حيــــــاتي

وكل هذا الضيق بالحاجات

وانت تخلق كل الـــــــورى

من عدم ومن حياة الـــذات

أدعوك أن تخرجني بالردى

من عدم الى الوجود الآتــي

أخذت هذه الرباعيات طريقها الى نفوس الناس بعد استحسانها لما وجدوه فيها من حكمة بالغة، فقام اكثر من 60 أديبا وشاعرا بترجمتها بدءا من الشاعر الكبير " أحمد رامي " الذي صاغ ابياتها على طريقته الخاصة ومع جمالية نظمها وعذوبة موسيقاها، إلا انه لم يتمسك ترجمتها حرفيا لكن الشاعر العراقي المبدع " أحمد الصافي النجفي " عندما قرأ تلك الرباعيات بتعريب الأديب " وديع البستاني " أثرت في نفسه حينذاك كما يقول في مقدمته لرباعيات الخيام التي عربها فيما بعد: (نقلتني من عالمي المحسوس الى عالم خيالي بديع ملؤه اللذة والهناء فوددت لو بقيت فيه ولا انتقل الى هذا العالم المادي المفعم بالآلام والأتعاب) .

كانت اقامة الشاعر في ايران بعد هروبه من العراق نتيجة مناهضته الاحتلال الانكليزي لبلاده والتي استغرقت من عمره ثماني سنين كان همه الوحيد هناك - بحسب قوله - دراسة الأدب الفارسي والنفوذ الى معانيه الدقيقة ومراميه السامية ليصل منها الى الينبوع الصافي الذي سالت منه خيالات عمر الخيام الشاعر الذي شغف به من دون باقي شعراء الفرس .

يقول عن تلك السنوات: (ثم بلغت من درس الأدب الفارسي المنزلة التي كانت تتوق اليها نفسي وأخذت اكتب وأترجم وأنشر بأسم " سيد أحمد نجفي " في أمهات الصحف الفارسية، ثم كلفتني وزارة معارف ايران أن أترجم لها كتاب علم النفس الذي اشترك بتأليفه الفاضلان المصريان السيدان " علي الجارم ومصطفى أمين " ليدرّس في دار المعلمين هناك، فترجمته لها وبعدئذ انتخبت عضوا في النادي الأدبي الفارسي بطهران ) .(1)

وبعد ذلك الشوط الطويل الذي قطعه في تعلمه اللغة الفارسية وترجمته المتقنة لها أخذته رباعيات الخيام مأخذا جديا لنقلها الى العربية حيث قال: ( وحينذاك أخذت أطالع الرباعيات بالفارسية فوجدت تعريب الاستاذ البستاني - رغم ما اشتمل عليه من سمو وابداع - لم يكن يمثل مع الأسف من الرباعيات إلا قشورها البراقة وأصدافها اللامعة، وكان له العذر في ذلك إذ لم يكن عارفا بالفارسية، فترجم رباعياته عن الانكليزية، ومن أجل ذلك بقي الدّرواللباب في كنز مرصود لم تستطع أن تفك طلاسمه قرائح المترجمين، كل ذلك حرك رغبتي إلى محاولة فك تلك الطلاسم واكتشاف ما أختبأ في ذلك الكنز لعلي استطيع أن أتحف قراء العربية - لغتي المحبوبة - لا بتلك الخيالات الشعرية المعروفة التي تدفع الى التشاؤم وتدعو الى اللذات فحسب بل بتلك اللآلئ المكنونة التي تمثل آراء الخيام الفلسفية ونكاته الأدبية البديعة) .(2)

اعتمد النجفي في ترجمته للرباعيات في أصلها الفارسي على نسختين إحداهما النسخة التي جمعها الكاتب الاديب السيد " رشيد الياسمي " المطبوعة في طهران والثانية النسخة التي طبعها عن نسخة قديمة وقابلها عى نسخ كثيرة المستشرق الألماني الدكتور " فريدريخ روزن "، ونظرا الى الدقة التي توخاها في التعريب فقد فتح - كما يقول - المجال لكُتاب العربية وادبائها ليدققوا النظر في فلسفة الخيام ويقابلوا بينها وبين فلسفة " المعري "، يقول شاعرنا النجفي في ذلك: (فإني رأيت كثيرا من معاني الخيام مأخوذة عن المعري في " لزومياته " أو في " سقط الزند " وبعضها مأخوذة من شعراء آخرين وعلى سبيل المثال نذكر ما يلي:

قال المعري:

أرواحنا معنا وليس لنا بها

علم فكيف إذا حوتها الأقبر

أخذه الخيام، فقـــــال:

سر الحياة لو أنه يبدو لنا

لبدا لنا سر الممات المبهم

لم تعلمن وأنت حي سرها

فغدا إذا ما مت ماذا تعلم

وقال أبو الحسن الباخرزي (المترجم في وفيات الأعيان):

يا صاحب العودين لاتهملهما

حرك لنا عودا وحرق عودا

أخذه الخيام فقال ما تعريبه:

وهلم بالعودين واكتمل الهنا

وقع على عود وأحرق عودا

يعود النجفي ليقول في نهاية مقدمته للرباعيات:

ومن غريب ما رأيت من تصرف المعربين هو تنظيم الرباعيات وتقسيمها إلى أناشيد حيث جعلوا كل رباعية مرتبطة بالأخرى مع أن كل رباعية في الأصل مستقلة بمعناها لاعلاقة لها بالأخرى أصلا) .

وزع الشاعر النجفي رباعيات الخيام حسب حروف الهجاء، ففي حرف الألف نقرأ:

كُلُ ذرات هذه الارض كانت

أوجها كالشموس ذات هــباء

أجُلُ عن وجهك الغبار برفق

فهو خد لكاعب حســـــــــناء

*********

 

إن روحا من عالم الطهر جاءت

لك ضيفا ما التاث بالغـــــــبراء

إسقها أكؤُس الصبوح صباحــا

قبل توديعها أوان المســـــــــاء

*********

 

وفي حرف الباء نقرأ:

قد انطوى سفرُالشباب واغتذى

ربيع أفراحي شتاء مجـــــــدبا

لهفي لطير كان يُدعى بالصبا

منى أتى وأي وقــــــــت ذهبا

 

النجفي وقد اتحف العربية بهذه الرباعيات التي احتلت مكانا عاليا في قلوب قرائها، ألا يستحق منا أن نحتفي به كما احتفت الأمم المتحدة بعمر الخيام، انها دعوة لوزارة الثقافة والاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق وجميع النوادي الثقافية والاعلام المرئي والمقروء ان يحذوا حذو تلك المنظمة الدولية لتكريم مترجم الرباعيات الشاعر العراقي الكبير أحمد الصافي النجفي الذي اتحف المكتبة العربية بعدد لايستهان من الدواوين الشعرية والدراسات الأدبية وهذه التحفة النادرة لرباعيات الخيام .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1420 الاثنين 07/06/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم