صحيفة المثقف

58 عاماً على ثورة يوليو الناصرية / شاكر فريد حسن

وبحق، ثورة الأمة العربية على امتداد مسيرتها الثورية والوطنية .

 ورغم انقضاء السنوات الطوال على هذه الثورة الماجدة والعظيمة وغياب قائدها وواضع لبناتها، الا ان هناك هجوماً منظماً، عنيفاً وسافراً على القومية العربية والفكر القومي الناصري العروبي واساءات الى الرمز القومي جمال عبد الناصر، ومحاولة وأده واغتياله في قبره من قبل اقلام مسمومة حاقدة ومأجورة، وقوى اصولية و"اخوانية " متطرفة تخلط الأوراق وتشوه صورة وتراث ومواقف عبد الناصر الحاضر ابداً في الوجدان العربي.

وفي الحقيقة ان عبد الناصر ليس بحاجة الى دفاع ولا لشهادات مديح وقصائد رثاء من أحد، فهو بشخصيته وسيرته النضالية وتاريخه الناصع ومواقفه الجذرية الملتزمة وفكره التحرري النّير اعظم وأكبر من كل الأقزام . وقامته تطال قامة التاريخ، وتراثه القومي والوطني امسى سلاحاً بايدي المقاتلين والمكافحين والمناضلين المتطلعين نحو الشمس وفجر الحرية والعدالة، الذين يستلهمون منه أس الثورات لعصور قادمة.

لقد جاءت ثورة 23 يوليو بهدف بناء وتطوير حياة ديمقراطية عصرية وحضارية حقيقية وسليمة، واجراء التغيير النوعي الديمقراطي الاجتماعي والاقتصادي والاستقلالي الوطني، وتحقيق عدالة اجتماعية للشعب المسحوق، ورفع مستوى معيشة القطاعات الشعبية في الأرياف المصرية. وكذلك فتح الأبواب امام القوى الجماهيرية للانخراط في التعليم المجاني وفلاحة الأراضي وزراعتها . اضافة الى دعم حركات التحرر الوطني العربي ومواجهة قوى البغي والاستعمار والامبريالية وتصفية النفوذ الاجنبي في التنمية الاجتماعية.كما انه في عهد الثورة وزمن عبد الناصر ازدهرت المنابر الاعلامية والمجلات والدوريات الثقافية والفكرية التقدمية، مثل "المجلة" و"الطليعة "و"الفكر المعاصر" وغيرها.

لكن منذ انفجار هذه الثورة جرت مياه كثيرة في نهر النيل، وحدثت متغيرات وتحولات كثيرة قضت على معالم ومنجزات الثورة . فثمة غياب للديمقراطية والحرية الفكرية وانعدام للاستقرار والانتعاش الاقتصادي وتصفية القطاع العام . ناهيك عن اللجوء الى سياسة الانفتاح الاقتصادي، التي ادت الى تزايد التضخم المالي وتفشي البطالة والجوع والفقر والفاقه والتخلف العلمي، ونمو التطرف الديني الاصولي المتزمت، وتعمق الاستقطاب والصراع الطبقي الحاد بين الفقراء والاغنياء. يضاف الى ذلك التبعية والخضوع الكامل لنظام العولمة الذي تقوده وتتزعمه الولايات المتحدة الامريكية، والتخلي عن قضية الوحدة العربية، والسقوط في براثن المستنقع المعادي لتطلعات الشعوب وحريتها واستقلالها، والابتعاد عن مبادئ الثورة وتغيير سياسات عبد الناصر، بعد ان كانت مصر العروبة، مصر احمد عرابي، تلعب وتؤدي دوراً سياسياً وطليعياً هاماً في العالم العربي، وفي ترسيخ دعائم الوحدة والمصير العربي والدفاع عن قضايا الشعوب، ومواجهة قوى الشر والعدوان والطغيان وعدم الخضوع للشروط والاملاءات الامريكية.

ويمكن القول، ان مصر تشهد في العقود الاخيرة ردة كاملة في جميع المجالات وانحرافات عن مبادئ ثورة 23 يوليو التاريخية، ولم تعد بوابة الشرق كما كانت ابان الحقبة الناصرية، وانما اصبحت حليفة وشريكة في التآمر وتنفيذ وتطبيق السياسات الامريكية والامبريالية في الشرق الأوسط.

ان الشعب المصري والشعوب العربية قاطبة، من محيطها وحتى خليجها، بحاجة في هذه المرحلة الحالكة والمدلهمة الى فكر وتراث عبد الناصر القومي والوطني، لكي يستمدوا منه الصمود والشموخ والعنفوان والعزة القومية، والعمل بمقولته لأجل امتلاك المصير والظفر بالمستقبل المشرق المضيء، التي جاء فيها:"سوف نظل دائماً تحت علم الوحدة العربية، وسوف نظل دائماً تحت علم الاستقلال الوطني، وسوف نظل دائماً تحت اعلام الحرية البانية للتقدم والسلام القائم على العدل لشعوبنا، ولكل شعوب الارض".

وصدق المفكر التقدمي الراحل ـ محمود امين العالم ـ وأصاب كبد الحقيقة حين قال ذات مرة في صحيفة "الأهالي" المصرية :"نحن نعيش نكسة كاملة اقتصادية وسياسية وثقافية في استقلالنا الوطني ورؤيتنا العربية "و"يجب وضع رؤية متكاملة لتجاوز الواقع الذي نعيشه واستلهام ثورة يوليو وانجازاتها وتنفيذ هذه المبادئ بعد تطويرها حتى تتفتق واحتياجات مصر والأمة العربية".

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1459 الجمعة 16/07/2010)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم