صحيفة المثقف

المثقف في حوار مفتوح مع ا. د. عبد الرضا علي (1)

a1خاص بالمثقف: الحلقة الاولى من الحوار المفتوح مع ا. د. عبد الرضا علي، لمناسبة تكريمه من قبل مؤسسة المثقف العربي، وفيها يعرف الكاتب نفسه، من خلال الاجابة على سؤال المثقف، كما يجيب على بعض اسئلة الاديبة وفاء عبد الرزاق

بدءا نرحب بالاستاذ الدكتور عبد الرضاعلي، ونشكره على استجابته للحوار المفتوح، المباشر مع كتاب وقراء صحيفة المثقف (من السيدات والسادة الافاضل). وهنا نسأل:

س1: المثقف: كيف يقدم الأستاذ الدكتور عبد الرضا علي نفسه لقراء صحيفة المثقف؟

ج 1: ليس عبد الرضا عليّ، سوى رجلٍ عصاميّ متواضع، علّمَ نفسه بنفسه، وحين قارب على النضج أدركَ أنْ ليس في الكون أغلى من الإنسان...وتتلبّسه العاطفة إلى الحدِّ الذي ترسمُ ملامحها عليه على نحو ٍ واضح، فهو لا يستطيع أنْ يتمالك دموع عينيه حين يشاهدُ ما تبثّه الفضائيّات من القتل والدمار الذي يحدثه الإرهابيّون الدمويّون في العراق، كذلك ما تفعلُه الميليشيات من القتل وبثّ الرعب، والتهجير، وزرع الخوف والسرقة...كما لا يستطيع أنْ يتمالك نفسه حين يشاهد بعض الأفلام الوثائقيّة لاثنين من قادة العراق المغدورين، هما الشهيدان: الملك فيصل الثاني، وابن الشعب البار الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم، وقد لا تصدّقون إذا ما علمتم أنّ أيّة أغنية وجدانيّة جميلة، وأيّ مشهدٍ مسرحيّ، أو تمثيلي عاطفيّ يُحدث فيَّ الشيء نفسه.ولكم أن تستنتجوا الكثير ممّا يقع في هذه الدائر، سواء أكانت في انفعالاتها الوجدانيّة المفرحة، أم الحزينة.

وفاء عبد الرزاق: شاعرة عراقية / بريطانيا: (دعوة أم رجاء؟)

بيننا وبين الكلام مرايا وسفر.. سفر أرواحنا نحو المطلق بنقاء، تكبر أشرعتنا نحن الشعراء ونبحر عكس الريح، ندعو الطيور لتصلي معنا وترحل حيث صوت الله المجيب لدعاء زهر البرتقال في محراب القصيدة.

هكذا نحن سفر دائم بين صراخ وهدوء..

ننتظر ولادة المسيح بعد كل قصيدة أو نص، أو ننتظر مهدياً يعيد التساؤلات إلى سطورها ويحرك عقارب الساعة .

المهدي، هو مرآة الوعي الذي يعيد ترتيب الصور والأفكار الهاربة من عين قارئ عارف أو غير عارف، لا يخون طفولة القصيدة، بل يهديها الحياة الصارخة والهادئة في الوقت ذاته.

هكذا هو الناقد من وجهة نظري وليس أي ناقد، بل من يمسك السحر من يده ويقول للرماد: - ذق طعم المخاض الأول.

صوته لا يخون بل يضع العيون الساهرة أمام ثمارها لتقطف مما سقت ومما أينع غصن السهر.

أتراني بالغت في وصف الناقد الحقيقي، أو الناقد الجميل الذي يبحث عن الجمال أينما اتجه سفر القصيدة؟

لا نضمن صحة أبداننا لكنه يضمن صحة جسد النص ويزيح عنه مرضا غير فنيا يضر الصحو الساكن بين عينيه وعيني القارئ.

المبدع ثائر على الحياة والقيود والأطر ولن يكون أصيلا لفنه إلا إذا ثار حتى على نفسه والناقد يجيد التدمير مثله ويثور دافئا شهيا كأنه خرج تواً من صحن عسل؟

لعلني أرجو اكتشافا بين الجنون والعقل بعيدا عن الضجيج وليس اكتشافا مضموما بين دفتي ديوان أو كتاب إنما اكتشاف الحرية التي تصارع المستحيل لتكون هي ذاتها بمستحيل جديد.

أوجه دعوتي هذه لأخي وصديقي "أ د عبد الرضا علي" ليقبض على لحظة الحرية التي أرجو.

أحتاج الجمال حين أتحدث عن إنسان ومثقف وناقد مثل الأستاذ عبد الرضا علي.. لكنني أسمح لنفسي ولو بمحاورة لهذا العملاق ربما نكتشف شيئا جديدا لا نعرفه عنه، خاصة في الأسئلة التي تبحث عن المخفي في خصوصيته، وأرجو أن يكون صريحاً.

س2- وفاء عبد الرزاق:ما هو برأيك دور الحوارات الثقافية وما الدافع إليها؟ ألا ترى أن الحوار أصعب من كتابة نص أدبي؟

ج 2- أولاً: ما قدّمتِهِ من توطئة لهذا الحوار نصّ ٌ جميل لا يقلّ عن الشعر إثارةً وإدهاشاً، ولو قطعتِه من الحوار ورفعتِ منه اسم المُحاور، لكان قطعةً فنيّة ً نابعة ً من ذاتٍ يجري في أعماقها الشعرُ جرياً.

ثانياً : الدافع إلى الحوارات كما أزعم هو محاولة كشف المسكوت عنه، أو إيضاح بعض الغامض، أو رغبة في إزالة لبس ما، إذا افترضنا حسن النيّة في صانع الحوار، لأنّ ما يفضي به الأديب من أجوبة يقع في دائرة المصادر، فهي كنصوص الشعراء والمبدعين السرديين، لهذا يُخشى على المتلقي إذا كان دارساً أكاديميّاً من أن يقع أحياناً تحتَ ما يسمّى بالمبالغات، إن لم نقل الإدعاءات الكاذبة التي يدّعيها المبدع حين تأخذه النرجسيّة أحياناً إلى بركة نرسيس.

أمّا دورها فلعلّه يقع في دائرة سدّ النقص المعرفي إذا كان الحوار موضوعيّاً للوصول إلى الحقيقة، أمّا إذا كان خلواً من الموضوعيّة، وغايته الوصول إلى نتيجةٍ وضعت سلفاً، كمدح المحاور وإسباغ هالة من الصفات التي لا يمتلكها عليه، وجعله الأوحد في نبوغه، أو ذمّ المحاور بإيراد سلبيّاته، وما عليه، والتعتيم على إيجابيّاته، وحجب ما له، فإنّ هذا الدور من الحوارات يقع في دائرتي: التزلّف أو الضغينة، وكلاهما خارج دائرة الأمانة العلميّة.

س3- وفاء عبد الرزاق: أرى اهتماماتك النقدية تدور حول الشعر والأدب، أين المسرح واللوحة؟

ج 3- لستُ بعيداً عن المسرح، فبداياتي كانت مسرحيّة، فقد كتبتُ نصوصاً تمثيليّة عديدة لإذاعةِ بغداد، كما كتبتُ مسرحيّة (ردهة 8) وقدّمناها في التلفزيون سنة1964م، وأخرجها الفنان المرحوم وجيه عبد الغني.لكنّ التخصّص الدقيق في الجامعة ارتبط بنقد الشعر تحديداً، ممّا ضيّق عليّ الدائرة، لكنّني استجبتُ لطلب أخي الفنان المخرج المؤلّف المرحوم كريم جثير فكتبتُ دراسةً عن مسرحيّته (الحداد لا يليق بكاليجولا) لتكون تقديماً للمسرحيّة عند الطبع، لكنّه ارتحل إلى عليين أثناء إخراجه لمسرحية ( نيو نوتردام) في بغداد، ولا أعلم إن كانت قد بقيت ضمن أوراقه في (تورنتو) أو دفعت إلى إحدى دور النشر، ممّا اضطرّني أن أنشرها ضم كتابي (أوراق في تلقّي النص الإبداعي ونقده) الذي صدر عن المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر نهاية سنة 2006م، في بيروت، ولعلّي سأقوم بنشرها في المثقّف بعد الانتهاء من ملف التكريم، ليطّلع المتلقي الكريم على حجم الإنجازات التي قدّمها كريم جثير لفن المسرح.

أمّا الفنون التشكيليّة فأنا مقصّرٌ فيها أشدّ التقصير، مع أنّني كتبتُ كلمة الغلاف الأخير لكتاب الفنّان عليّ الودّي الموسوم بـ " أغاني أم كلثوم في لوحات ٍ فنيّة) ولعلّ سؤالكِ هذا سيحرّضني على الكتابة في هذا الجانب المهم.

س4- وفاء عبد الرزاق: هل تعيش حالة قلق على الإبداع العراقي؟ ما نوعه وهل تتعايش معه أم ترجو التغيير؟

ج 4- الإبداع العراقيّ في نموٍ مطّرد في معظم ألوانه، باستثناء الفن السينمي، فقد تراجع إلى درجة الصفر المئوي، أو إلى مرحلة السبات الذي ينتظر الإيقاظ، لكنَّ ما يقلقُ في الإبداع الكم الهائل لما يُنتج من غثٍّ فج من قصائد النثر التي راح يكتبها كلّ من هبَّ ودبَّ باسم الحداثة، متناسين أنّ بناء الكون قام على الموسيقى، وقد وصلت الجرأة ببعضهم إلى السخرية من التراث لكون شعريّته قامت على الشطرين، فضلاً عن اندفاع بعضهم إلى تغيير الحقائق والمسلّمات، بالقول بأسبقيّة النثر على الشعر، مع أنّ كلَّ الدارسين قد اتّفقوا على أنّ الشعر كان أسبق من النثر، لذلك سهل على الشفاهيّة العربيّة حفظه وروايته، وهؤلاء لا يدرون، لذلك تنطبق عليهم حكمة أدونيس القائلة " لو سكتَ من لا يدري استراح الناس "

س5- وفاء عبد الرزاق: أي نص يُدهشك؟ وهل العشق سيد الاختيار؟

ج 5- كلُّ نصٍّ جميل يُدهشني إذا كان غموضه شفّافاً، ونسيجه متماسكاً وإيقاعه مختاراً، وليس ما أعنيه بالإيقاع الوزن الخارجي فقط، لأنّ الإيقاع الداخلي يمتلكُ من السحر ما لا يمتلكه الخارجيّ إذا كان قرعاً ليس إلّا، ولعلّ العشق واحدٌ من الاختيارات، وليس سيّدها كما أزعُم.

س6- وفاء عبد الرزاق: ظاهرة معارض الكتاب والدعوة إليها، هل هي مجرد ظاهرة ثقافية للتقارب بين المبدعين.؟ ألا ترى أن أغلبها يفتقر إلى إستراتيجية تنظيمية مثمرة.

ج 6- لم تعد معارض الكتاب كما كانت سابقاً ينتظرها المبدعون والمثقفون والدارسون، والمعلمون وطلاب المعرفة، فقد فقدت بريقها بسبب الإنترنت، وقيام دور النشر بطباعة ما يخدمهم تجاريّاً، سواء أكان ذلك في الكتب الدينيّة، أم في الكتب السياسيّة التي تكشف أسرار السياسيين، وعلاقاتهم غير المعروفة، وما مرّروه من صفقات لم يكن المواطن قد عرف عنها شيئاً، ويندرجُ تحتَ هذا أيضاً مذكّرات القادة والرموز التي تمتّعت بسلطة القرارات الخطيرة، أمّا كتب الإبداع : كالمجاميع الشعريّة والروايات والقصص القصيرة والمسرحيّات وكتب النقد بمختلف أنواعها، فلا إقبال عليها، ولعلّها تشكلُ عبئاً على الناشر إن لم يتّفق سلفاً مع المنشئ على دعم الكتاب وتغطية نفقاته الطباعيّة، لذلك حين يلتقي المبدعون في معرض الكتاب ترافقهم الغصّة لما بذلوه من وقت وجهد ومال من غير أن يجنوا شيئاً يعوّضهم خساراتهم . لكنّها تبقى ظاهرةً ثقافيّة مهمّة تُنسينا رطانة العمل، وروتين الحياة الثقيل، وإن افتقرت إلى الإستراتيجيّة التنظيميّة المثمرة، لأنّها واحدة من رئات تنفّس الفضاء الثقافي المخنوق.

س7- وفاء عبد الرزاق: نحن بحاجة إلى صالونات أدبية مثل أيام طه حسين ومي زيادة وغيرهم..في لندن لا نشتغل بحرص وعناية لخلق صالونات تليق بقيمة الأدب العراقي في المهجر، فأين دور أستاذنا الجليل بهذا الخصوص؟

ج 7- أقيمُ في عاصمة ويلز(كاردف) وكثيراًما كنتُ أذيّل بعض تعليقاتي في (النور) و(المثقف) بجملة " كاردِف – طاردة الثقافة العربيّة بامتياز " فليس في هذه المدينة مبدعون حقيقيّون، وإن وجد فيها متخصّصون بارعون في العلوم الطبيّة المختلفة، لأنّ الجالية العربيّة التي تعيشُ فيها خلوٌ من المواهب الإبداعيّة، وحتّى الذين يكتبون الشعر فيها فهم نظّامون، وقد حاولتُ جاهداً أنْ أشكل بمساعدة إخوة آخرين تجمّعاً يُعنى بالفضاء الثقافي العراقي، ويسهم في نشر الثقافة بوصفها سلاح الوجود، إيماناً بأنّ الحقب وناسها يقوّمان بمدى ثقافتيهما، إلّا أنّني لم أستطع أن أحقّق ما كنتُ أرجوه، لأنّ نرجسيّة بعض المدّعين تدفعهم لاتخاذ قرارات فرديّة من أجل حبّ الظهور، ويكفي أن أشير إلى أنّني لم أستطع أن أجد من يساعد في دعوة شاعرة قاصّة إلى كاردف، وتحمّل حجز الفندق، والقاعة، وما له علاقة بالدعوة، باختلاق أعذارعدم وجود قاعات، وتعذر الحجز، وما إلى ذلك، مع أنّ في المدينة الكثير من المثقّفين، لكنّهم ليسوا مبدعين، فكيفَ أستطيع وحدي أن أحقّق إنجازاً، أو دوراً فاعلاً في هذا الجانب؟ ومع هذا فما زال في القوس منزع.

أمّا في لندن فالحال يختلف، لوجود منتديات عديدة، وجمعيّات ثقافيّة مختلفة، ورموز تصنع الفنّ والإبداع الجميل باستمرار، أمّا الصالونات الأدبيّة فترتبط بالمدن العربيّة، وكرم القائمين على إقامتها، ودورهم الفاعل في حركة الثقافة، فضلاً عن امتلاكهم للفضاء الذي تقام فيه تلك النشاطات، فهل رأيتِ عربيّاً (إن لم أقل عراقيّاً) يعيش في بريطانيا أقامَ مجلساً ثقافيّاً في بيته؟... ربما هناك من أقام مجالس في بيته، لكنّها كانت دينيّة على حدَّ زعمي.

س8- وفاء عبد الرزاق: في لندن أرى أيدلوجيات تأخذ سمة ثقافية مشتتة ومجتمعة نوعا ما.. ما المرض الذي يسري بجسد ثقافتنا في الخارج؟

ج 8- إيديولوجيات المنتديات اللندنيّة العراقيّة مختلفة إن لم نقل متباعدة، لذلك تجدين بينها أستاراً سميكةً يبقى حاجزها النفسي قائماً وإن رفعت مظهريّاً، وكما يقول أحمد بن الحسين:

وهل نافعي أنْ تُرفعَ الحُجبُ بيننا  ودونَ الذي أ ُمّلتُ منكَ حجابُ ؟

س9- وفاء عبد الرزاق: ما دور مكتبة الأسرة على الشاب عبد الرضا علي؟

ج 9- كانت مكتبة ً متواضعة ً، فيها بعض روايات جرجي زيدان التاريخيّة، ومؤلفات مصطفى لطفي المنفلوطي، وبضعة دواوين شعريّة، وكتب تاريخيّة، وأخرى دينيّة، وأدعية، وثلاثة مصاحف وأعداد من مجلة الأديب، والمصوّر، والسندباد وسمير، على ما أظنّ.

وقد قرأتُ أولاً العبرات، والفضيلة، أو بول وفرجيني وماجدولين والشاعر للمنفلوطي، ثمّ كانت روايات :المملوك الشارد، وأبو مسلم الخراساني، والحجاج بن يوسف، لجرجي زيدان، وهذه الكتب هي من مقتنيات أخي محمّد الذي يكبرني بعشر سنوات.

ويبدو أنّ قراءاتي لكتابات المنفلوطي المبكية كان لها دور كبير في جعلي عاطفيّاً إلى درجة الوجع الدائم.

س10- ب وفاء عبد الرزاق: صراحة، أنا أهابك لسببين... الثقافة والتواضع. كيف جمعت بينهما؟

ج 10- وأنا معجبٌ بكِ لذينِكَ السببين، فكيف جمعتِ بينهما؟

س11- وفاء عبد الرزاق: أتسمح أن أسالك عن قلب عبد الرضا علي،، ماذا حمل من حزن، فرح، عشق، فقد، غربة، حرمان؟

ج 11- كلّها، مضافاً إليها الخوف . فقد حزنتُ على مقتل الملك فيصل الثاني، وجريمة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم، وتصفية لومومبا، وأليندي، وجيفارا وغيرهم، فضلاً عن الحزن الممض على شهداء العراق الذين يسقطون بين الفينة والأخرى بفعل الإرهاب التكفيري، ومفخّخات المجرمين.

وفرحتُ حين أبت العناية الإلهيّة أن أموتَ قبل أن أرى سقوط الطاغية.

وعشقتُ مراراً، لكنّ تجاربي أصيبت بالخيبات، غير أنّني ما زلتُ (أ ُرنّي ) على حدِّ قول العجّاج في آخر شطر من البيتين الآتيين:

فإنْ يكنْ ناهي الصِبا من سنِّي  والحلمِ بعدَ السفهِ المستنّ ِ

وعلمِ وعد ِاللهِ غيرُ الظنّ ِ  فقد أ ُراني ولقد أ ُرنّي

والرُنوّ ُ = إدامة النظر مع شَغلِ القلب.

أما الفقدُ فهو كثير: أهلاً وأساتذةً وأصحاباً، ومحبّين، ولعلّنا نشتركُ فيه جميعاً، كما الغربةُ التي عانيتُها زمن جمهوريّة الخوف ومثّلتُها في قولي :

لئن خفتَ التغرّبَ عن بلادٍ  فإنّي بينَ أحبابي غريبُ

كما أنّني عانيتُ من حرمانٍ كبير في طفولتي وشبابي، لاسيّما مرحلة المراهقة.

س12- وفاء عبد الرزاق: أراك تكتب عن النص لذاته وليس لأسم صاحبه، لماذا كتبت عن الشيخ محمد بن راشد مشاركة مع د حاتم الصقر؟

ج 12 - هذا السؤال جديرٌ يا سيّدتي بالملاحظ الآتية:

أ- لا أمتنع عن إجابة الرموز الشريفة إذا ما دعتني للمشاركة في أيّة ندوةٍ أو مهرجان، وهذا الحال ينطبقُ كذلك على المؤسّسات الثقافيّة، والإعلاميّة والمؤتمرات العلميّة التي تقام في بعض الدول والجامعات، إذا كان لديّ وقتٌ، ورأيتُ أنّني أستطيع أن أقدّمَ شيئاً جوهريّاً في النقد، وهذا ما حصل خلال تجربتي الكتابيّة كلّها.

ب – حين كنتُ أعمل أستاذاً في جامعة صنعاء لتدريس الأدب الحديث وموسيقى الشعر والأدب الشعبي، تلقيتُ دعوةً كريمة من الأستاذ طارق محمّد الأشرم، و كان مديراً لمكتب وزير الدفاع (آنذاك) الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم، لإعداد دراسةٍ في شعر الشيخ محمّد من الزاوية التي أختارُها أنا، وأرّخت الدعوة في 27/3/1997م، وهذا نصّها: "

الدكتور الفاضل /عبد الرضا عليّ

تحيّة طيّبة وبعدُ،، ،

أهديكم تحيّات سمو ولي عهد دبي وزير الدفاع في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة سمو الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم، وأرفق لكم طيّه نسخة من ديوانه الشعري وديوان الأمسية الشعريّة التي قرأ فيها سموّه مجموعة من أحدث قصائده في المجمع الثقافي في أبو ظبي بمناسبة اليوبيل الفضّي لقيام دولة الاتحاد، وقصائد الأمسية تعتبر آخر ما نظمه سمو الشيخ من شعر، وإنّي بإرسال الديوان والأمسية أتمنّى منكم إعداد دراسة في شعر سمو الشيخ محمّد من الزاوية والموضوع الذي تختارونه خاصّة وأنّكم أهل لمثل هذه الدراسات لما عُرفَ عنكم من رصانة علميّة مرموقة ودراسات حظيت بمكانة متميّزة على مستوى الوطن العربي، آملاً أن تصلني الدراسة في أقرب وقتٍ ممكن.

وتفضّلوا بقبول فائق الاحترام

طارق محمّد الأشرم

دبي في 27/3/1997

ج – فاستجبتُ للدعوة، وجعلتُ قراءتي لشعر الشيخ محمّد قراءة الرؤيا والبوح وما يمكن التقاطه من مكنونات النفس والموقف من الوجود، وأرّختُ قراءتي في 1/5/1997م، وركّزتُ فيها على الظواهر الفنيّة التي مثّلتها المحاور الآتية:

1- الاقتباس

2- ردّ الأعجاز على الصدور

3- التناص

4- القصّة الشعريّة

5- الإيقاع

فضلاً عن المضامين الموضوعيّة التي عالجها الشاعر إبداعيّاً. إذاً لم تكن يا سيّدتي دراستي لاسم صاحب النص، بقدر ما كانت عن النصّ تحديداً وما فيه من إدهاش جميل. وهنا لابدّ من ذكر المفارقة الآتية: حين ظهر الكتاب مطبوعاً هاجمنا كاتب في جريدة الزمان اللندنيّة آنذاك، غامزاً من قناة شعر الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم، محرّضاً علينا أدباء جمهوريّة الخوف، صابّاً جام غضبه سياسيّاً باسم الثقافة التي عملوا ليل نهار على جعلها في خدمة الطغيان، وتقديس القائد الضرورة.

د – وسأبعثُ بنصّ الدعوةِ إليكِ على إيميلكِ الخاص، ليكون وثيقةً تزيل اللبس وتوضح الحقيقة.

هـ - وُجّهتْ الدعوة كذلك لأكثر من كاتب في وطننا العربيّ، فأثمرت عدداً من الكتب، ولعلّ تقارب عدد صفحات دراستي ودراسة الدكتور حاتم الصكر قد حدا بالقائمين على المشروع إلى ضمّهما معاً في كتابٍ واحد، ، وحسناً فعلوا لالتقائهما في محورٍ واحد .

س13- وفاء عبد الرزاق: هل شعرت مرة بقصور مع مبدع يستحق الكتابة عنه ولم تأخذ بعين الاعتبار تجربته أو مسيرته الإبداعية؟

ج14- لا يمكن لناقد أن يفي حقّ جميع المبدعين عليه، فالتدريس الجامعي، والإشراف على رسائل طلابي في الدراسات العليا، والتزاماتي الشخصيّة قد أعاقتني كثيراً عن تحقيق مشروعي الثقافي في متابعة انجازات الكثير من الرموز الإبداعيّة، فضلاً عن الكسل والأسقام التي تلازمني، ومع هذا فأراني مقصّراً مع الكثيرين.

س14- وفاء عبد الرزاق: القصائد الخطابية في الأمسيات تأخذ مساحة من التصفيق بينما القصائد النثرية بحاجة إلى التأمل والمشاركة الوجدانية والفكرية والذائقة الخصبة. ما هو رأيك بعلاقة المبدع بالجماهير؟ وهل المبدع الجماهيري مبدع حقيقي؟

ج14- إثارة عاطفة المتلقين تدخل في حسابات بعض الشعراء، فيتحايل هذا النفر بإضافة عواطف خارجيّة إلى النص لم تكن فيه داخليّاً، وهذه الإثارة يتسيّدها المنشدون الجيّدون لشعرهم فيحرّكون عواطف المستمعين بالضرب على أوتار أوجاعهم، فلا يمتلكون غير الانقياد لصانعي النصوص بالتصفيق وطلب الإعادة، فينجرّ آخرون ممن لا يفقهون هدف الشعر وراء المصفّقين جرياً وراء العادة التي تقول يجب أن تكون مع الأكثريّة الساحقة حتى لو كانوا على خطأ، ويجري ذلك على حساب النصوص الجميلة التي تحتاج إلى تأمّل وكدّ ذهنٍ لما تحتمله من تأويل، ومعرفة المسكوت عنه.

س15- وفاء عبد الرزاق: الذي أكلت القوافي لسانه، هل هذا العنوان إشارة إليك؟

..... الآخرون مَن؟

ج15- الذي أكلت القوافي لسانه هو الجواهري، وقد اقتنصتُ هذا العنوان منه، حين ألقى كلمةً في الأمسية التي خصّصتها له جامعة الموصل سنة 1980م، قائلاً: "لقد أكلت القوافي لساني ولم تترك منه شيئاً لغير الشعر " أمّا الآخرون فهم بقيّة الشخصيّات التي تناولتُ مواقفهم في الشعر والنقد والكتابة، وقد صدر هذا الكتاب العام 2009م، وضمَّ أربعاً وعشرين شخصيّةً جاء في مقدّمته " إنّ هذه الشخصيّات محبّبة إلى نفس من اختارها، فبعضها أساتذةٌ له علّموه، فهم شيوخه بحق، وبعضها أصدقاء رحلته الثقافيّة التي لم تخل من قلق، وخوف، ومناف، وبعضها ممّن أعجب بهم، وبمواقفهم الإبداعيّة والحيويّة، فشكّلوا شيئاً من ضميره الثقافي" .

...............................

ملاحظة: يمكنكم توجيه الاسئلة للمحاور عن طريق اميل المثقف

[email protected]

............................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم الناقد ا. د. عبد الرضا علي من: 17 / 8 / 2010)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم