تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

صحيفة المثقف

مقدمة في تاريخ الفنون التشكيلية العربية / شوكت الربيعي

عبرالموقف الحضاري، في جوهر الانسان العربي .  ويسعى في مضامين الأبواب الرئيسة،  وهي أم هذا (الكتاب): الى قراءة فنوننا التشكيلية، قراءة عربية، ضمن عملية التفاعل والاغناء والاغتناء  الحضارية القائمة بيننا وبين الثقافات والأشكال التى تنتمي الى حضارة أخرى. كما يثبت أن تاريخ الوعي بالذات هو مرحلة (طفولة ) يجب أن تتجاوزها الفاعلية الابداعية باتجاه خلق الذات وصنع تاريخها نحو الاضافة الحضارية .

يجمع هذا الكتاب، لأول مرة في تاريخ الفن التشكيلي المعاصر في الوطن العربي، جهود الفاعلين المتميزين من الفنانين التشكيليين، روادا وشبابا، محترفين وهواة . أجرينا  اللقاء مباشرة مع الأحياء منهم، وتقصينا وبحثنا وتابعنا تجارب الرواد الذين غادروا الحياة تاركين بصماتهم على وجه الحركة  التشكيلية  المعاصرة، ومؤثرين في عمق التجربة الراهنة للفن التشكيلي في الوطن العربي.

حاولنا في تبويبة أن يكون شكلا موحدا، لأن طبيعة البحث تسعى الى وحدة المكونات الأساسية في الفن التشكيلي السائد في اتجاهاته وتوجهاته ومناهجه وأساليبه وصياغاته في الأقطارالعربية، و للبحث عن الهوية الوطنية في المحتوى، وعن الهوية الانسانية في اختيار الأشكال . للتفاعل مع طبيعة الحضارة الراهنة .. من هنا جاء البحث في التطلعات الأساسية التى رافقت حقائق الانسان العربي الحضارية منذ القرن الاول للهجرة في التاريخ العربي الاسلامي. اذ أن أكثرها ازدهارا، تلك الفترة الواقعة بين بواكير القرن الثاني للهجرة = أوائل العصر الأموى . ويبين أواخر القرن الثالث الهجرى = مطالع العصر العباسي، للوقوف على القيمة الابداعية في الفكر العربي الاسلامي، وفي جوهر الذات العربية .

 

إن مضمون كتاب (مقدمة في تاريخ الفنون التشكيلية العربية)، يعيدنا إلى زمن كان مزدهيا بطروحاته،  ومزدهرا بنتائج مبدعيه،  لم يعد موجودا الآن باشراقته الأولى ، الا بين أنفاس المبدعين(*). وقد تحقق عبر مجاهدة استغرقت عقودا مرهقة من البحث الميداني والتقصي الشخصي والتنقل والاسفار من بلد لآخر ومن مدينة لثانية.  بفضل إيماننا بالله العلي القدير، والمثابرة والصبر والعزم، على خدمة الحركة التشكيلية العربية وتاريخ أمتنا المجيدة، وقيمها الحضارية. حتى ظهرت هذه الفكرة إلى نور التطبيق. (*). 

كان هذا المشروع سيؤدي ليس فقط إلى التنوير بتاريخ الفن العربي وبالقيم الفنية العربية، وإنما أيضا بقيم ومفاهيم الفنون التشكيلية في العالم الإسلامي كله. فالإنتاج الفني المصحوب برؤية نقدية حديثة، أصبح قيمة رفيعة في التجارب العربية والاسلامية  وغدا ترجمة ثقافية على أرض الواقع ضمن مستجدات المعرفة في عصرنا الراهن لتحقيق هدف نبيل وعظيم. طالما توفرت الحرية الفكرية لاتقان الروح النقدية الإبداعية. وكانت هذه النشاطات المتوازية مع مسيرة الأدب والثقافة والعلوم، قد سبقت إنجاز توجهات فناني ونقدة الفن، إلى النهوض القيمي والجمالي والاجتماعي التي تعنى بمكتسبات الروح والفكر، وتستعين بهما لتنشيط العقل العربي، للتحديث في الرؤى المستقبلية. ولن يتحقق ذلك بدون العلوم الحديثة والمعرفة الجديدة. وكان السؤال السائد : هل الفن الذي لا يؤدي إلى تنظيم وتقوية القاعدة المادية، لا أهمية له في خدمة حاضر المبدع، ولايحمل  قيمة مغيرة لصالح المستقبل؟. ولكننا اليوم لسنا أمام (..ذات الأسئلة القديمة التي لاتكلّ عن شرح مناهج الإنسية وأخلاقياتها. فأسئلة اليوم المتجددة، كانت قد تركت العموميات والمبسَّطات جانباً. وكان كل هذ،ا يدل على أن في  البنية الأساسية للنتاج الفني، نشأ تصدع بطيء، قد يشير الى أن دور الأستيتيكا  لوحدها، قد يبدو واهنا متآكلا. فالمدارس  والتيارات الفنية والأسماء الكبيرة، لاتكون اليوم عامل تنظيم في الفنون والآداب، بل تقطيعا لأوصال بنيتهما . لقد حصل تغيّر غامض في التعامل مع الفن: بدل الموقف (الأستيتيكي) أو الشكلاني، حلَّ الآخر: الوجودي أو الأنثرو،بولوجي ..) (*)  و لابد من نشوء مركز رؤية للأدب والفن والثقافة عامة، يجتمع فيها قطبا الأخلاقيات والجماليات ويتماهيان  في بوتقة معرفية واحدة.. و يحمل هذا (الكتاب): (مقدمة في تاريخ الفنون التشكيلية العربية)، سعيا وجهدا ومشروعا وهدفا بهذا الاتجاه. (*).

أربعون عاما من المتابعة.  عشرة اعوام من البحث الميداني في جميع اقطار الوطن العربي .هذا الجهد المكثف، يظهر في اللحظة الحافلة المطلوبة وفي زمنها الحقيقي. على ما هو عليه من نقص في تكامليات المرحلة وتبلورها.

الكتاب  مدخل يؤرخ مسيرة الفن المعاصر في الوطن العربي من منطلق عربي. نحو آفاق الانسانية الأرحب .

إن الهدف من هذه التجربة الميدانية التوثيقية النقدية المعارفية معا، التي بدأنا في الخوض في غمارها، منذ عام 1960م ،هو تدوين وفحص المكتسبات التي حققها فنانو التجارب المتميزة فيها طيلة العقود السابقة، وخضعت لقيمة النقد الموضوعي والوضعي معا، بمنظار الوعي الحديث،  لتحديد ملامح الخصوصية التأريخية والروح النقدية للعقل العربي وحريته الفكرية. ويساعد في ذلك نوعية الفكر الذي يعتمده الكتاب: (الفكر المبتكر، والنقد الجديد، والرؤى المستقبلية)، وحقيقة، لا يكون مثل هذا المضمون عادة منتظراً، لحيوية الفكر الجديد الذي يطرحه وحداثته. انه تلخيص لأهم تجارب الفنانين في سائر أقطار الوطن العربي في المرحلة الحاضرة. كما هو أول نص نقدي، تسامى بلغته الرشيقة المدهشة التي جمعت بين البعد المعرفي والدلالي وبين فسيفساء  ثراء المضمون السلس و سطوع شكله المبهر. وهذا الكتاب انعكاس لروح وقيمة منجز التشكيليين المبدعين، الذين ظهروا في فترة شهدت حضورا متوهجا للشعر والموسيقا والقصة والرواية والمسرح والنقد، وامتازوا بحداثة الشكل وبجمال التصوير وبسلاسة وعمق الأسلوب، وبالرؤى المستقبلية. (*). 

-كانت نصوص كتاب: (مقدمة في تاريخ الفنون التشكيلية العربية)، قد كتبت على امتداد خمسة عقود، مع ما أدخل عليها من هوامش مستجدة، ومراجع مستولدة، وشروح مستفيضة، بحيث  ضغطت على حركة المعمارالفني للكتاب ومنهجه وشكله، لتبلور قيمته الثلقافية، وأغراضه وأهدافه  بحرية أوسع وانطلاقة أرحب. وحاولنا مجتهدين، بما يسمح به وسعنا، أن نصنف في الفن التشكيلي،  كتاباً مشتملاً على قوانينه الكلية والجزئية، اشتمالاً يجمع الاختصار إلى الشرح، و الايجاز إلى إيفاء الأكثر حقه من البيان . ورأينا أن نتكلم أولاً في الأمور العامة الكلية في فروع وأقسام الفن التشكيلي والثقافة المرتبطة بأدب النقد الفني التشكيلي بعامة، وأعني القسم النظري، والقسم العملي. ثم بعد ذلك نتكلم في كليات أحكام نقد وتقويم التجارب الفنية: الجماعية والمفردة. ثم في جزئياتها. ثم بعد ذلك في الأحوال والقيم الجمالية والتاريخية  الواقعة في أمصار العرب ، قطرا فقطرا. فنبتدئ أولاً بدراسة موجزة لجغرافية وتاريخية وطوبوجرافية البيئة والأوان والأنسان والطبيعة وظواهر الوجود القائمة المؤثرة والحضارة على درجاتها وتنوعها. وكذلك منافعها. ثم إذا فرغنا من تدوين وتفصيل  ذلك التتبع المرحلي لتطور الانسان المبدع، ابتدأنا في أكثر المواضع بالدلالة على كيفية حفظ قيمته الانسانية. . ثم دللنا بالقول والبينة، على كليات تحولها وتقدمها وأسبابها وطرق الاستدلالات عليها وطرق معالجاتها بالقول الكلي أيضاً.  فإذا فرغنا من هذه الأمور الكلية أقبلنا على أبواب وفصول  الكتاب  الجزئية، ودللنا أولاً في أكثرها على الحكم الكلي في علله واسبابه ودلائلة، ثم تخلصنا إلى الأحكام الجزئية، ثم أعطينا المنهج الكلي في المعالجة . ثم نزلنا إلى المعالجات الجزئية باستنتاجات بسيطة أو مركبة... و جمعنا هذا الكتاب على وفق منهج حيوي متقدم، وأجرينا تقسيمه إلى أبواب وفروع وأجزاء ومفاصل، وملاحق للأعلام وللمصطلحات والمداخلات والشروح وروافد البحث ومناهله ومراجعه ومصادره.  وأفردنا قسما خاصا  بأدلة بالفنانين الأجانب الذين تأثر يتجاربهم الفنانون العرب والمسلمون.. 

ولعل هذا الجهد،  سيندرج في المستقبل،  بين المكتبات العربية المباركة في فوائدها للناس في الفن التشكيلي، ، بحيث يشكل علامة ما في تاريخ  الفنون التشكيلية العربية المعاصرة، ومدخلا  لدراسه الفن التشكيلي في الوطن العربي.

 

كانت الأعمال الفنية التي رسمها المبدعون في الوطن العربي، والحروف التي كتبت بأبجدية عربية واسلامية، انسانية، قد أنجزت بهاجس مسمى ( الأمل) . هذا الكتاب الذي بين أيديكم: (مقدمة في تاريخ الفنون التشكيلية العربية)، قد تم تشييد معماره أيضا بروح شغوفة من ذلك الأمل المتخيل، عالم المسمى الأخضر الخصب الرقيق المحبب الذي اخترعناه لتبرير مخاوفنا من المجهول. والأمل هو الرمز الوحيد الذي لا يفقد  بريقه في النفوس، ولا يخسر  مكانته المرموقة أمام أحداث العالم القائمة. من هنا تجدنا متعلقين بأطراف غيمة الأمل المغادرة. إذ تلوح الكتابة عنه بلغة تفيض بالعاطفة النبيلة وبالشغف المدهش.

ألم  تر  كيف انعكس هذا الشعور على الأسلوب؟  ألم يولد البيان فيه،  تجسيدا خلاقا لأفكاره ومنطلقاته الاجتماعية، ليكون طريقنا لمعرفة ملامح اجتماعية وسياسية وثقافية. مما يبسط لنا قراءة مدوناته ولوحاته الفنية بوصفها وقائع وحقائق حدثت فعلا ، ومما يجعلنا نقرأ  الكتاب ونتامل لوحاته، هومعرفة : سيرة حياة المبدعين العرب الفنية والذاتية, نستمدها من نتاجاتهم الفنية والأدبية، ومن معاناتهم وانتمائهم لرؤى شرائح عريضة من نسيج المجتمع العراقي والعربي والاسلامي، ليكون نهجا لمعرفة ملامح اجتماعية وسياسية وثقافية عامة، تتجاوز جغرافية المحلي نحو العالم الانساني الأرحب. وبذلك يتحول الموقف وتقديره وفعله، من الخاص إلى العام. فكانت التجربة هنا، سعيا  لكشف حقائق، انشغلت المقدرة التخيلية خلاله، بإعادة بناء عالم مقترح ومفترض ومتخيل  وحميم عزيزعلى الذاكرة ، عالم الآمال العراض. فكانت تجارب الرواد الأفذاذ، تؤكد حضورها الرصين والثابت، ليخترق جدران انعزال أمة بأكملها عن العالم. واستطاع جيل محمود مختار ومحمود سعيد وراغب عياد وأحمد صيري في مصر وجيل جواد سليم وفائق حسن واسماعيل الشبخلي وخالد الجادر ومحمد الحسني واسماعيل فتاح  وسعد شاكر وغالب ناهي.  وسواهم كثيرفي العراق،  و الفنانون داود قرم وحبيب سرور وجبران خليل حبران وخليل صليبي ورئيف شدوري ومكاروف فاضل ويوسف الحويك وعمر الأنسي وقيصر الجميل ومصطفى فروخ وصليبا الدويهي وبصبوص وعارف الريس،  وسواهم كثيرفي لبنان. والطيب الحلو والمحبوبي أقرضان ومحمد بن علال وأحمد الإدريسي ومحمد السرغيني وحسن الكلاوي ومريم أمزيان وأحمد الشرقاوي . وسواهم كثيرفي المغرب.  و نجيب بن الخوجة  والزبير التركي والنحات الهادي السلمي والجرافيكي ابراهيم الضحاك ونجا المهدوي، وسواهم كثير في تونس.  وكان في الجزائر عبد القادر الجزائري ومحمد راسم ومحمد تمام ومصطفى بن دباغ ومحمد خدة ومحمد إسياخم، ، وعلي خـوجة، وبشير يلس، ومحمد غانم، وصمصـوم إسماعيل،  وقرماز عبدالقادر، وفارس بوخاتم، بن عدان والفنانة باية، وأزواو معمري، وسواهم.  وفي ليبيا كان المهدي الشريف  و محمد الارناؤوطي، وابو القاسم فروج وعلي مصطفى رمضان وغيرهم. (*).ثم توالت تجارب  جيل آخر بعد فتح المدارس الثانوية العربية وظهرت مواهب وانطلقت طاقات كامنة، فكان في طرابلس محمد البارود و عبد المنعم بن ناجي و الهاشمي دافيز وعلي القلالي. و(محمد الباروني). وفي اليمن ظهر هاشم علي وفنانون سافروا لدراسة الفن في الخارج ومنهم: (فؤاد الفتيح، علي غداف، عبدالجليل السروري، سعد مبارك، عبدالجبار نعمان) من الجيل الأول ثم تبعهم فنانون آخرون نذكر منهم (ناصر عبدالقوي، سعيد علوي، ياسين غالب، حكيم العاقل ، آمنة النصيري ، هاني الأغبري ، إلهام العرشي ، أحمد بازبيدي ، عبدالعزيز إبراهيم ، طلال النجار ، صبري الحيقي ، داود راجح ، عبدالحميد جحاف ، كمال مقرمي ، محمد وائل ، أحمد بامدهف ، إخلاص منصور ، علي الذرحاني ، عبدالله عبيد ، فؤاد مقبل..) وأمين ناشر وحكيم العاقل وعبد الفتاح عبد الولي. وعودة بعض الفنانين المغتربين للوطن (مظهر نزار ، ريما قاسم..). كما  وجد نمط من الفنانين الاوائل في الشام،  مجـالا متاحا لصقل مواهبهم، ورعايتها، عبر ما تتيحه  ظروف وفرص مواتية في قنوات الثقافة عامة، والبصرية خاصة، زمن  (الانتـداب)،  ضمن أولى محاولات الغزو الثقافي ، لتشكيل وزراعة مفردات ذاكرة بصرية، تدين بالولاء للنزعات (الفرانكوفونية).. وقـد كـانت مفاتن فكرة "الاستـشراق"، هي المجـال الحـيوي المثـير للدهشـة والاهتمام لدى شرائح شباب الفنانين التـشكيليين السوريين، عبر المنح التعليمية للدراسة  في " بوزار باريس". نذكر منهم: توفيق طارق1875 و1940، ميشيل كرشة، محمود جلال1911 - 1975، عبدالوهاب أبوالسعود 1897 - 1951، سعيد تحسين1904-1985، صبحي شعيب، خالد معاذ، أنور علي أرناؤوط، وفتحي محمد1917 - 1958. ومحمود حماد وفاتح المدرس..وسواهم كثر. - ويمكننا تكثيف الحديث عن نظم التربية في تلك المرحلة الزمنية للثقافة والفنون التشكيلية في منطقة الخليج العربي، ابتداء من  أوائل العقد الرابع من القرن العشرين المنصرم: في الكويت ومملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، وان نتحدث عن بداية ظهور مناهج التربية الفنية في المدارس. أي تدريس التربية النظرية والتطبيقية المبسطة للفنون التعليمية في الخليج العربي عامة. وبالإمكان التحدث عن ذلك أيضا في النصف الأول من الخمسينيات في دولة الامارات العربية المتحدة، وقطر وسلطنة عمان، بلغة التعميم، باعتبار ذلك منهجا في سياق النظم والمناهج التعليمية، سرعان ما تبلورت عنه قيمة تربوية لاحقة تخطت مرحلة الإقتصار على المناهج المقررة في  المدارس الإبتدائية والثانويات والجامعات، لتتحقق فكرة المراسم الحرة فيها، متأثرة  بما كان متبعا في مطلع القرن العشرين المنصرم في مصر ( 1908م) وتونس والجزائر والمغرب (منذ فترات عهود الإستعمار والإنتداب)  وفي أوائل القرن العشرين حتى عشرينياته، في العراق ولبنان وسوريا. وكان الجميع يسعى إلى ترسيخ مباديء وقيم تربوية جمالية استلهمها الرواد في معاهد واكاديميات أجنبية تشكلت نواتها آنذاك مع طاقات ومواهب محلية شابة كانت قد بدأت تنهض، واتجه روادها إلى تنمية قدراتهم الشخصية والمؤسساتية ومتابعة ما يجري حولهم من  تحولات في مدارس واتجاهات وأساليب الفنون الجديدة وتقنيات الفنون المعاصرة في فترة لاحقة دائبة على التغيير والتطور، بعد الحرب العالمية الثانية لاستنهاض همم وامكانات وقدرات كامنة ليس في طاقات الشباب الحيوية فحسب، بل وفي منطلقات  المكتشفين منهم للأعماق وللآفاق الانسانية، من رواد الخطوة الأولى . أولئك الذين جعلتنا تجاربهم نفهم كيف تختصر المسافة بين فعل الفنان البارع والتخييل والرؤية الواضحة الفاعلة في مسيرة ومسار الفنون التشكيلية العربية. وكيف يسطع تأثير قوة الأعمال الفنية شكلا ومضمونا وقيمة جمالية، في وعي ووجدان المشاهد والناقد (المتلقي والمتابع)، بحيث يتبلور مفهوم جديد عن حوار الرؤى، كلما تزداد أهمية السجا ل الموضوعي، حول عناوين تتجاوز وصف معالجة الفنان وصياغته وتقنيته العامة على مسطح اللوحة بذاتها،  وليس بمعزل عن معمارالعمل لفني المرتهن بفعل الفكر الكلي، وعلاقته الانسانية بهموم وضغوط العالم السياسية واشكاليات الحالات الاقتصادية والاجتماعية العربية، التي عانى منها الفنان العربي، لاكثر من قرن من الزمان. ( فيما يتعلق ببداية الفنون في مصر أيام احتلال الانجليز والمغرب العربي بأكمله في سني  الإحتلال الفرنسي والإسباني والإيطالي لمشرق الوطن العربي ومغربه. وكانت منذ تلك الاعوام الحرجة من تاريخ العرب وثقافته وفنونه، قد ظهرت، مقدرة المبدع التخييلة في الفنون بقيمة فنية سعت لثبات وحضور هويتها الوطنية الجوهرية  وتبلور ملامح الخصوصية العربية التراثية،والحداثية. على الرغم من محاولات اسدال الأستار ووضع الحجب أمام أعين الناس قصد إلغاء الوعي ووميض الشعور بالحرية والفرادة والهوية.  

أما في ما يتعلق بتجارب الفنانين الرواد في الخليج والجزيرة العربية، فسنتوسع في هذا الموضوع ضمن أبواب  الكتاب.   ويتبع ذلك/ قسم  عن فنون ( العمارة ) والخط والزخرفة العربية والإسلامية في الوطن العربي. وقسم آخر عن أدب النقد الفني التشكيلي . خلال قرن من عمرالحركة الفنية العربية المعاصرة. ومن هنا يبرز دور الناقد في تحديد صفات المكانة اللائقة بكل تجربة وموقعها من الحركات الفنية  العربية والعالمية.  والواقع ان زخم الانتاج التشكيلي المتزايد، يطرح أمام المشاهد تساؤلات تنتظر عملية (نقد) أو( تسديد ) أو كشف لا بد منها  ان تحدث في أي مجال إبداعي .. وهكذ أخذ المبدعون ينتجون دون أن يحسبوا لمحاولاتهم حسابا، أو يقابل تجاربهم رأي نقدي تقديري، وكان لذلك خطورته في كثير من الأحيان التي تقدم خلالها المعارض السنوية للشباب الهواة، وللمتمرسين على حد سواء, وفي مثل هذا المناخ النفسي والفكري للفن، كانت تتزعزع (على المدى البعيد ) ثقة الفنان بنفسه، وهو المستغرق في تجربته، بقدر ما يشتط صاحب الصنعة في صناعته، ذلك ان العمل الفني الحقيقي، هو عطاء انساني عام مفتوح، دونما تحديد لمكان أو زمان .. ودور الفنان فيه، هو دور(المنفذ) فحسب. ومن هنا فأن للناقد أو المؤرخ في الفن  وجماليته, دوره الآخر  في تشييد  هذا الصرح من جوانبه التكميلية المعمارية الأخرى في الشكل والموضوع والمضمون أيضا . (*)- ويتضمن النقد الفني التشكيلي الذي اشتمل عليه الكتاب،على: الوصف ، والتفسيـر ، والتقييم ، و التنظير  حول فلسفة الفن ودوره في المجتمع. وفي تعريف الفن، أن هناك تصنيفات عدة للفنون يصعب ان نحيط بها بها في هذا السياق، لكنها في صورته النهائية كما وصلت إلينا خلال القرن العشرين تقوم كما يقول ( تتار كيفتش ) (*)  على ثلاثة افتراضات اساسية :

1-  ان هناك منظومة محددة للفنون جمعاء . 2- أن هناك تفرقة واجبة بين الفنون والحرف والعلوم. 3 - ان الفنون تتميز بأنها تبحث عن الجمال وتحاول أن تصل إليه. وكذلك ان الفن يشتمل على كل الأنظمة أو المجالات الإبداعية مثل : الشعر والدراما والموسيقى والرقص والفنون البصرية وتشمل الفنون البصرية على كل النشاطات الإبداعية في  الفنون البصرية الرئيسة وهي : الرسم والنحت والعمارة. (*)ـ وأخيراً إذا قيل إن التمتع بالجمال في الفنون يمكن فهمه على أنه منفعة إنسانية اجتماعيةتجمع معها فيمتها الجمالية الممتعة الخالصة الجمال واللذة والمتعة, ، وإنها قد تجعل منها حافزا ضروريا يوسع من مفهوم ومعنى وأهمية ودور وفاعلية العمل الفني في الحياة التي تفيض بها الفنون الجميلة على الناس.من جمال لتمدهم بلذات ومتع ومنافع. يجمعها إلى المتعة الفنية الخالصة . هذا التذوق ذاته هو إدراك حسي متسام يعادل أي لذة تأتي من التمتع بالأشياء التي نستعملها.وليس قيها تعارض يتنافى مع القيمة الفنية الحقيقية. (.. إن أهم ميزات الأثر الفني ما يقدمه من صيغ جمالية جديدة. ،فهو يبدع شكلاً وينشئ موضوعاً مبتكراً.يجعلنا  نلتقط لحظاته ونتعمق فيها حدسياً يكوّن عند الفنان تصوراً مستقراً وجديداً يتمثل بتعبير يتحقق في أثر فني، وذلك هو «الإبداع الفني» الذي لايمكنه أن يبقى خارج حدود الموقف الانساني،. لايمكنه أن يبقى خارج حدود المجتمع وآماله . ليشارك مخيلة الناس  في الوقوف أمام مجمل تاريخي اجتماعي لسير وتشكيلات ومراحا تعاقب وتراكم الوقائع والأحداث والمتغيرلت  المتعاقبة في التاريخ الاجتماعي للحضارة البشرية. لكي يغدو الأثر الفني وسيلة تواصل وتوحيد بين الأمم، على نطاق واسع.

هكذا يمكننا أن نقرأ كتاب: (مقدمة في تاريخ الفنون التشكيلية العربية)، (*)   

  تحية تقدير وامتنان الى الزملاء الفنانين والأدباء المبدعين في الأمصار العربية، والأصدقاء الذين سهروا معنا ورافقونا طيلة سنوات البحث الميداني، من مغرب الوطن العربي الى مشرقه. وكانوا سعداء بهذا الجهد، بقدر ما كانوا حريصين على أن يكتب تاريخ الفن المعاصر من منطلق ورؤية عربية واسلامية، ومن حرصهم على المسؤولية التاريخية أيضا. وإلى التشكيليين، والأدباء، والمثقفين كافة، أهدي هذ الجهد الذي ما يزال بحاجة إلى وضوح رؤى الزمن القابل، ويفتقر إلى الكثير من عناصر الكمال. (ولكننا) نعتقد، بأن قيم المستقبل الجديدة، ستولد في حقول الإبداع التي نزرع في تربتها فسائل النخيل وبذور البرتقال الآن، ونسقي الورود والسنابل. وسندرك أهمية ذلك، كلما نكبر وتمتد بنا الأعوام، وتحتوينا سنوات اللهيب والقحط  والجفاف والمخاوف، أو تحتضننا مرابع الربيع والفرح، وتأخذ حدقات بصائرنا مرائي الفن والحياة في ممراتها السرية والمكشوفة، عند ارتيادنا ضفاف الرحلة الأخيرة في ساعاتها المتناقصة، التي تناءت عنها مسافات الأحلام الوردية، وتباعدت عن مواصلة القبض على جمرة الإبداع والحب، سنغدو كالثمرة الناضجة التي تسقط من غصن منبتها على ثرى الأبدية.. من هنا أهدي كتاب :( مقدمة في تاريخ الفنون التشكيلية العربية)  إلى بناة الثقافة والفنون، ورعاة المعرفة والمبدعين كافة، في الخليج العربي خاصة، وفي أقطارالوطن العربي عامة.

و(إذا ما تم شيىء بدا نقصه). شوكت الربيعي - مسقط - (2 – 2 - 1960 )– ( 10 – 10 - 2010   م)

 

 

فهرست الكتاب

- مقدمة

ومضات في رؤية الكتاب

ومضة أولى : الفكرة : مشروع المستقبل

- الكتاب الأول – القسم الأول :

أولا:  مضامين الدراسات السابقة. مضامين  الرؤية

ثانيا: 1- فكرة تدوين الفن التشكيلي المعاصر في الوطن العربي.

       2- أدب النقد الفني التشكيلي. المناهج والآليات.

ثالثا: القيمة الفنية وجماليتها. 

-     الكتاب الأول – القسم الثاني :

أولا:- معمار التجربة ومنهج التفكير الجمالي. 

1 – أسئلة الفترة التأسيسية.

2-أوراق التجربة المدهشة.

3- الفن وأمكنة الابداع.

4- منهج التفكير الجمالي.

5- لماذا السؤال عن تعريف الفن.

ثانيا:- قيمة النقد الجمالية والوظيفية.

ثالثا:- تفسير مجال تاريخ الفن وأدب النقد الفني التشكيلي. 

 

-     الكتاب الثاني – القسم االأول : 

-     مصر والسودان وأقطار المغرب العربي.

-     الكتاب الثاني - القسم الثاني:

-     أولا:- رواد الفن الحديث في القطر المصري.

-     دور المثقفين.

-     توجهات الرعيل الأول في مصر .

-     مسيرة التشكيليين الأوائل.

ثانيا:- مسيرة الرواد الصعبة.

-     بداية النهوض.

-     التحول الكبير.

ثالثا:- خلاصة مسيرة الأوائل.

رابعا:- التجارب المختارة بعد جيل الأوائل.

خامسا:- أدب النقد الفني التشكيلي في مصر.

1-   معيار الفن.

2-   تجارب متميزة في أدب النقد الفني.

 

: القطر السوداني

-     تجسير تاريخي وجغرافي وثقافي بين مصر والسودان.

-     جذور الحضارة العربية والاسلامية.

-     ملامح الثقافة الوطنية والعربية والاسلامية والأفريقية.

-     الاتجاهات التشكيلية المعاصرة في القطرالسوداني.

-     مساهمات في الأدب التشكيلي، وبداية الاتجاه في النقد الفني.

 

-     الكتاب الثاني - القسم الثالث: الفن التشكيلي في القطر الليبي.

-     الكتاب الثاني - القسم الرابع: الفن التشكيلي في القطر الجزائري.

-     الكتاب الثاني - القسم الخامس: الفن التشكيلي في القطر التونسي.

-     الكتاب الثاني - القسم السادس: الفن التشكيلي في القطر المغربي.

 

-     الكتاب الثالث - القسم الأول: الفن التشكيلي في القطر العراقي.

-     الكتاب الثالث - القسم الثاني: الفن التشكيلي في القطر العربي الفلسطيني. 

-     الكتاب الثالث - القسم الثالث: الفن التشكيلي في القطر السوري.

-     الكتاب الثالث - القسم الرابع: الفن التشكيلي في القطر اللبناني.

-     الكتاب الثالث - القسم الخامس: الفن التشكيلي في القطر الأردني.

-     الكتاب الرابع: الفنون التشكيلية في الخليج والجزيرة العربية .

-     الكتاب الخامس: العمارة والفنون والانسان والمكان والزمان: مفهوم العمران. 

-     الكتاب  السادس: - الخصوصية التاريخية والجمالية للخط العربي والزخرفة الاسلامية.  

-     الكتاب السابع: - التقويم والتقدير.

-     سبرة ومسيرة

-     بيوجرافية الفنانين التشكيليين العرب

-     ملاحق الكتاب :

-     دليل الأعلام

-     دليل اللوحات 

-     دليل المصادر والمراجع والمداخلات.

-     فهرست الكتاب

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1540 السبت 09/10/2010)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم