صحيفة المثقف

المخدرات الحرب الأكثر تخريبا

بالعراق والجوع والحرمان بالشعب الصابر. وكان الغزو الأمريكي عام 2003 آخر غزو أجنبي كبير وأكثرها عجبا وغرابة  نظرا لما رافقه من غزوات صغيرة متداخلة مع دخوله أو بعده، سواء غزو تنظيم القاعدة الإرهابي أو الحركات الصهيونية والماسونية أو المخابرات الدولية أو المنظمات التي يسمونها المنظمات الإنسانية أو فرق البحوث والدراسات الميدانية أو تجار الآثار أو تجار الرذيلة أو تجار المخدرات.

ويكاد الصنف الأخير من الغزاة أن يكون الأكثر تخريبا وتدميرا رغم أن كل هذه الصنوف تحمل شعارا واحدا ولها هدف واحد وترغب بالوصول إلى نتيجة واحدة، لأن الصنف الأخير متداخل مع كل الأنواع الأخرى، ولأنه الأكثر سرية والأكثر قابلية على التلون والحركة في صفوف العراقيين حتى دون أن يلحظ حراكه أحد ولاسيما أن جنوده لهم وجوه عراقية ويحملون أوراق ثبوتية عراقية ويلبسون الملابس العراقية ويتكلمون اللهجات العراقية الموصلية والفلوجية والعمارية والبصرية وينتمون إلى عشائر وقبائل عراقية سنية وشيعية.

القائمون على هذا الصنف نوعان: النوع الأول تتبناه تنظيمات القاعدة التي حولت أغلب الأراضي الزراعية في المناطق التي تقع تحت سيطرتها إلى مزارع للحشيش والخشخاش والكتان وأنشأت معامل بدائية تنتج أردأ أنواع المخدرات وأكثرها ضررا وتدميرا لتضخها للداخل وتحديدا في مناطق الوسط والجنوب كسلاح ذي حدين يوفر لها الأول موارد مالية عالية تمول  بها عملياتها الإرهابية ، ويخرب جانبه الثاني نفوس الشباب في هذه المناطق  التي تأخذ منها القاعدة موقفا عدائيا تكفيريا، وهو الأسلوب الذي اعتمدته طالبان في أفغانستان  فحولت البلد المسلم إلى أكبر منتج للمخدرات في العالم.

والنوع الثاني تتبناه عصابات المافيا والجريمة المنظمة الدولية والمحلية التي تريد تحويل العراق إلى ممر تجاري للمخدرات يربط الشرق بالغرب وتحويله في ذات الوقت إلى مستلهك كبير ولاسيما أن الإحصائيات تقول أن 25 % من المواد المارة يتم استهلاكها في البلد الوسيط.وقد جندت هذه العصابات مجموعات من العراقيين لاستقبال الكميات الواردة من دول الجوار وترويجها في الداخل أو تمريرها إلى دول الخليج التي تعتبر من الدول المستهلكة الكبيرة مثل المملكة السعودية والكويت وباقي دول الخليج.

ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة عن عدد المدمنين العراقيين إلا أن كل المؤشرات تؤكد أنهم منذ 2003 ولغاية هذا التاريخ بتصاعد مستمر بعد أن دخلت المخدرات صفوف المدارس الثانوية وساحات الجامعات وبات أمر الحصول عليها أسهل من أمر الحصول على رغيف الخبز، مقابل سكوت رسمي وشعبي تبدو فيه الحكومة عاجزة عن اتخاذ الإجراءات السليمة والكفيلة بمنع انتشار هذه الظاهرة التخريبية وتبدو فيه المؤسسات العلمية والتدريسية غير معنية لا من قريب ولا من بعيد، وتبدو فيه المؤسسة الدينية مشغولة بما أوقعها فيه من يريدون تدميرها!

أما مجلس النواب فإن التداخل السياسي فيه حوله إلى ساحة للصراعات البينية التي لا تسمح للأعضاء باتخاذ موقف موحد تجاه هذا الخطر أو ذاك بدلالة أن لجنة الصحة في المجلس  أنهت إعداد مشروع قانون المخدرات منذ مدة ولكن المجلس لم يصوت عليه لحد الآن. بل أن الآراء داخل قبة المجلس بشأن خطورة المخدرات ومدى انتشارها والمنافذ التي تدخل منها تبدو على قدر كبير من التضارب والتعارض لأن الحكم على القضايا في المجلس يتم وفق انسجام الرأي مع المرجعيات السياسية داخلية كانت أم خارجية ومع متطلباتها وليس مع انسجام الرأي مع المصلحة الوطنية العليا.

إن للإدمان على المخدرات محاذير كبيرة لما يشكله من خطر على المجتمع كله في مراحله الحالية والمستقبلية، وآثاره التخريبية تمتد إلى الأجيال القادمة لذا يجب أن يولى عناية فائقة من الحكومة التي من المفروض بها أن تشكل قوة أمنية متخصصة يتم تدريب قياداتها خارج القطر. وأن تقوم بحملة تثقيفية في كل أوساط المجتمع، وتسن قوانين تتضمن عقوبات قاسية للمتاجرين والمستهلكين والمروجين والناقلين والحائزين، وتحكم المنافذ الحدودية والمسالك السرية الأخرى.

كما يجب على المؤسسة الدينية أن تمارس دورها التثقيفي الإرشادي التحذيري وأن تبين مخاطر المخدرات ومخالفتها للشريعة .

ويجب على السياسيين الذين يدعون أنهم يبحثون عن صالح الفرد ومصلحة الأمة وصلاح المجتمع أن يؤدوا واجباتهم الوطنية الحقيقية بالعمل الفعلي المثمر من خلال القاعدة الجماهيرية التي يملكونها .

ويجب على الإعلام أن يمارس سلطته الرقابية التثقيفية وأن يهتم بالمآسي التي سيخلفها الاتجار بالمخدرات والإدمان عليها وأن لا يبقى متحجرا على قصص بطولات مرجعياته التي تمده بالعون والدعم المادي فقط.

كما يجب علينا جميعا أن نمارس دورنا الوطني بالمراقبة والتوجيه والنصح والتدخل المباشر لحماية أهلنا وعوائلنا ومجتمعنا، فنحن كلنا ضمن حدود المسئولية ولا يعفنا عن أدائها عاف لأننا جميعا ملزمون بالتوجيه النبوي الخالد (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1128  الاثنين 03/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم