صحيفة المثقف

تخلف العرب ودور الحكام في ذلك / عبد الرضا حمد جاسم

عليهم وإخضاعهم والسيطرة على عقولهم وتحركاتهم  لأنهم توصلوا مبكرين إلى أن ذلك السبيل وتلك الثقافة هي الأسهل للسيطرة على تلك الشعوب وإخضاعها وتوجيهها كما يريدون لأن الحراك الذي ينتج عن التحرر قد يضرب جدران الحكم ويمكن إن يتطور ليصيب تلك الجدران بالصدع وربما الانهيار

لا نغوص بأعماق البعيدين وانما نتكلم عن أحفادهم الذين قلدوا سننهم في ذلك وهم حكام اليوم من ملوك أو رؤساء

إنهم يعملون لإشباع رغباتهم بالتسلط والتفرد والتفرعن والتعالي وحب المديح والثناء والألقاب لذلك تراهم يحتفظون ويفضلون المحسوبين لهم والمنافقين ومن خلال ولائك يتلذذون بتسجيل مايتم أبان فترة حكمهم من انجاز مهما كان فردي وصغير بأسمائهم أو بأفضالهم أو في أزمانهم وذلك اضعف الأيمان ومن تلك الصور ما يظهر من وضع ما يسمى بحجر الأساس لأي مشروع ليكون مقرون بأسمائهم حتى أن احدهم وضع حجر أساس لتوسيع اكبر سجن في البلد الذي يغتصبه ويقص الشريط إيذانا ببدء العمل في ذلك المشروع

والحكام أما ورثوا عن آبائهم من دون وجه حق أو تسلطوا بانقلابات عسكريه ليحكموا ويملكوا ويتحكموا كما اقرأنهم الوارثين ما لا يحق لهم

قال احدهم انه وعائلته يملكون الأرض وما في باطنها وما عليها ومن ذلك البشر الذين يقيمون على ذلك الملك لخدمة ولى ألنعمه المالك

في كل الحالات الملك والتملك هو الأساس والمالك وفق عرف السوق يهتم بحماية وتطوير ملكه مجنداً ما يملك من مصادر القوه لذلك وحمايته والدفاع عنه فتم اختزال الأوطان بممتلكات القائد أو الملك وهذا يعني إن تكون قراراته ونشاطاته وتحركاته واتصالاته ومساوماته وتنازلاته باتجاه واحد هو المحافظة على ملكه وتوسيعه إن أمكن

والدول هي ملك الحكام  فيجب أن تصب حركة تلك الدول وإمكاناتها بأكملها  باتجاه خدمة شخص الحاكم وعائلته لتنعم تلك الشعوب بريع ذلك من خلال هبات الحاكم ومكارمه على الرعية

ووفق تلك القياسات تراه يلجا للاستثمار في البورصات وصالات القمار ومراكز الخدمة المالية كأي مرابي طامح للربح الشخصي السريع دون النظر لبناء أسس اقتصاديه تدعم بناء المجتمع ويدفعون العامة لثقافة المقامرة التي يخسرون فيها وينتفع المسؤلين العارفين بالخبايا والأسرار

الأعم الأغلب من الحكام والملوك لايحملون شهادة علميه وان كانت للبعض فهي فخرية ويقدمون عليها شهادتهم العائلية لخجلهم من اللقب العلمي الذي يعرفون إنهم ليستحقونه

الجميع يفتخرون بتمسكهم بالباليات من القيم التي تقدس القضاء والقدر والرزق وهن الأسباب الرئيسية للتخلف

الرزق يعني إن ما عليه الملوك الأمراء هي حق لهم منحه الله لا نقاش فيه وهوحق رباني والاعتراض عليه  إنكار لتعاليم السماء وتطاول عليها يستحق العقاب القاسي وحتى التكفير والإخراج من الملة..وبنفس السياق ما عليه عامة الناس وهذا حقهم من الله ولاعتراض على مشيئة الله وعدله

أما القدر..فهو أمر الله ولا راد لأمره ومن خالف ذلك كمن عصى والعصا لمن عصى..وقدر الله ومشاء كان..فالأمراض قدر من الله والبؤس والجوع والجهل والفقر ولا راد لأمر الله مهما حاول المخلوق.اذن عليه الخنوع والسكون والدعاء لله والتبرك بالأولياء والتضرع لخلفاء الله على الأرض الحكام والملوك

الكثير منهم يتصور ويعزز له هذا التصور أزلامه والتابعين ليشعر بأنه الاّفهم والأعلم والأنسب ليتلبسه الشعور بأنه الملهم الذي يجب أن يتدخل في كل شيء ليضيف عليه ما منحه ربه من علم ورأي منعه عن آخرين فتراه هو المعماري الأول والمعلم الأول والعادل الأول

لذلك تراه يتذمر ويكتئب عندما يبرز من بين الرعية من ينجز شيء ويفرض على هذا الإنسان أن يعترف علناً بفضل القائد وانه لولا حكمته وأفضاله ورعايته ودعمه ما تم ذلك وعليه أن يقدمه هديه متواضعة للقائد الملهم ليتخلى ذلك المبدع عن حقه في انجازه وليقوم القائد بالأحتفاظ بذلك الانجاز في احد دهاليز الدوائر المحيطة به لتأكله الجرذان آو يعلوه التراب

يتقدم الحاكم أي ندوه آو مؤتمر آو اجتماع ليرعاها ويفتتحها ويلقي خطاباً فيها يحدد فيه مسار وخطوط وسقف تلك الندوة آو المؤتمر... كان فاضحاً في رعاية من تشرب ونهل من الفكر الإرهابي ورعاه وأمده بأسباب توسعه ليرعى مؤتمرات ولقاأت حوار الحضارات والتواصل بين الشعوب وهو لا يعرف أن يقراء حتى ما كتبه له كتبته

هذه الأمور تشل حركة الإبداع والإنتاج وتحدد حركة وطموحات المبدعين المحددة حركتهم أصلاً وفق خطوط كتبها ونشرها القائد الملهم ليكونوا قلقين مترددين حيارى مما يدفعهم ذلك للانزواء والاعتكاف أو للنفاق عندما تدفعه الحاجة أو الاضطرار ليقدم جهده وإبداعه تحت اقدام جاهل فارغ لا يعرف حتى أن يقول شكرا وإنما يقول (أعطوه ألف درهم) ليذله بها

انتقلت أمراض الحكام لوزرائهم الذين حددوا سقف العقل البشري بحيث لايكون أعلى من سقف (القران والسنة) وهو سقف واطئ جداً يجعل البشر منحنين آو متقرفصين

انتقلت تلك الحدود للجامعات التي أصبح رؤسائها موظفين حكوميين... الحاكم يعّينهم ويتلاعب بمصيرهم ومصير عوائلهم ويحدد لهم خطوط تحركهم رابطاً ذلك بما يقدم لهم من امتيازات ليصبح لزاماً عليهم التفكير بخدمة القائد الملهم الذي بأفضاله وصلوا إلى ما وصلوا إليه من شهادات ومواقع قبل التفكير بالعلم والتعليم والبحث العلمي التي تصطدم بالسقوف والجدران والخطوط الحمراء وما أكثرها وبالذات في بلدان تدار وفق مزاج الحاكم

لذلك عليه أن يسهر على خدمة السيد الحاكم وسلسلة المتزلفين له وعليه التفكير برفع صورة القائد فوق رأسه قبل التفكير بواجبه العلمي والتربوي والوطني

هذه الضغوط التي تعصر الفكر وتحّجم الإبداع وتقتل الطموح لذلك تجد أن العلماء العرب ينطلقون بإبداعهم وخيالهم عندما يتحررون من تلك الضغوط وذلك بالانتقال للعمل في الدول الأخرى التي تحترم العقل والإنتاج

أن الحكام ينفقون من المال العام الذي حولوه إلى مال خاص على ملذاتهم ونزواتهم وحمايتهم وقصورهم وسياحتهم أضعاف كثيرة عما ينفقون على التعليم والتطوير...وعند الاضطرار لتقليص النفقات فهم يتوجهون إلى تقليص الأنفاق على التعليم وأول المتضررين من ذلك الهيئات التعليمية والطلاب

لذلك تجد أن الإنتاج العلمي والفكري العربي محدود جداً بالقياس لما يجري في العالم وإسهامات العرب بهذا المجال متواضعة جداً فمن بين أول احسن400جامعه في العالم لا توجد جامعه عربيه ومن بين مائة جامعه أسيويه كانت هناك جامعة واحده هي جامعة الملك سعود النفطية ليس بفضل السعودية وإنما بفضل شركات النفط الكبرى التي تشرف عليها آو تتعاون معها

أما كيف السبيل للنهوض فيمكن في ذلك أن نتصور وحسب إدراكنا المحدود يتم في ما يلي:

1.أن يكون هناك قرار سياسي يؤكد أن الحاكم سواء كان ملك آو رئيس هو إنسان عادي تتلمذ على أيادي معلمين أن كان قد دخل المدرسة.... عليه فهو ليس بإنسان خارق وملهم... قد يكون ملم بحدود معينه باختصاص معين وعليه عدم التدخل بالمسيرة التعليمية وترك ذلك للأساتذة المختصين وتخصيص الموازنة المالية الأزمة

2.العناية التامة بالساعات المخصصة للنشاط الرياضي والموسيقى ومنحها ساعات اضافيه وهذا يعني إقامة منشات رياضيه وموسيقيه ووضع برامج لذلك وهذا يتطلب إنشاء مؤسسات تربويه من طراز راقي

3.أن تكون هناك حصة مقرره للفرح وإيجاد كوادر متخصصة لأنه من دون الفرح لايمكن أن يبني الإنسان الحر لأن الحزن مرض وإذلال وخضوع ونفاق وهذا مالا يناسب الجو العام..في حين أن الفرح يشيع الأمل والطموح والتحرر ليطلق للعقل المجال للإبداع والإنتاج

4.أن يكون هناك مقرر تحت عنوان الأفكار والتفكير..حيث تفسح المجال للطالب بطرح ما يريد من أفكار وإثباتها والدفاع عنها آو يختار مشكله من الحياة بأي مجال لدراستها وتحليلها واستنباط الحلول مهما كانت تلك المشاكل بسيطة أو من الخيال وذلك لتشجيع التحليل والكشف والتفكير بالحلول والتطوير لأن هذه الأمور تعزز الحوار والنقاش والتمييز واكتشاف المواهب في كل المجالات

5.إلغاء حصة الدين لأنه شيء شخصي وهناك أديان عديدة فلا داعي لحشر الدين في المنهج الدراسي..وتحديد ساعات الحصص المقررة لدروس التاريخ والجغرافية وإبداله بمنهج لها يحفز النابهين بها إلى الإبداع والبحث وتقليل الحشو فيما يسمى بتفاصيل الأمجاد لأن تلك التفاصيل لا تقدم شيء... وهي شيء شخصي ايضاً... يمكن أن يعتبر ثقافة شخصيه وليست مقرر دراسي فلا يمكن أن يستفيد أي إنسان من تفاصيل مملة مبالغ فيها عن معركة حصلت قبل مئات السنيين لكن هناك فائدة في اكتشاف الآثار آو دراسة اللغات القديمة أو ما شابه ذلك

6.إلغاء فكرة استنساخ جامعات عالميه في المنطقه وتشجيع التؤئمه معها لأن الجامعة ليست بنايه وديكور واسم فقط وإنما أسلوب وسياسة علميه فلا يمكن أن يستقدم عالم للتدريس في أجواء ضاغطة ولطلاب لا يعرف انحدارهم التربوي حيث سيعاملهم بنفس الأسلوب الذي يعامل به طلاب بلده الأصلي ويتصور انه يسير على منهاج مماثل لما كان يسير عليه

خاتمه لابد منها...وهي تجربه بسيطة..ونعتقد انه نموذج يستحق الذكر والتذكير والتذّكر ارجوا السماح بطرحها ولو قد تحسب شخصيه وهي:

التحق لإعدادية الناصرية عام1967 مدرس شاب متميز في كل شيء لتدريس مادة علوم الحياة...ادخل ألينا استخدام وتدريس المصطلحات العلمية باللغة الأنكَليزيه وأنشاء ونشّط المختبرات وعلمنا تشريح الضفدع وعلمنا استعمال أو ارتداء الصدرية البيضاء وعلمنا كيف نصطاد السلحفاة وتخديرها وتشريحها وعلمنا كيف نتمكن من عمل (سلايد) لخلايا النباتات (البصل) ودراستها تحت المجهر

وعندما دخلنا الجامعة استغرب الأساتذة من دقة ما نقوم به وأعتقد البعض منهم إننا معيدين من ألسنه السابقة (أي راسبين)

هذا المدرس الشاب هو الأستاذ القدير الكريم الفاضل الأستاذ شريف فهد ياسين فتحيه له ولكل أستاذ جليل قدم الكثير للعملية التعليمية في العراق

هذا الأستاذ الإنسان المتمكن المبدع خلق علاقة بينه وبين الطلاب والمادة التي يدرس..علاقه جديدة.. فأصبحت هناك مرحله ما قبل شريف فهد ياسين وما بعده مع التبجيل والاحترام لكل الأجلاء من التدريسيين من قبله أو معه...لا يختلف في احترام وتقدير وحب أستاذ شريف فهد اثنين من كل الدفعات الدراسية من عام1967 حتى اليوم..لم يتغيب في حصته طالب واحد ولم يسيء لطالب ولم يساء ليه مطلقاً..لقد كان محرابه المختبر الذي علم الطلاب على احترامه وتقديسه

عندما أقول ذلك ..هذا الواقع وليس فيه مبالغه وقد أكون قد غمطت حقه في بعض الأمور..فليعذرني طلابه أو أقول كل الطلاب في الناصرية من ذلك التاريخ ولغاية اليوم

فتحيه لذلك الأستاذ الأنيق في علمه وملبسه وكلامه وسلوكه ومحبته للناس

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1585 الثلاثاء 23 /11 /2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم