صحيفة المثقف

الإصرار على إجراء الانتخابات الفلسطينية في موعدها أو سياسة الكي آخر العلاج

سلطتين وحكومتين ونظامين منفصلين واحد في الضفة الغربية وآخر في قطاع غزة، فإن اشتراط مبدأ التوافق والتراضي قبل إجراء الانتخابات وهو الوضع الطبيعي وما يجب أن يكون أصبح مشكوكا في نجاعته لأن من يتهرب من الانتخابات سيعمل على إفشال المصالحة حتى لا تُجري الانتخابات،  وربما لهذا السبب كان إصرار الرئيس أبو مازن على إجراء الانتخابات في موعدها مطبقا سياسة (الكي آخر العلاج) بما يكتنف هذه الخطوة من محاذير. وعليه وإلى حين موعد الانتخابات في يناير 2010سنكون أمام احد الاحتمالين :-

 

1: أن تنجح حوارات المصالحة الوطنية

 في هذه الحالة قد تجري انتخابات رئاسية وتشريعية بالصيغة التي يتم الاتفاق عليها، إلا أننا نعتقد سواء نجحت حركة حماس بالانتخابات التشريعية بالأغلبية أو حركة فتح فلن تحل الانتخابات المشكلة ولن تلتزم القوى المنهزمة بنتائج الانتخابات، والحل هو تجاوز أسباب فشل تحقيق الانتخابات السابقة لأهدافها.ضمان إجراء الانتخابات وضمان نجاحها في تحقيق أهدافها يتطلب الاتفاق على ثوابت ومرجعيات النظام وعلى إستراتيجية عمل وطني، وحيث أن مكونات النظام السياسي فشلت في تحقيق هذا الهدف ولا يبدو أن حوارات القاهرة ستنجزه فإننا سنكون أمام الاحتمال الثاني.

 

2: فشل حوارات المصالحة في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه

وهو الاحتمال الأكثر ترجيحا، ونقصد بالفشل فشل المتحاورين بالاتفاق على القضايا الخلافية بما يعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل الانقسام،  في هذه الحالة سنكون أمام نظامين سياسيين بمرجعيتين مختلفتين وهذا سينعكس سلبا على الانتخابات.في هذه الحالة سنكون أمام السيناريوهات التالية:-

 

السيناريو الأول: عندما يحين الموعد المحدد للانتخابات يوم الخامس والعشرين من يناير 2010 دون إجراء الانتخابات سنكون أما رئيس سلطة منتهي الولاية وحكومتين غير شرعيتين دستوريا، في هذه الحالة من المتوقع  أن تستمر الحكومتان بالعمل بذريعة الظروف الاستثنائية كأن تقول حكومة حماس بأن شرعيتها مستمدة من المجلس التشريعي الذي ستستمر شرعيته لحين قيام مجلس تشريعي منتخب جديد مع العودة للحديث عن  شرعية غير شرعية صناديق الانتخابات كالقول بالشرعية الدينية والجهادية، أو تضفي الحكومة في رام الله شرعية على نفسها مستمدة من كونها حكومة منظمة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وهذا يستدعي إعادة إحياء ما تبقى من منظمة التحرير ولو مؤقتا.هذه الشرعيات ستكون منقوصة وبالتالي ومن أجل الحصول على شرعية دولية أو نتيجة ضغوط خارجية على الطرفين يمكن تصور السيناريو الثاني.

السيناريو الثاني: أن يصر الرئيس أبو مازن على إجراء الانتخابات في موعدها وترفض حركة حماس المشاركة فيها وتشكك بشرعيتها، في هذه الحالة ستجرى الانتخابات في الضفة الغربية فقط وبمقتضى هذه الانتخابات ستتجدد شرعية السلطة والحكومة والرئاسة وسيحضون  بقبول دولي وخصوصا إن عادت عملية التسوية لمسارها، ومن المحتمل أن يتم الإعلان عن حركة حماس كحركة غير شرعية وعن سلطتها في قطاع غزة كسلطة متمردة وما يترتب على ذلك من تكريس للقطيعة وحالة العداء ومن إجراءات قانونية ومالية وربما دولية ضد قطاع غزة.

السيناريو الثالث:قد تستبق حركة حماس هكذا وضعية وتعلن من طرفها إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في قطاع غزة وتشرف عليها بالكامل وبالتالي تتحكم بنتائجها التي ستكون معروفة مسبقا، وبالتالي ستتذرع بأنها حكومة وسلط شرعية ولن تعدم دولا وحركات سياسية تعترف بشرعيتها.في هذه الحالة أيضا سيُكرس الانقسام .

 

نخلص مما سبق أن غياب التوافق والتراضي على ثوابت ومرجعيات النظام السياسي قبل اللجوء للانتخابات التشريعية قد أخرج الانتخابات عن سياقها ودلالاتها الديمقراطية بل انفصلت عن العملية الديمقراطية وانقلبت سلبا على الشعب الفلسطيني وهذا ما كان يراد منها بداية، وما اضعف من أهمية الانتخابات أنها ليست المصدر الوحيد للشرعية في فلسطين، هذا بالإضافة إلى أن الانقسام بما يرتبط به من أجندة خارجية والحضور القوى لإسرائيل في المشهد السياسي يجعل من الصعوبة والخطورة ربط مستقبل النظام السياسي بالانتخابات، ومع ذلك يبدو أن الرئيس أبو مازن لجأ لسياسة (الكي آخر العلاج) وهي السياسة التي يتبعها في الفترة الأخيرة، فعندما انغلقت كل سبل المصالحة وحتى لا يُكرس الانقسام و تدخل القضية الوطنية ولسنوات قد تطول في نفق مظلم لم يجد الرئيس مناصا إلا اللجوء للانتخابات مع ما قد يترتب عليها من نتائج غير مضمونة العواقب.

 

د. إبراهيم أبراش

[email protected]

‏02‏/09‏/2009

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1157 الخميس 03/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم