صحيفة المثقف

عقد العراق الثلاث الكبرى .. السنة والمشاركة - الشيعة والسياسة - الكرد والإندماج

كانت أولى المشكلات هي في احتكار السلطة لدى السنة، التي ربما أملتها ظروف النشأة والبدايات، ودفعت اليها سلوكيات الطرفين الآخرين، لكنها تحولت لاحقاً الى حالة من الشعور بالامتياز الحصري ونوع من التعالي الذي تسببه  مواقع السلطة وامتلاك الثروة والجاه والقرار،

مما يدخل لاحقاً الى بنية فكرية ثقافية أحادية الجانب تقسم المجتمع الى حاكمين ومحكومين، وحين تتراكم تلك المشاعر، فان محصلتها ستكون نوع من العقدة النفسية التي تمنع الإعتراف بحق الاخرين بالمشاركة وهو ماعبر عن نفسه بعقلية الإلغاء .

تلك المتراكمات التي تشكل جزءا من تراتيبة سياسية وسلوكية معاً، ليست إتهاماً بحد ذاتها، كذلك لايكفي الاشارة اليها في سبيل ادانتها، اذ ان ذلك بالمحصلة لن ينتج شيئاً محدداً اذا لم يجري الاشتغال عليها كحالة وعي يتبدل تدريجياً نحو إزاحته ومن ثم استبداله بحالة مغايرة تتمحور حول نواة صلبة أساسها ترويض السياسية لصالح البناء بعد ان يفرز هذا الوعي قناعات أخرى بأن تحقيق الذات الخاصة لم يعد قابلاً للتحقق من دون أن يندمج بتحقيق الذات الجمعية للعراقيين، اذ ان الأوطان القوية  هي مجموعة من ذوات متحققة لا تعيش عقداً من اي نوع .

في جانب آخر، عاش الشيعة عقدة الاضطهاد والشعور بالإستهداف، وهم عندما ينظرون الى صفحات التاريخ – قديمه وحديثه – سيقرأون فيه صفحات لم تنصفهم على معظم الصعد ان لم يكن كلها،  وسواء كان ذلك حقيقاً أم مبالغاً فيه، فقد تجذر في السلوكية الشيعية التي مالت الى الغيبيات على حساب المحسوسات، وبالتالي الابتعاد عن السياسة  أو ملامستها عن بعد، مما خلق حالة من التباعد شبه الدائم مع السلطة القائمة، فتحكمت في سلوكياتهم  عقدة الممانعة أو المعارضة من خارج الحكم، وعليه لم يجيدوا فن السياسة التي لا تتم الا بالمشاركة الفعلية في السلطة وتعلم آلياتها، وهو ما لم يحصل الا في فترات قصيرة ومتباعدة لم تؤسس لحالة فكرية سياسية  متجذرة وفاعلة، حيث جاءت المشاركة اقرب للاستثناء منها الى قاعدة يمكن الركون اليها أو الانطلاق منها ، ذلك ما يزال يفعل فعله حتى اليوم وهو مانشهده في سلوكيات بعض القوى السياسية الشيعية التي تتصرف وفق ردود الأفعال وجيشان المشاعر، منه الى حسابات العقل ومنطق السياسة .

اما الكرد، فهم  قد عاشوا ومنذ البداية فيعقدة الانعزال وبالتالي البحث عن كيانية خاصة، ذلك ماجعلهم لا يتأثرون بكل محاولات الإندماج في الكيان العراق رغم كل المحاولات- الجادة منها او الشكلية-  ورغم ما تعرضوا له من ويلات ومآس، وفي وقت تشكلت فيه بلدان كبرى من اثنيات وأعراق مختلفة  قاطعة اشواطاً في طريق التقدم والإزدهار،لعبت الإنعزالية الكردية دوراً ليس بالقليل فيما عاشه العراق، ومازالت الاحتمالات بالاسوء قائمة .

ماالذي يحتاجه العراق للخروج من هذه المتواليات العقدية؟

البحث عن عقول استراتجية وقادة  إستثنائيين، يضعون اللبنات الأولى للأسس التي سيبنى عليها العراق الجديد، ذلك ينبع اولاً من ايمان سني قاطع بالمشاركة واعتبارها ضرورة استراتيجية للعراق وليس قبولاً على مضض بانتظار فرصة الوثوب الى السلطة الحصرية من جديد والعودة من ثم الى المربع الأول .

أما الشيعة، فالتعلم ومن ثم الإيمان المطلق بأن العمل السياسي وحده هو الكفيل ببناء العراق،  وبالتالي الابتعاد عن الغيبيات والشعارات والغرائز وعقدة الضحية والغبن .

قد يكون ذلك ممكناً في هذين المكونين – الشيعة والسنة – لكن الكرد سيحتاجون الى وقت أطول - وربما الى صدمات أخرى-  للاقتناع بان لاطريق امامهم سوى الاندماج والتخلص من ثم  من عقدة الانعزال، لكن ذلك يبدو مستعصياً في ظل قياداتهم الحالية  والأحلام الوردية التي يعيشون في ظلها ويعتقدونها قريبة التحقق . 

 

     ............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1173 السبت 19/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم