صحيفة المثقف

ظهور اول معجم عربي لاتيني في اوربا / كاظم شمهود

في القرن الثاني عشر خاصة في اسبانيا . بعدما فشلت كل الحملات الصليبية التي بدأت في سنة 1096 م للاستيلاء على الشرق .. ولهذا بدأ الغرب والكنيسة يفكرون بان قوة الكلمة والحوار هو السبيل الوحيد للسيطرة على الشرق . ومن هنا بدأت حركة طلائع الاستشراق والتي لعبت دورا هاما في دراسة الواقع الاسلامي والعربي من جميع النواحي . واليوم ترون المؤتمرات المتنوعة واللقاءات المكثفة والخطب والزيارات المكوكيية و(المعاهدات) التي لا تنتهي ولن تنتهي ، يضاف الى ذلك الفوضى العارمة التي يشهدها اليوم العالم العربي ماهي الا نابعة من ذلك الفكر الاستعماري القديم ...(وهي فكرة السيد والعبد .. وفكرة جزء مزق تسد)

لحد الآن لم يعرف واضع هذا المعجم العربي اللاتيني الاول وتاريخه بالتحديد ولكن يعتقد ان واضعه عاش في اسبانيا وكان يتقن اللغة العربية بشكل جيد ويعتقد انه كان راهبا واراد من ذلك ان يكون له عونا في عملية التبشير(وربما كان ذلك في زمن الفنسو العاشر الحكيم في القرن الثالث عشر ..) والمعروف ان الحضارة العربية الاسلامية في اسبانيا كانت متقدمة على الغرب وكان ابناء الممالك الاوربية يتوجهون الى قرطبة للدراسة في جامعاتها مختلف العلوم والفنون والآداب ... وكان هؤلاء يسمون بالمستعربين mozarabe .

و قد ورد في كتاب – العرب في سبانيا- لين بول – بان النصارى في اسبانيا اخذوا يكرهون لغتهم ويصدون عنها فتعلموا العربية واستطاعوا بعد حين ان يكتبوا بها كما يكتب العرب انفسهم، واولعوا بقصائد الشعر العربي وقصصه الخيالية الجميلة ...

ويذكر ان هذا المعجم الاول يخلو من الاتقان والترجمة المناسبة حيث لم يعطي المرادف اللاتيني حقه في المرادف العربي واكتفى بالشروح مثلا كلمة – لحن – باللاتيني ترجمت

بعبارة – صوت عذب – ونتيجة لضعف وجهل بمعنى المفردة ادى الى الكثير من الاخطاء ..

 

و كان ملك اسبانيا الفنسو العاعشر الحكيم -1221-1284 قد شجع على دراسة العلوم والآداب وطور اللغة القشتالية واحاط بنفسة بثلة من العلماء من مسيحيين ومسلمين ويهود خاصة في حركة الترجمة التي اشتهرت بها طليطلة، وبنى له جامعة في الاسكريال لهذا الغرض وهو ما ساعد على التفكير في وضع قاموس عربي اسباني ..

ويذكر المؤرخون ان ريئس اساقفة غرناطة قد كلف سنة 1499 احد الرهبان المدعو - بيدرو دي الكالا – بعمل معجم عربي اسباني، وبعد ستت سنوات من العمل الشاق اتمه سنة 1505 .

كما يذكر ان اول قاموس اسباني ظهر على يد - انتونيو دي نيبريخا-1444-1522 وفي فرنسا ظهر قاموس فرنسي سنة 1542 وفي ايطاليا سنة 1524 وفي انكلترا سنة 1586 ...

 

اما في عالمنا العربي فان اول معجم عربي كان قد ظهر على يد الفراهيدي ( 100 هجرية – 718 م البصرة) – واسمه – العين – وكان هدفه ظبط اللغة وحصرها وفقا لمواقعها ومخرجها من الجهاز الصوتي وهي الحلق واللسان والفم والشفتان وغيرها .. .. ويلاحظ هنا البعد الشاسع والكبير بين تاريخ ظهور المعجم العربي وتاريخ ظهور المعاجم الاوربية والتي تصل الى حوالي اكثر من 700 سنة وهو تقدم هائل للحضارة العربية والاسلامية يومذاك حيث كانوا سادة العالم . ولكن اليوم ومع الاسف اصبح الامر عكسي ويدعو الى الرثاء ....؟

 

ترجمة القرآن الكريم

لقد انشغلت الكنيسة في ذلك الوقت بترجمة القرآن وعدت ذلك من اولويات حركة التبشير والاستشراق فقد عمد المبشرون الى فقه اللغة حيث عملوا حملة كبيرة لترجمة كتب المسلمين

من دينية وعلمية وفقهية وفلسفية . وبهذه الطريقة وحسب اعتقادهم يستطيعوا من التبشير بالدين المسيحي سالكين بذلك الحوار والخطاب المنمق للتأثير على الخصم الآخر ... ولكن حركة الترجمة هذه اعطت مردودات عكسية حيث وجدوا ا ن الاسلام اخذ ينتشر اكثر . كما هو الحال اليوم عندما انتشرت الاقمار الاصطناعية والفضائيات وكانت الغاية منها هو غزو الفكر الغربي ونقل مدنيته الى امم الشرق.. ولكننا وجدنا ان الامر سار بما لاتشتهي السفن حيث دخلت ثقافة الشرق بيوت الغرب ..

يذكر ان اول ترجمة للقرآن الكريم كانت سنة 1143 م وقد نسبت الى الاب بطرس المبجل ريئس دير – كولني – جنوب فرنسا وقد كلف هذا الرجل راهبين احدهما روبرت وهو انكليزي والثاني هورمان وهو الماني، وقد استعانوا باثنين من العرب، وقد تم اللقاء بين هؤلاء في منطقة – الابر – (الابرو) الاسبانية، وربما في مدينة سرقسطة .. وكان هذا الرجل قد زار اسبانيا سنة 1141 وشاهد الصراع المستمر بين المسلمين والمسيحيين وقد خرج بقناعة بانه لاسبيل لاقناع اتباع محمد – ص- بالمسيحية الا بقوة الكلمة والحوار والمنطق .. لهذا فقد وضع هذا الاب خطة مبرمجة بتأسيس مدرسة للترجمة واول عمل كان له هو ترجمة القرآن الكريم ..

ويذكر ان هذه الترجمة الاولى للقرآن بقت متداولة بين الرهبان اربعة قرون الى حد سنة 1543 حيث تم طبعها في سويسرا ولكنها كانت مليئة بالاخطاء والحذف والتصرف ...

ولا اريد ان اختم هذه المقامة الا واذكر قصة طريفة قرأتها حديثا في الانترنيت (ولا اعرف مدى صحتها) وهي ان شابا انكليزيا من اسكتلندا يدعى وليم بيدويل قد بعثه والده الى الاندلس (ربما في حوالي القرن العاشر م) لتعلم ودراسة مختلف العلوم وهي ظاهرة كانت معروفة عند الاوربيين في ارسال البعثات للدراسة في الاندلس ، وقد مكث هذا الشاب 33 عاما في الاندلس حيث اتقن اللغة العربية واسلم ..... وعندما عاد الى بلاده وجد وشاهد التخلف والتأخر في كل مرافق الحياة مقارنة بحضارة الاندلس، لهذا قرر ان يعمل معجما لغويا عربيا ولكن بالاحرف اللاتينية . ويذكر صاحب الكتاب ان هناك 18000 كلمة انكليزية من اصل عربي ..ومن هذه الكلمات مثلا–cave كهف Candel قنديل umber n- نمرة channel قناة crowno تاج –قرن home حومة منزل ... وهكذا . واعتقد ان هذه الدراسة حديثة العهد وتحتاج في رأيي الى مزيد من التوثيق العلمي . احيانا قد يتراءا للشخص ان تشابه الفاظ او اصوات الكلمات توحي بانها من اصل واحد وهو مايوقعنا احيانا في اخطاء كثيرة ... لهذا يجب الرجوع الى العلماء المتخصصين في علم اللغات . (احد المثقفين قال لي ان اوباما يعني ابو اعمامة .... ؟)

 

ويذكر صاحب كتاب – تراث الاسلام – (كريستي آرنولد) ان الحروب الصليبية ساعدت على دخول الفنون الاسلامية الى اوربا خاصة ايطاليا فظهرت الصور المعممة والوجوه ذات السحنة الشرقية واستعمل الخط العربي في الاغراض الزخرفية . كما يذكر ان استعمال الحروف العربية في التصوير الايطالي كان معروفا منذ ايام جيوتو Giotto 1266 م وقد شاهدت صورة مرسومة – بورتريت – للفنان الايطالي مايكل انجلو وهو يضع على رأسه عمامة شرقية . . وهكذا كانت الحروب الصليبية قد فشلت واعطت نتائج عكسية لصالح الشرق ... وكان آخر الحملات الصليبية قد وقعت في سنة 1143 م حيث انسحبوا الى الغرب وانطوت آخر صفحة دامية للاوربيين ضد الشرق العربي المسلم .

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2112 الأحد  06 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم