صحيفة المثقف

موضوعة الاعتذار .. وفق القانون الدولي لا وفق الاطروحات المجانية .. (قراءة مبسطة.. عراقيا وعالميا) / سلام كاظم فرج

من حكومة جمهورية العراق تقديم اعتذار لضحايا حلبجة.الشهيدة او لضحايا كردستان العراق على العموم عما اقترفته الحكومة بحقهم أبان حكم صدام حسين الفاشي.. من هؤلاء السادة نواب في البرلمان وبعض الاعلاميين من كردستان العراق. وآخر من وجدته  يركز على موضوعة الاعتذار باعتبارها ممارسة حضارية متقدمة .. الدكتور سامان سوراني في حديثه عن  الزعيم الالماني التقدمي فلي براندت  لانه انحنى راكعا امام صرح شهداء وارسو ( بولونيا) الذين قضوا على يد النازيين.الالمان...

كل ذلك جميل جدا ومفهوم ومطلوب التركيز عليه.. ولكن هل اتى في مظان خدمة القضية..؟؟ ووفق سياقاتها الموضوعية.. ام وفق اطروحات مجانية تأتي في سياق محموم لإحراج حكومة المركز في بغداد؟؟

لست ممن ينحاز باطلا من اجل رضى هذا الجهة او تلك..  ولست طائفيا.. او متحيزا على (عمى عيوني) لجماهير طائفتي.. ولي كتابات كثيرة انتقد فيها مظاهر سلبية كثيرة في جنوب العراق ووسطه.. بعضها جاء بصيغة الكتابة الادبية الصرفة وبعضها جاء في تعليقات او مقابلات.. اجريتها واجريت معي كثيرة..

اكتب هذه المقدمة لكي لا تجير مقالتي سوى للحقيقة العلمية الناصعة البلقاء.... وأجد ان من الصلافة أن أسكت على شيء اعرف عنه وعن تاريخه ما أعرف.. بحجة إني تقاعدت عن السياسة وانصرفت الى التأمل  .. في انتظار هادم اللذات!!..

 

( الأعتذار).. في الحراك الدولي صيغة متقدمة نبيلة حديثة العهد..

وهي توشك ان تترسخ في القانون الدولي العام. ولها مقدماتها ومقوماتها وظروفها.. بعضها يأتي بصيغة الاعتذار الواضح الصرف من حكومات منتخبة لشعوب سبق ان تعرضت لاضطهاد وإذى من قبل حكومات منتخبة سابقة لها.. مثال ذلك اعتذار حكومة الولايات المتحدة الاميركية لشعب اليابان عن مأساة هيروشيما وناكزاكي ايام الرئيس ترومان..

اميركا هنا .. من واجبها الاعتذار لسبب بسيط. انها ما زالت تحترم خيار الشعب الاميركي في انتخاب ترومان وحكومته. وما زال ترومان رمزا .. من هنا يأتي الاعتذار من خلفه من الرؤساء واجبا دوليا واخلاقيا. وتترتب عليه التزامات..

ومنها الاعتراف فقط بحصول مثل تلك الاضطهادات دون حاجة الى اعتذار. مثل سعي الارمن لتثبيت حقيقة المجازر بحقهم ايام السلطان عبد الحميد. او حق اليهود في تثبيت الابادة الجماعية من قبل النظام الهتلري..

وحق الكرد في تثبيت كل جرائم حكومة صدام وتوثيقها وتخليدها وتعويض الضحايا

وحق اهل وسط وجنوب العراق في تثبيت حجم البشاعة التي ارتكبت بحقهم من قبل نفس النظام..

من هنا نفهم معنى ركوع مستشار المانيا وحزنه الشديد للضحايا ووضع الورد.. هو هنا لايعتذر. فهو ليس خليفة هتلر الشرعي.. فالمانيا الاتحادية وضعها يختلف هنا عن وضع اميركا في حالة اليابان..

في حالة براندت.. الاعتذار سخف وقلة مسؤولية وعدم فهم للبروتوكول.. لكن وضع الزهور والانحناء لذكرى ضحايا وارشو مشاركة وجدانية واعتراف بالجرم الذي ارتكبه هتلر وزبانيته..

هو لم يعتذر.. بل  وضع الزهور.. وانحنى.. لكن الضجة عليه قامت بسبب الصراع بين الشيوعية والرأسمالية. ووارسو كانت أبان مرحلة براندت  عاصمة شيوعية.. لا اكثر..

. واعتقد ان بعض الاخوة الكورد ومنهم الدكتور سامان سوراني ينطلقون من هذه الحقيقة كما في مثاله عن مستشار المانيا الاسبق..والغريب ان الاخوة النواب الكرد قد طالبوا حكومة الاستاذ المالكي بتقديم مثل هذا الاعتذار.. والان لنر معا... لم رأيت في هذا الطلب غرابة. ومجانية  . رغم مقدمتي.. اعلاه.. ؟؟

في المحاويل لدينا مقبرة كبرى تضم ارواحا لا تقل كرامة وعزة عن ارواح اخوتهم الكرد.. لو زارها الرئيس بارازاني مثلا  ووضع الورد ومسح دمعة.. لن نقول عنه انه يعتذر.. بل سنقول انه يشاركنا وجدانيا بمصابنا الذي هو مصابه كما ان مصاب حلبجة هو مصاب اهل الفرات الاوسط..

كذلك لو فعل ذلك اي مسؤول عربي عراقي في زيارة كردستان. ووضع الزهور امام صرح شهداء كردستان..

لكن الطلب من الحكومة المركزية الاعتذار عن جرائم صدام قانونيا او بروتوكوليا.. و الاصرار على المناكفات غير المستندة الى ذرائع على الواقع.. أمر في غاية الغرابة وغير مفهوم وغير معقول ولايستند الى  اية خلفية قانونية او حضارية كما وجدت في اطروحات بعض الاخوة الاكراد من مسؤولين واعلاميين فلا الحكومة الحالية المنتخبة تشكل امتدادا طبيعيا لحكومة صدام..غير المنتخبة. ولا هي تنكر حجم الجرائم التي ارتكبها النظام السابق. بل هي التي رعت محاكمات ماراثونية عادلة لاركان النظام السابق ووفرت غطاء قانونيا لتعويض كل المؤنفلين والشهداء من العراقيين كردا وعربا ومكونات أخرى..

والطلب منها الاعتذار يدخل في بابين.. باب المناكفة المجانية غير المستندة الى سابقة . وباب الايحاء ان ثمة دولتين لا دولة واحدة. دولة عليها ان تعتذر ودولة ستتقبل الاعتذار.. وهذا خرق واضح للدستور ما زلت الى الان مستغربا كيف يفوت على ابسط من له اطلاع على القانون.. فالعراق الى اليوم دولة واحدة لا دولتان..

فمن يعتذر لمن.. ولماذا . وكيف؟؟ اليست القرارات التي اصدرتها المحكمة العليا قد ادانت كل مجرمي الحروب ايام صدام وانتهى الامر؟؟..

هذه السطور اكتبها لا رغبة في الاصطفاف مع أحد.. بل لتوضيح مصطلح سياسي.. لا غير......

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2126 الأحد  20 / 05 / 2012)


في المثقف اليوم

في نصوص اليوم