صحيفة المثقف
أرضُ العراق مقامه / نوري الوائلي
وتفطّرت جمعُ الكواكب لوعة = وتكوّرت نظمُ السماء حسورا
وتوجّعت أهلُ البحار تأسّياً = وتناثرت قممُ الجبال نفورا
وتوقفت عند الصراخ عقاربٌ = وكانّها تروي الثوان عصورا
حين استجار الى المآذن سجد = قد حاطهم سيل الوحوش سحورا
الذاهبون الى الجنان تشوقاً = والعائدون الى الديار سرورا
والهاربون من القذائف عزّل = والثائرون على المقاصل ثوْرا
سحبوا من الآمال في وهج اللضى = للموت دفناً رضعاً وصدورا
قد عانق ألطفلَ اليتيم على الردى = صدرُ الأرامل رحمةً ودَثورا
ومشايخٌ فيهم كأن ظهورها = قوسٌ يلملمها الزمانُ ضمورا
ونساؤهم مثل الحمائم عُلّقت = بمخالب تهبُ النسور صقورا
وشبابهم كالعالقات ببركةٍ = في لحمها تلهوالضباعُ سعورا
والمرضعاتُ بحجرها أكبادها = تغفوعلى صدرالمنون بدورا
حَفرت مكائنهم وزادوا حفرها = حُفراً تكون مصارعاً وقبورا
بالقاذفات تجمّعوا وعبيدهم = وترنّحوا كالفازعين غرورا
وتراقصوا حول الضحايا سطوةً = ومضوا بها للجارفات عبورا
ورموهمو قسراً لظلمة حفرةٍ = أحياء يسعفها الجناةُ صخورا
يتهافتون على الأباة لودئهم = فكأنّهم كلب غدى مسعورا
ما حالهم أحياء تدفن في الثرى = وقلوبهم تزهو شدى ونظورا
يتأمّلون الى السما فتردّهم = للقعر أطنانُ التراب دحورا
يتشبّثون الى الجدار ليرتقوا = فيزيدهم حَفرُ الجدار قصورا
والأمّهاتُ الى الصغار سلالم = ترجو بأن تغدو الصغار طيورا
فتهامشت فوق الرؤس صِغارَها = غربانُ سود تلهم المقهورا
ما هزّهم صوتُ الرضيع مرفرفاً = تحت التراب وما بكوا المعصورا
أحياء يدفنها اللئام تفاخراً = وتدوسُ فوق رفاتها تنكيرا
حتى الشياطين العتاة تعجبوا = من فعلهم واستغربوا التبريرا
وتقهقرت فرق العبيد تقودهم = نارُ المذلّة لعنةً وثبورا
دفنت مكائنهم خُلاصة أمة = قد ذاقها جورُ الطغاة كدورا
صور الضحايا في الخلود كأنها = نحر يفيضُ الى السماء هديرا
وتساقطت سحبُ السماء فأنبتت = فوق القبور دلائلاً وزهورا
وتكالبت حول المقابر أمّةٌ = تذري التراب وتنشد المغدورا
حفرت أصابعها الصخورَ فأبصرت = بين التراب جماجماً وكسورا
فتلاقفتها بالعناق حرائرٌ = وروت مضاجعها العيونُ غمورا
وبركت أبحث في الثرى عن تؤمي = فتزاحمت حولي العظام نكيرا ***
قد هدّني ثقلُ المصاب لفقده = وأشابني جهلُ المقام دهورا
فعرفتُ أن مقامه أرض حوت = في كلّ شبر ضرغماً وجسورا
أرضُ العراق مقامه فغدى به = للعاليات منائراً ونذورا
فأخذت شوقاً حفنةً متأملاً = فوجدت فيها توأمي مبرورا
فشممتها وضممتها وقرأتها = سفراً يضئ الى الفلاح مرورا
عجباً تُساقُ الى المهالك أمةً = لم تجن ذنباً او تسنّ شرورا
قسماً ستبقى في القلوب وترتقي = هذي القبورمشاعلاً وبذورا
وبها العزائم في الصدور مسلة = تعلو الدهور مآثراً وقدورا
كتبت عليها بالدماء مفاخراً = وتزاحمت فيها النحور سطورا
فهي المقابرُ كالجذور لنخلةٍ = تهبُ التقاة شوامخاً وتمورا
الحق يعلو من ثراها كوكبا = وترابها زاد الشموس نشورا
أن الضحايا للضمائر تنتخي = أن لا تكون الى الظلوم جُسورا
ما مات منهم في المقابر راضخ = أو كان فيهم للطغاة نصورا
يعلوهموا شوق الترابُ جنائنا = فغدو به للصالحات جزورا
كالجذرطالوا في السماء براعما = وأذانهم حالَ الترابَ ثغورا
تهبُ النفوسَ تمائماً وعزائماً = وبها ترى للآملين زبورا
منها السراج الى التقاة جوامع = وبه العوالم تستنيرُ قمورا
القلبُ تبقى للأباة ومدّه = نبضٌ يكسر للطغاة ظهورا
ونسوكِ من طلبوا المنابر حصة = عميان قلب قد نسوا التنويرا
إن يذكروكِ فلن يراعوا حرمة = كالوارثين إذا نعوا المقبورا
لن يخفت النسيان وهجكِ أنّما = تبقين جسرا للسلام عبورا
ان المقابر لن تسد ضياؤها = حجب وان تعل الشعاع ستورا
اخي نجاح الوائلي اللذي غيب في الثمانينات ولم نعرف له مقاما فعرفنا بان العراق هو المقام ***
تابع موضوعك على الفيس بوك وفي تويتر المثقف
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2131 الجمعة 25 / 05 / 2012)