صحيفة المثقف

عراقيون .. ولكن بعد هذا الفاصل .. الطاولة المستديرة وساسة العراق / وديع شامخ

وأذهب الى رواية علم النفس، فالطاولة المستديرة هي واحدة من تجاربها حول فحص البشر على مستوى التلقي والتداول لحكاية واحدة ، خبر  يتم تداوله بين أشخاص يجلسون على طاولة مستديرة، إذ يتم الهمس في أذن الجالس الأول َخبر ما .. ويُطلب منه أن ينقله الى الآخر.. وهكذا حتى تتم الدائرة ويصل الخبر مرة ثانية الى السامع الأول .

 ولقد تم إكتشاف مهم جدا، وهو أن الخبر حين ينقل من شخص الى ثانٍ، تتم اضافة أو طرح معلومة على الخبر الأصلي من قبل الشخص مستلم الخبر، حتى بلغ العجب حين انتهت الدائرة ووصلت الحكاية الى ناقل الخبر الأول.. إذ أن الخبر صار مختلفا نهائيا ومثقل بحكايات وتأويلات غير موجودة في نسخة الخبر الأول ...

بين الأول والأخير بون شاسع من التصديق والتكذيب .. في الطاولة المستديرة يفحص الكائن عبر مسموعاته وإضافاته .. ومن فضائل الطاولة المستديرة أيضا انها بلا رئيس أو زعيم يتصدر الجلسة ويهيمن على الجماعة بخطابه وشروطه .. والحق أن

ساسة العراق يشتركون مع جلساء الطاولة المستديرة في الإضافة والتأويل والانصات الى الوشاية فقط.. كل واحد سمع الحكاية الأولى وأشاعها .. ولكنه لم َيسلم من الإضافة عليها، عبر مصدر الإضافة الخارجي وفقا لإنتمائه السياسي و شروط الممول الخارجي أو الداخلي ..

.................................

 

حكاية سحب الثقة نموذجا

لنأخذ قضية " سحب الثقة " من حكومة المالكي ونطبقها على مفهوم الطاولة المستديرة .. فجميع الفرقاء لهم أراء تتباين أو تشترك وفقا لمصالحهم وأهوائهم ومرجعياتهم الوطنية والأقليمية والدولية وربما " الإلهية " أيضا .. حسب تصريح السيد مقتدى الصدر الأخير في تعليقه على أن أمر سحب الثقة هو " مشروع عراقي وإلهي!!" .

 اللعبة الآن تريد أن تصل الى طريق مسدود بعد أن وجه رئيس الحمهورية " مام جلال" الى فرقاء سقيفة أربيل بانه " في حلّ من هذا الموضوع لعدم توافر الشروط القانونية له والمتمثلة بتوفر أصوات النواب الكافية لسحب الثقة، بعد ان سحب أحد عشر نائبا تواقيعهم وتعليق أثنان آخران لتوقيعهما، وهو مضطر الى الاستقالة من منصبه اذا ما واجه ضغوطا أكثر من قبل " جماعة أربيل" .. وهو يشير بشكل ضمني الى جهود غرماء العملية السياسية الى الانتقام من " المالكي شخصيا" متوعدين بجمع تواقيع كافية لسحب الثقة .. في حين ان " المالكي " يشير الى مناوئيه بالجلوس الى الطاولة المستديرة !!!

وقد وصل الأمر الى أن الرئيس طالباني كذّب أياد علاوي.. في قضية طبخة إزاحة المالكي سياسيا والتي كانت غير ناضجة .. لذا أظهر لنا المطبخ السياسي العراق، وجبات عسيرة الهضم .. وأبرزها " الإصرار على زوال المالكي" وكأنه الطامة الكبرى، ومخرب العباد.

المشكلة أن فرقاء العملية السياسية لا يريدون الإمتثال والجلوس على طاولة الحوار الوطني المستديرة، لأن هذه الطاولة بقدر ما تسمح بالتأويل والإضافة فأنها تجرّد رؤساء القوائم من سيادتهم وسلطانهم وتصدرهم للطاولات المربعة والمثلثة .. الخ.

الطاولة المستديرة تعني " عراقيا " الجلوس كمحاورين متكافئين في الحقوق .. بطرح كل ما يتعلق بأداء الحكومة والمالكي شخصيا وفقا للدستور الموجود حاليا والمقرّ والمعترف به من قبل معظم أطراف العملية السياسية ..

الطاولة المستديرة الآن تمثل الحل الأكثر واقعية لتدارك المزيد من الوشاية والاضافة والتأويل القادمين من خارج الحدود العراقية.

...................

 

الدم العراقي الرخيص

يقول الفيلسوف كارل بوبر: "ترتكز الحضارة أساسا على تقليص العنف" وهذا، في رأيه، هو الهدف الرئيسي الذي ينبغي أن تسعى إليه الديمقراطية. ويشير إلى حرية الأشخاص غير مضمونة في المجتمع إلا بقدر ما يتخلى جميع الأشخاص عن استخدام العنف: "تتطلب دولة القانون اللاعنف الذي هو نواتها الأساسية"

قد يعلم ساسة العراق وسادتهم ومسؤوليهم، أن الافراط والإصرار على إستمرار الإحتقان السياسي والفرقة والتباعد في رؤية قيادة دفة الحكومة، هو السبب المباشر والرئيسي لهذا الثمن العظيم الذي يدفعه المواطن العراقي بيد عصابات الدم ومافيات الإتجار بالإرواح البشرية وسيادة مبدأ العنف .. وهو ما حصل في الأيام القليلة السابقة وبمناسبة الزيارات " المليونية "!! وما شهدناه بألم وحزن من الإستهتار بالدم العراقي الكريم، و بحياة العراقي عموما، الذي قضى أكثر من أربعين عاما ضحية مجانية في دائرة " جمهوريات الخوف والإستبداد" .

 هل هذا كلّ ما في جعبتكم ياساسة العراق ؟؟

أليس إختلافكم وتناحركم، وهبوب رياح المرجعيات الأقليمية والدولية على مشاريعكم وأجنداتكم السياسية هو السبب الرئيسي لهذا الدم العراقي المجاني ؟؟

.............................................

 

يبدو أن الساسة في العراق قد أصابهم الهلع من الجلوس على طاولة واحدة ..، حيث لا يتاح لهم ممارسة هواياتهم الرئاسية مع مريديهم وعبيدهم فقط، دون أنداد فاعلين .

الطاولة المستديرة تعني أن الاشخاص المجتمعين سيكونوا على درجة واحدة .. ينصتون الى الجميع .. لهم حصة واحدة في الحديث .. ولهم علاقة بمبدأ الطاولة في الجهل بالآخر " والناس أعداء ما جهلوا"، لذا يخاف الساسة في العراق فقدان مركزيتهم في الطاولة المستطيلة، حيث الرؤساء على الكراسي .. يقولون ولا يسمعون ..

والطاولة المستديرة تمدّ المجتمعين بعامل الشفافية والقرب .. وهذا ما لا يريده حكام العراق الجدد .. !!!

عجبا أن الساسة والسادة مصابون بداء مرضي يركز على الإنقضاض على شخص ما، دون ولوج أبواب مشرعة لمحاسبة الحكومة "المالكية" تحت قبة البرلمان عبر الإستجواب .. وهو سلاح ماضٍ وفعال ومرئي للجميع ..

أم ان سلاح البرلمان فيه من الفضائح أكثر من الستر مهتدين بمقولة " أذا بليتم فأستتروا"!!!وبتأويل مشوه ..

رضينا لكم التأويل والتقول والإجتهاد السياسي / ولكن بالتأكيد سوف لن يستمر هذا الدجل طويلا .

السياسي العراقي مطلوب منه أمام الشعب إثبات نزاهته أولا .. قبل استخدام سبابته الشخصية والجمعية ، وقوة مرجعيته لإدانة وتسقيط الشركاء..

وللشعب العراقي بعمومه درس خاص لابد من تجاوزه .. في إنتخاب هكذا شخصيات لاتستحق أن تكون في مقدمة الحياة العراقية، بتعددها وتنوعها وغناها الوطني والإنساني ...

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2155 الأثنين 18/ 06 / 2012)


...................

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم