صحيفة المثقف

رواية "سلوة العشاق" للكاتب علي خيّون ودلالة الرمز السردي الأسطوري / عامر هشام الصفار

وهو عندي من الكتّاب المجديّن المواظبين الذين تمتعوا بحب القرّاء لهم وأهتمام النقّاد ومنذ بواكير الكتابات الأولى بما كتبوا ونشروا من قصص قصيرة وروايات..وأقول روايات حيث نالت رواية علي خيون " العزف في مكان صاخب" أهتمام المرحوم شيخ النقاد العراقيين علي جواد الطاهر (1911-1996)، وهي رواية كانت قد صدرت عام 1988..وعلمت أن روايته المعنونة ب "بلقيس والهدهد"  قد نفدت طبعتها الأولى خلال الشهر الأول من صدورها في بغداد عام 1995. وكان خيّون قد أصدر روايته الأولى والمعنونة ب " صخب البحر" عام 1982 ببغداد..وفي كل ذلك دلالة  لا تخفى، حيث الزمن 35 عاما (أصدر مجموعته القصصية الأولى عام 1977) هو العمر السردي للكاتب مما لابد أن يصقل الخبرة ويزيد في ألق النتاج.

وقد وجدت نفسي مؤخرا في أحدى مكتبات مدينة الدار البيضاء المغربية أمام رواية الكاتب علي خيون الأخيرة والصادرة عام 2008 في دمشق حيث جاءت تحت العنوان-الدالة التي لها مغزى فكانت "سلوة العشاق" ب 140 صفحة من الحجم المتوسط صادرة عن دار نينوى للنشر.

شخصية العاشق والتناص مع التراث

و(عاشق) الرواية هو عراقي فنان أسمه عامر الرسّام ( وهو اللقب الذي يتطابق مع المهنة  فهو رسّام يرسم اللوحات الجميلة ويعلن عن نفسه بلافتة كبيرة تحمل أسمه..) وهو العاشق للفتاة "ساهرة" (ولم يكن أختيار الأسم هنا دون معنى)  والتي جاءت من البصرة بعد أن لاقت من قسوة أخيها الأكبر الأمريّن..حيث أتى بها بقطار البصرة-بغداد ليجد لها مسكنا في بيت من بيوتات منطقة "تل محمد" الشعبية القريبة على بغداد..وما قسوة الأخ الاّ لأرتباطها بحبيب أول أسمه "هاني" كان لعائلته ثأر عشائري مع عائلة "ساهرة" والأخ العسكري-مهنة، حامي الحمى، لم يحتمل الأمر فكان قراره هو ما فصلّت فيه الرواية في أستهلالها الأنيق.

وهو هذا الأستهلال الذي تتقدمه أستشهادات تراثية، فاذا ببيت شعر لزهير أبن أبي سلمى وآخر لقيس بن الملوح..وحكمة نثرية لأبن حزم الأندلسي، وفي كل ذلك يمهّد خيون لقارئه فيعلمه بتفصيل كلمة "سلوة" والفعل سلا وتصريفه.

 

حضور الأسطورة روائيا

ولعلي هنا أذكر مقولة للكبير جبرا أبراهيم جبرا صاحب "البحث عن وليد مسعود" وهذا يكفي ..حيث يقول" كل رواية عظيمة يجب أن تعمل على مستويين..واقعي وأسطوري..وأن مدى نجاح الكاتب يمكن قياسه بمدى قدرته على دمج المستويين معا بصورة مقنعة..". والمتابع لأعمال علي خيون الروائية يجد عنده الولع والأهتمام بتوظيف الأسطورة روائيا..وكأنه يصغي تلميذا نجيبا لأساتذة الفن الروائي في هذا المجال وعلى رأسهم نجيب محفوظ،  جبرا أبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف..وهكذا صار أهتمام خيون الأول بالهدهد وبلقيس أسطورة، وأهتمامه هنا في روايته الأخيرة بالموروث الشعبي الأسطوري حول الخرزة و"سلوة العشاق" ..حيث يسأل عامر الرسّام (شخصية الرواية المحورية) عجوز المحلة "أم ذياب" عن سلوة العشاق أو خرزة أذا سقطت عليها قطرات المطر وشربها العاشق فسيطيب بدنه بعد سقم جاءه من عشق وداء عشق..وهو عشق الرسّام عامر ل "ساهرة" التي يذهب الروائي في وصفها مذهبا مبالغا فيه أحيانا لتبرير عدد محبي هذه "الساهرة" ..معشوقة الرجال..ولكن الرسّام المتزوج ..الذي أذا ما عرفت زوجته به تركته..والذي أذا ما ذكر عشيق ساهرة الأول أمامها بعد جلسة حميمة تركته أيضا ..العشيقة المتمردة..ليبقى وحيدا يسأل "أم ذياب" عن سلوة العشاق ناظرا للوحة تبقى هي محورا من الشيء المشخصن في الرواية..وهي اللوحة التي كان قد رسمها قبل تعّرفه على "ساهرة"..وكأنه كان يعيش حلم العشق قبل معاناته حقيقة واقعة..

 

"السلوة" والدلالات السيميائية الروائية

كما أن هذا الأمر له في الرواية دلالات سيميائية عديدة، فالمثقف الفنان رغم عدم أيمانه بالسحر والسحرة..تراه يلجأ للخرزة –السلوة..لتعاف نفسه (مرض) الحب..الذي لا يريد أن يتعافى منه..كما أن اللوحة المرسومة بشخصنتها وأحتضانها من قبل العاشق عامر الرسّام في السطور الأخيرة من الرواية تعطي للمتلقي أنطباعا عن رومانسية أفتقدها في الزمن المعاصر الصعب هذا..

ومن ناحية أخرى تقرأ في أتجاه الشخصية المحورية "عامر الرسّام" الى التعويذة –السلوة تعبيرا عن أضطراب الشخصية وحيرتها. وهو الأضطراب النفسي وعدم الأتزان الذي يعكس نفسه مشاكلا أجتماعية كان المجتمع العراقي ككل يعاني منها في الفترة التي تتحدث عنها الرواية. وعندي أنها فترة نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من قرننا الماضي حيث الأشارة واضحة في الرواية الى أنشاء مدينة "الثورة" كما كانت تسمى على أطراف بغداد في ذاك الوقت..

 

الرومانسية: البناء الفني..وأسلوب التدوير

ومما تجدر ملاحظته أن علي خيون قد أكثر من حضور الشخصيات في روايته هذه  دون مسوّغ..فعلى مدى ال 17 فصلا والمرقّمة كذلك، يصل تعدادك لما يزيد على العشرين شخصية تظهر وتختفي بسرعة وأغلب هذا الأختفاء يأتي عن طريق الموت..والقتل بأطلاق النار، كما يحدث مع قدوري (أخ ساهرة) وشعاع (لاحظ دلالة الأسم) صاحبة البيت  التي تؤجر غرفه للطلبة صيفا، والخائنة لزوجها جهارا نهارا!.

وفي بنائه الروائي أستخدم خيّون تقنية التدوير في الزمن الروائي، فكان أن أنتهى بالخرزة-السلوة للعشاق كما أبتدى ..أضافة الى أهتمامه الواضح بالمكان تحديدا ووصفا.. ثم أنه بدا لي متأثرا بمنهج روائيات عربيات كتبن في السرد الرومانسي ومنهن المبدعة غادة السمّان..فجاءت بطلة روايته "ساهرة" متمردة..غير سهلة، على العكس مما قد يبدو لأول وهلة..فهي تخرج من علاقة غرامية الى أخرى لتستقر أخيرا، تاركة رجالا بين مريض بسببها وبين من يبغي الأنتحار حبا وهياما بها!.

وعندي أن خيّون أراد أن تكون "سلوة العشاق" رواية الرومانسية العربية المعاصرة..ولا رومانسية دون رموز ودلالات في مجال الجنس وممارسة الجنس ..مما جاء في الرواية بشكل واضح (أنظر صفحة 31 مثالا)..ثم أن السارد العليم هنا في بنائه الروائي يريد أن يكون ساردا حكيما أيضا..خاصة وأنه ذكر الأندلسي أبن حزم في البداية، فتراه ينظّر في الحب قائلا.." حبي لك ليس مثل حب أي أنسان عادي..تتحولين في نظرة الفنان بهذا الجمال الذي تحملينه الى تحفة فنية، ولأقل تتحولين الى رمز..الى معنى.." وتقرأ أيضا.."بدون الحب ..تبدو الحياة ثقيلة مرهقة.."

له الحق كاتبنا علي خيون بأن يظل يكتب ويكتب ..ويظل يبدع في رواية الحب..حبا للمرأة-رمزا لعيون الوطن..وهو يصيح في غربته " لن أسلو..لن أسلو..".

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2176 الأثنين 09/ 07 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم