صحيفة المثقف

قصص قصيرة جدا / حنون مجيد

سقط نظره عليه يجلس خلفهما تماماً ... انكمش وجهه على ابتسامته وكاد ينعطف عنه .

لم يترك الرجل له فرصة للهرب منه , إذ مضى يداعبه بصمت جميل ويبدي له وداً ليناً حتى انفرجت أساريره ورقت معالمه واستسلم اليه .

من حقيبته التي على فخذيه ، سحب مجلة للأطفال فتحها بين عينيه وغمره بصور الاطفال والطيور والزهور والورود الملونة التي انتشرت على صفحاتها الملساء . كان يقلب الاوراق الزاهية بتؤدة وهدوء، والصور زرق وحمر وخضر تترى وتتلاحق كالاحلام الوردية تحت عينيه الطفلتين .

كان يطمح الى ان يلوّن حياة هذا الكائن الصغير بما يسيح نظره عليه من أشكال والوان , وكان كلما قلب ورقة وبرزت صورة جديدة أو صورتان اشتدت دهشته وازداد انغماره وتحبب العالم اليه.

كان ذلك في حافلة كبيرة , ازدحم الناس فيها واختلطوا , لكن ما كان عليه طفل صغير في نحو الثالثة وعجوز في نحو السبعين , هو الفسحة الكبرى لكليهما هذا اليوم .

                                 11 / 3 /2008 _ 14 / 12 / 2010

 

رغبة

دخل المقهى .. شمل المكان بتطلع الوافد الغريب .. لم يجد هناك سوى رجلين غارقين في لعبة دومينو لم يردا على تحيته ، فانقلب عنهما مغضباً باحثاً عن صاحب المقهى الذي بادره باستكان شاي تتّوج فوهته سحابة بخار

فجأة ولسبب مجهول انقطع لعب اللاعبين . استدار نحوهما بنظرة الغضب ذاتها فألفى السكون قد خيم عليهما ونظرة كل منهما تستقر في البعيد .

مكثا صامتين لحظات ثم ما لبثا ان تبادلا الحديث . ارتفعت أصابع ومالت اكفّ , تغامزت عيون وفحّت حناجر واختلجت شفاه , وكان يتأملهما بشغف الواله المسحور , حتى اذا انهى شرب شايه وأنس الى لغة إشارية عذبة راقصة دونما صوت او مماحكة او ضجيج . سحب خطاه نحو الخارج محملاً بالذنب ومفعماً بالرغبة في ان يكون ثالث الاثنين .

                                     20/1/1992 _ 14/12/2010

 

تأجيل

أجّل كتابة قصته القديمة, وكان أجّل إكمال روايته .. راودته فكرة ان يكتب قصة جديدة وجدها لذيذة وممتعة , لكن قصة أخرى كانت أطرف بزغت فجأة في ذهنه ففكر في ان ينجزها خلال يوم او يومين قادمين . كان يؤجّل ويؤجّل , لكن ما كان يطلب تأجيله أكثر من غيره قدوم يومه الاخير, لينجز كل شيء أجلّه .

14/12/2010

 

الساعة

الساعة معلقة فوق رأسه على رف خشب كبير ، هو يراها ، على الرغم من قربها النسبي ، بعيدة عنه بعداً اسطورياً .. انها تضرب رأسه وفؤاده ضربات ثقيلة متباطئة ، فيبحث ، عن وسيلة اليها لم تعد لديه . كل همه أن يحتضنها بيديه ليزيح عنها الغبار الذي ملأ زجاجها وتسرب الى أحشائها .

لكي ينفض عن جسده غبار الكسل والنوم ، وقف على اطراف اصابعه ، وشهق بقامته وحلّق بذراعيه .. فعل ذلك ثانية وثالثة وكان الرف يقترب وحافته تتدانى ولو كان لأصابعه مجسات قصيرة للمسته .

عند الرقبة المشرئبة والكف المتشنجة والاصابع المتطاولة شعر آلاماً لم يشعرها من قبل .. لقد بذل اقصى ما بمقدوره ان يفعل حتى الآن ، فيا للساعة ذي كم هي قريبة وكم هي بعيدة في آن.

اجتاحت جسده موجة غضب أطلقت فيه آخر موجات طاقته ، فارتفع كالطائرالممشوق وامسك بحافة الرف وتعلق هناك . انها الآن في مدار يديه ، وجهها الى وجهه وعقاربها بين عينيه..تحت ثقل جسده الذي كان يتزايد كلما تقدمت اللحظات اهتز ثبات الرف، ومال نحوه فانحدرت معه انحداراً وئيداً أولاً ، ثم سريعا حينما تخلّعت قواعد الرف فسقط الجميع على الارض . بكل قوة اسرع الى التقاطها، أحاطها بيدين شديدتين وأوغل نظره في عمقها المغبر .فك غطاءها وشرع يزيح الغبار الذي شوّه زجاجها والتف على عقاربها ، جعل يلف نوابضها ليعيد الحياة اليها ويرتب الزمن فيها .. ماضياً في القول : كان ينبغي علي ان افعل هذا قبل الان.

                                                               14/5/1990

20/3/2011

 

ممنوع

في المحطة التي تقع عند منتصف الشوط ازدحمت الحافلة بالركاب . اغلقت بابها الرئيس وانطلقت . ما ان قطعت مسافة قصيرة وفطن طفل الى انه نسي حقيبته في المحطة السابقة جراء الزحام ، حتى هتف :

-أيها السائق ، لقد نسيت حقيبتي على الرصيف فأنزلني .

رد السائق وعيناه مثبتتان على الطريق المسور في جانب منه بجدار طويل:

- ممنوع .

تلفت الطفل جزعاً هنا وهناك وتألقت في عينيه دمعتان رأى من خلالهما عيون الركاب مكتظة بالالم لكنها خرساء تحدق فيه ، ثم رأى رجالاً عسكريين يحرسون المسافة المسورة ذي فصرخ مجددا :

   - انزلني هنا الم اقل لك لقد نسيت حقيبتي هناك ؟

رد السائق دون ان يلقي نظرة الى الوراء :

   - ألم اقل لك انه ممنوع ؟

واصلت السيارة ، هادرةً ، تقدمها للامام لا تمنعها عن ذلك رغبة الطفل في ان ينفذ من خلال شباك مفتوح، ولا قدرته الوهمية على ان يحطم الباب .

                                                                 28/11/1989

                                                            25/12/2010

                              

الكرادة

ما تزال الاسماك تسبح في احواضها ، صفوف الدجاج في الانتظار ، الاطفال على دراجاتهم الهوائية ذهاباً الى المدرسة وعودة منها ، الاسواق تفتتح للناس عند باكرالصباح ، وتغلق عند اخر الليل ، وهناك ماتزال المفخخات تدور في غيب الكرادة ، التي تنام و‘تصبح مثل كل مرة على يوم جديد.

 

هدية  

عندما انتهى من قراءة الرواية التي بين يديه ضم دفتيها على ورقة كتب فيها:

أهديك ما هو اعظم من قلم مطعّم بالماس ، واثمن من اغلى ساعة يد ، اجمل من قلادة جيد ،وافضل من الف شال او ربطة رأس، فان لم تكن كذلك ردّيها ، ولسوف اهديك كل تلك الاشياء تباعاً ، وأكفّ عن اهدائك شيئاً من هذا النوع

28/2/2011

 

لكي يرى جيداً

استيقظ على صوت صديقه ، يقف على رأسه ، يقول :

-     مالي أراك تنام لابساً نظارتيك ؟

أجاب :

-     آه ، لكي أرى أحلامي جيداً .

بغداد 5/5/2010

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2200 الاربعاء 8/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم