صحيفة المثقف

إرث كافكا / ترجمة: أحمد فاضل

وأن هناك قصة كبيرة لن يكتبها عن رحلة مخطوطاته ورسائله، وكيف ستباع في ظروف غامضة لازالت خيوطها عالقة في قبو النسيان، الأمر اللافت للإنتباه محاولة الدولة العبرية في إسرائيل الأستحواذ على هذا الكنز الثمين بشتى الوسائل، مع أن وصية برود ماكس صديق كافكا الحائز على جميع تراثه لم يخص إسرائيل به فقط بل أوضح أن بمقدور " الخارج " الاستفادة منه أيضا، وهذا ليس غريبا عن هذه الدولة التي اغتصبت أرضا عربية هي فلسطين واستحوذت حتى على تراثها الفني والأدبي وعرضه في المحافل والمهرجانات العالمية على أنه تراث إسرائيلي في محاولة منها لطمس ومصادرة كل ما هو عربي هناك . (المترجم)

الفصل الأخير من قصة إرث كافكا الأدبي انتهى الأسبوع الماضي في قاعة محكمة الأسرة في تل أبيب بإسرائيل، حيث قضت هذه المحكمة مساء الرابع عشر من أكتوبر لهذا العام بنقل إرث الأديب الألماني الكبير فرانز كافكا وصديقه برود ماكس الى المكتبة الوطنية الإسرائيلية، وقالت قاضية المحكمة تاليا كوبلمات باردو في حكمها أن مجموعة " برود " يجب تقديمها الى المكتبة الوطنية في القدس تنفيذا لرغبته، هذا الإرث من الكتابات أصبح مرادفا للوحشية والاغتراب والكآبة التي عرف بها كافكا الذي كان قد طلب من صديقه ماكس قبل وفاته عام 1924 من حرق جميع الأوراق الخاصة به، لكن صديقه ضرب بوصيته تلك عرض الحائط وقام بنشر العديد من أعمال كافكا بعد وفاته التي كرسته كواحد من أعظم كتاب القرن العشرين المنصرم، وعندما غزت المانيا النازية براغ عام 1939 اضطر ماكس التشيكي الهرب إلى فلسطين حاملا معه كل تلك الأعمال من كتابات كافكا، وقبل وفاته عام 1968 ترك أرشيفه الضخم بما في ذلك الأوراق الخاصة بكافكا في عهدة سكرتيرته وعشيقته استير هوف مع وصية ان تقوم الأخيرة بفهرستها ونقلها إلى مكتبة الجامعة العبرية في القدس أو مكتبة البلدية في تل أبيب أو أي مؤسسة عامة في داخل إسرائيل وخارجها، وبدلا من ذلك فقد احتفظت هوف بما لا يقل عن 10 صناديق حديدية تضم محتويات ذلك الأرشيف داخل شقتها في تل أبيب ونقلت الباقي منه إلى سويسرا، وبدأت ببيع أجزاءا منه لمن يدفع أعلى سعرا أهمها المخطوطة الأصلية لقصة " المحاكمة " التي نشرت في العام 1925، وبعد وفاتها عام 2007 عن عمر ناهز المئة وواحد استولت بناتها على ما تبقى من ذلك الأرشيف ووضعن خططا لبيعه .

ويعتقد أن المجموعة المتبقية منه تحتوي على مذكرات غير منشورة لبرود ماكس تحتوي على أسرار مهمة لم تنشر عن حياة كافكا وأجهزة الكمبيوتر المحمولة المليئة بالكتابات التي يمكن أن تحتوي على كنوز أدبية جديدة، وهناك أيضا المراسلات بين كافكا وبعض الكتاب الباررزين في عصره ومنهم الروائي الروسي الشهير ستيفان تسفايج .

المكتبة الوطنية الإسرائيلية تدخلت من جانبها بقوة بعد أن وجدت تحديا من بنات السيدة هوف بعدم تسليمهم الأرشيف بحسب الوصية التي كان قد تركها ماكس ما جعل من الدعاوى المقامة بينهما تأخذ وقتا طويلا استمر مدة خمسة سنوات فقد خلالها الكثير من ذلك الأرشيف، لكنها عادت إلى أروقة المحاكم ثانية حيث قضت القاضية باردو بعودة الأرشيف إلى المكتبة الوطنية قائلة :

- لا اعتقد أن المدعين قد استوفوا الشروط القانونية بدعوتهم المقامة بالاحتفاظ بالأرشيف كونها رغبات شخصية للإستيلاء على ما لايملكون، وكون هذا الإرث يعود لإثنين من أعظم مفكري القرن العشرين، هذا الأرشيف لم يكن عقارا ليهدى أو هدية عادية، آمل أن نكون قد حققنا رغبة السيد برود ماكس التي سوف تجد مكانها الصحيح في النهاية .

وحتى نهاية الإجراءات القانونية فلا أحد سوف يعرف بالضبط إرث كافكا الأدبي الذي أودعه صديقه ماكس على الرغم مما كتب عنه حتى الآن، فقد قال شمعون الرمال أستاذ اللغة الإنكليزية الفخري بالجامعة العبرية ومؤلف كتاب " بعد كافكا " :

- انا أفهم أن هناك مذكرات تحكي قصة لقاء كافكا بماكس وكيف أصبحا من أعز الأصدقاء، لكنني لا أفهم لحد الآن ماذا تبقى من هذه المذكرات ؟ برود ماكس كان أقرب شخص لكافكا، وكان صديقه منذ أيام الدراسة الثانوية وحتى النهاية، كان الشخص الوحيد الذي حافظ على كتابات كافكا بعد أن طلب منه الأخير حرقها ولم يفعل ذلك وهذا برأيي إنجاز كبير وسيكون مدعاة للإهتمام من قبل جهات عديدة .

ديفيد بلومبرغ رئيس المكتبة قال من جهته أنه سيتم فهرسة جميع الأرشيف وعرضه على الملأ في أقرب وقت ممكن، وقال :

- نحن لانعرف لحد الأن حجم الأضرار التي لحقت به بالضبط، لكننا نملك تجارب سابقة بالتعامل مع مثل هذه المجموعات من المحفوظات، لكننا نتوقع دائما حدوث مفاجآت عديدة في عملنا، همنا هنا أن يكون هذا التراث في خدمة الدارسين والعامة وقد نتمكن في المستقبل من تحميل آلاف الصفحات منه على شبكة الإنترنت وسنكون سعداء بذلك .

يبقى أن نذكر أن كافكا كان قد طلب من حبيبته دورا ديامانت عندما كانا لايزالان على علاقتهما حرق بعضا من كتاباته البالغة 35 رسالة وعشرين دفترا، لكنها لم تفعل أيضا واستطاعت انقاذهما من الدمار الذي لحق بمنزلها في برلين عام 1933 بسبب غارة للغستابو الألمان عليه، لكنهم صادروا معظم تلك الرسائل ولم يعرف مصيرها حتى الان، بينما تحتفظ مكتبة بودليابان في أوكسفورد بأغلبية مخطوطات كافكا منذ عام 1956 والتي أودعتها هوف هناك، وترفض تسليمها إلى بناتها رغم عشرات الدعاوى المقامة ضدها من قبلهم بسبب مطالبة الجهات الإسرائيلية بها، وهي الآن تحت يد الباحث مالكولم باسلي، الجامعة تحاول إقناع الأسرة والدولة العبرية بشرائها ولازال الأمر لم يحسم هناك .

 

كتابة / ماثيو كالمان 16 أكتوبر / تشرين الأول 2012

عن صحيفة / الإندبندنت اللندنية

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2254 الاربعاء 24 / 10 / 2012)


في المثقف اليوم

في نصوص اليوم