صحيفة المثقف

مثـــــــــلي تشــــــــهق النــــــايات والتجلي الحسي للأفكار / مثنى كاظم صادق

إنه الشاعر العراقي شاكر مجيد سيفو . وبعد ففي كل عمل إبداعي نوافذ كثيرة يطل منها المتلقي، إلى الأفق الرحب ؛ ليتمتع بلذة المشاهدة الإدهاشية وديوان (مثلي تشهق النايات)(1) هو أحد الأعمال الإبداعية لسيفو، ولعل ثيمة التجلي الحسي للأفكار يقع ضمن نافذة إدهاشية من نوافذ الديوان، بدءاً من بنية عنوانه الذي يشي بالقيمة الصوتية للشهيق، إذا ما سلمنا بالمقولة النقدية المعروفة بـــــ (المغالـــطة القصدية) فالشهيق هو علامة الحياة للإنسان، وأن استعمال الشاعر للآلة الصوتية المعروفة (الناي) دلالة على الأنين والحزن علماً أن هذه الآلة من الآلات الحزينة الشجية الصوت ولكي يزيد الشاعر من قيمة الحزن عنده، عمد إلى قلب التشبيه، وجعل هذه الآلة جمعاً وهذه النايات تشبهه في الشهيق (النشيج) والغاية منه تمتين العلاقة بين المشبه (النايات) والمشبه به (الشاعر) . اتسمت قصائد الديوان بالرشاقة والخفة والتكثيف ضمن وحدات نثرية قصيرة، تفصلها عن بعض ثلاث نجمات شكلت هذه الوحدات أقانيم الديوان (كل هذه السنين / بأضراسها وأسنانها / جمعت أوجاعها / وأودعتها تحت سن العقل) ص 3 فمن الملاحظ أن الصورة التي تأسست في نص سيفو هي صورة عجائبية، تقوم على المفارقة المتلبسة فكرياً بالمحسوس، ضمن الأنساق المشاهدة والمعاشة في الواقع المحلي، وقد تجلى الألم المعنوي واندماجه بالحسي، ضمن تقنية التورية في عبارة (سن العقل) التي لها معنيان الأول : قريب وهو سن العقل الموجود في الفك المشهور بألمه عند الخروج، والآخر بعيد وهو الــــ (السن) بمعنى العمر الناضج للإنسان الذي يكون فيه الألم محسوساً أكثر، وتأتي بنية الاستفهام المجازي التعجبي ؛ لنستجلي منها 680-shakerاستدارة النص وتكوره، باستعمال الأداة (من) المستفهم بها عن العاقل (الريح تكنس ألقابهم / إذن من يطرد الريح من المملكة) ص 6 فالريح لها الفعل الحسي (تكنس) الذي يقع على المفعول به الفكري (ألقابهم) كما أن لها صفة الخلود إذا ما انتهت الألقاب، لكن ويبقى سؤال الذات بــــ (من) مبهماً عن الأقوى من الريح، فهي علامة على المطلق المتحرك، الذي يدخلنا إلى الوظيفة التنفيذية للزمن (الريح) في الكينونات الأخرى (حين ملأت كفي / بخرز زرقاء من مسبحة أمي/ رأيت السماء قريبة من راسي) ص 11 إذ جاء ظرف الزمان (حين) لتمتين العلاقة الجدلية بين الأم والسماء، عن طريق اللون الأزرق لحبات خرز المسبحة الذي يضارع السماء، ويضعنا الشاعر في معادلة التداخل ببنية التجنيس (دائماً كنت أطل بقوس قزح / شعري / يقاسمني وحشتي / ووحشيتي ودادائيتي / وسورياليتي وسوريانيتي) ص 15 فالصورة التي حققت الاستجابة، تندغم على وفق مرجعيات ثقافية واجتماعية للشاعر، جاعلاً الشعر قسيماً لها، من خلال نزوع النص إلى البنية التجنيسية غير التامة، أتقنها الشاعر بامتياز ـــــــ وحشتي / وحشيتي ــــــــــ و ـــــــ سورياليتي / سوريانيتي ـــــ ولعل الضبابية التي تحتاج إلى إعمال الفكر والتأمل تلف أحياناً نصوص المجموعة، ولاسيما عندما يقرر الشاعر إلباس نصه ثياب الإمبراطور التي لا ترى !!! (تسور عينيها / بأم سبع عيون / من عيون الحساد / هذا المساء / سيكون عشاؤنا / حروف العلة / خوفاً من الحسد !!) ص 23 فالشاعر يخترق أنظمة التفرد من خلال حقن النص بجرعات متغلغلة من الخوف من الآخر / الحاسد ؛ بـــــ (تحصين) العيون بإيقونة متعارف عليها شعبياً (أم سبع عيون) لكنه لا يطمئن لهذه التعويذة ؛ فيركن إلى عشاء صوتي حميمي تحققه أصوات العلة الثلاثة المعروفة، ويجنح الشاعر إلى الكناية الكبرى، التي يستدل منها المتلقي على صنف دم حبيبته (صنف دمك المبارك / لا يحتاج إلى فحص مختبري/ لأنه كريم جداً / فالأصناف كلها ضيوفه) ص 28 فالتداعيات العفوية العاطفية جاءت ضمن مدار غزلي مبتكر موكول بصفة علمية وهي (الواهب العام) لفصيلة الدم (o) . شاكر مجيد سيفو في هذا الديوان يجعل نصوصه ترتدي ذلك المعطف المندى بالحب والجمال .

 

........................

(1) مثلي تشهق النايات، شعر شاكر مجيد سيفو ، المجلس القومي الآشوري شيكاغو، 2006م .

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2272 الأحد 11 / 11 / 2012)


في المثقف اليوم

في نصوص اليوم