صحيفة المثقف

المغتربون العراقيون ودورهم في الانتخابات القادمة

 تسهم في صقل الشخصية واغنائها، الذاكرة هنا تاريخ مشهدي، فاعل ومتفاعل، كينونة قائمة بذاتها، ليس ماضيا نجره عنوة لنرثيه او نلومه، نمدحه او نلعنه، بل صديق حميم، نستلهمه حين نسعى، ويستنهضنا اذ نتقاعس، لكن "الغربة يا وطني، جرب يأكل روحي" هكذا عّبر الشاعر العراقي مظفر النواب وهو يقيس مديات الغربة بمسطرة الحنين.

ومن الظواهر الغريبة في تاريخ العراق، ان هذه الأرض التي طالما اجتذبت أقواماً من شتى الأصقاع ليتخذوا منها وطناً عبر عصور وأزمنة طويلة، تحولت لاحقاً وبفعل سياسات الحكومات المتعاقبة منذ اعلان الدولة العراقية الحديثة عام 1921، الى مصدر لهجرات مضادة نحو الخارج هربا من القمع والملاحقة، وقد تكثفت الهجرة بعد قيام النظام الجمهوري عام 1958 وما تلاه، ومازالت مستمرة حتى اليوم،فماهي أهم موجات الهجرة العراقية ودوافعها؟ وكيف انعكست على واقع العراق السياسي والإجتماعي؟.

 

المهاجرون العراقيون وتأثيرهم في الواقع السياسي العراقي

في إجراء إتخذته المفوضية العليا للإنتخابات عام 2005 وبالتنسيق مع الأمم المتحدة، تقرر فتح مراكز إقتراع في (14) دولة عربية واجنبية، ليتمكن العراقيون في تلك الدول وما جاورها، من المشاركة في الإنتخابات، وبالرغم من الإشكاليات المتعلقة أساساً بمواقف الدول التي يتواجدون على اراضيها، أو بقضايا إدارية وتنظيمية يمكن ان تحول دون مشاركة كثيفة لهؤلاء في عمليات الاقتراع،الإ ان المفوضية المذكورة توقعت مشاركة ما يزيد عن نصف مليون صوت، وذلك من أصل أكثرمن ثلاثة ملايين عراقي ينتشرون في بلاد الإغتراب، وهو ما يعني بلغة الأرقام، ضمان وصول مابين عشرين الى ثلاثين نائباً في الجمعية العمومية،وبأصوات المغتربين التي تمثل حوالي 8% من مجموع الناخبين العراقيين االبالغ أثنى عشر مليوناً وتسعمائة ألف نسمة  -حسب قوائم عام 2005-، أي ما تشكل نسبته 10% من (275) مقعداً مقررة  للجمعية .

لكن الى أي اللوائح ستتجه أصوات الكتلة الأكبرمن المغتربين ؟ وما هي الأحزاب أو التيارات السياسية الأكثر نشاطاً بينهم، والقادرة بالتالي على الإستقطاب لصالحها؟

قبل الإجابة على  هذه الأسئلة ن ينبغي أولاُ الإطلاع على خارطة الهجرة من العراق والأسباب التي رافقتها او ادت اليها، للوقوف من ثم على الحيثيات التي يمكن ان  تدفع بهؤلاء للذهاب الى صناديق الإقتراع والمشاركة في رسم مستقبل العراق .

من المعروف تاريخياً ان العراق من البلدان المستقطبة للهجرات، فقد دخلته وعلى موجات كثيفة متتابعة، مجموعات كبيرة من القبائل العربية القادمة من شبه الجزيرة العربية من عدنانية وقحطانية، وذلك منذ القرن الاول للهجرة وما قبله، حتى بدايات القرن العشرين وتاسيس الكيانات السياسية  التي رسمت على اثرها حدوداً معترفاُ بها وتشريعات قانونية حددت بموجبها أنظمة الهجرة وشروطها،  وبالتالي حولت وجهتها، من بواعثها الإقتصادية والإجتماعية، الى مسببات سياسية في الغالب، وقد برز ذلك في العراق بوجه أكثر وضوحاً كما سنبين لاحقاً  .

 

أنماط الهجرة من العراق ومراحلها

تعددت أنماط الهجرة من العراق وتنوعت مظاهرها بتنوع الأسباب التي أدت اليها، لكنها تمحورت بالإجمال حول مايمكن تسميته ب" الهجرة القسرية " أي تلك التي أجبرأصحابها على الهجرة تحت ضغط سلطة سياسية أو إجتماعية مباشرة، وهو النوع الأكثر شيوعاً الذي عرفه العراق، اما الهجرة لدوافع إقتصادية أو إجتماعية أو غيرها، فلم يأت على ذكرها الإ ربطاً باسباب نتجت بدورها عن سوء الإدارات السياسية للحكومات العراقية المتعاقبة، والتي إستنفدت إمكانات البلد في حروب وصراعات، إدت بالمحصلة الى إفقارالعراقيين ودفعهم للبحث عن لقمة العيش في أوطان أخرى، وما عدا ذلك فلم يحسب العراق في قائمة الدول الفقيرة التي تشكل في العادة مصدراً للهجرات، وذلك لوفرة ما فيه من  الثروات من جهة، وخلوتاريخه الحديث من الكوارث الطبيعية أو الحروب الأهلية من جهة اخرى  .

وبالعودة الى تاريخ " الهجرات القسرية " من العراق وأشكالها الفردية والجماعية،  يمكن القول أنها بدأت تأخذ أبعادها الواضحة منذ العقد الأول لتأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن المنصرم، وإستمرت بالتصاعد حتى بلغت ذروتها في الخمسينات منه، وقد طالت يهود العراق اولاً، حيث كان لنشاط الحركة الصهيونية وتواطوء الحكومات العراقية مع الإحتلال البريطاني آنذاك، أثره الفاعل في هجرة ما يقرب من ( 118000)  من يهود العراق في عملية " عزرا ونحميا "  الشهيرة، خاصة بعد إصدار حكومة توفيق السويدي قانوناً خاصاً سمح بموجبه لليهود الراغبين بالهجرة، التخلي عن الجنسية العراقية .

 كانت تلك الشرارة  الأولى التي أطلقت بعدها  سلسلة من الهجرات العراقية، التي كانت ترتفع وتنخفض تبعاً للتطورات السياسية المتلاحقة التي شهدها العراق، والتي تسارعت وتيرتها بعد قيام النظام الجمهوري بشكل مطرد، فقد إتخذت تلك الهجرات طابعاً دورياً إرتبط بتغير الحكومات والأنظمة، حيث تتبعها في العادة عمليات تطهيرية أطلق عليها "  إزالة مخلفات النظام السابق " وهو مايعني فئة واسعة من وزراء و موظفين إداريين و ضباط وما يتبعهم أو ينتسب اليهم من عائلات وأصدقاء وأقارب، يجري نفيهم أو دفعهم الى الهجرة، وهكذا يمكن رصد ظاهرة إرتباط الهجرة الجماعية القسرية بتواريخ  التغيرات السياسية التي يمكن جدولة أهم مراحلها في مايلي :

عام 1958 : في هذه الحقبة هاجرت أعداد كبيرة من أنصار الملكية شملت سياسيين ومثقفين وكفاءات علمية وأكاديمية من مختلف الطوائف والإثنيات، بإتجاه بيروت وعمان وعواصم عربية أخرى، ومن ثم نحو بريطانيا بشكل خاص حيث مازالت الأجيال اللاحقة تواصل حياتها حتى اليوم .

الفترة من  1963الى 1969: وهي السنوات الاكثر إضطراباً في تلك الحقبة، فقد تبادلت عليها عهود ثلاثة، وتصارعت فيها قوى مختلفة برز خلالها العنف كإسلوب وحيد يمكن اللجوء اليه لحسم الخلافات، وقد دشنها عبد السلام عارف بسلسلة من التهجير طالت أنصار عبد الكريم قاسم وقوى أخرى حليفة ومعارضة على حدّ سواء ومن كافة الإتجاهات السياسية والمناطقية، وإن نال الجنوب العراقي القسط الأكبر بإعتباره مركزاً مهماً لمؤيدي " الزعيم "، ثم  جاء دورالمجموعات المشاركة في إنتفاضة الأهوارأواخرأيام حكم عبد الرحمن عارف، وبعد تدشين قصر النهاية في الأيام الأولى لإستلام " البكر" زمام السلطة، هربت مجموعات اخرى من السياسيين على مختلف إنتماءاتهم، أما موجة الهجرة الجماعية الثانية في العراق الحديث، والأولى من حيث الحجم، فهي تلك التي شهدتها الأعوام 69-70-71، حيث طالت ما يزيد عن مئتين وخمسين الف نسمة جميعهم من الشيعة، هجروا بإتجاه إيران  بدعوى انهم من التابعية الإيرانية، وهذه المسألة يعيدها الباحثون الى ايام العهد العثماني، حينما حسبت بعض العوائل العراقية ضمن التابعية الإيرانية، تجنباً لسوق أبنائها للخدمة الإجبارية في الجيش العثماني، وعند قيام الدولة العراقية الحديثة، إشترط قانون الجنسية الأول، أن يكون المواطن من التابعية العثمانية حصراً، كي يصبح من رعايا الدولة الوليدة آنذاك  أي العراق، وقد إستمر العمل بهذا القانون ساري المفعول حتى اليوم .  

كانت السنوات التي إمتدت من عام 1971 حتى عام  أواسط1977، بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة، فهذه السنوات الست هي الوحيدة التي عرف فيها العراق نوعاً من الإستقرار السياسي، رافقه إزدهار في مختلف الميادين، أمنته الفورة النفطية حينها، ففي هذه المرحلة شكلت الجبهة الوطنية وإستقر الوضع في الشمال العراقي بعد إتفاقية الجزائر، وأرتفع مستوى الدخل الفردي بشكل ملحوظ تبعاً لإنخفاض معدلات البطالة، فبدا العراق وكأنه يحث الخطى نحو بناء بلد  بمقاييس عصرية من الحداثة والتقدم، لكن ما ان أطل عام 1977  حتى بدات الاوضاع بالتدهور، فقد بدات الجبهة الوطنية بالإنهيار، وضربت الأحزاب المشاركة، بل و كافة التيارات المعارضة الأخرى، فتوزعت غالبية مناصريها وأعضائها، بين بيروت ودمشق ودول أوربا الشرقية .

 بعد ذلك بسنتين إستلم " صدام " مقاليد السلطة بعد إزاحة " البكر "،ومن جديد بدات جموع الهاربين تغادر العراق زرافات ووحداناً، ثم حدثت موجة كبرى ثانية وصلت الى حدود النصف مليون مهجر ( يشير المركز الوثائقي لحقوق الإنسان في العراق، أن عدد المهجرين منذ النصف الأول من عام 1980 وحتى نهاية عام 1988، بلغ مانسبته  من 350،000 – 500000 ألف مهجر ) وكان معظمهم من مؤيدي الحركات الإسلامية الشيعية،خاصة حزب الدعوة بعد إعدام مرجعه الديني السيد محمد باقر الصدر،وقد توجهت الكتلة الأكبر منهم نحو إيران .

أما أكبر موجات الهجرة من العراق حجماً وأكثرها أهمية، فهي التي حدثت على موجات متواصلة إبتداءاً من عام  1991وما زالت قائمة، و قد طالت جميع مكونات الشعب العراقي جنوباً ووسطاً بوجه عام، فيما خفت نسبتها من بعض مناطق الشمال الكردية لتمتعها بالحماية والحكم الذاتي، وفي هذه المرحلة فتحت مجالات الهجرة على نطاق واسع نحو أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا والبلدان الإسكندنافية، بمساعدة مكاتب مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة المنتشرة في الأردن وسوريا ولبنان وتركيا وسواها، وضمن برنامج إعادة التوطين، وجد مئات الآلاف من العراقيين طريقهم للإستقرار في تلك البلدان، فيما بقيت مجموعات أكثرعدداً  تعيش في البلدان المجاورة .

 

أعداد المهاجرين حسب بلد الإقامة:

لا تتوافر إحصاءات رسمية لعدد المهاجرين- أو المهجرين- العراقيين، سوى ما توفره القوى السياسية العراقية أو مراكز البحوث المهتمة بالوضع في العراق أو منظمات حقوق الإنسان ومكاتب الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويمكن الإعتماد على تلك المعلومات لإعطاء صورة اجمالية عن الخارطة المهجرية للعراقيين، وبالتالي توفير مستلزمات أولية لمحاولة التقرب من قراءة نتائج وتأثيرات أولئك المهاجرين في الإنتخابات العراقية، والأطراف السياسية التي يمكن لها أن تكون الأكثر إستفادة من أصواتهم .

تشير التقدبرات الى أن عدد المهاجرين يقارب الثلاثة ملايين نسمة، تبلغ نسبة الناخبين من بينهم ما يقارب 40%  - حسب تقديرات المفوضية العليا للإنتخابات – أما توزعهم الجغرا في فهو على الشكل التالي:

إيران :  000،900  - 000،1000  نسمة  ( بعد سقوط النظام السابق،عاد منهم الى العراق بحدود  000، 250  كما تشير بعض المصادر )

الأردن : 000،200 – 000،250   نسمة ( الأعداد متغيرة بإستمرار)

بريطانيا :  000، 400  – 000، 500  نسمة

السويد :  000، 50

الدنمارك : 000،40

إستراليا والنروج والمانيا : 000، 100 –  000،150

 : سوريا : 0000 35    0000 50 ( التقديرات الحالية تذهب الى أكثر من ذلك )

أمريكا :  000، 32

كندا : بين 000،10 – 000،15 

 

كذلك هناك جاليات كبيرة من المهاجرين تنتشر في بلدان الخليج  وبعض الدول العربية الأخرى، وفي آسيا وأفريقيا وأوربا الشرقية، لم يجر إدراجها ضمن القائمة أعلاه، لعدم توفر ما يمكن الإستناد اليه بخصوصها .

بصفة عامة، ينبغي قراءة أوضاع المهاجرين من نواح عديدة، أهمها ما يتعلق بالبعد الزمني، أي فئات الأجيال العمرية حسب تاريخ هجراتها، وتباعد الأزمنة التي فصلت بينها وبين العراق، وبالتالي مدى تأثيرهذا البعد على ترتيب أوضاعها في بلد المهجر، ومن هذه الحيثية، يمكن تصنيف الجاليات العراقية الى ثلاثة اجيال : جيل الستينات والسبيعينات، وهم بغالبيتهم العظمى من السياسيين والكفاءات العلمية والأكاديمية من مختلف الشرائح والمكونات  أن غالبية المهاجرين العراقيين تتكون من الكفاءات، حيث تعتبر فئة المهندسين والجامعيين والأطباء والمحامين والإقتصاديين والكتاب وسواهم، اوسع عدداً في بريطانيا من بقية الفئات -  نهى العيد " الجالية العراقية بين التزايد السريع وتكوين الهوية" المؤتمر الثاني للجالية العراقية – بريطانيا 1993)  أما عن الإنتماءات أو الميول السياسية،  فأن أكثرمنتسبي هذا الجيل، كان يحسب على تيارات قومية وليبرالية ويسارية إجمالاً، وممن تراوحت أعمارهم آنذاك، بين 25- 50عاماً جلّهم من الرجال، إجتذبت أوروبا  عموماً وبريطانيا بشكل خاص، الجزء الأكبرمنهم،  وهناك  حصلوا على جنسية البلد المعني  وما توفره من إمتيازات تضمن بدورها قدراً من الإستقرار، مما قد يجعل من الإهتمام بقضايا الوطن، تتراجع نسبياً الى مقامات أدنى في سلم الأولويات اليومية لديهم . 

 أما بالنسبة للجيل الذي تلاه في مرحلتي السبعينات والثمانينات، فقد إختلفت أمورهم  بتفاصيل مهمة، إذ حصلت عمليات تهجير جماعية كما اسلفنا، بعضها بدوافع ليست سياسية بالضرورة - اما من هو مسيس، فكان محسوباً على التيارات الإسلامية الشيعية كحزب الدعوة وغيره -  وقد شملت فئات عمرية متنوعة أناثاً وذكوراًعلى حدّ سواء - كذلك ضمت اسرى حرب الثمان سنوات التي قدرت بأكثر من 000،50 عراقي -،  هذه الهجرة تمركزت بمعظمها في إيران، والعدد الأكبر منها مازال هناك، أما الذين هاجروا لأسباب متعددة – سياسية،عمل، دراسة -- الخ–، وبشكل إفرادي أو بمجموعات صغيرة ودونما تمييز محدد، فقد إبتلعت بعضها المهاجر البعيدة وحصلوا  كذلك على إمتيازات وإستقراركالجيل الأول، فيمابقي بعضها الاخرفي مهاجرإقليمية لا توفر لهم في العادة أية ضمانات  .

الجيل الذي يبرز بصفته الأكثر قرباً وتاثيراً في الإنتخابات، هو جيل التسعينات وما بعدها وصولاً حتى 2003، فهذا الجيل قد حافظ على صلات إجتماعية وسياسية قوية في العراق، كما ان كتلته الأكبر مازالت متواجدة في دول الجوار – إيران، الأردن – سوريا – لبنان –تركيا – و من هاجر منهم الى بلدان بعيدة، ما زال الوضع في العراق يحظى لديه بإهتمام ملحوظ، شكلت الفئات العمرية الشابة التي  تراوحت أعمارها بين 18 – 40، النسبة الأكثرحضوراً والأوسع إنتشاراً بينهم، وفاقت نسبة الذكور فيها نسبة الإناث بشكل مطلق، كما غلبت على معظمهم، التوجهات الدينية عموماً والإسلامية الشيعية بشكل خاص، مع حضور لافت للكلدو آشوريين، أتجه أكثرهم نحو المهاجر البعيدة ( تؤكد مصادر الأحزاب الكلدو آشورية، أن هناك ما يقارب 000،450 مهاجركلدو آشوري، نسبتهم الأعلى في أوروبا وأمريكا ) وتعول الأحزاب المذكورة على مشاركتهم الكثيفة في عمليات الإقتراع في الخارج، لتثبيت حضورها في المعادلة العراقية  .

 

أجيال المهجر:

قصدنا بها تلك الأجيال التي ولدت ونشأت في المهاجر أساساً، وبالتالي فهي لا تكاد تعرف عن العراق الإ ما تسمعه من الأسرة أو ما ينقل عبر وسائل الإعلام . يتميز هذا الجيل بمواصفات في أنه من فئات عمرية لا تتجاوز الثلاثينات – ذكوراً وإناثاُ- وقد عاش أوضاعاً مستقرة إجمالاً، ونال قدراً من التعليم في مختلف المهارات والتخصصات، أما من ناحية إهتمامه بما يجري في العراق وبالتالي حساب مشاركته في الإنتخابات، فهي تختلف بين ساحة وأخرى،بإعتبار الظروف الخاصة التي يعيشها المهاجر في كل بلد وقدرته على الإندماج في بيئة المنشأ، وفي هذه النقطة يذهب الباحثون في موضوع الهجرة، أن المهاجرين لأسباب إقتصادية، هم أكثر إحتفاظاً بصلاتهم مع وطنهم الأم، لوجود روابط  اسروية تبقى قائمة، وزيارات شبه منتظمة، مع إدراك أن وجودها في بلد العمل، هو وجود آني بصفة عامة، عكس تلك المهاجرة أو المهجرة لأسباب سياسية أو ما شابه، التي عادة ما تنقطع بها سبل التواصل، ويطول بها الزمن من غير أمل محدد بالعودة، لذا تجد وسيلة للتعايش والإندماج مع حياتها في المهجر، وبالتالي يضعف لديها تدريجياً تركيز الإهتمام بقضايا الوطن .

 

ما مقدار تطابق تلك المقولة على اوضاع الجاليات العراقية ؟

 في دراسة مسحية أعّدها الباحث العراقي سعد الوائلي لصالح  بنك المعلومات العراقي، ونشرت عام 2001  في إصدار خاص تحت عنوان " الجيل العراقي في المهجر "، متخذا  من الجالية العراقية في أيران نموذجاً، تبين فيها أن 43 % هجرت قسراً، فيما 39% هاجرت لأسباب سياسية، وعن مقدار إجادتهم للغة العربية ( او العراقية الدارجة ) كشفت عينة البحث أن 69% يجيدون العربية بصورة جيدة، فيما 23 %  منهم يجيدونها بدرجة متوسطة، اما الذين يستطيعون القراءة والكتابة بالعربية، فبلغت نسبتهم 63%، كذلك فأن67% يتحدثون مع بعضهم بتلك اللغة بصورة دائمة، وفي مجال الشعوربالإنتماء الوطني والقومي، يعتز79% بعراقيتهم وعروبتهم ويفخرون بها، فيما 17 % لايفعلون ذلك، وعن الإهتمام بالقضايا السياسية، فتبلغ نسبتها بين الذكور 38%  وتنخفض بين الإناث الى 30%، كما تكشف تلك الدراسة أن 91% تعرف أسماء مناطقها في العراق و77% مازالت لديها صلات مع الأسرة والأقارب هناك، و ان 59 % يرغبون بالعودة الى العراق فيما 26 % يفضلون الهجرة الى بلد ثالث، ويفضل 74 % الزواج من عراقيات، فيما 17 % لا فرق لديهم - يعود ذلك الى مجموعة من الأسباب منها : القلق من عدم إنسجام الشريك الإيراني عند العودة الى العراق، وذلك للإختلاف والتمايز بين المجتمعين في العادات والتقاليد، وتعقيدات المسائل القانونية في كل من البلدين وغيرها - ( راجع : طالب الأحمد " الحياة الإجتماعية للعراقيين في المهجر " ) .

نستخلص مما تقدم جملة من الملاحظات يمكن إيراد بعضها على الشكل التالي :

1 : رغم المشتركات المعتقدية مع المجتمع الإيراني، فقد حافظت الجالية العراقية في ذلك البلد وبأجيالها المختلفة، على روابطها العشائرية والإجتماعية، كما على ثقافتها ولغتها وإنتماءاتها  الوطنية بنسبة كبيرة، وبالتالي لم ينقطع إهتمامها ومتابعتها لما يجري في العراق .

2 : أنهم جميعاُ من مكون طائفي واحد، وأن القوى السياسية التي تحتل مركز الصدارة في نشاطها بينهم، هي الأحزاب والتيارات الأسلامية  الشيعية خاصة، وأهمها حزب الدعوة والمجلس الأعلى والتيار الصدري – منذ الصدرالأب -  وتنظيمات اخرى بدرجة اقل، وهو ما يعني أن هذه الكتلة الكبيرة، قد تتبوء مركز الصدارة في كمية الأصوات الأنتخابية التي ستجد طريقها الى صناديق الإقتراع .

أما الجالية الثانية من حيث الحجم  والأهمية، فهي المتواجدة في بريطانيا، وتضمّ تنوعات واطيافاً سياسية وفكرية ومكونات طائفية وأثنية عديدة، انها تكاد تكون صورة مصغرة عن المجتمع العراقي في الداخل، وبشكل عام يمكن وصفها بأنها من أكثرالجاليات العراقية دينامية ونشاطاً على اكثر من صعيد، وهو ما يتوقع أن تحلّ ايضاَ في المرتبة الثانية من حيث المشاركة في الأنتخابات، بإعتبارأن الإتجاهات السياسية الغالبة بينها، هي من المؤيدة لقيام الديمقراطية في العراق .

كذلك يتوقع مشاركة ملحوظة للجاليات العراقية المنتشرة في البلدان الإسكندنافية و في كل من – المانيا، هولندا، بلجيكا - النمسا – التي تضمّ أعداداً معتبرة من العراقيين، وذلك للسهولة النسبية في الوصول الى مركزالإقتراع، فيما ستنخفض في كل من أمريكا وأستراليا وكندا، لتباعد المسافات وتبعثرالجالية في ولايات متفرقة.

أما بالنسبة للبلاد العربية، فا لأرجح ان المشاركة الأدنى ستكون من نصيب الجاليات المتواجدة في دول الخليج لقلة اعدادها، أما عن الجاليتين في الأردن وسوريا، فنظراً لنشاط القوى العراقية المتحفظة أو المناهضة للعملية السياسية  – وإن بشكل متفاوت بين قوى واخرى -  والاستقطابات الحادة هناك، فقد تؤدي تلك العوامل الى الحدّ من كثافة المشاركة التي ربما لا تتناسب نتائجها مع عدد العراقيين في البلدين، الا اذا حدثت تطورات لافتة تدفع الى العزوف أو الاقبال وهو ما لايتوقع حدوثه .

الخلاصة:

أن موضوع المهاجرين العراقيين، لا يبرز اليوم بصفته الحقوقية أوالدستورية التي تتيح لكل مواطن فرصة الإدلاء بصوته في الإنتخاب بإعتباره حقاً طبيعياً من حقوقه وحسب، بل في كونه موضوعاً له مدلولات سياسية يمكن إستثمارها من قبل البلدان المضيفة، في مسعى منها لخلق إمتدادات سكانية لها داخل العراق يمكن من خلالها ممارسة نوع من الوصاية او التأثير في الوضع العراقي مستقبلاً .

 يتجلى ذلك في أن بعض بلدان الجوار التي تتواجد فيها جاليات عراقية كبيرة، تحاول في خطابها تغليب وتضخيم الجانب المشترك مع هذا المكون العراقي أو ذاك، على حساب الهوية الوطنية العراقية ذاتها، لذا يلاحظ ان الدول المذكورة، قلما وجهت خطابهاً للعراقيين من دون تغليفه – وإن ضمناً – بمسوغات طائفية أو قومية تخدم توجهاتها الخاصة.

 لقد إرتفعت وتيرة هذا المنحى بشكل لافت مع إقتراب موعد الإنتخابات في العراق، التي تبدو وكأنها أحدثت فرزاً واضحاً جعلت بعض الأطراف الأقليمية تكشف عن أوراقها، لكن هذه الملاحظة تشمل الجانب السياسي بصفة عامة، ولا تعني ان تلك الدول تمارس التمييز بين العراقيين المتواجدين على أرضها، الا في حالات محدودة . 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1242 الاثنين 30/11/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم