صحيفة المثقف

مأساة جامع قرطبة

khadom shamhodلقد زرت مسجد قرطبة قبل اكثر من 15 سنة وعدت اليه مرة اخرى قبل عدة ايام ولم اكد اصدق ما يحدث عليه من تشويه وتخريب ومسخ ؟؟؟ وهذا التشويه منظم ويسير بهدوء وطول نفس .. وقد تركت الحكومة ذلك في زاوية الاهمال وسلمته الى السلطات الدينية كي تتعامل مع عمارة المسجد الجميلة بكل حرية وقساوة .. ويقول المؤرخ الدكتور عبد الله عنان (لقد اصيب تراث الاندلس الاثري على يد الامبراطور كارلوس الخامس 1500 بمحن جمة، فهو الذي جنى على جامع قرطبة بتصريحه باقامة الهيكل الكبير الذي اصاب الجامع بكثير من المسخ والتشويه ..)

 

بداية تحويل المسجد الى كنيسة:

ويذكر المؤرخون ان قس قرطبة الفنسو مانريكي طلب عام 1521 من الملك كارلوس الخامس ان يقيم كنيسة داخل المسجد فأذن له الامبراطور .. ولكن بعد ذلك لما زار الملك كارلوس قرطبة ودخل المسجد ابدى ندمه وسخطة على ما صرح به .. واحتج على اقامة الهيكل .. ويذكر انه قال: لقد بنيتم هنا ما كان يمكن بناؤه في اي مكان آخر وقد قضيتم على ما كان اثرا وحيدا في العالم ...

640-khadom2

وقد كان اقامة كنيسة وسط الجامع مثار نقد من قبل علماء الآثار والمستشرقين الغربيين والاسبان وغيرهم وقد وصف ذلك بعضهم (اشنع عمل همجي) ارتكب لتشويه المسجد .. وقد سمعنا اليوم 29/12/2014 ان الحزب الاشتراكي والحزب اليساري الاسبانيين واهالي قرطبة والاندلس قد احتجوا على هذه التصرفات الغير مسؤلة من قبل الحكومة وبعض رجال الدين المسيحيين المتعصبين .. والتي يراد منها مسخ حضارة الامة الاسبانية وتشويه تراثها الاندلسي الجميل الذي امتد الى اكثر من تسعمائة سنة .. نعم ان الاندلس سقطت سياسيا عام 1492 ولكن الامة الاسلامية بقت قائمة الى حد قانون الطرد عام 1609 . واستمرت الاحتجاجات منذ ذلك الوقت الى اليوم ولم تثني عزم الحكومة ورجال الدين المتعصبين من تحويل المسجد الى كنيسة عظمى .. ويبدو ان التطرف والتعصب وداعش والقاعدة ليس موجودا فقط عند المسلمين وانما ايضا عند بعض المسيحيين المتطرفين، حيث نجد اثر من آثار التعصب الكنسي القديم والعميق الذي طبع السياسة الاسبانية يومذاك خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، والذي قام بحملة مسح للآثار الاندلسية وعملية تنصير للمسلمين تعتبر اكبر عملية في التاريخ البشري ...

لقد شاهدت العمل جاري في تحويل السقوف الخشبية المزخرفة والملونة باجمل  الزخارف الهندسية والنباتية الى سقوف منحنية على الطراز الغوطي صماء بيضاء فارغة .. وقد ازيلت القباب المضيئة التي كانت في سقفه واصبح فضاء المسجد مظلما.. كما نشاهد العمل جاريا في بناء المصلاة داخل المسجد ونصب التماثيل والرسوم الدينية . وقد حجب هذا التغيير واجهات وزخارف وكتابات عربية واستبدلت برسوم رومانية وعناصر معمارية غوطية ومن عصر النهضة .. وشاهدت اسكلات عمل وحواجز خشب وقطع قماش كبيرة منصوبة داخل المسجد وسط الاعمدة تحجب النظر عن عمل التغير والتحويل المستمر . كما شاهدت ان الوجهات الخارجية للمسجد قد تركت واهملت واخذت نقوشها وكتاباتها العربية تتآكل وتتساقط وهو ما يشعر الانسان بالآلم والحزن لهذا التعمد في تركها وعدم ترميمها واصلاحها .. . والاكثر غرابة هو طبع منشورات سياحية مكتوب عليها - كاتدرائية قرطبة – وتحت هذا الاسم بخط صغير – المسجد القديم – بينما تجد في واجهات الشوارع والمقاهي والفنادق وبين اهل لغة المدينة عبارة - مسجد قرطبة- بالخط الكبيرو الابتسامة العريضة حتى ان بعض اغاني اهل الاندلس تردد اسم مسجد قرطبة La Mezquita –.. وهو ما يشير الى الاعتزاز بهذا التراث العظيم والاثر الجليل لاهل الاندلس من مسلمين ومسيحيين حيث تزدان به اسبانيا كلها ..

 

آثار عمارة المسجد على العالم :

640-khadom1يعتبر جامع قرطبة – استاذ – الجوامع ومرجعا جميلا لكل العمارة الاسلامية والاوربية حيث اقتنت منه العمارة الاسلامية والاوربية اشكال الاقواس المتراكبة والمفصصة والمتقاطعة و حدوة الحصان والقباب المضلعة والاعمدة الرشيقة والتيجان المزخرفة بانواع الزخارف النباتية والهندسية .. .. ويعد اعظم جامعة اوربية في العصر الوسيط .. ويذكر ان البابا سلفستر الثاني قد درس سابقا في جامع قرطبة مختلف العلوم والثقافة العربية كما ان كثير من علماء النصارى وابناء الملوك الاوربيين قد تثقفوا بالثقافة العربية وظهر منهم العلماء والشعراء والكتاب والمستعربين والمستشرقين كانوا قد درسوا في جامع قرطبة . وكانت قرطبة عاصمة اوربا .. ويذكر المقري في كتابه – نفح الطيب – ان في جامع قرطبة ثلاثمائة ونحو ستين طاقا –اي قوسا- على عدد ايام السنة وفي كل يوم تدخل الشمس طاقا ..

ولكن يحار البصر في تأمل عقوده واعمدته العديدة المتقاطعة التي لا تكاد العين تدرك نهايتها ... هذه الصفوف الممتدة من الاعمدة والعقود المزدوجة والملونة بالاحمر والاصفر الشاحب توحي بالطبيعة الحية تحت ظلال في لون الشفق بحيث تمثل غابة من النخيل ..

 

منظمة اليونسكوا:

منذ سنة 1882 اصبح المسجد ضمن التراث الوطني الاسباني وتحت رعاية وحماية الدولة . كما اصبح تحت رعاية منظمة الامم المتحدة – اليونسكو- للحفاظ على التراث الانساني بمعنى هناك مسؤولية اخلاقية ووطنية في الحفاظ على هذا الاثر الجليل والكبير من اي تغيير او تشوية او مسخ .. حيث انه يعكس فترة من فترات حضارية الامة الاسبانية ... ولكن مع الاسف يبدوا ان التعصب وفكر العصور المظلمة لازال عائشا في قلوب وعقول بعض الناس ....

 

د. كاظم شمهود

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم