صحيفة المثقف

جريمة قتل الثقافة: المسلمون والمسيحيون في الاصل مطبوعين بطابع الحب والود (ولتجدن اكثرهم مودة للذين آمنو الذين قالوا انا نصارى).. ما يحدث اليوم في مسجد قرطبة من تشويه وتحويل ومسخ وتحويله الى كنيسة يعد جريمة كبرى بحق التراث الانساني وتراث وهوية الامة الاسبانية . وكذلك يعد خرقا للقانون الدولي الذي تكفل بعدم المسساس والتخريب والتشويه للتراث والثقافة الانسانية وتبنت تلك الرعاية منظمة اليونسكو التابعة للامم المتحدة ...

قبل ايام خرجت الاحزاب الاشتراكية والشيوعية والوطنية الاسبانية واهل الاندلس بتصريحات على شاشات القنوات الفضائية تندد وتشجب التصرفات الغير مسؤلة والتعدي على تراث وثقافة وتاريخ الامة الاسبانية ... وكان للشعب الاسباني مواقف تاريخية طيبة ومشرفة يوم خرج مع احزابه التقدمية بمظاهرات مليونية عام 1991 منددا بالغزو الامريكي وحلفائه للعراق ..

دعونا ننظر الى عمارة المسجد وجمالها وروعتها التي ليس لها مثيل في العالم .. دعونا ننظر الى كونه مرجعا ومصدرا للدارسين والعلماء واهل الفن وومصدرا للالهام .. دعونا ان ننشد السلام من خلال الجمال الاخلاقي للمسجد الذي يرمي بضلاله على الامتين الاسلامية والمسيحية .. لقد ذهبت وولت قرون الاحقاد والثارات والتعصب، وتقاطعت اليوم الثقافات والدماء .. ارحموا تراثنا الانساني ولا تشوهوه وتحولوه الى انتقام للماضي السحيق المظلم .. يقولون ان الدولة العثماني قد حولت -آيا صوفيا- في اسطمبول الى مسجد عام 1453 وهم اليوم يتذرعون في ذلك ويسيرون على خطاهم في تحويل مسجد قرطبة الى كنيسة ؟؟؟ ... من قال ان الدولة العثمانية كانت قي عملها ذلك على صواب وحق وان عملها يعبر عن روح الاسلام وتسامحه مع الاديان الاخرى (لا اكراه في الدين)؟ الدولة العثمانية كانت دولة استعمارية عانا منها الشعب العربي صنوف التخلف والتحجر والى اليوم .؟؟؟ .. يضاف الى ذلك ان في – ايا صوفيا - لازالت الصور الدينية المسيحية محافظة عليها دون تلف او تخريب او تحريف وهي جداريات معمولة من الموزائيك وحسب الاسلوب البيزنطي .. ثم ان المسجد قد حول الى متحف منذ عام 1923 . ويستقبل آلاف الزوار من كل الطوائف .. .

ان ما يحدث اليوم في مسجد قرطبة هو جريمة وقتل للجمال والتراث والثقافة التي عاشت قرونا في هذا البلد والشعب الاسباني الجميل المعطاء ..

لقد زرت المسجد قبل ايام وشاهدت العمل جاريا على قدم وساق في تحويل العناصر المعمارية الاسلامية الى الاسلوب الغوطي والمسيحي .. واخذت انظر الى هذه السلسلة من الاعمدة والاقواس المتقاطعة والمتراكبة والملونة وكاني في غابة من النخيل والجنائن المغردة .. لقد اخذت تختفي شيئا فشيئا تحت ضربات الحقد والتعصب الاعمى وتهديم تراث الامة الاسلامية والمسيحية كما تفعل اليوم داعش والقاعدة في العراق وسوريا من تهديم وذبح للثقافة والتراث الانساني .. اليوم نشاهد قد رفعت كلمة - مسجد قرطبة- من المنشورات والكتب السياحية ووضعت بدلها – كاتدرائية قرطبة -

تاريخ المسجد

كان دخول العرب الى اسبانيا باتفاق مسبق بين اولاد الملك غيطشة وحاكم سبتة دون خوليان من جهة وبين طارق بن زياد وموسى بن نصير من جهة اخرى . وقد وضع خوليان سفنه في خدمة العرب لعبور مضيق جبل طارق عام 711 م .. وكانت اسبانيا تحت حكم الغوط الجرمان وملكهم لوذريق - رودريغو-Rodrigo الذي ابعد الملك السابق غيطشة عن الحكم (وقيل قتله) ثم استولى على حكم اسبانيا – (هسبانيا باللاتينية) -..

و عند دخول المسلمين قرطبة تقاسموا مع المسيحيين المكان لاداء الصلاة في كنيسة قرطبة القديمة .. ثم اتفق الطرفان على ان يشتري المسلمون الكنيسة ويعوضونهم ارضا واموالا لبناء كنيسة اخرى وهكذا تم برضاء الجميع .. ويذكر المؤرخون ان اول من اسس جامع قرطبة هما التابعيان حنش بن عبد الله الصنعاني وعبد الرحمن الحبلي .. وقد توليا تأسيسه بايديهما وقوما محرابه.. ثم دخل عبد الرحمن الداخل الاندلس عام 138هجرية / 756 م وبدأ بتوسيع المسجد الجامع .. واستمر بنائه وتوسيعه قرنين من الزمان صرفت عليه اموال الدوله برمتها حتى نهاية حكم المنصور بن ابي عامر-938 - 1002 ..

ولما سقطت قرطبة بيد الاسبان عام 1236 اقاموا في المسجد صلاة الشكر ووضعوا بعض الشعارات الدينية والصلبان وغيرها من ادوات القداسة .. وبقى المسجد على عمارته الاسلامية دون تغيير او تحوير او تشويه ما يقارب ثلاثمائة سنة حتى مجيئ الملك كارلوس الخامس .. قام كارلوس بحملة مسح ومسخ للآثار الاندلسية وارتكب جرائم حرب بحق الانسانية .. حيث طلب من البابا اعفائه عن القسم الذي تعهد فيه من عدم التعرض للمسلمين واليهود فوافق البابا على اعفائه .. وكارلوس الخامس 1500-1558 .كان والده فيليب الوسيم من اصل الماني وامه- اخوانا المجنونة- اسبانية الاصل بنت الملكين الكاثوليكيين فرناندو وايزابيل الاولى .. وقد تولى العرش وعمره 20 سنة ..

نتمنى ان تعي هذه الاحزاب والمنظمات المتطرفة الدينية والسياسية الى ما تفعله من خطورة على التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين والتي امتزجت دمائهم منذ قرون .. نتمنى من المنظمات الدولبة، كمنظمة اليونسكو والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي ومنظمات حقوق الانسان وغيرها من ان تأخذ دورها الفعال والجاد في ايقاف تهديم ومسخ مسجد قرطبة وانقاذه من الانقراض . فقد كان جامعة ومنارا ورمزا للعلم والثقافة الاوربية والعربية وهو الاثر الوحيد في العالم الذي ليس له مثيل ..