صحيفة المثقف

لو أُغْلِق المسار التفاوضي بين واشنطن وطهران!

jawad albashiانهيارٌ مفاجئٌ للمفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، يبقى احتمالاً وارداً، وإنْ بدا الآن ضئيل الواقعية؛ فالطرفان لهما مصلحة واضحة جليَّة في أنْ يبذلا وسعهما لاجتناب هذا "الشَّر السياسي (الاستراتيجي)"؛ لكن، دَعونا نفترِض أنَّ هذا الانهيار قد وَقَع، وأنَّ المسار التفاوضي (الذي سارا فيه زمناً طويلاً) قد اُقْفِل نهائياً؛ فما الذي يمكن أنْ يَقَع ويَحْدُث في "اليوم التالي"؟

الكونغرس الجمهوري ونتنياهو سيكونان في مُقدَّم المحتفلين والمبتهجين بهذا "الانهيار"؛ فالجمهوريون يَبْدون متمسكين باستمرار (وتشديد) العقوبات على إيران حتى يتحقَّق "الهدف النهائي (غير المُعْلَن)"، والذي لا يَمُتُّ بصلةٍ إلى "تدجين" برنامجها النووي، ونَزْع "الوحشية" الكامنة فيه، على ما يرون؛ أمَّا نتيناهو، الذي لن يذهب منفرداً إلى الحرب لتدمير البُنْيَة التحتية لبرنامج طهران النووي، مع مواقع ومنشآت إيرانية استراتيجية أخرى، فسوف يَدْفَع في اتِّجاه اختصار وتقصير المسافة بين تشديد العقوبات على إيران وبين توريط الولايات المتحدة (مع غيرها) في حربٍ على هذه القوَّة الإقليمية الصاعدة.

إيران، والتي لن تتصرَّف بما يَدْفَع الولايات المتحدة، ويضطَّرها، إلى شَنِّ حرب عليها، ستُقرِّر في "اليوم التالي" المضي قُدُماً، وفي حرية من كل قَيْد، في برنامجها النووي، مؤكِّدةً، في الوقت نفسه، أنَّها ما زالت ملتزمة "عدم صُنْع سلاح نووي". ومع ذلك، ستحرص إيران على أنْ تتصرَّف نووياً بما يرفع منسوب قلق خصومها من هذا البرنامج، ومن النِّيَّات الكامنة فيه؛ لعلَّ الولايات المتحدة تستشعر أهمية وضرورة العودة إلى المسار التفاوضي، مُبْديةً، هذه المرَّة، مزيداً من المرونة.

وفي موازاة ذلك، ستلعب طهران (وبشيء من الحذر والتَّروي) بعضاً من "أوراقها الإقليمية"، التي تتوقَّع أنْ يكسبها لعبها مزيداً من القوَّة التفاوضية في خصومتها الجديدة مع واشنطن، التي ستُدْرِك، عندئذٍ، وعلى ما تتوقَّع طهران، أنَّ لها مصلحة حيوية في التعاون معها؛ وستَلْعَب طهران بعض أوراقها تلك في العراق وسورية، وهما مسرح حرب الولايات المتحدة، وحلفائها، على "داعش"، وفي اليمن، وفي أماكن أخرى في الجوار الإقليمي لإيران. وتتوقَّع طهران، في الوقت نفسه، أنْ يَلْقى حراكها الإقليمي الجديد سَنَدَاً له، ولو مستتراً بعض الشيء، في موسكو المتضرِّرة هي أيضاً، وكثيراً، من العقوبات الغربية، ومن انهيار سعر برميل النفط، والذي يفهمه الكرملين على أنَّه جزء من تلك العقوبات.

هذا السلوك الإيراني، والذي سيتزامَن مع استمرار وتشديد العقوبات الغربية على إيران، ومع مزيدٍ من الانهيار في سعر برميل النفط، لن ينزل برداً وسلاماً على واشنطن، بمصالحها وأهدافها الاستراتيجية في الشرق الأوسط؛ وقد يتمخَّض بنتائج (تريدها أو لا تريدها طهران) يمكن أنْ تعتدها واشنطن أسباباً وجيهة لشن الحرب عليها؛ فإذا وَقَعَت الحرب، تصرَّفَت إيران، عندئذٍ، بصفة كونها المعتدى عليه؛ وما زال عَجْز الولايات المتحدة عن توقُّع أشكال وصُوَر "الرَّد الإيراني"، مع تخوُّفها من احتمال أنْ تَجِد نفسها عاجزة عن مواجهة هذا "الرَّد"، هو السبب الذي يحمل إدارة الرئيس أوباما على التَّصَرُّف بما يمنع نزاعها مع طهران، ومهما اشتد وعَنُف، من أنْ يتمخَّض عن حربٍ، المعلوم من نتائجها وعواقبها قطرة في بحر المجهول.

ومع أنَّ طهران ستحرص كل الحرص على التَّصَرُّف، بعد انهيار المفاوضات، بما يمنع اشتداد نزاعها مع واشنطن من التمخُّض عن حرب، فإنَّ تَعاظُم الانهيار في سعر برميل النفط قد يُرْغمها على أنْ تسلك سلوكاً محفوفاً بالمخاطِر، وما كانت ترغب فيه (وفي نتائجه وعواقبه) من قبل؛ فالإيرانيون لن يستطيعوا تَحَمُّل عواقب أنْ يبلغ الانهيار في سعر برميل النفط حَدَّ البيع بما يعدل كلفة الإنتاج، أو يقل عنها.

طهران (مع موسكو) تَفْهَم هذا "الانهيار" على أنَّه نسخة جديدة من "حرب الضَّخ حتى الموت"؛ وهي حرب تصيب مقتلاً من كل اقتصاد يعتمد اعتماداً أساسياً على تصدير النفط؛ وقد يتأتَّى الحل لمشكلة "تَعَاظُم الانهيار في سعر برميل النفط" من "مَنْع" الصادرات النفطية من المرور بمضيقيِّ هرمز وباب المندب؛ وهذا "المنع"، أكان كلياً أم جزئياً، سيرفع، حتماً، سعر برميل النفط؛ وإيران تستطيع بغير طريقة خَوْض تجربة هذا "الحل".

وينبغي لنا ألاَّ نستبعد احتمال ظهور "داعش نفطي" في مضيقيِّ هرمز وباب المندب، فيَضْرِب بما يتسبَّب بأزمة إمدادات نفطية عالمية؛ و"داعش النفطي" هذا يمكن أنْ يَضْرِب، أيضاً، في الحقول والمنشآت وشبكات الأنابيب النفطية، فنرى، من ثمَّ، حرباً على "حرب الضخ حتى الموت"!

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم