صحيفة المثقف

قراءة نقدية في النظرة الاسلاموية لدى الكاتب المصري وحيد راغب

reebar habonفي استعراضنا لمقال للكاتب المصري (وحيد راغب) والذي بعنوان (القانون الطبيعي والطبيعة الفردية أو الخلق) يمكننا أن ندخل في سياق رؤية تأملية تحليلية حول نقد نظرته وبيان محتواها، ولعل كل كتابة متحيزة وقابلة للنقد وفق ذلك، وطريقة النقد تعتمد على مدى قرب أو بعد أي مقال من الموضوعية العلمية، وفي تناولنا لنظريته الدينية هنا نكتشف النظرة القطعية في بداية قراءتنا لمقاله، دون أن يقدم ممهدات تدخله لعرض النتيجة بعد تقصِّ وكعادة كل نظرة دينية شمولية فإنها تنتقد ما سبقتها من أديان، لتبني بذلك   نظرتها كبديل تام، لا جدال فيه، فمفهوم -التحريف والضلال، مفهومان دينيان تصفويان غرضهما هدم نظرة وإنشاء البديل عنها ولا شك أن تلك النظرة تدخل في خدمة النظام السلطوي المؤسس على تلك النظرة الشمولية التي كرست لما يسمى  

:بظاهرة الإسلام السياسي:يقول الكاتب وحيد راغب هنا

وهنا مفارقة يعرفها الغرب، بعيداً عن التعصب المقيت، ويعرفها الشرق كذلك، أن ما سبق الإسلام من ديانات، أصابتها يد التحريف البشرية للأغراض والأهواء، وحب الجاه والسلطان والعظمة والكبرياء والعروش الذائقة، ومن ثم كانت ظلمات العضور الوسطى، فتحكمت الكنيسة في السلطة الدينية، بل تدخلت الغيبيات، إنها تدخل الجنان، وتعفو عن أهل الخطيئة من دون الله، صك الغفران وظل الله على الأرض، ولعله هنا يجسد الإسلام السياسي في نظرته اٌلإقصائية،تلك النظرة الممتزجة بالبعد الإيديولوجي القومي المرتبط بقوموية الدين والتصور السلطوي الإسلامي في النظرة العدائية للغرب وكذلك التوصيف الضيق للديمقراطية، وكأن مفهوم الفردية لم يكن موجوداً ومكرساً قبل الإسلام،ولعلنا نستطيع أن نوغل في التاريخ ما قبل الأديان الابراهيمية الثلاث، لنرى أن الأساطير اليونانية والإغريقية والرومانية قد رعت مفهوم الفردية لأجل استخدامها وسيلة ناجعة لرفعة الإمبراطوريات وتوسيع رقعتها، فمفهوم الفردية مكرس لحماية الطبقات الحاكمة، حيث أننا نجد العديد من الشخصيات الأسطورية التي ذكرتها لنا الملاحم مثل : القديسة كاثرين، وشخصية هرقل اليوناني، وبروميثيوس وكلكامش، وأنكيدو، وسبارتكوس، رمز ثورة العبيد أيام الأمبراطورية الرومانية، وأسطورة الملك البريطاني آرثر، وغير ذلك من الرموز التي رسخت عظمة الفرد ودوره في تغيير أقدار الشعوب ..والممالك نحو الأفضل

ونرى الكاتب وحيد راغب ينقل لنا أمثلة هنا وهناك من وقائع وحوادث معاصرة لإجل إدانة الغرب متناسياً محاكم التفتيش الإسلامية ودورها في محاربة المعرفيين من أمثال: ابن المقفع، ولسان الدين بن الخطيب، وابن رشد، وبشار بن برد، وغيرهم، وقتلت الكثير تارة باسم حروب الردة، وتارة آخرى نعتتهم بالشعوبيين، وهذا شأن كل دين أو سلطة حاكمة مهما كان شكلها عبر التاريخ غرباً كانوا أم عرباً حين تحول السلطات الحاكمة الدين أو القضية القومية مطية ناجعة بيدها ويد أرباب المال، كونها وسيلة ناجعة للإستمرار في الحكم وزيادة النفوذ فمذهب خلط الأوراق بعضها ببعض، مذهب الساسة المسترقِّين ومن والاهم من منظري الأديان لصالح مكوثهم وانتصاراً لهم، فالكاتب وحيد راغب يذكر لنا أمثلة وشواهد وأمكنة مثل سجن ابو غريب دلالة على فظاعة الأمريكيين وعن ديكتاتورية النازي هتلر، وتعميم ذلك على الغرب برمته، والتعميم مقياس خاطئ بامتياز يفقد كل معالجة موضوعية صوابها ومصداقيتها، إلى حيث تستلزم تأنياً وحذراً تفادياً لأي مغالطة ولبس جارح وباطش، متناسياً أن في التاريخ الإسلامي شخصيات ديكتاتورية من أمثال عمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق ..وأبو جعفر المنضور، وأبو العباس السفاح،ويزيد بن معاوية، وغيرهم

ولعل ذلك طبيعي في ظل طبيعة المجتمع السائدة حينذاك والتي ذكرتنا بمقولة ونستون تشرشل حين قال كل شعب في العالم، ينال الحكومة التي يستحقها ولعل هذه العقلية الإقصائية التي نشهدها اليوم في عالمنا العربي هو امتداد لما سبق إنه يروج ويسوق لبضاعة التصور الإسلاموي القوموي وليس قراءة موضوعية تحليلة تحاول إخراج شيء حقيقي ومؤثر ونرى الكاتب وحيد راغب بعد تدبر وعبوس وتأمل يفصح عن نتيجة مفادها أن كلام أهل الجنة :عربي حيث يقول هنا (فاللغة العربية من أهم لغات العالم، وهي لغة القرآن ولغة أهل الجنة)

فيا عجباً من مآل ذلك وليس غريباً أن يقول هذا فلطالما قال المتنبي

وإنما الأمم بالملوك وما ،،،تفلح عربٌ ملوكها عجمُ

لأن الشوفينية تعمي البصائر، والنزعة القومية المغلفة بصبغة سياسية دينية، إنما هي خير تعبير عن ركوب

-الشعوب ودوام خضوعها باسم السيادة الدينية العروبية فلا يعقل أن يقول الله -وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا

ومن ثم يأتي وحيد راغب وما سلفه ليقول أن كلام أهل الجنة عربي ناسفاً ولاغياً حالة التنوع التي أوجدها الخالق وفق الآية المذكورة والتي تحض على التنوع

ولا شك أن كل نظرية لابد وان مخرجها ومنشأها قد أسبغ عليها بزخرف الكلام وجميله حتى كانت تعابيراً سمحاء ونبيلة، بيد أن حقيقة الحياة السياسية والنظم الحاكمة قالت دائماً ووبواقعية أن ما من عالم مثالي

فالأديان (السياسية) وتوابعها النظريات الشمولية التي ارتدت زي العلمانية مجَّدت الحاكمين على مر التاريخ وأفرزت الكوارث والمحن وقد أفسدت الدين الذي في مضمونه السمح النقي يتلخص في علاقة الإنسان بموجده(الله)

ولاشك أن الشوفينية التي تصل بنا لتأويل الدين وفقاً للنظرة القومية العرقية وقول ان كلام أهل الجنة كلام عربي، يقودنا نحو الذرائع التي أعطت وجودية وأحقية لقيام الحركات الدينية المتشددة ومهدت أرضية لتمددها في أوساط العقول التي تعيش في الماضي المتصحر، ولعل هذا هو إفراز للإسلام السياسي الذي له مقومات وجودية لدى أغلب المنظرين الإسلاميين ممن يصفون أنفسهم بالمعتدلين مدعين أنهم على طرفي نقيض من داعش وأخواتها

فمن الاستحالة تطبيق الدستور الديني على الفئات اللادينية، حينما نصفها بالمضطربة نفسياً والمريضة، حين :يقول وحيد راغب واصفاً لها نتيجة التربية الخطأ أو الكبت، أو سوء معاملة الآباء أو جنوح المجتمع لعدم تقبٌّله في نسيجه، فالأمور لديه مشوشة والأفكار مختلطة، وتخيلاته مرضية، فهو نمى بقوة داخله رفض كل شيء، فهو صفحة لتقبُّل من يأويه ولو بالباطل تحت جناحيه

فهو يصف اللاديني بأنه شخص مريض وعديم تربية أو يعاني من الكبت بالتشوش والاضطراب فمصيره وفق الدستور الذي يرتأي له القتل لأن تهمته جاهزة وهي الإرتداد عن الدين

فكيف يمكن لدستور ديني أن يكون عادلاً وهو يفرض نفسه على كل الشعوب المتنوعة والتي يراها عربية إذ دخلت الجنة، وكأنه ذهب للجنة فعاد منها مؤكداً أن كلام أهلها باللغة العربية، وهو يحارب الديمقراطية ولا يراها سوى بدعة أوروبية؟!!!؟

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم